ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسم الکتاب: ……………………………………………………………………….القواعد والفروق
المؤلف: ……………………………………………….. آیة الله محمّد باقر الفاضلی البهسودی
تحقیق و تصحیح: …………… لجنة التحقیق لمرکز الدراسات وبحوث العلوم الإسلامیة
الناشر:…………………………………………………………………………………………. أثر القلم
الطبعة: ……………………………………………………………………………………………. الثالثة
المطبعة: ………………………………………………………………………………………….إحسان
تاریخ الطبع: ……………………………………………………………………………… 1444هـ.ق
الکمیة: ………………………………………………………………………………………500 نسخة
رقم الشابک:……………………………………………………..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمیع الحقوق محفوظة
لمرکز الدراسات و بحوث العلوم الإسلامیة
سماحة آیة الله محمّد باقر الفاضلی البهسودی
تحقیق و تصحیح:
لجنة التحقیق لمرکز الدراسات وبحوث العلوم الإسلامیة
1444 هـ .ق
محققین/ مصححین:
محمد(زکی) احمدی⬥احمد اخلاقی⬥محمدرضا امینی
حسین زاهدی⬥حبیبالله صالحی(روحانی) ⬥محمدحسن فصیحی
تقریظ سماحة آیة اللّه العظمی المحقق الکابلی(ره)
مقدمة المرکز
بعد الحمد والشکر لله تعالی عظم شأنه، والصلوة والسلام علی أشرف أنبیائه محمد وأوصیائه سلام الله علیهم أجمعین، نستعین بالله، فنقول:
إنّ العلوم الاسلامیة شاملة للمفاهیم والقواعد الغامضة، وإن كانت معانیها و مدلولاتها عند أهل العلم واضحةً، ولکن فهم دلالتها وتمایزها عند المبتدئین مشکلٌ. من أجل ذلك، مسّت الحاجة إلى تدوین الکتب التی تحتوی شرح المصطلحات والقواعد لتسهیل فهم المطالب العلمیّة بكل سهولةٍ. وهذه المحاولات أدّت إلی تصنیف الآثار الفاخرة خاصّةً فی علمی الفقه و الأُصول؛ لسعة مباحثهما.
أمّا بعد؛ هذ الکتاب (المسمّی بالقواعد والفروق)، ألّفه سماحة الشیخ آیة الله العظمی محمد باقر الفاضلی البهسودی(مدظله)، یتضمّن زبدة القواعد وفروقها فی علوم الأربعة (الفقه، والأصول، والفلسفة والمنطق)، طبع مرّتین قبل سنوات، واستقبل طلاب العلوم الدینیّة من نسخة الأولی والثانیّة، وکثر إقبال العلماء علی الخصوص المشتغلین بالسطوح والمبتدئین، لمطالبة هذا الکتاب، فصار الکتاب فی مدة قلیلة، قلیل الوجود، بل عدیم الوجود ولأجل هذا، عدّةٌ من طلاب العلوم الدینیّة، والجامعة الإسلامیّة طلبوا من المؤلّف العزیز، طبع هذا الکتاب جدیداً، وأجاب الأستاذ (دام ظلّه)، فأمر مرکز الدراسات و بحوث العلوم الإسلامیّة(تحت إشرافه) بأمور.
أولاً: تخریج الکتاب، وتحقیقه وتهذیبه.
ثانیاً: إعرابه وترقیمه وتکمیل مصادره.
ثالثا: طبع الکتاب علی أسلوب جدیدة علی نحو یناسب للتدریس فی الحوزة العلمیّة، والجامعة الإسلامیّة.
فقام أعضاء مرکز الدراسات وبحوث العلوم الإسلامیّة بهذه المهمّة. فاقدموا للتخریج والتصحیح وصرفوا سعیهم الوافرة، حتی تهیّئوا الکتاب للطبع علی أصول الفنّیّة والمعیارات الجدیدة.
ونرجو من العلماء والطلاب والمحصلین العزیز أن یتوجّهوا بأمور التالیّة:
الأوّل: بذل الباحثون فی مرکز الدراسات و بحوث العلوم الاسلامیّة فی ظلّ عنایة الله تبارک وتعالی جهدهم فی تصحیح الأخطاء بعد المقابلة بالطبع الأولی والثانیّة، ولذلک، کانت لهذا الطبع مزایا کثیرة علی الطبایع السابقة.
الثانی: صار الإعتناء الوافر بوضع علامات الترقیم موضعها بالدقّة وإعراب بعض الکلمات، صوناً عن إشتباه محتمل عند القرائة وتسهیلاً لفهم المراد.
الثالث: تخریج الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة وإرجاع ماذکره المؤلّف (دام ظلّه) من الأقوال إلی مصادرها الأصلیّة.
الرابع: لهذا الکتاب فوائد جمّةٌ وقیمةٌ ثمینةٌ.
فمن أجل هذا، نوصّی قرائته لجمیع طلاب العلوم الدینیّة وخاصّة للمبتدئین والمشتغلین بالسطوح العالیّة.
السادس: إذا وجدتم فی هذا الکتاب، أغلاط الألفاظ، وإشتباه المفاهیم فامنون علینا واهدوا إلینا تذکارکم ونحن نشکر من ألطافکم الهادیّة.
نشکر من لجنة التحقیق لمرکز دراسات و بحوث العلوم الإسلامیّة، وفی الختام نسأل من الله تبارک وتعالی التوفیق وطول العمر مع الصحّة والعافیّة لمرجع الدینی سماحةآیة الله العظمی محمّد باقر الفاضلی البهسودی.
مرکز الدراسات وبحوث العلوم الإسلامیّة
رمضان المبارک 1444 هجری قمری
مقدمة المٌؤلِّف
الحمد لله رب العالمین والصّلاة والسّلام على خاتم النّبیین محمد صلی الله علیه وآله الطّاهرین.
امّا بعد فیقول المفتقر إلی رحمة ربّه الغنی محمّد باقر بن المرحوم حجة الاسلام الحاج ناظر حسین الفاضلی الكوهبیرونی(ره)، هذا بعض ما استفدته فی خلال تحصیلی فی الحوزات العلمیّة النّجف الأشرف، کابل، مشهد المقدس، وقم المقدسة من كلمات الأعلام؛ والتقطته من کتب قیّمة للأعاظم الخراریت فی هذه الفنون أو سنح فی بالی الفاطر، وسمیته «بالقواعد والفروق»؛ لمّا فیه من القواعد والنكات والإشارات والفروق بین العناوین والاصطلاحات التی لا یغنی عنها كلّ من المبتدی والمنتهى، فالمرجو من أهل الفضل والفضیلة أن ینظروا إلیها بعین العطف والإنصاف لابعین الرّد والاعتساف. وإن كان فیها نقصٌ أو زللٌ، فذلك من قلّة البضاعة وقصور الباع للمؤلِّف، فنرجوا من الله تعالی أن یوفقنا بالعلم والعمل وأن یجعل خواتم أمورنا خیراً، إنّه نعم المولى ونعم النّصیر وما توفیقی الّا بالله علیه توكلت وإلیه أنیب.
1423 هجری قمری
الحوزة العلمیة بقم المقدسة
1
حول المباحث الأصولیة
فضیلة العلم
وإن كان فضیلة العلم أمراً ضروریاً، بدیهیاً یدرك كل عاقل، غیر أنا نذكر على سبیل التبرك والتیمن من الكتاب والسنة ما ورد فیها.
أما الكتاب، فقد أشیر إلی ذلك فی مواضع منه:
الأوّل: قوله تعالی: ﴿یرْفَعِ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا مِنْكُمْ والذینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبیرٌ﴾[1].
الثانی: قوله تعالی: ﴿هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ والذینَ لا یعْلَمُونَ إِنَّما یتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾[2].
الثالث: قوله تعالی: ﴿اقْرَأْ ورَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإنسان ما لَمْ یعْلَمْ﴾[3].
وأمّا السّنة، فهی كثیرة لا تكاد تحصى، فمنها:
1. ما عن الباقر، قال: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِیحٌ، والبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعَلُّمَهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأهلهِ قُرْبَةٌ، والعِلْمُ ثِمَارُ الْجَنَّةِ، وَاُنْسٌ فِی الْوَحْشَةِ، وَصَاحِبٌ فِی الْغُرْبَةِ، وَرَفِیقٌ فِی الْخَلْوَةِ، وَدَلِیلٌ عَلَى السَّرَّاءِ، وَعَوْنٌ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَدِینٌ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ، وَسِلَاحٌ عِنْدَ الْأَعْدَاءِ، یرْفَعُ اللَّهُ بِهِ قَوْماً؛ فَیجْعَلُهُمْ فِی الْخَیرِ سَادَةً، وَلِلنَّاسِ أَئِمَّةً یقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ، وَیقْتَصُآثَارُهُمْ، وَیصَلِّی عَلَیهِمْ كُلُّ رَطْبٍ وَیابِسٍ وَحِیتَانُ الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ وَسِبَاعُ الْبَرِّ وَأَنْعَامُه»[4].
2. وعن الصادق :«وَأَكْثَرُ النَّاسِ قِیمَةً أَكْثَرُهُمْ عِلْماً وَأَقَلُ النَّاسِ قِیمَةً أَقَلُّهُمْ عِلْما».[5]
3. وعن علىّ قال: «قِیمَةُ كُلِ أمرئٍ مَا یحْسِنُه»[6].
4. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَجْوَدِ الْأَجْوَادٍ، قَالُوا: بَلَى یا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: أَجْوَدُ الْأَجْوَادِ اللَّهُ، وَأَنَا أَجْوَدُ بَنِی آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ بَعْدِی رَجُلٌ عَلِمَ بَعْدِی عِلْماً، فَنَشَرَهُ وَیبْعَثُ یوْمَ الْقِیامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً»[7].
قیل: العِلمُ ثلاثةُ أشبارٍ: مَنْ دَخَلَ فی الشّبر الأوّل تَكَبَّرَ، وَمَن دَخَلَ فی الشّبر الثانی تَواضَعَ، وَمَنْ دَخَلَ فی الشّبر الثّالثِ یعلَمُ أنّه لا یعلَمُ شیئاً[8].
المراد من العلم
العِلم؛ مصدر عَلِمَ، یعلَمُ، بمعنى الیقین الذی لا یدخله الإحتمال، وكثیراً ما یطلق على الإعتقاد الراجح، سواء كان یقیناً أو ظناًّ، ویجئ بمعنى المعرفة، كما جائت بمعناه، لإشتراكهما لكون كل منهما مسبوقاً بالجهل، وإذا كان العلم بمعنى الیقین تعدّى إلی المفعولین، وإذا كان بمعنى المعرفة تعدّىٰ إلی واحدٍ، واستعمال العلم بمعنى المعلوم شائعٌ وواقعٌ فی الأحادیث، كقوله: «تَعَلَّمُوا الْعِلْم»[9]، أی المعلوم. والمعنى الحقیقى للفظ العلم هو الإدراك. وسائر المعانی: إمّا حقیقة عرفیة أو إصطلاحیة أو مجازٌ مشهور، فالعلم لإدراك الکلّی أو المركب والمعرفة لإدراك الجزئی أو البسیط.
العلم المطلق عندهم، أی سواء كان حضوریاً أو حصولیاً، مطلق صورة الحاضرة عند المدرك، سواء كانت نفس المعلوم، كما فی الحضوری أو غیره ولو بالإعتبار، كما فی الحصولی.
العلم الذی هو مقسم التصوّر والتّصدیق: العلم الفكرى دون الشهودی الحضوری الذی هو عین المعلوم الخارجی لاصورته ونقشه، كعلم المجرد بذاته أو بمعلوله، كعلم الحق تعالی بمعلوماته التی هی شؤناته وأطواره وأظلاله وآیاته.
ولأجل اختلاف العلماء فی مقولة العلم، ذكروا للعلم تعریفات شتّی: والمشهور: أنّه من مقولة الكیف، وعرّفوه: «الصورة الحاصلة من الشیء عند العقل»[10]. الصورة، بمعنى حقیقة كل شیء لا الصورة بمعناها الشكل الهندسی؛ لأنّ المعقولات المفارقة والحقائق العلمیة المرسلة المطلقة صور لیست بمادیة ذوات أشکال.
وقال بعض: اِنّه من مقولة الإضافة، كالفخر الرّازی صرّح فی شرحه على الفصل السّابع من النمط الثالث من الإشارات فی البحث عن الإدراك: «بأنّ العلم عرض من مقولة الإضافة»، وعرّفوا العلم بأنّه: «حصول صورة الشیء فی العقل»[11].
وقال فخر الرازی فی كتابه «المطالب العالیة»: العلم والإدراك عبارة عن: مجرد نسبة مخصوصة وإضافة مخصوصة[12]. وذكر أنّه قول قد ذهب إلیه جمع عظیم من الحكماء والمتكلمین وهو المختار عندنا وهو الحق.
وذهب جماعة إلی أنّه من مقولة الانفعال، کخواجة نصیر الدّین الطّوسی فی شرح «رسالة مسئلة العلم» وعرّفوا بأنّه: «قبول النّفس تلك الصّورة»[13].
مقولة العلم
كما ذكرنا: اختلف العلماء فی مقولة العلم بأنّه من مقولة الكیف: «الكیف هو عرض لا یقبل القسمة والنّسبة لذاته»[14]. فیخرج بالعرض الواجب لذاته والجوهر، وبقید عدم قبول القسمة الكم، وبقید عدم قبول النسبة المقولات السبع النسبیة، ویدخل بقید «لذاته» ما یعرضه قسمة أو نسبة بالعرض أو من مقولة الإضافة: «الإضافة هیئة حاصلة من نسبة الشیء إلی شیئ آخر»، منسوبٌ إلی الشیء الأوّل المنسوب إلیه، كهیئة الإضافة التی فی الأخ، فإنّ فیها نسبة الأخ بالاخوّة إلی أخیه المنسوب إلی هذا الأخ المنسوب إلیه بالأخوّة.
أو من مقولة الانفعال: الانفعال هو الهیأة الحاصلة من تأثّر المتأثِّر مادام یتأثّر[15]. کهیأة الحاصلة من تسخّن المتسخِّن مادام یتسخّن.
تقسیم مطلق العلم
إنّ حصول المعلوم للعالم إمّا بماهیته أو بوجوده.
والأوّل: هو العلم الحصولى، والثّانی: هو العلم الحضوری، وبعبارة أخرى: أنّ لنا علماً بالأمور الخارجة عنّا فی الجملة، بمعنى أنّها تحصل لنا وتحضر عندنا بماهیاتها، لا بوجوداتها الخارجیة التی تترتّب علیها الآثار، فهذا قسم من العلم یسمّى علماً حصولیاً. ومن العلم: علمنا بذواتنا إنّما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجی الذی هو ملاك الشخصیة وترتّب الآثار ویسمّى العلم الحضوری.
تعریف العلم الحصولی والحضوری
إنّ الحصولی: هو حضور صورة المعلوم لدى العالم.
والحضوری: هو حضور نفس المعلوم لدى العالم، كعلم الله تعالی بنفسه ومخلوقاته، وكعلم النّفس بذاتها وبصفاتها القائمة بذاتها وبأفعالها.
الفرق بین العلم الحصولى والحضوری
١- إنّ الحصولى هو حضور صورة المعلوم لدى العالم، والحضوری هو حضور نفس المعلوم لدى العالم.
۲- إنّ المعلوم بالعلم الحصولى وجوده العلمی غیر وجوده العینی، لأنّ الصورة غیر ذی الصّورة وأنّ المعلوم بالعلم الحضوری وجوده العلمی عین وجوده العینی[16].
٣- إنّ الحصولى هو الذی ینقسم إلی التّصور والتّصدیق، والحضوری لا ینقسم إلی التّصور والتّصدیق.
الفرق بین العلم والعلمی
المراد من العلم، هوالقطع والجزم، والعلمی هوالظن الخاص الذی قام على حجیته الدلیل، كخبر الواحد والظواهر من الكتاب والسنّة والإجماع وبناء العقلاء[17]. ومن المعلوم قطعاً الذی لا یعتریه الریب استقرار بناء العقلاء طراً واتّفاق سیرتهم العملیة على إختلاف مشاربهم وأذواقهم، على الأخذ بخبر من یثقون بقوله ویطمئنون إلی صدقه ویأمنون كذبه. وكذلك، أخذهم بظواهر الكلام وظواهر الأفعال.
الفرق بین العلم التفصیلی والإجمالی
إذا كان متعلّق العلم معیناً من حیث الموضوع أوالحكم، یسمّى العلم تفصیلیاً وإلّا یكون مجملاً.
ولا فرق بینهما فی علّیة كل منهما للتّنجیز إذا كان المعلوم فعلیاً من جمیع الجهات (من إرادة المولى وکراهته وجهة الملاك).
وأما إذا لم یكن فعلیاً كذلك، فیحصل الفرق بین العلمین، ضرورة أنّ الفعلى بمرتبة الأوّلى یتنّجز إذا علم به تفصیلاً، ولا تبقى مجال للإذن فی مخالفته، لعدم بقاء موضوع للحكم الظاهری – وهوالشّك فی الحكم الواقعی- لانکشافه حسب الفرض[18].
وأما إذا علم به إجمالاً، فرتبة الحكم الظّاهری محفوظة معه، للشّك فی وجود التكلیف فی كل واحد من الأطراف، وبه یتحقّق موضوع الأصل النّافی، فیجری بلا مانع.
وبالجملة: فالتفاوت فی ناحیة المعلوم لا فی ناحیة العلم.
أقسام القطع
ینقسم القطع أولاً: إلی الطّریقى والموضوعی، لأنّ القطع قد یكون طریقاً للحكم من دون دخله فی متعلّقه دخلاً موضوعیاً سواءكان متعلقه موضوعاً خارجیاً، كالقطع بمائیة مائع أو خمریته أو غیرهما، أم حكماً شرعیاً تكلیفیاً، كالقطع بوجوب الصّلاة وحرمة الغیبة، أو وضعیاً كالقطع بطهارة التّراب، ومالكیة سیدتنا فاطمة الزّهراء لفدك، فإنّ القطع بالتّكلیف أخطأ أو أصاب، یوجب عقلاً إستحقاق المدح والثّواب، أو الذّم والعقاب من دون أن یؤخذ شرعاً فی خطاب نحو أقیموا الصّلاة ولا تشربوا الخمر، وقد یكون موضوعاً للحكم.
والقطع الموضوعی، إمّا یكون تمام الموضوع للحكم، بحیث لا دخل للواقع فیه أصلاً، کمانعیة الغصب ولبس ما لا یؤكل للصلاة حیث أنّها مترتبة على العلم بهما، فإذا علم بهما وصلّى بطلت صلاته وإن تبین أنّ لباسه ممّا یؤكل أو إباحة مكانه واقعاً.أو جزئه وعلى التقدیرین، إمّا یؤخذ على وجه الصفتیة، أی بلحاظ كونه صفة قائمة بالقاطع أوالمقطوع و إمّا على وجه الکشف والطریقیة، فأقسام القطع الموضوعی أربعة، وبعد ضمّ القطع الطّریقى إلیها یصیر مجموع الأقسام خمسة.
لا یخفى أنّ الشیخ مشایخنا المحقق النائینی(ره) أنكر القطع المأخوذ تمام الموضوع على وجه الطریقیة، بل ذهب إلی إمتناعه، قال مقرر بحثه الشّریف مالفظه: «نعم فی إمکان أخذه تمام الموضوع على وجه الطّریقیة إشکال، بل الظاهر أنّه لا یمكن من جهة أنّ أخذه تمام الموضوع یستدعی عدم لحاظ الواقع وذی الصّورة بوجه من الوجوه، وأخذه على وجه الطّریقیة یستدعی لحاظ ذی الطریق وذی الصّورة ویكون النّظر فی الحقیقة إلی الواقع المنكشف بالعلم، كما هوالشأن فی كل طریق، حیث أنّ لحاظه طریقاً یكون فی الحقیقة لحاظاً لذی الطّریق، ولحاظ العلم كذلك ینافی أخذه تمام الموضوع، فالإنصاف أنّ أخذه تمام الموضوع لا یمکن إلّا بأخذه على وجه الصّفتیة[19].
وملخّص ما أفاده فی وجه الإمتناع هو: لزوم اجتماع اللحاظین الاستقلالی والآلی، وهو محال، لأنّ لحاظ القطع استقلالیاً یقتضی عدم لحاظ متعلقه، ولحاظه آلیاً یقتضی لحاظ متعلّقه، والجمع بین هذین اللحاظین لیس الّا الجمع بین المتناقضین.
ویمكن الجواب عنه تارة بالنقض:
بدخل العلم بعدالة إمام جماعة فی جواز الإئتمام به، فإنّه أخذ موضوعاً لجوازه كاشفاً وطریقاً لاصفةً، أمّا موضوعیته فلعدم وجوب الإعادة بعد إنکشاف الخلاف، كما ورد به النّص، وأمّا طریقیته فلقیام الامارات، کالبّینة وبعض الأصول، کالإستصحاب مقامه، إذ من الواضح عدم قیامها مقام القطع المأخوذ على وجه الصّفتیة.
وأخرى بالحلّ، توضیحه: أنّ مورد الإمتناع اجتماع اللّحاظین مصداق العلم وهوالعلم الخارجی المتعلق بالأشیاء لا مفهومه، فإنّ القاطع بخمریة مائع لا یرى إلّا ذلك المقطوع به مع الغفلة عن قطعه فضلاً عن لحاظه استقلالاً نظیر النّاظر فی المرآة لرؤیة وجهه، فأنّه لا یلتفت فی النّظر إلی نفس المرئات. هذا فی المصداق العلم الذی لا شأن له إلّا إرائة الواقع ورفع الحجاب عنه[20].
الفرق بین أخذ القطع تمام الموضوع أو جزئه
والفرق بین أخذ القطع تمام الموضوع وبین أخذه طریقاً محضاً هو: أنّه على الأوّل: یدور الحكم مدار القطع وجوداً وعدماً، كمثال العلم بالغصبیة المتقدم.
وعلى الثّانی: یدور الحكم مدار العلم والواقع وجوداً وعدماً، لأنّ القطع جزء الموضوع، نحو: إذا كانت صلاة الجمعة واجبةً وقطعتَ بها یجب علیك التّصدّق[21].
الفرق بین القطع الطریقی والموضوعی
الفرق بینهما من وجوه ثلاثة:
الأوّل: أنّ الطریقى لا یقع وسطاً ولا یسمّى حجة إلّا مجازاً من باب ذكر السبب وإرادة المسبب. والموضوعی یقع وسطاً ولا یسمّى حجة إلّا مسامحة.
الثّانی: أنّ القطع الطریقى حجة (الحجّة: بمعنى اللغوی، أی صحّة الإحتجاج و وجوب المتابعة) مطلقاً، لا فرق بین أفراده وأسبابه وأز مانه، لأنّ حجیته، كطریقیته غیر قابلة لتعلّق الجعل نفیاً وإثباتاً بخلاف القطع الموضوعی، حیث تكون حجّیته تابعةً لدلالة الدّلیل على إعتباره سعة وضیقاً.
الثالث: أنّ الأمارات الشرعیة والأصول العملیة (الأصول المحرزة، كالإستصحاب مثلاً)، تقوم مقام القطع الطّریقى بخلاف القطع الموضوعی، فأنّه تابع لدلیل الحكم. فإن ظهر منه أو من دلیل خارج إعتباره على وجه الطّریقیة للموضوع قامت الأمارات والأصول مقامه، كالقطع الموضوعی الطّریقى وإلّا فلا، كالقطع الموضوعی الوصفی بکلا قسمیه[22].
المراد من حجیة القطع
الحجة فی اللغة: البرهان[23]. وقیل: الحجة، الدلالة المبینة للحجة، أی المقصد المستقیم[24]. وقال الأزهری: الحجّة الوجه الذی یكون به الظّفر عند الخصومة. وقیل: الحجّة فی اللّغة الغلبة، فهذا من قبیل تسمیة السّبب بإسم المسبّب[25]. وقال المحقق المظّفر(ره)، الحجّة لغةً: كل شیء یصلح أن یحتجّ به على الغیر؛ أمّا الحجّة باصطلاح المنطقی هوالمعلوم التّصدیقى الموصل إلی المجهول التصدیقی، كقولنا: العالم متغیر وكل متغیر حادث الموصل إلی قولنا فالعالم حادث. وإن شئت فعبّر: هی الوسط الذی یحتجّ به على ثبوت الأكبر للأصغر، كالتغیر الذی یحتجّ به على إثبات الحدوث للعالم [26].
ولا یصح إطلاق الحجّة بهذا المعنى على القطع، إذ لا یصح أن یقع وسطاً فی القیاس، فلا یقال: هذا معلوم الخمریة، وكل معلوم الخمریة خمر أو یجب الإجتناب عنه.
لأنّ الكبرى كاذبة، لأنّ بعض معلوم الخمریة لیس بخمر ووجوب الإجتناب مترتّب على الخمر لا على معلوم الخمریة.
وأمّا الحجّة عند الأصولی: عبارة عن الأدلّة الشّرعیة من الطّرق والأمارات التی تقع وسطاً لإثبات متعلقّها بحسب الجعل الشرعی من دون أن یکون بینها وبین المتعلقات علقة ثبوتیة بوجه من الوجوه، أو یقال: هی وسط الذی یوجب العلم بثبوت الحكم لمتعلقه[27].
ولا یصح إطلاق الحجة بهذا المعنى على القطع أیضاً، لأنّ الحجة عند المنطقى أولاً: ما یكون سبباً للقطع بالحكم على متعلقه، فلا یطلق على نفس القطع.
وثانیاً: أنّ القطع لا یقع وسطاً لإثبات الحكم مطلقاً لا الواقعی ولا الظّاهری، لأنّ القطع طریق محض من دون أن یكون قیداً للموضوع فلا یكون وسطاً للحكم الواقعی، وأمّا الحكم الظّاهری فموضوعه الشك، وفی مورد القطع ینتفى بانتفاء موضوعه، هذا فی القطع الطریقی.
وامّا القطع الموضوعی فیقع وسطأ ولا یسمّى حجة عند الشّیخ الأعظم الأنصاری(ره) كما صرّح فی فرائد الأصول: أمّا بالنّسبة إلی حكم آخر، فیجوز أن یكون القطع مأخوذًا فی موضوعه، فیقال: أنّ الشیء المعلوم، بوصف كونه معلوماً حكمه كذا، وحینئذ فالعلم یكون وسطاً لثبوت ذلك الحكم لمتعلقه وإن لم یطلق علیه الحجّة، إذا المراد بالحجّة فی باب الأدلّة ما كان وسطاّ لثبوت أحکام متعلقه شرعاً لا لحكم آخر[28].
وأمّا عند الشیخ النائینی(ره) یقع وسطاً ویسمّى حجة حقیقة، كما ذكر فی فوائد الأصول.[29]
وأمّا الحجة عند العرف بمعنى وجوب العمل، أی المنجزیة عند الإصابة والمعذریة عند الخطاء، وبعبارت أخرى: الحجة ما یحتج به المولى على العبد وما یصح الإحتجاج به للعبد على المولى، وهذا المعنى یرجع إلی معنى اللغوی، وبهذ المعنى صحّ إطلاق الحجة على كل من القطع والأمارات الظنیة المعتبرة على حدّ سواء[30].
حجیّة القطع
هل هی من لوازمه الذّاتیة أو ببناء العقلاء أو بحکم العقل؟
ففیها أقوال: الأوّل: ما اختاره فی الکفایة[31] وهو: أنّ حجیة القطع بمعنی وجوب متابعته والعمل علی طبقه من لوازمه الذّاتیّة، بل زاد علی هذا مؤثّریّته فی ذلک، فالصّحیح هو القول الآخر، وأن یقال: إنّ وجوب متابعة القطع إنّما هو بحکم العقل لا بمعنی البعث من القوّة العاقلة والزامها، بل بمعنی إدراکه حسن متابعته وقبح مخالفته وصحة أن یعاقب المولی عبده المخالف لقطعه إذا کان مصادفاً للواقع واستحالة ذلک، إذا کان متابعاً لقطعه وإن کان مخالفاً للواقع، وکثیر ما یطلق الحکم علی الإدراک العقلی، کما هو واضح[32].
فتلخّص أنّ حجیة القطع حکم عقلیّ نظریّ ومن لوازم القطع بهذه المعنی، فلا تکون مجعولة.
البحث عن القطع من مباحث الأصول أم لا؟
لا یخفی أن البحث عن القطع غیر داخل فی مسائل هذا العلم لما ذکرناه فی تعریفه من أنّ المیزان فی کون المسئلة أصولیة أن تقع نتیجتها فی طریق الإستنباط، بأنّ تکون کبری کلیّة لو انضمّ إلیها صغراها انتجت حکماً فرعیّاً، ومن البدهی أنّ القطع بالحکم لا یقع فی طریق الإستنباط، بل هو بنفسه قطع بالنّتیجة وبنفس الحکم الفرعی.
أقسام الجعل
إنّ الجعل علی قسمین:
أحدهما: الجعل البسیط، وهو الإیجاد بمفاد «كان» التّامة، كجعل زید – إیجاده – ولاریب فی أنّ القطع مجعول بهذ المعنی، ضرورة كونه حادثاً لا قدیماً، ولكن لیس هذا الجعل مورداً للبحث.
ثانیهما: الجعل التألیفی، وهوالإیجاد بمفاد «كان» الناقصة، بمعنی جعل شیء لشیء، ویتحقق ذلك فی الأعراض المفارقة والمحمولات غیر الضّروریة، كجعل زید عالماً أو عادلاً؟، أی إثبات العلم أوالعدالة.
وهذا الجعل لا یتصوّر فی المحمولات البینة الثبوت للموضوعات، بحیث تكون ذات الموضوع علةً تامةً لوجود المحمول، كما لا یعقل فی المحمولات الممتنعة الثبوت للموضوعات. والجعل بهذا المعنى هو محل الكلام.
حجیة القطع قابلة للجعل أم لا؟
حجیة القطع بمعنى المنجزیة والمعذریة (وجوب العمل على طبقه) فالأقوال فیها ثلاثة:
الأوّل: أنّ حجیة القطع ثابتة ببناء العقلاء إبقاءً للنوع وحفظاً للنّظام، فتكون من القضایا المشهورة باصطلاح المنطقیین، وهذا البناء قد أمضاه الشارع لذلك، فیجب إتّباعه.
الثانی: أنّ حجّیته بحكم العقل وإلزامه.
الثالث: أنّ حجیته من لوازمه العقلیة، كما اختار صاحب الکفایة(ره)[33]. وأیّده السّیدنا الخوئی(ره) وأجاب عن الأوّل بأنّ حجیة القطع ولزوم الحركة على طبقه كانت ثابتة فی زمان لم یكن فیه الّا بشر واحد، فلم یكن فیه عقلاء لیتحقق البناء منهم، ولم یكن نوع لیكون العمل بالقطع لحفظه.
وأجاب عن الثّانی بأنّ العقل لیس شأنه الّا الإدراك، وأمّا الإلزام والبعث التشریعی، فهو من وظائف المولى، فالحجیة بهذا المعنى للقطع من لوازمه الذاتیة ولو كان مخالفاً للواقع ولا تكون بجعل جاعل، سواء كان الجاعل هو الشرع أو العقل أو بناء من العقلاء لتكون الحجیة من الأمور المجعولة أو من القضایا المشهورة[34].
فلا تقبل الجعل إثباتاً، لأنّ لازم الماهیة لا ینفك عنها، بل ثبوته لها ضروریّ وتحصیل للحاصل ولا نفیاً، لأنّ سلب اللازم عن الماهیة محال، بل مستلزم للتناقض.
هل یمكن أخذ القطع بالحكم فی الموضوع؟
لا یمکن أن یؤخذ القطع بحكم فی موضوعِ نفس هذا الحكم، كأن یقال: «إذا علمت بحرمة الخمر فالخمر حرام»؛ سواء كان تمام الموضوع أو جزئه، وكذا لا فرق بین کونه بنحوالصفتیة أو الطریقیة للزوم الدور؛ لأنّ الحرمة موقوفةٌ على العلم بها لكونه موضوعاً لها. وتوقف كل حكم على موضوعه بدیهی. والعلم بها موقوف على وجودها قبل تعقل العلم بها، إذ لابدّ من وجود حکمٍ حتى یتعلق به العلم أو الجهل.
فالعلم موقوف على الحكم، وهو موقوف على العلم، وهذا دورٌ، ولا یمکن أخذ القطع فی الحكم فی موضوع مثل هذا الحكم للزوم إجتماع المثلین، نحو: «إذا علمت بحرمة الخمر حرمت علیك الخمر حرمة مثلها»، واجتماع المثلین، كالضّدین ممتنعٌ، كما قرر فی محله.
ولا یمكن أخذ القطع بحكم فی موضوع ضد هذا الحكم، للزوم إجتماع الضّدین، كأن یقال: «إذا علمت بحرمة الخمر فالخمر لك حلال».
نعم، یصحّ أخذ القطع بمرتبة حكم (المرتبة الإنشائیة) لمرتبة أخرى (المرتبة الفعلیة) من نفس ذلك الحكم أو مثله أو ضدّه.
العلم الإجمالی کالعلم التفصیلی فی التّنجّز أم لا؟
بعد ما ثبت حجیة العلم التفصیلی ذاتاً، وکونه علة تامة لتنجّز الواقع عقلاً، فهل العلم الإجمالی كذلك أو لا؟
ربما نسب إلی المحقق الخونساری(ره) والمحقق القمی(ره) المنع. وأنّه بحكم الشك البدوى. فیجری فی مورده الأصول المرخّصة، إذ الواقع لم ینكشف تمام الانكشاف، ومرتبة الحكم الظاهری أعنی الشك محفوظ فی كل واحد من الطرفین، فیشملهما إطلاقات أدلة الأصول[35].
وظاهر الکفایة فی مبحث القطع: أنّه منجزّ بنحو الإقتضاء لا العلّیة التامّة[36]، فللشارع الترخیص فی بعض الأطراف أو جمیعها، ولكن بدون تحقق التّرخیص یتنجّز الواقع قهراً[37].
ویظهر من بعض كلمات الشیخ الأنصاری(ره)[38]: أنّه بالنسبة إلی حرمة المخالفة القطعیة علة تامة، وبالنّسبة إلی وجوب الموافقة القطعیة بنحوالإقتضاء، فتجب الموافقة، إلّا أن یرید الترخیص فی بعض الأطراف، فیجعل الطرف آخر بدلاً عن الواقع.
للآیة الله العظمى البروجردی(ره) فی هذا المقام تفصیل بین العلم الإجمالی بالتكلیف الفعلى، أعنى البعث أو الزّجر الفعلى الحتمی من ناحیة المولى، وبین العلم بالحجة الإجمالیة: فالأوّل: كالعلم التفصیلی علة تامّة للتنجیز ولامجال للترخیص لا فی جمیع أطرافه ولا فی البعض، فإنّه مناقضة صریحة. وأمّا فی الحجج الإجمالیة غیر العلم، فیمكن أن یرخّص فی بعض الأطراف، بل فی الجمیع أیضاً، فیكشف رفع الید عن إطلاق الدلیل الأوّل، مثلاً: إذا فرض العلم الوجدانی الحتمىّ إجمالاً بحرمة أحد الشیئین بالفعل وأنّه مع إجماله وعدم تمیزه مبغوض للشارع جدّاً، فلا محالة یحكم العقل حكماً جازماً بوجوب الإجتناب عنه، ولو بترك الطرفین مقدمة. ولا یعقل ترخیص الشارع فی مخالفته بعد العلم الوجدانی بحرمته فعلا ومبغوضیته له، إذ بالعلم وصل التّكلیف الفعلى إلی العبد وانکشف له تمام الانكشاف، ولا حالة منتظرة لحكم العقل بتنجّزه واستحقاق العقوبة على مخالفته. والتّرخیص فیه یرى ترخیصاً فی المعصیة ومناقضة صریحة لما علم.
وأمّا إذا علمنا إجمالاً: بأنّ أحد الإنائین خمر، مثلاً، فإطلاق قوله: «لا تشرب الخمر» وإن كان یشمله، ولكنه لیس علماً بالتكلیف الفعلی، بل علماً إجمالیاً بوجود الحجة، أعنى: إطلاق الدّلیل بالنسبة إلی هذا أو ذاك، فلا یرى العقل مانعاً من ترخیص الشّارع فی ارتكاب الطرفین أو أحدهما، وبه ینكشف عدم إرادة الإطلاق وتقیید قوله: «لاتشرب الخمر» بما علم خمریته بالتفصیل أو بما لم یرد التّرخیص فیه من الطرفین[39]. والإمام الخمینی(ره) أیضاً تعرّض لهذا التفصیل هنا، كما فی تقریرات بحثه، ولعله أخذه منه حیث كان یحضر درسه[40].
فالأقوال فی المسئلة سبعة:
الأوّل: أنّ العلم الإجمالی مقتض بالنسبة إلی كل من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة القطعیتین، فجاز الإذن من الشارع بمخالفته إحتمالاً وهذا ما اختاره صاحب الکفایة(ره)[41].
الثانی: هو التفصیل فی حجیة العلم الإجمالی، وأنّها بنحو الإقتضاء بالنّسبة إلی وجوب الموافقة القطعیة وبنحوالعلیة التّامة بالنسبة إلی حرمة المخالفة القطعیة. ویستفاد هذا من كلمات شیخنا الأعظم(ره) فی مبحث العلم الإجمالی والإشتغال.
الثالث: أنّه کالشّك البدوی، وهو ظاهر أربعین للعلامة المجلسی(ره) على ما حكاه المحقق القمی(ره) عنه فی قانون البرائة.
الرابع: أنّه علة تامة للحجیة والتّنجز بلا تفصیل بین المخالفة والموافقة.
الخامس: أنّه یجب التخلّص عن المشتبه بالقرعة، كما نسب إلی السّید ابن الطأوس(ره) مستدلاً بعموم «القرعة لكل أمر مشكل».
السادس: أنّه علة تامة لحرمة المخالفة القطعیة، ووجوب الموافقة الإحتمالیة، وهذا هوالمستفاد من مجموع كلمات المحقق القمی(ره)[42].
السابع: أنّه علة تامة لحرمة المخالفة القطعیة فقط، ولیس علة ولا مقتضیاً لوجوب الموافقة القطعّة.
الإضطرار إلی بعض أطراف العلم الإجمالی
وصور المسألة أربعة: لأنّ الإضطرار؛ قد یكون إلی بعض المعین، كما لو اضطرّ إلی الإناء الأبیض فیما لو اشتبه النّجس بین الإناء الأبیض والأصفر، مثلا. وقد یكون إلی بعض غیر المعین، كما لو اضطرّ إلی أحد الإنائین من دون فرق بینهما وعلى كل تقدیر، إمّا أن یكون الإضطرار لاحقاً على العلم الإجمالی، كما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الإنائین ثم اضطرّ، وإمّا أن یكون غیر لاحق، بل سابقا أو مقارناً، كما لو اضطرّ إلی أحدهما، ثم علم بالنّجاسة أو تقارن الأمران.
ثم إنّ المحقق الخراسانی(ره) والشیخ الاعظم(ره) اختلفا فی أنّه لو اضطرّ إلی أحدهما، فهل یكون الإضطرار مطلقاً سبب لعدم تنجیز العلم، فیجوز إرتكاب الطرفین، كما هو مذهب صاحب الکفایة(ره) وصرّح فیها وهذا لفظه: «إنّ الإضطرار، كما یكون مانعة عن العلم بفعلیة التكلیف لو كان إلی واحد معین، كذلك یكون مانعاً لو كان إلی غیر معین» [43].
وصرّح أیضاً: «لافرق بین أن یكون الإضطرار كذلك سابقاً على حدوث العلم أو لاحقاً[44]؛ لأنّ تنجیز التكلیف یدور مدار المنجّز حدوثاً وبقاء، والمنجّز هوالعلم الإجمالی بالتكلیف، وبعد الإضطرار إلی أحد الطرفین لا یبقى علم بالتكلیف فی الطرف الآخر بالوجدان.» [45].
وفی حاشیة الرّسائل: فصّل بین هذه الصور بإختلاف الإضطرار، فإن كان إلی أحدهما غیر المعین لم ینجّز العلم ویجب الإجتناب عن غیر المضطر إلیه كما هو مذهب الشیخ(ره)، واستدلّ لذلك بما لفظه:
«ولو كان المضطرّ إلیه بعضاً غیر معین وجب الإجتناب عن الباقی- وإن كان الاضطرار قبل العلم الإجمالی-لأنّ العلم حاصل بحرمة واحدة من الأمور، ولو علم حرمته تفصیلاً وجب الإجتناب عنه، وترخیص بعضها على البدل یوجب إكتفاء الأمر بالإجتناب عن الباقی»[46].
والمحقق النائینی(ره) والإمام الخوئی(ره) تبعاً الشیخ الاعظم(ره)، لأنّ الإضطرار إلی أحد غیر المعین لم یتعلّق بخصوص الحرام کی ترفع حرمته به، وإنّما تعلّق بالجامع بینه وبین الحلال على الفرض، فالجامع هو المضطرّ إلیه وأحدهما مع الخصوصیة هو الحرام، فما هو مضطرّ إلیه لیس بحرام وما هو حرام لیس بمضطرّ إلیه، فلا وجه لرفع الید عن حرمة الحرام المعلوم بالإجمال، لأجل الإضطرار إلی الجامع [47].
النّسبة بین وجوب الموافقة القطعیة وحرمة المخالفة القطعیة
النّسبة بینهما عموم من وجه، لأنّ مادّة اجتماعهما إذا لم یجر الأصل فی شیء من الأطراف للمعارضة، تجب الموافقة القطعیة، كما تحرم المخالفة القطعیة إذا كانت ممكنة، كما إذا علم إجمالاً بحرمة أحد المائعین، مثلاً وكانت إصالة الإباحة فی كل منهما معارضة بمثلها فی الآخر، فتجب الموافقة القطعیة بالإجتناب عنهما، كما تحرم المخالفة القطعیة بارتكابهما معاً.
وأمّا إذا علم بحرمة الجلوس فی إحدى الغرفتین فی زمان معین، فیسقط الأصلان للمعارضة وتجب الموافقة القطعیة بترك الجلوس فیهما وإن كان المخالفة القطعیة غیر محرّمة، لعدم التّمكن منها، وأمّا إذا جرى الأصل فی بعض الأطراف دون بعض لجهة من الجهات، فلا تجب الموافقة القطعیة، وأنّ حرمت المخالفة القطعیة فلا ملازمة بینهما خلافاً للمحقق النائینی(ره)[48].
الفرق بین الواحد النّوعی والجنسی مع الواحد بالنّوع وبالجنس
اختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنهی فی واحد وامتناعه: وذكر المحقق الخراسانی(ره): أنّ المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهین ومندرجاً تحت عنوانین بأحدهما، كان مورداً للأمر وبالآخر للنهى[49]، وإن كان كلیاً مقولاً على كثیرین. وهذا المعنى یشمل الواحد الشّخصی، كزید والواحد النّوعی، کالإنسان والواحد الجنسی، كالحیوان؛ والوحدة فی كل من هذه الأقسام الثّلاثة حقیقیة لامجازیة[50].
فذكر كلمة واحد فی عنوان البحث إنّما هو لإخراج الواحد بالنّوع، كما فی قولك الزنجی والرومی واحد، أی من نوع واحد، والواحد بالجنس، كما فی قولك البقر والغنم واحد، أی من جنس واحد. والوحدة فی هذین القسمین مجازیة لاحقیقیة، فإنّ الزّنجی والرّومی إثنان حقیقةً، وإنّما ینسب إلیهما الوحدة بالعرض والمجاز، كالسّجود لله تعالی وللصنم لعدم تصادقهما على سجود خارجی لتباینهما المانع من الإتحاد وجوداً ولإتحاد بینهما بحسب المفهوم لا بحسب المصداق.
ولا یخفى عدم تصور الواحد بالشّخصی قبال الواحد الشّخصی، وبعبارة أخرى الواحد على قسمین:
الواحد الحقیقی: وهو ما كان وصف الوحدة فیه بحال الموصوف شخصیاً كان أو نوعیاً أو جنسیاً والواحد المجازی: وهو ما كان الوصف فیه بحال المتعلق واتّصافه به مجازیاً[51].
طریقیة القطع ذاتیة من باب البرهان أو الإیساغوجی؟
لو كانت ماهیة القطع نفس الإنكشاف لكانت طریقیته ذاتیة بذاتی باب الإیساغوجی[52] (الکلّیات الخمس)، كما هو مختار المحققین. وأمّا لو كانت طریقیته لازمة الماهیة، كالزّوجیة بالنسبة إلی الأربعة، لكانت طریقیته ذاتیة بذاتی باب البرهان. وعلى كلا التّقدیرین غیر قابلة للجعل إثباتاً ونفیاً، كحجیة القطع. والحق أنّ القطع هو نفس الإنكشاف والرّؤیة لا أنّه مرآة وما به ینظر، فهو بنفسه طریق بحسب ماهیّته وذاته، فتكون طریقیته ذاتیاً بذاتی باب الإیساغوجی.
الفرق بین الیقین والقطع والعلم
القطع، هو الإعتقاد الجازم؛ سواء كان مطابقاً للواقع أم لم یكن، والیقین هو الإعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع، وكذا العلم إذا المطابقة للواقع قید فیهما، ولذا لا یبحث عن التّجرى فی عنوانی الیقین والعلم.
أقسام التّجرّی
التّجرىّ فی اللغة أعم من المعصیة، لأنّه عبارة عن الطغیان والتمرّد الشّامل للعصیان[53]، كما أنّ الانقیاد أعمّ من الطاعة لغةً، وأمّا عند الأصولیین فی مقابل المعصیة؛ لأنّ التّجرى عندهم هو مخالفة القطع الغیر المصادف للواقع أو مخالفة مطلق الحجة الغیر المصادف للواقع، كما أنّ الإنقیاد فی مقابل الطاعة، لأنّ الانقیاد عند الأصولیین هو موافقة القطع الغیر المصادف للواقع، كترك الواجب باعتقاد أنّه حرام وفعل الحرام باعتقاد أنّه واجب.
أقسام التّجرّی كما ذكره الشیخ الأعظم الأنصاری(ره) ستة:
1- مجرّد القصد إلی المعصیة؛
۲ – القصد مع الإشتغال بمقدماته؛
٣- القصد مع التّلبّس بما یعتقد كونه معصیة؛
۴- التّلبّس بما یحتمل كونه معصیة رجاءً لتحقق المعصیة به؛
۵- التّلبّس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام؛
۶- التّلبّس به رجاءً أن لا یكون معصیةً وخوف أن یكون معصیةً.
وهذه الأقسام السّتة یجمعها عدم المبالاة بالمعصیة أو قلّتها[54].
الفرق بین التّجرّی والمعصیة
التّجرّی: هو مخالفة القطع غیر المصادف للواقع، كشرب الخل باعتقاد أنّه خمر.
والمعصیة: هی مخالفة القطع المصادف للواقع كشرب الخمر باعتقاد أنّها خمر، لا إشکال فی حرمة المعصیة وأمّا فی حرمة التّجرّى خلاف، فالشیخ الأنصاری(ره) قائل بعدم الحرمة وأنّ التجری کاشف عن سوء سریرة الفاعل وخبث باطنه الذی لا یترتب علیه سوى اللوم والذّم[55]، والأكثر على الحرمة ومنه صاحب الکفایة(ره)[56]. وسیدنا الخوئی(ره) بشهادة الوجدان، بل بشهادة كافة العقلاء على إستحقاق المتجرّى للعقاب [57].
موضوع كلّ علم عند المشهور
موضوع كل علم: ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة، والعرض الذاتی مایعرض الشیء إمّا أولاً وبالذات، كالتعجّب اللاحق للإنسان من حیث أنّه إنسان أو لجزئه المساوی، كالتّكلم لكونه ناطقاً أو لأمر خارج یساویه، کالضّحك له لكونه متعجّباً وسایر الأقسام یذكر فی محله إنشاء الله تعالی.
موضوع كل علم عند صاحب الکفایة
هو ما یبحث فیه عن عوارضه الذّاتیة، أی بلا واسطة فی العروض، لأنّ العرض تارتاً یكون عارضاً للشیء بلا واسطة أصلاً فی الثّبوت ولا فی العروض، كالزوجیة للأربعة، وأخرى یكون مع الواسطة فی الثّبوت وهی على أقسام ستة: إمّا أمر داخلی مساویی للمعروض، كالتّكلم العارض للإنسان بواسطة كونه ناطقاً أو أعمّ منه، كالمشی العارض للإنسان بواسطة كونه حیواناً ولا ثالث للأمر الداخلی، وإمّا أمر خارجی مساوی للمعروض، كالضّحك العارض للإنسان بواسطة التّعجب أو أعمّ منه، كالتّعجب العارض للإنسان بواسطة المشی أو أخصّ منه، كالضّحك العارض للحیوان بواسطة کونه ناطقاً أو مبائن معه، كالحرارة العارضة للماء بواسطة النّار.
وثالثة: یكون مع الواسطة فی العروض، بأنّ لا یكون العارض عارضاً للشیء حقیقة، بل لغیره وإنّما ینسب إلیه تجوّزاً، كالجرى العارض للمیزاب، فهذه ثمانیة أقسام للعرض، وعلى مسلك صاحب الکفایة(ره): جمیع هذه الأعراض كلّها أعراض ذاتیة سوى العارض مع الواسطة فی العروض، فموضوع العلم والعرض الذاتی عند صاحب الکفایة(ره) أعم من الموضوع والعرض الذاتی عند المشهور، فتعریفه شامل للأعراض الغریبة والمختلف فیه (العارض بواسطة أمر داخلی أعم)[58].
تعریف علم الأصول
عرّف المحقّقون علم الأصول بتعاریف شتی، ونذكر بعضها إجمالاً:
الأوّل: تعریف المشهور: القواعد الممهّدة لإستنباط الأحكام الشرعیة الفرعیة[59].
الثانی: تعریف صاحب الکفایة(ره): صناعة یعرف بها القواعد التی یمكن أن تقع فی طریق إستنباط الأحكام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل[60].
الثالث: تعریف المحقق النائینی(ره): العلم بالقواعد التی إذا انضمت إلیها صغریاتها انتجّت نتیجة فقهیة وهو حكم الکلّی الشرعی الثّابت لموضوعه المقدّر وجوده على ما هو الشأن فی القضایاء الحقیقیة[61].
الرابع: تعریف الإمام الخمینی(ره): القواعد الآلیة التی یمكن أن تقع فی كبری استنتاج الأحكام الکلّیة الفرعیة الإلهیة أو الوظیفة العملیة[62].
الخامس: تعریف الإمام الخوئی(ره): ألعلم بالقواعد التی تقع بنفسها فی طریق إستنباط الأحكام الشرعیة الکلّیة الالهیة من دون حاجة إلی ضمیمة كبرى أو صغری أصولیة أخرى إلیها [63].
السادس: تعریف الشّهید محمد باقر الصّدر(ره): علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة فی عملیة إستنباط الحكم الشرعى [64].
السابع: تعریف الشّیخ المحقق المظفّر(ره): علم یبحث فیه عن قواعد تقع نتیجتها فی طرق إستنباط الحكم الشرعی [65].
موضوع علم الأصول
فیه آراء ونظریات مختلفة:
ذهب المشهور وصاحب القوانین(ره) إلی أنّ موضوع علم الأصول: الأدلة الأربعة بوصف کونها أدّلة[66].
وقال صاحب الکفایة(ره): إنّ موضوع علم الأصول، هو الکلّی المنطبق على موضوعات مسائله المتشتّة[67]. وأمّا عند سیدنا الإمام الخوئی(ره) عبارة عن: عدة من القضایا والقواعد المباینة بحسب الموضوع والمحمول التی جمعها فی مرحلة التدوین اشتراكها فی الدخل فی غرض واحد[68]، وقال الشهید الصدر(ره) أنّ موضوعه: الأدلة المشتركة فی عملیة الاستنباط[69].
فائدة علم الأصول والغرض منه
هی الإقتدار على الإستنباط، وبعبارة أخرى: الاستعانة على الإستدلال للأحکام من أدلّتها. قال بعض الأعاظم(ره): هی تعیین الوظیفة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب[70].
أقسام المبادیء
المبادیء، تنقسم إلی تصوّریة وتصدیقیة؛ أمّا التّصوریة، فهی التی توجب معرفة الموضوعات أوالمحمولات، وأمّا التّصدیقیة، فهى الأدلة التی توجب التّصدیق بثبوت المحمولات لموضوعاتها.[71]
الفرق بین الجامع النّوعی والعنوانی
إنّ الجامع النّوعی موجود فی الخارج بوجود أفراده ومصادیقه، کالإنسان. والجامع العنوانی موجود فی الذهن لیس إلّا كالنسب والمفاهیم والموجود فی الخارج هو المعنون لا الأفراد.
حقیقة الوضع
الوضع فی اللغة: جعل الشیء فی الحیز، أی فی المكان وضد الرفع[72]. وفی الإصطلاح نشیر إلی بعض التعریفات المذكورة فی كتب القوم:
الأوّل: هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وإرتباط خاص بینهما ناشٍ من تخصیصه به تارةً ومن كثرة إستعماله فیه أخرى.[73]
الثانی: عبارة عن ربط خاص مجعول بین طبیعی اللفظ والمعنى الموضوع له بحیث یكون طبیعی اللفظ الموضوع مستعدة لإحضار ذلك المعنى فی ذهن من یسمع ذلك اللفظ أو یتصوّره.[74]
الثالث: عبارة عن التعهد والإلتزام النّفسانی[75].
الرابع: إعتبار الواضع لفظاً خاصاً على معنى خاص[76].
وقال شیخنا الأستاذ: آیة الله العظمى الوحید الخراسانی(ره): هذا المبنى أقرب المبانی إلی الواقع، مع ذلك لا یخلو عن الإشكال[77]، ولأجل الرّوایة المعتبرة فی المقام[78]. اختار مبناً مستقلاً بأنّ حقیقة الوضع والتّسمیة: جعل اللفظ علامتاً للمعنى.
أقسام الوضع
ینقسم الوضع بحسب التّصور إلی أربعة أقسام:
الأوّل: الوضع خاص والموضوع له خاص، أی أنّ الواضع لاحظ حین الوضع لفظاً خاصاً لمعنى خاص، کالأعلام الشّخصیة.
الثانی: الوضع عام والموضوع له عام، بمعنى أن الواضع لاحظ حین الوضع لفظاً للمعنى الكلی، کأسماء الأجناس.
الثالث: الوضع عام والموضوع له خاص، بأنّ تصوّر حین الوضع المعنى الکلّی، ووضع اللفظ لمصادیقه، کوضع الحروف وأسماء الإشارات والموصولات.
الرابع: الوضع خاص والموضوع له عام، بأنّ لاحظ الواضع حین الوضع معناً جزئیاً، و وضع اللفظ للمعنى الکلّی، ولكن الظاهر أنّه یستحیل ذلك، بداهة أنّ الخاص بما هو خاص لا یصلح أن یكون مرآة للعام، ومن هنا قیل: إنّ الجزئی لا یكون كاسباً ولا مکتسباً، هذا بخلاف العام، فإنّه یصلح أن یكون مرآة لملاحظة الأفراد على سبیل الإجمال، وإن ناقش الإمام الخمینی(ره) فی إمكان القسم الرابع[79]، وشیخنا الأستاذ آیة الله العظمى الفاضل اللنكرانی(ره) على خلاف المشهور قائل: بإمكان القسم الرابع (كما نسب هذا القول إلی المحقق الرشتی(ره) صاحب بدائع الأفكار أیضاً) وإمتناع القسم الثالث عقلاً [80].
الفرق بین الوضع الشخصی والنوعی
ولابد فی الوضع من تصوّر اللفظ والمعنى والواضع، إمّا یتصور المعنى بنفسه، وإمّا یتصوره ویلاحظه بوجهه وعنوانه، فیسمّى الوضع فی الصّورة الأوّلى شخصیاً، کوضع المواد وفی الصّورة الثانیة یكون نوعیاً، كوضع الهیئات.
الفرق بین الوضع التعیینی والتعینی
الوضع على أكثر المبانی المذكورة غیر مبنى المحقق الإصفهانی(ره) ینقسم إلی قسمین التعیینی والتعینی: لأنّ دلالة الألفاظ على معانیها إن كانت ناشئاً من الجعل والتّخصیص والتعهّد یسمّى الوضع تعییناً، وإن كانت ناشیءاً من كثرة الاستعمال بحیث إذا سمع اللفظ انتقل السامع إلی المعنى یسمّى الوضع تعیّنیاً[81].
عدم دلالة الفعل بالزّمان عند الأصولی
قد إاشتهر فی سنة النّحاة دلالة الفعل على الزمان، حتى أخذوا الإقتران بها فی تعریفه، كما قال شیخ البهائی(ره) فی الصّمدیة بعد تعریف الإسم: «والفعل كلمة معناها مستقل مقترن بأحدها»[82]، وعن نجم الأئمّة(ره) فی حدّ الفعل ما لفظه: «هو مادلّ على معنى فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة»، بل قیل: إنّ دلالة الفعل على الزمان ممّا إتّفقت علیه علماء المعقول والمنقول، فلاحظ كلماتهم، فالإقتران بالزمان فی حدّ الفعل مسلّم.[83]
وقال صاحب الکفایة(ره) وغیره: أخذ الإقتران فی تعریفه هو إشتباه[84]، لأنّ الفعل لیس له إلّا مادة وهیئة، أمّا المادة، فلأنّها لاتدل إلّا على نفس الطبیعة المجردة عن الخصوصیة التی منها الزمان، وأمّا الهیئة، فلأنّها لاتدل إلّا على نسبة المادّة إلی الفاعل، لمّا تقرر عندهم من أنّ مدالیل الهیئات معان حرفیة والزمان معنی إستقلالیّ إسمیّ، فلاتدل علیه الهیئة[85].
الفرق بین المعنى الإسمی والحرفی
الأقوال المذكورة فی وضع الحروف كثیرة لا بأس بالتّعرض ببعضها:
منها: عن نجم الأئمة الشّیخ الرضى(ره) من أنّ الحرف لا معنى له أصلاً، بل جعل علامة على خصوصیة معنى مدخوله، فكما یكون الرّفع علامة على فاعلیة زید، مثلاً فی قولنا: «قام زید»، كذلك یكون «فی» علامة على ظرفیة مدخوله، کالدار فی قولنا: «زید فی الدار» [86].
ومنها: أنّها وضعت لمعنى لوحظ حالةً للغیر ونعتاً له بحیث لا یتصور فی الذهن بنفسه، كالأعراض الخارجیة [87].
ومنها: أنّها وضعت للنسب والإرتباطات المتقّومة بالطّرفین [88].
ومنها: أنّ المعنى إذا لوحظ آلیاً فهو معنى حرفی، وإذا لوحظ استقلالیاً،[89] فهو معنى إسمی، فالتفاوت بینهما باللحاظ[90]، وقال صاحب الکفایة(ره): لافرق بین المعنى الإسمی والحرفی أصلاً[91]، بل المعنى فیهما واحد، أنّ كلاً من الوضع والموضوع له والمستعمل فیه فی الحروف عام، لو أرید أحیاناً معنى خاص یكون ذلك بدال آخر من قبیل تعدد الدّال والمدلول، نظیر تقیید المطلق فی مثل: «إعتق رقبة مؤمنة»، فلیس المعنى فی كلمة «من» ولفظ الإبتداء- مثلا – إلّا الإبتداء.
الفرق بین الحقیقة الشرعیة والمتشرعّیّة
لاریب فی وجود الحقیقة اللّغویة (كالأسد بالنسبة إلی الحیوان المفترس)، والعرفیة العامّة (كحاتم)، والعرفیة الخاصة (كلفظ الفعل).
وأمّا الحقیقة الشرعیة فقد إختلفوا فی إثباتها ونفیها: فذهب إلی كل فریق، لا نزاع فی أنّ الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع، كالصّلاة والصّوم والحج و… المستعملة فی خلاف معانیها اللّغویة، قد صارت حقایق فی تلك المعانی، إنّما النّزاع فی صیرورتها كذلك، هل هی بوضع الشارع وتعیینه إیّاها بإزاء تلك المعانی بالوضع التعیینی أوالتعینی، فتكون حقایق شرعیة فیها[92].
أو بالغلبة وكثرت الإستعمال فی لسان أهل الشرع، وإنّما استعملها الشارع فی هذه المعانی مجازاً وبمعونة القرائن فتكون حقایق متشرعة فیها.
ثمرة القول بالحقیقة الشرعیة والمتشرّعیة
وتظهر الثّمرة فیما إذا وقعت هذه الألفاظ- كالصّلاة والزّكاة والحج – مجردة عن القرائن فی كلام الشّارع، فإنّها تحمل على المعانی الثّانویة بناء على ثبوت الحقایق الشرعیة، وتحمل على المعانی اللغویة بناءً على ثبوت الحقائق المتشرعیة.
الفرق بین الظّن الخاص والظّن المطلق
المراد من الظّن الخاص: كل ظنّ قام دلیل قطعى على حجیته واعتباره بخصوصه غیر دلیل الانسداد الكبیر، كالظّن الحاصل من الظواهر وخبر الثّقة والمراد من الظّن المطلق: كل ظنّ قام دلیل الانسداد الكبیر على حجیته وإعتباره [93].
الفرق بین الظّن الشّخصى والظّن النّوعی
السرّ فی إعتبار الأمارة وجعلها حجة وطریقة، هو إفادتها للظّن دائمة أو على الأغلب ویسمّى الأوّل بالظّن الشّخصى والثّانی بالنّوعی.
أقسام المشتقّ من الصغیر والأصغر والأکبر
المشتقّ، كما فی البدایع: یطلق لغةً على مطلق أخذ شیء من شیء، وإقتطاع فرع من أصل، یقال: إشتقّ النّهر من الوادی إذا أخذ شیء منه، فالمشتق هو شقّ الشیء المأخوذ منه إنتهى.
ویطلق فی إصطلاح الأدباء على لفظ یؤخذ من لفظ آخر وهذا ینقسم إلی ثلاثة أقسام:
الأوّل: الأصغر، بأنّ یكون الفرع مشتملاً على حروف الأصل وزیادة، وكذا یعتبر فیه الموافقة فی ترتیب حروف الأصل ومعناه، كمقتل المشتق من القتل وأسماء الفاعلین والمفعولین والأزمنة والأمكنة والأفعال والمصادر المزید فیها والمجردة، بناء على مذهب الكوفیین من كون الأصل هوالفعل وأنّ المصدر مأخوذ منه.
الثانی: الصغیر، ویعتبر فیه الموافقة فی الحروف والمعنى أوالمناسبة فی اللفظ والمعنى دون التّرتیب، «کجذب» و«جبذ» المتحدین فی المعنى.
الثالث: الأكبر، ویعتبر فیه المناسبة فی اللّفظ والمعنى دون الموافقة فیهما، «كثلم» و«ثلب» و«نهق» و« نعق» [94].
الفرق بین المشتقّ والمبدأ
أمّا علی القول بأنّ مفهوم المشتق مرکب من الذّات والمبدأ والنّسبة، فهو واضح ولاکلام فیه. وأمّا علی القول بأنّ مفهوم المشتقّ بسیط، فالمعروف بین الفلاسفة، هو أنّ الفرق بین المبدأ والمشتق إنّما هو بإعتبار اللّابشرطیّة والبشرط لائیّة، فمدلول المشتق ملحوظ لا بشرط ومدلول المادّة ملحوظ بشرط لا، ولهذا یصحّ حمل الأوّل علی الذّات دون الثّانی.
بیان ذلک، أنّ ماهیّة العرض والعرضی (المبدأ والمشتق) واحدة بالذّات والحقیقة، والفرق بینهما بالإعتبار واللّحاظ، من جهة أنّ لماهیة العرض حیثیتین واقعیّتین: الأوّلی حیثیّة وجوده فی نفسه، والثّانیة وجوده لموضوعه، فهی تارة تلحظ من الحیثیّة الأوّلی، وبما هی موجودة فی حیالها وإستقلالها، وأنّها شیء من الأشیاء فی قبال وجودات موضوعاتها، فهی بهذ الإعتبار واللّحاظ عرض ومبدأ (بشرط لا) وغیر محمول علی موضوعه لمباینته معه فی الخارج، وملاک صحة الحمل الإتحاد فی الوجود، وتارة أخری: تلحظ بما هی فی الواقع ونفس الأمر، وأنّ وجودها فی نفسه عین وجودها لموضوعها، وأنّه ظهوره وطور من أطواره ومرتبة من وجوده، وظهور الشیء لا یباینه، فهی بهذ الإعتبار عرضی ومشتق (لابشرط)، فیصح حملها علیه.
وبنفس هذا البیان قد جروا فی مقام الفرق بین الجنس والمادة والفصل والصورة، حیث قالوا إنّ الترکیب بین المادّة والصّورة، ترکیب إتّحادی لا إنضمامی، لأنّهما موجودتان فی الخارج بوجود واحد حقیقة، وهو وجود النّوع، کالإنسان ونحوه، لأنّ المرکبات الحقیقیة لابد لها من جهة وحدة حقیقیة، وإلّا لکان الترکیب بین أجزائها إنضمامیّاً، ومن الطبیعی أنّ الوحدة الحقیقیّة لاتحصل إلّا إذا کان أحد الجزئین قوّة صرفة، والآخر فعلیة محضه، فإنّ الإتحاد الحقیقی بین الجزئین فعلیین أو الجزئین کلیهما بالقوة غیر معقول، لإباء فعلیته عن فعلیة أخری، وکذالک کل قوّة عن قوّة أخری، ولذلک صحّ حمل کل من الجنس علی الفصل وبالعکس وحمل کل منهما علی النّوع وکذا العکس، من الواضح أنّ التّرکیب لو کان انضمامیاً لم یصح الحمل، لمکان المباینة والمغایرة، وعلی هذا، فالتحلیل بین أجزاء المرکبات الحقیقیة لامحالة تحلیل عقلی، بمعنی أنّ العقل یحلّل تلک الجهة الواحدة إلی ما به الإشتراک وهو الجنس وما به الإمتیاز وهوالفصل، فالجنس هو الجهة الجامعة والمشترکة بین هذه الحقیقة الواحدة وبین سائر الحقائق ویعبّر عن تلک الجهة الجامعة بالجنس بلحاظ الأجزاء الذهنیّة التحلیلیّة، وبالمادة بلحاظ الأجزاء الخارجیة التحلیلیّة، وأمّا الفصل فهو الجهة الممیزة بین تلک الحقیقة الواحدة وبقیة الحقائق ویعبّر عن تلک الجهة الممیّزة بالفصل بلحاظ عالم الذهن وبالصّورة بلحاظ عالم الخارج، لیس ذلک إلّا من جهة أنّ اللحاظ مختلف.
فقد تلاحظ جهة الإشتراک فی الخارج بما لها من المرتبة الخاصة والدرجة المخصوصة من الوجود الساری، وهی کونها قوّة صرفة ومادّة محضة، وقد تلاحظ جهة الإمتیاز کذلک بما لها من المرتبة الخاصّة من ذلک الوجود الساری، وهی کونها فعلیّة وصورة، وحیث إنّ الدرجتین والمرتبتین بما هما درجتان ومرتبتان متباینتان، فلا یصحّ حمل إحداهما علی الأخری، ولا حمل کلیّتهما علی النّوع لمکان المباینة والمغایرة، والمعتبر فی صحّة الحمل الإتحاد فی الوجود.
وقد تلاحظ کل من جهتی الإشتراک والإمتیاز بما لهما من الإتحاد الوجودی فی الواقع، نظراً إلی شمول الوجود الواحد لهما، هوالسّاری من الصّورة وما به الفعلیة إلی المادّة وما به القوّة، متحدتان فی الخارج بوحدة حقیقیّة، لأنّ الترکیب بینهما إتحادی لا انضمامی، کما مرّ وبهذ اللّحاظ صحّ الحمل، کما أنّه بهذا اللحاظ یعبر عن جهة الإشتراک بالجنس، عن جهة الإمتیاز بالفصل، وهذا هو مرادهم من لحاظهما لا بشرط. فالنتیجة أن ما به الإشتراک: إن لوحظ لا بشرط، فهو جنس قابل للحمل علی الفصل والنّوع، وإن لوحظ بشرط لا، فهو مادّة غیر قابلة للحمل علی الصّورة ولا علی النّوع، وکذا ما به الإمتیاز، فإنّه إن لوحظ لا بشرط، فهو فصل قابل للحمل علی الجنس والنّوع، وإن لوحظ بشرط لا، فهو صورة غیر قابل للحمل علی المادة ولا علی النّوع[95].
وقال المحقق الخراسانی(ره): إنّ أسماء الأزمنة خارجة عن محل النزاع، بتقریب أنّ إمکان انحفاظ الذّات مع زوال المبدأ عنها غیر متوفر فیها، بإعتبار أنّ الذّات فیها هی نفس الزّمان، وهو ینصرم آناً فآناً، ولا یعقل انخفاظه وبقاؤه، (أنّ دخول کل اسم فی موضوع البحث المشتق منوط بتوفّر أمرین فیه أحدهما: أن یکون الإسم جاریاً علی الذّات المتلبّسة بالمبدأ بنحو من أنحاء التّلبّس ومحمولاً علیه حقیقة، وثانیهما: بقاء الذّات فی حال إنقضاء المبدأ عنها وعدم إستحالة ذلک، بأنّ تکون الذات جامعة بین الفرد المتلبّس بالمبدأ والفرد المنقضی عنه المبدأ)، وعلی هذا، فالزّمان الذی وقع فیه المبدأ، فقد انصرم ومضی، والزمان الذی هو موجود فعلاً لم یقع فیه المبدأ، ونتیجة ذلک أنّ الشّرط الثانی غیر متوفّر فیها، فلذلک تکون خارجة عن محل النّزاع[96].
وقد أجیب عن هذالإشکال آیة الله الخوئی(ره): من أنّ هذ الإشکال مبنی علی أن یکون لأسماء الأزمنة وضع علی حدة فی قبال أسماء الأمکنة، ولکن الأمر لیس کذالک، فإنّ الهیئة المشترکة بینهما وهی هیئة «مفعل» موضوعة بوضع واحد لمعنی واحد کلی، وهو ظرف وقوع الفعل فی الخارج أعم من أن یکون زماناً أو مکاناً، وقد مر: أنّ النّزاع فی المقام إنّما هو فی وضع الهیئة بلا نظر إلی مادّة دون مادّة، فإذا لم یعقل بقاء الذات فی مادة مع زوالها، لم یوجب ذلک عدم جریان النّزاع فی الهیئة نفسها التی هی مشترکة بین ما یعقل فیه بقاء الذّات مع انقضاء المبدأ عنها وما لا یعقل فیه ذلک، وحیث إنّ الهیئة فی محل البحث وضعت لوعاء المبدأ الجامع بین الزّمان والمکان کان النّزاع فی وضعها لخصوص المتلبّس أو الأعم نزاعاً معقولاً، غایة الأمر أنّ الذّات إذا کانت زماناً یعقل بقاؤها مع زوال التّلبس عن المبدأ، وإذا کانت مکاناً یعقل فیه ذلک، ولا مانع من وضع اللّفظ للجامع بین الفرد الممکن والممتنع إذا تعلقت الحاجة بتفهیمه. نعم، لو کانت هیئة إسم الزّمان موضوعة بوضع علی حدة لخصوص الزّمان الذی وقع فیه الفعل، لم یکن مناص من الإلتزام بخروج إسم الزمان عن محل النّزاع[97]. وقد سبقه فی هذا جواب المحقق الإصبهانی(ره)، فالعناین الذاّتیة، کالإنسان والحیوان ونحوهما خارجة عن محل النّزاع بمقتضی الأمر الثانی، حیث إنّه لا یمکن انفکاک الذّات عن المبدأ فی تلک العناوین حتی فی عالم التّصور واللّحاظ فضلاً عن عالم الخارج علی أساس أنّ المبدأ فیها صورة نوعیة للذاّت ومتحد معها ولا مغایرة بینهما[98].
الفرق بین المشتق الأصولی والنّحوی
المراد من المشتق الأصولی: كل عنوان عرضی كان جاریاً على الذّات متّحداً معها وجوداً على وجه یصح حمله علیها، سواءكان من المشتق الإصطلاحی، كضارب ومضروب، أو لم یكن، كبعض الجوامد التی تكون من العناوین العرضیة مقابل العناوین الذاتیة، كالزوجیة والرقیة والحریة، وغیر ذلك من العناوین العرفیة[99].
وعرّف المشتق فی أجود التقریرات هكذا: كل مفهوم جار على الذّات ولم یكن ذاتیة (كالإنسانیة والحیوانیة والناطقیة) أو منتزعة عن مقام الذّات (كعنوان العلة والمعلول والممكن، سواء كان مبدأه من المصادر الحقیقیة المتصرفة أو من المصادر الجعلیة غیر المتصرّفة كالزّوجیة والرقیة وأمثالهما[100].
وعرّف أهل الأدب المشتق: بأنّه لفظ مأخوذ من لفظ آخر مع إشتماله على حروفه وموافقته معه فی التّرتیب أو مطلقاً[101].
فالنّسبة بینهما عموم من وجه لاجتماعهما فی أسماء الفاعلین والمفعولین والصفات المشبهة بالفعل وغیرها وإفتراق المشتق الأصولى من النّحوی فی الجوامد الجاریة على الذّوات بإعتبار إتّصافها بالمبادیء الجعلیة، كالزّوج والحرّ والرّق ونحوها وإفتراق المشتق النّحوی من الأصولی فی الأفعال والمصادر لعدم حملهما على الذّوات.
خروج الأفعال والمصادر عن بحث المشتق
خروج المصادر عن حریم النّزاع إنّما یكون لوجهین:
أحدهما: عدم جرى المبادى على الذّوات.
والآخر: عدم جامع بین حالتی التّلبس والانقضاء حتى یمكن أجراء نزاع المشتق فی المصادر، إذ المفروض عدم دلالة المبادى على الذّوات الباقیة فی حالتی التّلبّس والانقضاء، ولاجامع بین وجود المبدأ وعدمه، فخروج المصادر بقسمیها یكون خروجاً تخصّصیًّا.
وأمّا خروج الأفعال: فإنّ للأفعال مادة وهیئة، أمّا المادة، فلا تدل إلّا على نفس الطّبیعة المبهمة المعرّاة عن كل خصوصیة خارجة عنها، وهی المعبّر عنها فی بحث المشتق بالمبدأ، ولا یصح حمل المبدأ على الذات، وأمّا الهیئة، فلا تدل إلّا على كیفیة قیام المبدأ بالذّات، فلا تدل الأفعال لا بمادتّها ولا بهیأتها على ذات متلبّسة بالمبدأ حتّى یصحّ جریها علیها على حذو جریان إسم الفاعل ونحوه علیها[102].
أقسام المبادیء فی المشتقات
المبادی فی المشتقات مختلفة: فی بعضها حرفة، كما فی التاجر والخباز؛ وفی بعضها صناعة، كما فی الصائغ والبنّاء؛ وفی بعضها قوة وملكة، كما فی الكاتب والمجتهد؛ وفی بعضها شأنیة وقابلیة، كما فی السیف القاطع والسمّ القاتل؛ وفی بعضها فعلیاً، كما فی القائم والقاعد.[103]
أنحاء اتحاد الذّات بالمبادیء
ألمشتق الأصولی یحمل على الذّات، فلابدّ من الإتحاد بین المبدأ والذات، سواء كان بنحو الحلول، کالأبیض أو بنحو الانتزاع، كالمالك أو بنحو الصدور، كما فی الضارب أو بنحو الإیجاد، كما فی المتّكلم.
الفرق بین الدلیل والأصل
الأصل لا یكون لسانه لسان الواقع (لا یكون ناظراً إلی الواقع)، بل یكشف ویعین وظیفة الجاهل فی ظرف الشك، ویخرج المكلف عن التّحیر والتّردید، والدلیل یكون لسانه لسانَ الواقع، ویكشف عن الواقع (یكون ناظراً إلی الواقع)، ویعیّن وظیفة واقعی المكلف.
الفرق بین الدلیل والأمارة
الدلیل والأمارة، هما کاشفان عن الواقع إلّا أنّ الدّلیل فی الشّبهة الحكمیة، والأمارة فی الشّبهة الموضوعیة، وأنّ الدلیل یبین حكماً كلیاً والأمارة تبین حكماً جزئیاً[104].
الفرق بین الدلیل الإجتهادی والفقاهتی
یعبّر عن الدلیل الدّال على الحكم الظاهری بالدّلیل الفقاهتی، كما یعبّر عن الدلیل الدّال على الحكم الواقعی بالدلیل الإجتهادی، ووجه المناسبة فی هذا التعبیر والإصطلاح ما ذكره فی تعریف الفقه والإجتهاد، فإنّهم عرفوا الفقه: «بأنّه العلم بالأحكام الشّرعیة الفرعیة عن أدلّتها التفصیلیة»[105]. ومرادهم من الأحكام هو الأعم من الأحكام الظّاهریة والواقعیة، بقرینة ذكر لفظ العلم ضرورة أنّ الأحكام الواقعیة لا طریق إلی العلم بها غالباً، فناسب أن یسمّى الدّلیل الدّال على الحكم الظاهرى بالدلیل الفقاهتی، لكونه مثبتاً للحكم المذكور فی تعریف الفقه.
وعرّفوا الإجتهاد بأنّه استفراغ الوسع لتحصیل الظّن بالحكم الشرعی، ومن الواضح أنّ المراد بالحكم هو خصوص الواقعی بقرینة أخذ الظّن فی التعریف، فإنّه هو الذی قد یحصل الظّن به للمجتهد، وأمّا الحكم الظاهری فیعلمه المجتهد لا محالة، فناسب أن یسمّى الدّلیل الدال على الحكم الواقعی بالدّلیل الإجتهادی، لكونه دلیلاً على الحكم المذكور فی تعریف الإجتهاد[106].
كما قال شیخ الأنصاری(ره) فی فرائده: هذان القیدان إصطلاحان من الوحید البهبهانی(ره) لمناسبة مذكورة فی تعریف الفقه والإجتهاد [107].
الفرق بین الطرق والأمارات
كثیراً ما تطلق الأمارات والطّرق والأدلّة على معنى واحد، أی علی كل شیء یثبت متعلقه ولا یبلغ درجة القطع، ولكن قد یقال: الطّرق عبارة عن الأمور المنصوبة لإفادة الأحكام، كخبر الواحد؛ والأمارات عبارة عن الأمور المنصوبة لإفادة الموضوعات، کالبینة[108].
الفرق بین الأصول المحرزة وغیرها
للعلم جهات ثلاث:
الأوّلى: إنّ العلم صفة قائمة بنفس العالم؛
الثانیة: جهة إضافة الصّورة إلی ذی الصّورة أی الطریقیة؛
الثالثة: الجرى العملی على طبقه الطّرق والأمارة، كالعلم فی الجهة الثانیة والأصول، کالعلم فی الجهة الثالثة[109].
الأصول المحرزة، هی التی أخذ فی موضوعها الشّك، وكانت ناظرة إلی الواقع، مثل الإستصحاب وقاعدة التّجاوز والفراغ بناء على عدم كونها من الأمارات، وقاعدة عدم اعتبار الشّك من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر، وقاعدة عدم إعتبار الشّك ممن كثر شکه وتجاوز عن المتعارف، وغیرها من القواعد النّاظرة إلی الواقع فی ظرف الشك.
والأصول الغیر المحرزة، هی التی لیس لها نظر إلی الواقع، بل هی وظائف عملیة مجعولة للجاهل، كالبرائة العقلیة والشّرعیة والأحتیاط العقلى والشرعی[110].
المجعول فی الطّرق والأمارات
المختار عند صاحب الکفایة(ره): ألمجعول فی باب الأمارات هو المنجزیة والمعذریة[111]. وأمّا عند المحقق النّائینی(ره) والإمام الخوئی(ره)، كما فی تقریراتهما[112]: أنّ الصّحیح فی باب الأمارات، هو القول بأنّ المجعول هو الطّریقیة والكاشفیة[113] لا القول بأنّ المجعول هو المنجزیة والمعذریة، لكونه مستلزماً للتخصیص فی حكم العقل، وحكم العقل بعد ثبوت ملاکه غیر قابل للتخصیص، لأنّ العقل مستقل بقبح العقاب بلابیان واصل مطلقاً، سواء كان البیان أمارة أو غیرها، فالعقل بنفسه یحكم بالتنجّز مع قیام الأمارة على التكلیف بلا حاجة إلی جعل التّنجز، فلو جعل الشارع الأمارة منجّزة للتكلیف، بأنّ یكون المجعول كون المكلف مستحقّا للعقاب على مخالفة التّكلیف، لزم التّخصیص فی حكم العقل، بأنّ یقال: العقاب بلا بیان قبیح إلّا مع قیام الأمارة على التكلیف، فإنّ العقاب بلا بیان فی هذا المورد لیس بقبیح، وقد ذكرنا أنّ حكم العقل غیر قابل للتّخصیص(مع تصرّف منّا).
المستفاد من أخبار من بلغ
لا إشکال فی حجیتها؛ إمّا لتواترها معنى أو إستفاضتها، وإمّا لصحة بعضها أو حسنه، إنّما الكلام فی مفادها والمحتملات فیها الدّلالة:
الأوّل: أن یكون مفادها حكماً أصولیّاً، وهو حجیة الأخبار الضّعیفة الدّلالة على إستحباب بعض الأفعال، وأنّه لا یعتبر فیها ما أعتبر فی الخبر القائم على وجوب شیء من العدالة والوثاقة.
الثّانی: أن یكون مفادها حكماً فقهیّاً، وهو إستحباب العمل الذی بلغ الثواب علیه، فإذا بلغنا فی روایة ثوابٌ على عمل، صحّ الحكم باستحباب ذالك العمل مع قطع النّظر عن سندها، وهذا الإحتمال الثّانی یحتمل وجهین:
أحدهما: أن یكون موضوع هذا الحكم الفقهی هو العمل بعنوان أولی، لا بعنوانه الثّانوی وهو كونه ممّا بلغ علیه الثّواب، بحیث یكون بلوغ الثّواب علیه دخیلاً فی موضوع الحكم، وجهةً تقییدیةً لترتّب الحكم علیه.
وبعبارة أخرى: أن یكون مفادها الأرشاد إلی حكم العقل بحسن الانقیاد وترتّب الثّواب على الإتیان بالعمل الذی بلغ علیه الثّواب وإن لم یكن الأمر كما بلغه.
ثانیهما: أن یكون موضوعه العمل بوصفکونه مما بلغ علیه الثواب، بحیث یكون بلوغ الثّواب دخیلاً فیموضوعالحكم، وجهة تقییدیة لترتّبه علیه.
وبعبارة أخرى: أن یكون مفادها إستحباب العمل بالعنوان الثّانوى الطّاری، أعنی به عنوان بلوغ الثّواب علیه، كعنوان الضرر والعسر والنّذر.
وظاهر المشهور هو الإحتمال الأوّل، واستظهر صاحب الکفایة(ره) من صحیحة هشام: الإحتمال الثّانی نظراً إلی ظهورها فی ترتّب الثّواب على نفس العمل بعنوانه الأوّلى، لا العمل بوصف کونه مما بلغ علیه الثّواب[114].
وأمّا شیخنا الأعظم(ره)، فأنّه- بعد ما استظهر من صحیحة هشام ونحوها، الإحتمال الثّالث من تلك الأخبار، أعنى إستحباب العمل بوصف کونه ممّا بلغ علیه الثّواب، فالمستفاد منها عنده هو إستحباب الإحتیاط[115].
والإمام الخوئی(ره) أیضاً اختار الاحتمال الثّانی: فإنّ مفاد أخبار من بلغ مجرد أخبار عن فضل الله تعالی، وأنّه سبحانه بفضله ورحمته یعطى الثّواب الذی بلغ العامل، وإن كان غیر مطابق للواقع (كما فی صحیحة هشام ابن سالم، بما ورد فی خبر محمد بن مروان، عن أبی عبدالله، قال: «مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِی شَیءٌ مِنَ الثَّوَابِ فَفَعَلَ ذَلِكَ طَلَبَ قَوْلِ النَّبِی كَانَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ وإِنْ كَانَ النَّبِی لَمْ یقُلْهُ»[116]. وقال فی ختام كلامه: فتحصل أن قاعدة التسامح فی أدلّة السّنن ممّا لا أساس لها، وبما ذكرناه من عدم دلالة هذه الأخبار على الإستحباب الشّرعی سقط كثیر من المباحث التی تعرّضوا لها فی المقام[117].
الفرق بین الأصول اللفظیة والعملیة
١. الأصول العملیة مجعولة فی مرتبة عدم الوصول إلی الواقع والیأس عنه، بخلاف الأصول اللّفظیة- كإصالة العموم والإطلاق- فأنّها واقعة فی طریق إحراز الواقع والوصول إلیه وإستخراج المراد النّفس الأمری منها.
٢. كما لا یجوز الأخذ بالأصول العملیة قبل الفحص عن أدلة الأحكام، لا یجوز الأخذ بالأصول اللفظیة قبل الفحص عن المقید والمخصّص، والفرق بین البابین من جهة أنّ الفحص فی الأصول العملیة إنّما یكون فحصاً عن أصل الحجة، حیث أنّ حجیة الأصول العملیة مقصورة على ما بعد الفحص، ولیس لها مقتضى قبل الفحص، فالفحص فیها یكون لإحراز المقتضی لجریانها.
وأمّا فی الأصول اللفظیة: فالفحص فیها إنّما یكون فحصاً عمّا یزاحم الحجیة، وعمّا یعارضها بعد الفراغ عن حجیتها، وثبوت المقتضی لها، لبناء العقلاء على الأخذ بها فی محاوراتهم العرفیة، فالفحص فیها یكون فحصاً عن المانع لا عن المقتضی[118].
الفرق بین الحكم الواقعی والظّاهری
ینقسم الحكم الشرعی إلی الواقعی: وهو الحكم المجعول للموضوعات الخارجیة من دون اعتبار علم المكلف به أو جهله وأنّه مشترك بین العالم والجاهل، والظاهری: وهو الحكم المجعول للموضوعات بملاحظة عدم العلم بأحكامها الواقعیة، وقال المحقق المظفّر(ره): للحكم الظّاهری اصطلاحان: أحدهما: فی مقابل الحكم الواقعی المستفاد من الأدلة الإجتهادیة، فیختصّ الظّاهری بما ثبت بالأصول العملیة. وثانیهما: كل حکم ثبت ظاهراً عند الجهل بالحكم الواقعی الثّابت فی علم الله تعالی، فیشمل الحكم الثابت بالأمارات والأصول معاً[119].
طریق الجمع بین الحكم الواقعی والظّاهری
لقد ثبت فی بابه أنّ الشّارع جعل الأمارة حجة مع تمكّن المكلّف من تحصیل الواقع، فإنّ كانت الأمارة مطابقة للحكم الواقعی، فیلزم من حجیتها اجتماع المثلین، وهما الحكم الواقعی المشترك بین العالم والجاهل، والحكم الظّاهری المجعول بمقتضى حجیة الأمارة وإن كانت مخالفة له، فیلزم اجتماع الضدین وکلا هما محال[120].
وأجاب المحققون عن كلا المحذورین، أمّا الجواب عن المحذور الأوّل: فأنّه لا مجال لتوهم اجتماع المثلین على القول بالطّریقیة أصلاً؛ إذ علیه لا یكون هناك إلاّ حکم واحد، إنّما التّعدد فی مجرد الإنشاء لغرض الوصول إلی المكلّف، نظیر ما إذا قال المولى لعبده «أكرم زیداً»، فلم یصل إلیه أو لم یعرفه، فأشار بیده إلیه، وقال «أكرم هذا الرّجل»، ومن الواضح أنّ الحكم فی مثل ذلك واحد، إنّما التّعدد فی إبرازه وإنشائه. وأمّا على القول بالسببیة، فلا محالة یكون هناك حكمان، الّا أنّه لا یلزم منه اجتماع المثلین، بل یوجب التأكّد، أنّ النّسبة بینهما هی العموم من وجه، بإعتبار أنّ الأمارة قد تكون مخالفة للواقع، قد تكون مطابقة للواقع، وقد یكون الحكم الواقعی متحقّقة بلا قیام أمارة علیه، فالصّورة الثّانیة تكون مورداً للإجتماع، ویكون الحكم فیه متأكّداً، كما هو الحال فی سائر موارد اجتماع العنوانین.
وامّا الجواب عن المحذور الثّانی: هو ما إذا كانت الأمارة مخالفة للواقع، فقد أجیب عن توهم اجتماع الضّدین بوجوه:
منها: ما ذكره شیخنا الانصاری(ره) ملخّص ما أفاده أنّه: یعتبر فی التّضاد ما یعتبر فی التّناقض من الوحدات الثّمان – أو التّسعة مع الاتحاد فی المرتبة – لأنّ إستحالة التّضاد إنّما هی لرجوعه إلی التّناقض، بإعتبار أنّ وجود كل من الضدین یلازم عدم الآخر، فبانتفاء إحدى الوحدات ینتفی التّضاد ومن الوحدات المعتبرة فی التّناقض هی وحدة الموضوع، إذ لا مضادة بین القیام والقعود مثلاً لو كانا فی موضوعین وعلیه، فلا مضادة بین الحكم الواقعی والظّاهری لتعدد موضوعیهما، فإنّ موضوع الأحکام الواقعیة هی الأشیاء بعناوینها الأوّلیة، وموضوع الأحكام الظّاهریة هی الأشیاء بعناوینها الثّانویة، أی بعنوان أنّها مشكوك فیها[121].
وذكر بعض الأجلاّء أنّ ما ذكره الشّیخ الأنصاری(ره) هذا یكون جواباً عن كلا المحذورین: بأنّ الحكم الظّاهری متأخرٌ عن الحكم الواقعی وموضوعه، فلا یلزم محذور اجتماع المثلین أو الضّدّین لتغایر الموضوعین[122].
ومنها: ما ذكره صاحب الکفایة(ره) فی حاشیته على الرّسائل وفی الکفایة: بأنّ المجعول فی باب الطّرق والأمارات هو الحجیة التی هی عبارة عن المنجّزیة مع المطابقة والمعذّریة مع المخالفة، لا تستتبع حكماً تكلیفیاً، فلا یلزم اجتماع حكمین أصلاً، لا المثلین ولا الضّدین؛ إذ لیس المجعول الّا الحكم الواقعی فقط[123].
وإن قلنا بأنّ الحجیة المجعولة للطرق والأمارات تستتبع حكماً تكلیفیاً أو أنّ المجعول حقیقة هو الحكم التّكلیفی والحجیة منتزعة منه، فاجتماع الحكمین وإن كان یلزم، إلّا أنّه لا یلزم منه اجتماع المثلین أو الضّدین، ثم ذكر فی وجه ذلك تعبیرات مختلفة، فذكر تارةً: أنّ الحكم الواقعی شأنی والحكم الظاهری فعلیّ – فیكون بینهما إختلاف فی الرّتبة- وأخرى: أنّ الحكم الواقعی إنشائی والحكم الظّاهری فعلی، وثالثة: أنّ الحكم الواقعی فعلیّ من بعض الجهات والحكم الظّاهری، فعلّى من جمیع الجهات والمضادة بین الحكمین انّما هی فیما إذا كان الحكمان كلاهما فعلیین من جمیع الجّهات[124].
ومنها: ما ذكره المحقق الخراسانی فی الکفایة ما محصلّه: أنّ الحكم على قسمین:
الأوّل: حقیقی ناش عن مصلحة أو مفسدة فی متعلقه، بناء على مذهب مشهور العدلیة من تبعیة الأحكام للمصالح والمفاسد فی المتعلقات.
الثّانی: طریقی ناش عن مصلحة فی نفسه لا فی متعلقه، كالأوامر الامتحانیة فی عدم وجود مصلحة فی متعلقتها، وحینئذ فحیث أنّ الأمر الطّریقی غیر كاشف عن مصلحة فی متعلقه ولا عن إرادة له، بل المصلحة فی جعل نفس الطّریقیة للأمارة والحكم الحقیقی کاشف عن المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة فی نفس متعلقه، لم یلزم اجتماع حكمین مثلین أو ضدین فی مورد واحد؛ إذ المفروض أنّه لیس فی مورد الأمارات حكم حقیقی کاشف عن مصلحة أو مفسدة وإرادة أو كراهة، حتى یلزم اجتماع مثلین أو ضدین، بل المصلحة أو المفسدة وكذا الإرادة أو الكراهة منحصرة فی الحكم الواقعی[125].
وغایة الأمر أنّه حینئذ یلزم اجتماع حكمین حقیقیّ وطریقی، لا محذور فیه، لكونهما نوعین مختلفین والممتنع إنّما هو اجتماع فردین من نوع واحد، کاجتماع الوجوبین الحقیقیین أو الطّریقیین أو الفعلیین أو الانشائیین.
ومنها: ما ذكره المحقق النائینی(ره): بأنّ المجعول فی باب الطرق والأمارات هو مجرد الطّریقیة والكاشفیة بإلغاء إحتمال الخلاف، فلا یكون هناك حكم تكلیفی حتى یلزم اجتماع الضدین، بل حال الأمارة هی حال القطع، لأنّ الشارع إعتبرها علماً فی عالم التشریع، فكما یكون العلم الوجدانی منجزاً مع المطابقة ومعذراً مع المخالفة، فكذلك العلم التعبّدی یكون منجّزاً ومعذّراً[126]، وكذا الحال فی الأصول المحرزة النّاظرة إلی الواقع بإلغاء جهة الشّك، كالإستصحاب وقاعدة الفراغ والتّجاوز ونحوها؛ إذ المجعول فیها أیضاً هی الطّریقیة والكاشفیة، لكن لا من جمیع الجّهات، بل من حیث الجرى العمل فی موردها فقط، فلیس فی موردها حكم مجعول حتى یلزم اجتماع الضّدین، وأمّا الأصول الغیر المحرزة التی لیست ناظرة إلی الواقع، فإنّ الحكم الظّاهری فی مواردها وإن كان متحققة، ولكن لا یلزم اجتماع الضّدین؛ لأنّ الحكم الظاهری مجعول فی طول الحكم الواقعی، وفی فرض الشّك فیه لا فی مرتبته، فلا مضادّة بینهما.
الإمام الخوئی(ره) لقد تلقّی بالقبول ما ذكره المحقق النائینی(ره) فی دفع الإشكال عن الأمارات والأصول المحرزة، وأمّا ماذكره فی الأصول غیر المحرزة، فقال: إنّه غیر مفید فی دفع الإشكال، لأنّ اختلاف المرتبة لا یرفع التّضاد بین الحكمین، والسّرّ فیه: أنّ المضادّة إنّما هی فی فعلیة حكمین فی زمان واحد، سواء كانا من حیث الجعل فی مرتبة واحدة أو فی مرتبتین، وقال: التّحقیق فی دفع الإشكال أن یقال: إنّ الأحكام الشّرعیة لا مضادّة بینها فی أنفسها، إذ الحكم لیس إلّا الإعتبار أی إعتبار شیء فی ذمّة المكلف من الفعل أو التّرك، كإعتبار الدّین فی ذمّة المدیون عرفاً وشرعاً، ولذا عبّر فی بعض الأخبار عن وجوب قضاء الصّلوات الفائتة بالدّین كما فی قوله: «أنّ دَین الله احقّ أن یقضى». ومن الواضح عدم التّنافی بین الأمور الإعتباریة، وكذا لا تنافی بین إبرازها بالألفاظ إنّما التّنافی بینها فی موردین:
المبدأ (المصلحة والمفسدة) والمنتهى (مقام الإمتثال) وأمّا بین الحكم الواقعی والظاهرى، فلا تنافی أصلاً لا من ناحیة المبدأ ولا من ناحیة المنتهى؛ لأنّ هذا التّضاد العرضی بین الأحكام یختصّ بما إذا كان الحكمان من سنخ واحد، بأنّ كان كلاهما واقعیاً أو كلاهما ظاهریاً بخلاف ما إذا كان أحدهما واقعیاً والآخر ظاهریاً، فإنّه لا مضادّة بینهما من ناحیة المبدأ ولا من ناحیة المنتهی.
أمّا من ناحیة المبدأ، فلأن المصّلحة فی الحكم الظّاهری إنّما تكون فی نفس جعل الحكم لا فی متعلقه، كما فی الحكم الواقعی، فلا یلزم من مخالفتهما اجتماع المصلحة والمفسدة أو وجود المصلحة وعدمه أو وجود المفسدة وعدمه فی شی واحد.
وأمّا من ناحیة المنتهى، فلان الحكم الظّاهری موضوعه الشّك فی الحكم الواقعی وعدم تنجّزه، لعدم وصوله إلی المكلّف، فما لم یصل الحكم الواقعی إلی المكلّف لا یحكم العقل بلزوم إمتثاله ولا بإستحقاق العقاب على مخالفته، وإذا وصل الحكم الواقعی إلی المكلف لا یبقى مجال للحكم الظّاهری لإرتفاع موضوعه بوصول الواقع[127].
الفرق بین الأمور الانتزاعیة والإعتباریة
الأمور الانتزاعیة لیس بازائها شیء فی الخارج؛ سوى منشأ الانتزاع، كالفوقیة والتحتیة والأبوّة والبنوّة و… بخلاف الأمور الإعتباریة، فلیس لها تحقق إلّا فی عالم الإعتبار وتترتب علیها الآثار ولیست من الأمور الخیالیة، ونذكر هنا ما أفاد بعض الأعاظم من المعاصرین فی هذا المقام، وهذا نص عبارته اللمخطوطة: المفاهیم الانتزاعیة المنتزعة عن الخارجیات من دون أن یكون لها وجودات على حدة وراء وجودات منشأ الانتزاع، فتحمل علیها بنحو الخارج المحمول لا المحمول بالضمیمة (سیأتی الفرق بینهما) قال فی المنظومة:
والخارج المحمول من صمیمة یغایر المحمول بالضمیمة[128]
الأمور الإعتباریة المحضة التی لا واقعیة لها فی عالم الخارج أصلاً، وإنّما توجد فی وعاء الفرض والإعتبار بإعتبار من له الإعتبار عرفاً أو شرعاً بلحاظ الآثار المترتبة منها عند العقلاء، وذلك، كالمناصب الاعتباریة بمراتبها والأحكام الشّرعیة التّكلیفیة والوضعیة، ومن هذا القبیل الزوجیة المعتبرة بین الزّوجین والملكیة الإعتباریة.
الفرق بین المسئلة الأصولیة والقواعد الفقهیة
إنّ المبحوث عنه فی المسئلة الأصولیة لا یكون بنفسه من الأحكام الفرعیة، وانّما یكون من مبادیها التّصدیقیة، كمسئلة حجیة ظواهر الكتاب ومسئلة ظهور الأمر فی الوجوب وغیر هما، وهذا بخلاف المبحوث عنه فی القاعدة الفقهیة، فإنّه بنفسه حکم فرعی، كقاعدة التّجاوز، فإنّها بنفسها حكم فرعی یبحث عنها فی الفقه، وبعبارة أخرى: أنّ النتیجة الحاصلة فی المسئلة الأصولیة، إنّما تكون حكماً كلیاً مستنبطاً من ضمّ صغری المسئلة إلی كبراها، كوجوب الصلاة، مثلاً: فإنّه حکم مستنبط من ضم ظهور آیة ﴿اَقِم الصَلَاة﴾ إلی كبرى حجیة ظواهر الكتاب المبرهن علیها فی المسئلة الأصولیة، وهذا بخلاف النّتیجة الحاصلة فی القاعدة الفقهیة، فإنّها تكون حكماً جزئیاً مستفاداً من تطبیق كبرى القاعدة على صغراها، كلزوم المضی عند الشّك فی الرّكوع بعد تجاوز محلّه، فإنّه حكم جزئیّ مستفاد من تطبیق كبری قاعدة التّجاوز على صغراها[129].
والأصول والقواعد التی تجرى فی الشبّهات الحكمیة تكون من المسائل الأصولیة وتستنبط منها الحكم الکلی، وأمّا الأصول والقواعد التی تجری فی الشّبهات الموضوعیة، كإصالة الطهارة والحلیة، مثلاً: كون من القواعد والمباحث الفقهیة وتستنبط منها الحكم الجزئی[130].
مقایس المسئلة الأصولیة والفقهیة
فیه آراء ونظریات مختلفة للأعلام منهم الشّیخ الأعظم الأنصاری(ره) قال: كل ما كان أمر تطبیقه على موارده منحصراً بنظر المجتهد كان مسئلة أصولیة وما لیس كذلك فهی مسئلة فقهیة.
ومنهم المحقق آقا ضیاء العراقی(ره) قال: مقیاس المسئلة الأصولیة هو كون المسئلة بحیث یمكن أن تجعل نتیجتها كبری قیاس یستكشف به وظیفة كلیة للمكلف فی مقام العمل، سواء كانت الوظیفة المستكشفة حكماً واقعیاً، كما هو مفاد الأمارات بناء على تتمیم الکشف أو حكماً ظاهریاً، كما هو مفادها بناءً على تنزیل المؤدی – منزلة الواقع – أم وظیفة للمتحیر بما هو متحیّر، كما هو نتیجة الأصول العملیة الشرعیة أم حكماً عقلیاً، كما هو نتیجة الأصول العقلیة وهذا المقیاس أجود من مقیاس الذی ذكره الشّیخ الأنصاری(ره)[131].
حقیقة الحكم ومراتبه
الحكم، عبارة عن إعتبار نفسانی من المولى وبالإنشاء یبرز هذا الإعتبار النّفسانی، فهذا الإعتبار تارة: یكون بنحو الثّبوت، وأنّ المولى یثبت شیئاً فی ذمّة العبد، فیعبّر عنه بالوجوب، لكون الوجوب بمعنى الثّبوت؛ وأخرى: یكون بنحو الحرمان وأنّ المولى یحرم العبد عن شیء ویسدّ علیه سبیله، فیعبّر عنه بالحرمة، فإنّ الحرمة هو الحرمان عن الشیء؛ وثالثة: یكون بنحو التّرخیص وهو الإباحة بالمعنى الأعم، والعبارة الجامعة: أنّ الأحكام التّكلیفیة، عبارت عن الإعتبار الصّادر من المولى من حیث الإقتضاء والتّخییر، كما هو مذكور فی بعض الكلمات[132].
وعند بعض الأعاظم، كالعراقی(ره) حقیقة الحكم: عبارة عن الإرادة والكراهة المبرزة[133]، وعند المحقق الإصفهانی(ره): عبارة عن البعث النّسبی والزّجر النّسبی، أعنی: مفاد هیئت الأمر والنهی دون المادة[134].
وأمّا مراتب الحكم كما صرّح صاحب الکفایة(ره) فی حاشیة الرّسائل فی أول مباحث الظّن، وفی فوائده المطبوعة مع الحاشیة: بأنّ للحكم مراتب أربع:
الأوّلى: مرتبة الإقتضاء وربما یعبّر عنها بمرتبة الشأنیة، أی شأنیة الحكم للوجود بمعنى وجود ملاك یقتضى إنشاء الحكم له، كمعراج المؤمن، فإنّه یقتضی إنشاء الشّارع وجوب الصّلاة لإستیفاء ذلك الملاك، وبعبارت أخرى تكون مرتبة المصلحة والمفسدة.
الثانیة: مرتبة الإنشاء، أی جعل الحكم مجرّداً عن البعث والزّجر بأن تجاوز عن مرتبة الإقتضاء، وبلغ هذه المرتبة، فالحكم موجود إنشاءً وقانوناً، کأکثر أحکام الشّرع مما لم یؤمر الرّسول بتبلیغه فی صدر الإسلام لعدم إستعداداً المكلّفین لها.
ونذكر فیما یأتی إنشاء الله تعالی حقیقة الإنشاء وملخّصه: أنّ الإنشاء أیجاد المعنى با للفظ ایجاداً لفظیاً بحیث ینسب الوجود الواحد إلی اللفظ بالذات وإلی المعنی بالعرض، لا إلیهما بالذّات.
الثالثة: مرتبة الفعلیة: وهی بعث المولى وزجره، بأنّ یقول: إفعل أو لا تفعل مع عدم وصوله إلی المكلف بحجة معتبرة من علم أو علمی، فلا توجب مخالفته حینئذ ذمّاً ولا عقاباً، وفی هذه المرحلة یبلغ الحكم درجة حقیقة حكمیة ویكون حكماً حقیقیاً وبعثاً وزجراً جدیاً بالحمل الشایع الصّناعی.
الرابعة مرتبة التنجز: وهی وصول الحكم الفعلی إلی العبد بالحجة الذاتیة أوالمجعولة، فتكون مخالفته حینئذ موجبة لإستحقاق العقوبة[135].
لا یخفى ما فی جعل الإقتضاء والتنجز من مراتب الحكم، لأنّ الإقتضاء والتنجّز خارجان عن هویة الحكم، لأنّ الأوّل فی المبدأ، أی قبل الحكم. والثانی فی المنتهی، أی بعد الحكم، كما أفاد بعض المحققین من أساتیدنا فی جلسات درسه[136]. وقال بعض المعاصرین من الفضلاء: بأنّ للحكم مرتبة واحدة وهی مرتبة الإنشاء[137]. وهذا الكلام لا یخلو من القوّة حیث إنّ الحكم هوالمجعول التشریعی فی قبال المجعول التكوینی مع ملاحظة معنى الإنشاء.
الفرق بین الحكم التكلیفی والوضعی
إنّ الأحكام التكلیفیة عبارة عن الإعتبار الصّادر من المولى من حیث الإقتضاء والتخییر، وما سواها كلّه أحکام وضعیة، سواء كان متعلقاً بفعل المكلّف، كالشّرطیة والمانعیة والصّحة والفساد أم لا، كالملكیة والزّوجیة وغیر هما، فكل إعتبار من الشارع سوى الخمسة المذكورة حكم وضعی.
الحكم التّكلیفی قابل للجعل- الشّارع- إستقلالاً. والحكم الوضعی، كما ذكر صاحب الکفایة(ره)[138] على أقسام ثلاثة:
الأوّل: غیر قابل للجعل إستقلالاً وتبعاً، كالسّببیة والشّرطیة والمانعیة والرّافعیة للتكلیف.
الثّانی: ما یكون منتزعاً من التكلیف، کالشرطیة والمانعیة إذا أمر المولى بشیء مع التقیید بشیء وجوداً، كالطّهارة مثلاً، فتنتزع منه الشّرطیة أو عدماً، كالنّجاسة مثلاً، فتنتزع منه المانعیة.
الثاّلث: ما یكون مجعولاً بالجعل التشریعی مستقلاً، كالملكیة والزّوجیة، نقل عن بعض الأعلام: أنّهما انتزاعی، وأنّ الشّارع جعل حكمهما وأمّا جعلهما من العرف لا من الشّارع[139].
وأمّا سیدنا الخوئی(ره) قائل: بأنّ القسم الأوّل والثّانی من الأمور الانتزاعیة ومجعولان بالتّبع والقسم الثّالث، كما ذكره صاحب الکفایة(ره)[140]. یكون مجعولاً بالجعل الإستقلالی[141].
الفرق بین الملك والحق والحكم
الملكیة قد تطلق على السّلطنة والإحاطة الحقیقیة، كملكیة الله تعالی بالإضافة إلی المخلوقات.
وقد تطلق على السّلطنة الخارجیة التّكوینیة، كملكیة الإنسان لأفعال نفسه ولمّا فی ذمته، فإنّ الإنسان یملّك تكویناً ذلك، ولیست ملكیته له كملكیة عمل عبده أو اجیره، وهذه الملكیة معناها الاختیار، بحیث إن شاء فعل وإن شاء ترك، وهذا هو المراد بقوله تعالی عن کلیمه: ﴿رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسی وأَخی﴾[142]، أی لیس تحت إختیاری إلّا نفسی وأخی.
وثالثة: تطلق على الملكیة الإعتباریة وهی سلطنة إعتباریة تثبت بإعتبار من بیده الإعتبار من الشّارع والعقلاء.
هذه الملكیة لیست منتزعة من الأحكام التكلیفیة، لثبوتها فی موارد عدم ثبوت الحكم التّكلیفی، كالصّبی والمجنون، فإنّهما قد یملكان ولاتكلیف فی حقّهما، وقد ینعكس الأمر، فیكون التّكلیف ثابتاً دون الملكیة، كما فی المكلّف بالنسبة إلی مال الغیر، فإنّ التّكلیف موجود فی حقه من غیر أن یكون مالكاً، وقد یجتمعان، کالمكلف بالنسبة إلی أموال نفسه، فبین الملكیة والتكلیف عموم من وجه.
وهذه الملكیة أیضاً لیست من الأعراض المقولیة، لأنّ الملكیة لو كانت من الأعراض لاستحال تحققها مع عدم تحقق موضوعها فی الخارج، فإنّ وجود العرض فی نفسه عین وجوده لموضوعه مع أنّ الملكیة قد تثبت للمالك الکلّی، كما فی الزّكاة، فأنّها ملك لكلّى الفقیر وللمملوك الكلی، کالکلّی فی الذّمة، فثبوتها مع عدم وجود موضوعها من المالك والمملوك دلیل على أنّها لیست من الأعراض، وإنّما هی من الأمور الإعتباریة، فظهر مما بیناه أنّ الملكیة مجعول إعتباری مستقل غیر منتزع من الحكم التّكلیفی، كما أنّها لیست من المقولات العرضیة، فهى قسم من الحكم الوضعی.
وأمّا الحق، فهو فی اللغة بمعنى الثّابت، فیقال: هذا مطلب حق، أی ثابت ویطلق علیه تعالی أّنه الحق أی الثّابت[143].
إلّا أنّه بحسب الإصطلاح یراد به الحكم القابل للإسقاط، كما أنّ الحكم أیضاً له فی اللّغة معنى عام وفی الإصطلاح المقابل للحق یراد به الحكم غیر القابل للإسقاط.
ومرجع الحقّ الإصطلاحی إلی عدم جواز مزاحمة من علیه الحقّ لمن له الحقّ فی فعل متعلق الحقّ، سواء كان من علیه الحقّ شخصاً خاصاً، كمن علیه الخیار فی البیع، فإنّ من علیه حقّ الفسخ لا یجوز أن یزاحم من له الحق فی الفسخ، أو لم یكن شخصاً خاصاً، كما فی حق التحجیر، فیكون فی مورد الحق طرفان: من له الحقّ ومن علیه الحقّ، ولا یجوز لمن علیه الحقّ أن یزاحم من له الحقّ فی متعلّق الحقّ.
فالصحیح أنّ الحقّ لا یغایر الحكم، بل هو حكم شرعی إختیاره بید من له الحقّ إسقاطاً وإبقائاً.
فالحقّ فی الإصطلاح: حکم شرعی أستفید من الدّلیل قابلاً للإسقاط وفی قباله الحكم الذی لا یقبل الإسقاط[144].
والحق قد یطلق على ما لا یقبل الإسقاط من الحكم الشرعی، كما فی حق المارّة، فإنّه لیس الّا جواز التّصرف فی مال الغیر غیر القابل للإسقاط . وبالجملة: الحق الشّرعی لیس إلّا الحكم الشرعی، كما أنّ الحقوق العرفیة لیست الّا أحکاماً عرفیة.
وقال الأستاذ آیة الله العظمى الوحید الخراسانی(مدظلهالعالی) بعد ردّ الأقوال السبعة فی تعریف الملك: الحق أنّ حقیقة الملكیة الإعتباریة هی الإضافة والواجدیة فی وعاء الإعتبار دون الجدة، كما هوالمستفاد من الآیات واخبار الطّریقین وكلمات اللّغویین.
إذ العقلاء لا یرون فی إرتكازاتهم العقلائیة لملك المالك هیئة فی وعاء الإعتبار، کهیئة التعمّم والتقمّص مثلاً، نعم، یرون المالك واجدً بالنّسبة إلی المملوك، وبعد زوال الملك یرونه فاقدا لتلك الواجدیة والسّلطنة تعد من آثار الملك عرفاً وعقلاً.
وقال فی بحث الحقّ بعد ردّ سائر الأقوال: الحقّ عندنا هو المعنى الذی نعبّر فی الفارسیة(به سزاواری)، أی ما ینبغی أن یكون، والشاهد على هذا المدعی الإستعمالات الفصیحة كتاباً وسنّةً ولغةً [145].
الفرق بین النصّ والظّاهر والمجمل والمئوّل
الكلام على أربعة أقسام: النصّ والظّاهر والمجمل والمئوّل، لأنّ ما یتكلّم المتكلّم؛ إمّا نصّ فی المعنى، بحیث لا یحتمل معه الخلاف، فهو تصریح وإن أحتمل الخلاف، فإن كان المستفاد من الّلفظ أقوى، فهو ظاهر وإن كان إحتمال الغیر، أقوى فهو مئوّل كقوله تعالی: ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى﴾[146]. وإن كان كلا الإحتمالین مساویا،ً فهو مجمل[147].
الفرق بین الموضوعات والمتعلّقات
تسمّى الأعیان موضوعات للأحكام، كما أنّ الأفعال تسمّی متعلقات لها[148].
أمّا الأعیان، فلا معنى لتعلّق الحكم بها، بل یستحیل، وفی مثل قوله تعالی: ﴿حُرِّمَتْ عَلَیكُمْ أُمَّهاتُكُمْ﴾ [149]، ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهیمَةُ الْأَنْعام﴾[150]. فلابد أن یقدر فعل تصح إضافته إلی العین المذكورة فی الجملة (كالنکاح والأكل)، وهذا الإعتبار یكون متعلّقاً للحكم.
الفرق بین الحكم المولوىّ والأرشادی
كلّ ما ورد فی لسان الشّرع من الأوامر- والنواهی- فی موارد المستقلات العقلیة كقوله تعالی: ﴿أَطیعُوا اللَّهَ وأَطیعُوا الرَّسُولَ وأولِی الأمر مِنْكُمْ﴾[151]. إنّه أمر إرشادی لإجل الأرشاد إلی ما حكم به العقل، فحكم العقل هذا كاف لدعوة المكلف إلی الفعل الحسن، فلا حاجة إلی جعل الدّاعی من قبل المولى ثانیاً[152]، بل یكون عبثاً ولغواً، بل هو مستحیل، لأنّه یكون من باب تحصیل الحاصل. إذا لم یكن الحكم الشّرع فی طول حكم العقل، فهو حكم مولویّ وفی صورت الشّك یحمل على المولوی ویعبّر عنهما فی اصطلاح الأصولیین بالأمر التأسیسی والّتأكیدی.
مناط جعل الأحكام
المناط من جعل الأحكام؛ إمّا تحریك العبد وبعثه نحوالعمل، وإمّا لمصحّحیة العبادیة للعمل إذا كان العبد متحرکاً، نحو: العمل من دون تحریك المولى، فجعل الوجوب حینئد لإسناد العبد عمله إلی بعث المولى، ولأن یكون عمله مقرّباً إلیه.
أقسام الهدایة
أنّ الهدایة على أقسام ثلاثة:
١- الهدایة العامة التّكوینیة:
والمراد منها: خلق كل شیء وتجهیزه بما یهدیه إلی الغایة التی خلق لها: قال سبحانه حاكیاً كلام النبی موسى: ﴿رَبُّنَا الَّذی أَعْطى كُلَّ شَیءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾[153].
وجهّز كل موجود بجهاز یوصله إلی الكمال، فالنّبات مجهّز بادق الأجهزة التی توصله فی ظروف خاصة إلی تفتّح طاقاته، فالحبّة المستورة تحت الأرض ترعاها أجهزة داخلیة وعوامل خارجیة، كالماء والنّور إلی أنّ تصیر شجرة مثمرة معطاة، ومثله الحیوان والإنسان، فهذه الهدایة عامّة لجمیع الأشیاء لیس فیها تبعیض وتمییز.
ومن الهدایة التّكوینیة فیالإنسان العقل الموهوب له، المرشد له إلی معالم الخیر والصّلاح.
٢- الهدایة العامّة التّشریعیة:
إذا كانت الهدایة التكوینیة العامة أمراً نابعاً من ذات الشیء بما أودع الله فیه من أجهزة تسوقه إلی الخیر والكمال، فالهدایة التّشریعیة العامّة: عبارة عن الهدایة الشّاملة للموجود العاقل المدرك، المفاضة علیه بتوسط عوامل خارجة عن ذاته، وذلك، کالأنبیاء والرسل والكتب السّماویة وأوصیاء الرسل وخلفائهم والعلماء والمصلحین وغیر ذلك من أدوات الهدایة التّشریعیة العامّة التی تعم جمیع المكلّفین، قال سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ والمیزانَ لِیقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[154].
٣- الهدایة الخاصة:
وهی تختصّ بجملة من الأفراد الذین استضاؤا بنور الهدایة العامة تكویناً وتشریعاً، فیقعون مورداً للعنایة الخاصّة منه سبحانه، كقوله تعالی: ﴿والذینَ جاهَدُوا فینا لَنَهْدِینَّهُمْ سُبُلَنا وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنین﴾[155].
الفرق بین الثّبوت الحقیقی والتّعبدی
الثبوت الحقیقی ماكان مفاداً لكان التامّة وهو ثبوت الشیء نحو: الإنسان موجود. والثبوت التّعبدی ما كان مفاداً لكان النّاقصة وهو ثبوت شیء لشیء نحو: الإنسان کاتب ویكون من العوارض [156].
الفرق بین الإجمال والإهمال
المراد من الإجمال: الإنقصار وعدم فهم المعنى من ناحیة المتكلم، بأنّ كان مقصوده عدم البیان، والمراد من الإهمال: عدم فهم المعنى من ناحیة اللفظ، ولم یتعلق قصد المتّكلم بالبیان ولا بعدم البیان، وبعبارة أخرى: الإجمال ما تعلّق الغرض بإخفائه والإهمال ما لا یتعلّق الغرض لا ببیانه ولا بإخفائه[157].
أقسام المبیّن
١. المبین: إمّا نصّ یدل على مراد قائله أو فاعله، ولا یحتمل الخلاف، كزید قائم – إنّ الله بكل شیء قدیر، وإمّا ظاهر یدل على مراد قائله أو فاعله ظنّاً ویحتمل خلافه، کأکرم العلماء یكون ظاهراً فی العموم ویحتمل تخصیصه بالعدول.
٢. المبین؛ اما مبین بنفسه؛ أی لا یحتاج إلی التبیین والتفسیر، كقوله تعالی: ﴿اَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ﴾[158]، واما مبین بغیره، كقوله تعالی: ﴿وَ آتُوا الزَّكاة﴾[159]. ولا نعلم مقدارها، فقوله: فیما سقت السماء العشر وفیما سقى بالدوالی العشر یفسّر ویعین مقدارها [160].
أقسام الإجمال
الإجمال قد یكون فی الألفاظ؛ سواء كانت مفرداً، كالعین أو مركباً، نحو: ضرب زید عمرواً فضربته، ولا نعلم عود الضمیر إلی الزید أوالعمرو، وقد یكون فی الأفعال كإتیان النبی ركعتین من الصلاة فی مكان معین مثلاً، ولاندری وجوبها واستحبابها.
الفرق بین التركیب والتألیف
التركیب: عبارة عن انضمام جزء ملفوظ إلی جزء ملفوظ؛ والتألیف: عبارة عن انضمام جزء ملفوظ إلی جزء آخر أعم من أن یكون الجزء الآخر ملفوظاً أو غیر ملفوظ[161].
الفرق بین الواجب المعلّق والمنجّز
إن كانت فعلیة الوجوب مقارنة زماناً لفعلیة الواجب، بمعنى أن یكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب، فیسمّى الواجب بالواجب المنجّز، کالصّلاة بعد دخول وقتها.
وإن كانت فعلیة الوجوب سابقة زماناً على فعلیة الواجب، بأنّ یتأخّر زمان الواجب عن زمان الوجوب، فیسمّى هذا القسم بالواجب المعلّق لتعلیق الفعل على زمان غیر حاصل بعد، کالحجّ مثلاً. [162].
أول من اخترع واجب المعلّق، هو صاحب الفصول(ره) لحل المقدمة المفوّتة، وقال: إنّ الوقت لیس شرطاً وقیداً للوجوب، بل هو قید للواجب، فلا محذور للقول بالمقدّمة المفوّتة والشّیخ المظّفر(ره) یقول: بعدم إمکانه، لأنّه انفكاك البعث عن الانبعاث وهو محال [163].
الفرق بین الواجب المعلّق والمشروط
إنّ التّوقف فی المشروط للوجوب وفی المعلّق للفعل، كالحج، فإنّه واجب معلّق بالنّسبة إلی طی المسافة ومشروط بالنسبة إلی الإستطاعة[164].
الفرق بین الواجب الموسّع والمضیق
الواجب الموقّت ینقسم إلی الواجب الموسّع والمضیق، لأنّ وقت العمل إن كان زائداً على العمل، كالصّلاة، فهو واجب موسّع، لأنّ فیه توسعة على المكلف فی أول الوقت وفی أثنائه وآخره، وإن كان وقت العمل مساوله، كالصّوم، فهو واجب مضیق؛ إذ فعله ینطبق على وقته بلا زیادة ولا نقصان[165].
الفرق بین الواجب المطلق والمشروط
الواجب المشروط: ما یتوقف وجوبه على ما یتوقف علیه وجوده، كالحج، فإنّ وجود الحجّ یتوقف على الإستطاعة، وكذلك وجوبه.
والواجب المطلق: مالا یتوقف وجوبه على ما یتوقف علیه وجوده، كالصّلاة، فأنّ وجود الصّلاة یتوقف على الطّهارة، وأمّا وجوبها لا یتوقف علی الطّهارة. وهذا الفرق ما نسب إلی التفتازانی والمحقق الشّریف وتبعهما المحقق القمّی(ره) ویرد علیه بعدم العكس، فإنّ الصّلاة مثلاً هی من الواجبات المطلقة فی الإصطلاح، ومع ذلك یتوقف وجوبها على الوقت الذی یتوقف علیه وجودها (فتأمّل).
التّعریف الثّانی: هو ما نسبه فی التقریرات والبدایع إلی السّید عمید الدّین(ره) تبعه صاحب الفصول(ره) وهو أنّ الواجب المطلق: مالا یتوقف وجوبه بعد الشّرائط العامّة الأربعة: من البلوغ والعقل والعلم- العلم من شرائط تنجزّ التّكلیف لامن شرائط أصله- والقدرة على شیء والمشروط بخلافه، فیتوقف وجوبه بعد تلك الشّرائط الأربعة على أمر آخر ما ورائها.
وهذا التّعریف أیضاً غیر منعکس، لعدم شموله لمثل الصّلاة، لتوقف وجوبها بعد تلك الشرائط الأربعة على الوقت أیضاً.
التّعریف الثالث: هو ماذكره صاحب التّقریرات(ره) وصاحب الکفایة(ره): كلّ مقدمّة لا یتوقف علیها وجوب الواجب، فالواجب مطلق بالنّسبة إلیها، وكل مقدمة یتوقف علیها وجوب الواجب، فالواجب مشروط بالنّسبة إلیها[166].
الفرق بین الواجب المعلّق عند صاحب الفصول(ره) والواجب المشروط عند المشهور
الوجوب فی الواجب المشروط عند المشهور معلّق ومقید بالشیء، كالحجّ بالنسبة إلی الإستطاعة وأمّا الواجب المعلّق عند صاحب الفصول، فالواجب معلّقٌ ومقیدٌ بالشیء، كالحج بالنّسبة إلی موسمه، وامّا الوجوب فعلى بعد حصول الإستطاعة والواجب استقبالی[167].
الفرق بین الواجب المعلّق عند صاحب الفصول(ره) والواجب المشروط عند الشّیخ الأعظم(ره)
كل واحد منهما قائل بأنّ القید، قید للواجب، أی المادّة، والفرق بینهما فی المعلّق علیه، فإنّ المعلّق علیه أمر غیر مقدور للمكلف عند صاحب الفصول(ره) کالموسم للحج والمعلّق علیه (الشرط) عند الشیخ(ره) مطلق سواء كان مقدوراً، كالإستطاعة أو غیر مقدور، کالوقت ولأجل هذا أنكر الشّیخ الواجب المعلّق، لأنّه داخل فی الواجب المشروط ویكون حصّة منه[168].
الفرق بین الواجب الأصلی والتّبعی
قال المحقق القمی(ره): المراد من الواجب الأصلى ما یكون الواجب مقصوداً بالإفادة من الكلام والمناط فی التّبعیة أن لا یكون مقصوداً بالإفادة من الكلام وإن أستفید تبعاً، كدلالة الآیتین: ﴿حَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾»[169]، ﴿والوالِداتُ یرْضِعْنَ أولاًدَهُنَّ حَوْلَینِ كامِلَین﴾»[170]. على أقل الحمل[171].
وصاحب الفصول(ره) فسّر كلاًّ من الأصلی والتّبعی بمعنى آخر، فقال: الواجب الأصلی: ما فهم وجوبه بخطاب مستقل، أی غیر لازم لخطاب آخر، وإن كان وجوبه تابعة لوجوب غیره، والتّبعی: ما فهم وجوبه تبعاً لخطاب آخر، وإن كان وجوبه مستقلاً، كما فی المفاهیم[172].
وأمّا صاحب التّقریرات(ره) وصاحب الکفایة(ره) قد فسّرا الأصلی والتّبعی بمعنى الثالث: الواجب الاصلی ما تعلقت به إرادة مستقلّة من جهة الإلتفات إلیه بما هو علیه مما یوجب طلبه. والواجب التّبعی هو: مالم تتعلق به إرادة مستقلّة، لعدم الإلتفات إلیه بما یوجب إرادته كذلك وإن تعلقت به إرادة إجمالیة تبعاً لإرادة غیره، كما فی الواجبات الغیریة التّرشحیة، لا المنشأة بخطاب مستقل التی تعلقت بها إرادة مستقلة[173].
الفرق بین هذا التّفسیر والتفسیرین الأوّلین فی مقام الثبوت والإثبات، لأنّ هذا التّفسیر یكون فی مقام الثّبوت والواقع، أی بتعلق الإرادة النّفسانیة المستقلة به وعدمه، وبحسب التّفسیرین الأوّلین یكون بلحاظ مقام الإثبات والدّلالة، أی بإعتبار کون الواجب مقصوداً للمتكلم من اللّفظ وعدمه أو بإعتبار كونه مفهوماً من خطاب مستقل وعدمه.
الفرق بین الواجب الفاعلی والفعلی
الواجب الفاعلى، ما لا یحتاج فی إمتثاله إلی عمل خارجی، بل یكفی فیه النّیة، كالصوم والواجب الفعلی یحتاح فی إمتثاله إلی عمل خارجی ولا یكفی فیه النّیة، كالصلاة.
الفرق بین المفهوم والمعنى
المفهوم: هو الصّور الذهنیة سواء وضع بإزائها الفاظ أم لا؟
والمعنى: هو الصّور الذهنیة التی وضع بازائها الفاظ[174]. وذکر ملّاعبدالله وجهاً آخر فی الفرق بینهما فی الحاشیة: إعلم أنّ ما أستفید من اللفظ بإعتبار أنّه فهم منه یسمّى مفهوماً، وبإعتبار أنّه قصد منه یسمّى معنى[175].
الفرق بین مفهوم الموافقة والمخالفة
الحكم المستفاد من الكلام إن كان موضوعه مذكوراً فی الكلام، فمنطوق، وإلّا فمفهوم، والمفهوم: إن كان مطابقاً للمنطوق فی الإیجاب والسلب، فهوالمفهوم الموافق، والّا فهو المفهوم المخالف، والأوّل: كقوله تعالی: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ﴾[176]. والثّانی: كقولهم: «اِذا بَلَغَ المَاء قَدرَ کُر لَا ینجّسه شَیءُ» على تقدیر أن یكون لمثل هذه الجملة مفهوم[177].
الفرق بین الشّبهة الموضوعیة والحكمیة
الشّك إمّا فی نفس التّكلیف وإمّا فی متعلق التّكیف مع العلم بنفسه، كما إذا علم وجوب شیء وشك بین تعلقه بالظّهر أو الجمعة. والأوّل: یسمّى بالشّبهة الحكمیة. والثّانی: یسمّى بالشّبهة الموضوعیة. ومنشأ الشّك فی الأوّل؛ إمّا عدم النّص فی المسئلة، کمسألة شرب التتن وإما أن یكون إجمال النّص، كدوران الأمر فی قوله تعالی: ﴿حَتَّى یطْهُرْنَ﴾[178]. بین التّشدید والتّخفیف مثلاً، وإمّا أن یكون تعارض النّصین، ومنه الآیة المذكورة بناء على تواتر القراءات ومنشأ الشك فی الثانی اشتباه الأمور الخارجیة، كدوران الأمر بین كونه خمرا أو خلًّا مثلاً[179].
الفرق بین العام والمطلق
هما من المفاهیم الواضحة البدیهیة التی لا تحتاج إلی التّعریف إلّا لشرح اللّفظ، وتقریب المعنى إلی الذّهن، كما یقال: العام هواللّفظ الشّامل لجمیع ما یصلح له نحوالعلماء، فیدلّ على أفراده بالوضع.
والمطلق: مادل على معنی شائع فی جنسه. فیدلّ على أفراده بمقدمات الحكمة، کرقبة فی قوله: إن أفطرت فی نهار الرّمضان فاعتق رقبة. والفرق الثّانی بینهما: أنّ سرایة الحكم إلی جمیع أفراد المطلق إنّما تكون لاجل تسأوی أفراد الطّبیعة فی صدقها علیها، وأمّا سرایة الحكم إلی جمیع أفراد العام، فهی مستفادة من أداة العموم بالدّلالة اللفظیة، وهذا هو السّر فی تقدیم العام على المطلق فی مورد تعارضهما[180].
أقسام العام
إنّ انقسام العام إلی الأقسام الثّلاثة إنّما یكون باعتبار الحكم، لا بلحاظ نفس العام، نظیر الوصف باعتبار المتعلق، وذلك لأنّ العام فی جمیع الأقسام بمعنى واحد، وهو شمول المفهوم لجمیع ما یصلح، لأنّ ینطبق علیه ومن المعلوم أنّ هذا المعنى موجود فی الثّلاثة بوزان واحد من دون تفاوت فی نفسه.
العام ینقسم إلی ثلاثة أقسام:
الأوّل: العموم الإستغراقی: وهو أن یكون الحكم شاملاً لكل فرد فرد، فیكون كلّ فرد وحده موضوعاً للحكم، نحو أکرم كل عالم، فیتعدد الإمتثال بتعدد الأفراد، ویتحقق العصیان بترك كل فرد من أفراده.
الثّانی: العموم المجموعی: وهو أن یكون الحكم ثابتاً للمجموع بما هو مجموع، فیكون المجموع موضوعاً واحداً، كوجوب الإیمان بالأئمة، فلا یتحقق الإمتثال إلّا بالإیمان بالجمیع والعصیان یتحقق بعدم الإیمان بأحدهم.
الثّالث: العموم البدلی: وهو أن یكون الحكم لواحد من الأفراد على البدل، فإذا إمتثل فی واحد سقط التّكلیف، نحو أعتق آیة رقبة شیئت، قال المحقق النائینی(ره): وتسمیة العموم البدلی بالعموم مع أنّ العموم بمعنى الشّمول والبدلیة تنافی الشّمول لا تخلو عن مسامحة[181].
هل یجوز التّمسك بالعام فی الشّبهة المصداقیة أم لا؟
ربما نسب إلی المشهور من القدماء القول بجواز التّمسك بالعام فی الشّبهة المصداقیة، ولذا أفتوا فی مثال الید المشكوكة بالعاریة والأمانیة بالضّمان.
والحق عدم جواز التّمسك بالعام فی الشّبهة المصداقیة فی المتّصل والمنفصل معاً، لأنّ المخصّص لمّا كان حجة أقوى من العام، فإنّه موجب لقصر حكم العام على باقی أفراده، ورافع لحجیة العام فی بعض مدلوله لعدم إنعقاد ظهور للعام فی العموم بعد التّخصیص، بل لا ظهور للكلام إلّا فی الخصوص، فإذا قال: «أكرم العلماء إلّا فسّاقهم»، فكأنّه قال: «لا تكرم فسّاق العلماء»، وحیث أنّ عدم إحراز فردیة ما یحتمل إنطباق الخاص علیه للعام مانع عن التّمسك بالدلیل- أی العام- فما لم یحرز كون المردد فردا للعام لم یجز التّمسك به لإثبات حكمه لهذا المردد[182].
أقسام المطلق
الإطلاق هو الإرسال یقال: أطلق الدّابة، أی أرسلها وأرخی عنانها فی مقابل تقییدها[183]. والأصولیون لیس لهم إصطلاح خاص غیر ما له من المعنى اللّغوی والعرفی، والمطلق ینقسم إلی الشّمولی والبدلیی من ناحیة الحكم، ولیس الإطلاق الشّمولی مغایراً للإطلاق البدلى، بل الإطلاق فی الجمیع بمعنى واحد وهو الإرسال غایته أنّ الحكم الوارد على النكرة أو الطّبیعة تارةً: یقتضى البدلیة، كالنّكرة الواقعة فی سیاق الإثبات، نحو: إن افطرت فی نهار الرمضان، فاعتق رقبة، والحكم الوارد على الطّبیعة بلحاظ صرف الوجود حیث إنّ نتیجة البدلیة فی المقام الإمتثال والإكتفاء بفرد واحد.
وتارة: یقتضی الشّمول، كالنّكرة أو الطبیعة الواقعة فی حیز النّفى، أو الطبیعة الواقعة فی حیز الإثبات بلحاظ مطلق الوجود، نحو: ما رأیت رجلاً ومارأیت إنساناً فی الدّار مثلاً[184].
وناقش الإمام الخمینی(ره) فی هذا التّقسیم بأنّ تقسیمهم الإطلاق إلی الشّمولی والبدلى غیر صحیح، لأنّ دلالة المطلق على الإطلاق لیس دلالة لفظیة، بل دلالة عقیلة بخلاف العام، فإنّ دلالته على العموم لفظیة لا عقلیة، فالعام یكون شمولیاً وبدلیاً لا المطلق وإطلاقه[185]. إذا كان هذا التّقسیم باعتبار الحكم كما ذكرنا فلا محذور فیه.
الفرق بین الإطلاق البدلی والشّمولی
المطلق البدلى یدل على فرد لا على التعیین بمقدمات الحكمة، نحو: إعتق رقبةً. والمطلق الشمولی یدلّ على جمیع أفراده، بمعونة مقدمات الحكمة، مثل أحلّ الله البیع وفی الغنم زکات. وبعبارت أخرى: یكون مدلول المطلق البدلی صرف الوجود، ویكون مدلول المطلق الشّمولی مطلق الوجود[186].
الفرق بین الطلب والإرادة
إنّ کلّاً من الطلب والإرادة علی قسمین:
الأوّل: الطلب الحقیقی والإرادة الحقیقة، أی الصفة النفسانیة القائمة بالنفس التی یحمل علیها الطلب والإرادة بالحمل الشایع الصناعی.
الثّانی: الطلب الإنشائی والإرادة الإنشائیة، أی المنشأ بالصیغة الذی لا یحمل علیه الطلب، والإرادة بهذا الحمل مطلقاً، بل یحمل علیه مقیداً بالإنشائی.
إنّ المحقق الخراسانی(ره) قائل باتّحاد الإرادة الحقیقة مع الطلب الحقیقی واتّحاد الإرادة الإنشائیة مع الطلب الإنشائی، وهذا نصّ عبارته فی الکفایة: فاعلم أنّ الحق کما علیه أهله، وفاقاً للمعتزلة، وخلافاً للأشاعرة، هو اتحاد الطلب والإرادة، بمعنی أنّ لفظیها موضوعان بإزاء مفهوم واحد، وما بإزاء أحدهما فی الخارج، یکون بإزاء الآخر، والطلب المنشأ بلفظه أو بغیره عین الإرادة الإنشائیة، وبالجملة: هما متحدان مفهوماً، وإنشاءاً، وخارجاً إلخ[187].
واختلاف الطلب والإرادة فی انصراف الأوّل إلی الإنشائی وانصراف الثّانی إلی الحقیقی.
وأورد علی ما أفاده المحقق الخراسانی(ره) من اتحاد الطلب والإرادة السیدنا الخوئی(ره) بأنّ الإرادة، بواقعها الموضوعی من الصفات النفسانیة، ومن مقولة الکیف القائم بالنفس، وأمّا الطلب من الأفعال الاختیاریة الصادرة عن الإنسان بالإرادة والاختیار، حیث إِنّه عبارة عن التصدّی نحو تحصیل شیء فی الخارج. ومن هنا، لا یقال: طالب الضالة، أو طالب العلم إلّا لمن تصدّی خارجاً لتحصیلهما، وأمّا مَنْ اشتاق إلیهما فحسب، وأراد فلا یصدق علیه ذلک، ولذا لا یقال: طالب المال أو طالب الدنیا لمن اشتاق، وأرادهما فی أفق النفس، ما لم یظهر فی الخارج بقولٍ أو فعلٍ[188].
وأفاد آیة الله البروجردی(ره) فی مقام الفرق بینهما بأنّ الإرادة صفة قائمة بالنفس، والطلب بمعنى البعث والتحریك، سواء كان قولیاً أو فعلیاً، فالطلب مبرز ومظهر للإرادة لا أنّه عینها[189].
الفرق بین الوجوه والأقوال
الوجوه لا یستلزم القائل والأقوال یستلزم القائل، إذا كان فی المسئلة أقوال لا یمكن أن لا یكون لها قائل، ولكن یمكن أن یكون فی المسئلة وجوه ولم یلتزم بها أحد.
أقسام الضد
الأوّل: قد یطلق الضد ویراد منه الترك ویسمّى بالضد العام، نحو: صلّ، أی لا تترك الصلاة.
الثانی: وقد یراد منه أحد الأضداد الخاصة بعینه، ویسمّى بالضدّ الخاص، نحو: صلّ، أی لا تأكل مثلاً[190].
الثالث: یراد منه أحد الأضداد الوجودیة لا بعینه، کالأكل، والشّرب، والنوم للصلاة.
المراد من التقابل بین المطلق والمقید
إذا كان الإطلاق مأخوذاً فی الموضوع له، كما نسب ذلك إلی المشهور، فیكون التقابل من قبیل تقابل التضاد، لأنّ كلا منهما على ذلك أمر وجودی یمتنع اجتماعه مع الأخر فی موضوع واحد، وإذا كان الإطلاق خارجاً عن الموضوع له، كما ذهب إلیه سلطان العلماء ومن تبعه من المحققین المتأخرین(ره)، فلا محالة یكون الإطلاق أمراً عدمیّاً، أی عدم التقیید فیما من شأنه التقیید، فیكون التقابل بینهما من باب تقابل العدم والملكة، وإذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة.
والحق ما ذهب إلیه سلطان العلماء[191]، بل قیل: أن نسبة القول الأوّل إلی المشهور مشكوك فیها، لأنّ المراد من العدم عدم الخاص، أعنی به العدم الذی أخذ معه قابلیة موصوفه للاتصاف بوجود ما أضیف إلیه العدم، کالعمى بالإضافة إلی الحیوان.
وأما الإمام الخوئی(ره) فقد فَصَّل بین مقامی الإثبات والثبوت، وهذا نصّ تقریراته:
أمّا فی مقام الإثبات فلا ینبغی الشکّ فی أنّ التقابل بینهما من تقابل العدم والملكة وذلك، لأنّ الإطلاق فی هذا المقام عبارة عن عدم التقیید بالإضافة إلی ما هو قابل له، وهذا بخلاف التقیید، فإنّه أمر وجودیّ، وعبارة عن خصوصیة زائدة فی الموضوع أو المتعلّق.
وأما فی مقام الثبوت فالصحیح، أنّ المقابلة بینهما مقابلة الضدین لا العدم والملكة، وذلك، لأنّ الإطلاق فی هذالمقام عبارة عن رفض القیود، والخصوصیات ولحاظ عدم دخل شیء منها فی الموضوع أو المتعلّق، والتقیید عبارة عن لحاظ دخل خصوصیة من الخصوصیات فی الموضوع أو المتعلّق ومن الطبیعی أن كلّ من الإطلاق والتقیید بهذا المعنى أمر وجودی[192].
المراد من الترتّب
إذا قدّم المکلّف فعل المهم العبادی على الأهم (كتقدیم المندوب على الواجب وتقدیم الواجب الموسع على المضیق، وتقدیم الواجب التخییرى على التعیینى)، فإذا قلنا بالنهی عن الضدّ، وأنّ النهی یقتضی الفساد، أو قلنا بتوقف صحة العبادة على الأمر بها، كما هو المعروف عن الشیخ صاحب الجواهر(ره)[193]، (وإن كان الحق خلافه)[194]، فإنّ إعماله هذه كلها باطلة، ولا یستحق علیها ثواباً.
تصدّی جماعة من الأعلام كالمحقق الثانی(ره)[195]، وکاشف الغطاء(ره)[196]، وسید الاساطین المیرزا الكبیر الشیرازی(ره)[197]، والمیرزا النائینی(ره)[198]، وغیرهم؛ خلافاً لجماعة الآخرین، کشیخنا الأعظم(ره)، وجمع من تأخّر عنه بتصحیح العبادة فی المهم بنحو الترتّب: بأنّه لا مانع عقلاً من أن یكون الأمر بالمهم فعلیاً عند عصیان الأمر بالأهم، لأنّ إطلاق الأمر بالأهم باق على حال، والأمر بالمهم یقید بصورة عصیان الأهم وترکه؛ فیرجع النزاع فی الترتّب إلی أن تقیید المهم بذلك، مع بقاء إطلاق الأهم، هل یوجب رفع غائلة التمانع والمطاردة، والتكلیف بالمحال وخروج الأمر بالضدین عن العرضیة إلی الطولیة أم لا؟ فالقائلون بالترتّب یقولون: الأمر بالضدّ المهم مترتّب على عصیان الأمر بالأهم ومتأخر عنه، وفی طوله لا فی عرضه[199].
المحقق الخراسانی(ره)[200] قائل باستحالة الترتّب حتّى لو كان الأمر بالمهم فی طول الأمر بالأهم، لأنّ ما هو ملاك استحالة طلب الضدین فی عرض وأحد، آت فی طلبهما فی هذه الصورة أیضاً فی مرحلة المتأخرة، أی إتیان الصلاة مع عصیان الإزالة، وفی هذه المرتبة لم یسقط الأمر بالأهم، بل هو باق بحاله، فیلزم اجتماع الضدّین فی مرتبة واحدة، كما أفاد بعض الأعاظم[201].
ولكن هذه الدعوى عند القائل بالترتّب غیر تام، لأنّ المحال هو: الجمع بین الضدین (بأنّ یكون مطلوب المولى الجمع بینهما فی آن واحد) لا الأمر بهما فی آن واحد، وإن لم یستلزم الجمع بینهما.
و قال المحقق الاصفهانی(ره) فی إمکان الترتّب ما هذا نصّ عبارته: والتحقیق الحقیق بالتصدیق فی تجویز الترتّب هو: أن الأمر بالإضافة إلی متعلقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه، فإذا كان المقتضیان المتنافیان فی التأثیر لا على تقدیر، والغرض من كل منهما فعلیة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له، فلا محالة یستحیل تأثیرهما وفعلیة مقتضاهما وإن كان المکلّف فی كمال الانقیاد[202].
وإذا كان المقتضیان مترتّبین- بأنّ كان أحد المقتضیین لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر- فلا مانع من فعلیة مقتضى الأمر المترتّب، وحیث إنّ فعلیة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه، فلا محالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه؛ إذ ما كان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیة مقتضی سبب من الأسباب، یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر، ولا مزاحمة بین المقتضیین إلّا من حیث التأثیر، وإلّا فذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها[203].
كلام الشیخ الأعظم(ره) فی تقریراته[204] وفرائد الأصول متناقض، كما ذكر المحقق النائینی(ره) وهذا نص عبارة تقریراته: ومن الغریب: ما صدر عن الشیخ(ره) حیث إنّه فی الضدّین الّذین یكون أحدهما أهم ینكر الترتّب غایة الانكار، ولكن فی مبحث التعادل والتراجیح التزم بالترتّب من الجانبین عند التسأوی وفقد المرجّح، حیث قال فی ذلك المقام، فی ذیل قوله: «فنقول: وبالله المستعان، قد یقال، بل قیل: إنّ الأصل فی المتعارضین عدم حجیة أحدهما»، ما لفظه: لكن لما كان امتثال التكلیف بالعمل بكل منهما، كسائر التكالیف الشرعیة والعرفیة مشروطاً بالقدرة، والمفروض إن كلا منهما مقدور فی حال ترك الآخر، وغیر مقدور مع إیجاد الآخر، یجوز ترکه ولا یعاقب علیه، فوجوب الأخذ بأحدهما نتیجة أدلّة وجوب الامتثال والعمل بكل منهما بعد تقیید وجوب الأمتثال بالقدرة. وهذا ما یحكم به بدیهة العقل، كما فی كل واجبین اجتمعا على المکلّف ولا مانع من تعیین كل منهما على المکلّف بمقتضی دلیله إلا تعیین الآخر علیه كذلك[205]، وهذا كما ترى صریح فی أنّ التخییر فی الواجبین المتزاحمین إنّما هو من نتیجة اشتراط كل منهما بالقدرة علیه وتحقق القدرة فی حال ترك الآخر، فیجب كل منهما عند ترك الآخر، فیلزم الترتّب من الجانبین مع أنّه أنكره من جانب واحد، ولیت شعری أن ضمّ ترتّب إلی ترتّب آخر كیف یوجب تصحیحه[206].
أقسام الترتّب
إنّ ترتّب أحد الخطابین على الآخر یتصور على وجوهٍ:
الأوّل: ترتّبه على عدم موضوع الخطاب الآخر، كترتّب خطاب التیمّم على فقدان الماء أو عدم التمكن من استعماله.
الثانی: ترتّبه على عدم فعلیة الآخر، كترتّب وجوب الخمس فی الربح على عدم فعلیة خطاب أداء الدین خصوصاً إذا كان للمؤنة- فإنّ خطابه إذا صار فعلیاً ارتفع به موضوع وجوب الخمس- وهو فاضل المؤنة – فوجوب الخمس منوط بعدم فعلیة خطاب أداء الدین، لأنّ فعلیته بنفسها رافعة لفاضل المؤنة.
الثالث: ترتّبه على عدم امتثال الخطاب الآخر لا على عدم فعلیته، بأنّ كان امتثال أحدهما رافعة لموضوع الخطاب الآخر، كالدین السابق على عام الربح، فإنّ نفس الخطاب بأدائه لا یرفع فاضل المؤنة الذی هو موضوع وجوب الخمس، بل الرافع له هو: امتثاله بصرف الربح فی أدائه، فیتوقف موضوع وجوب الخمس على عصیان خطاب الأداء، فیجتمع خطابان فعلیان بأدائه، وبإخراج خمس الربح.
الرابع: ترتّب أحد الخطابین على عصیان الخطاب الآخر- مع بقاء موضوعه وملاکه – إذا امتثل الخطاب الأوّل، كترتّب وجوب الصلاة على عصیان خطاب الإزالة مع بقاء موضوعها، وملاکها إذا امتثل خطاب الإزالة.
وهذا الوجه الرابع هو الترتّب المبحوث عنه فی المقام، والثلاثة المتقدّمة أجنبیة عنه، لعدم إجتماع الخطابین الفعلیین فی هذه الوجوه الثلاثة[207].
الفرق بین التخصیص والتخصّص
التخصیص: هو إخراج بعض الأفراد عن تحت الحكم مع حفظ فردیته ومصداقیته، وبعبارت الأخرى: إخراج بعض أفراد الموضوع عن الحكم من دون تصرّف لا فی عقد الوضع، ولا فی عقد الحمل، كما إذا قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم العالم الفاسق[208].
والتخصّص: هو خروج بعض الأفراد عن تحت الدلیل موضوعاً، وبعبارت الأخرى: خروج موضوع أحد الدلیلین عن موضوع الآخر بالوجدان، كخروج الجهال عن تحت قوله: أكرم العلماء[209].
الفرق بین التخصیص والنسخ
إنّ التخصیص والنسخ وإن اشترکا من جهة أن كل وأحد منهما قد یوجب تخصیص الحكم ببعض ما یتنأوله اللفظ لغة، غیر أنهما یفترقان من وجوهٍ:
الأوّل: إنّ التخصیص یبین أن ما خرج عن العموم لم یكن المتكلم قد أراد بلفظه الدالة علیه بخلاف النسخ.
الثانی: إنّ النسخ لا یكون فی نفس الأمر الّا بخطاب من الشارع بخلاف التخصیص، فانه یجوز بالأدلّة العقلیة والسمعیة.
الثالث: إنّ الناسخ لابد أن یكون متراخیاً عن المنسوخ بخلاف المخصّص، فإنّه یجوز أن یكون متقدّماً أو متأخراً.
الرابع: إنّ التخصیص لایخرج العام عن الاحتجاج به مطلقا فی مستقبل الزمان، فإنّه یبقى معمولاً به فیما عدا صورة التخصیص، بخلاف النسخ، فإنّه قد یخْرج الدلیل المنسوخ حكمه عن العمل به فی مستقبل الزمان بالکلّیة.
الخامس: یجوز نسخ شریعة بشریعة، ولایجوز تخصیص شریعة بالأخرى[210].
الفرق بین النسخ والبداء
النسخ بیان أجل الحكم وإنتهاء أمده، بمعنى: اقتضت الحكمة إخفاء أمد الحكم فی بدو الأمر مع أنّه بحسب الواقع له أمد، وغایة ومن المعلومان إخفاء أمد الحكم لیس بكذب، ولاشبه كذب.
إنّ النسخ وإن كان رفعاً للاستمرار الذی اقتضاه إطلاق دلیل الحكم فی مقام الإثبات، لكنّه فی الحقیقة دفع الحكم ثبوتاً، لعدم المقتضى لاستمراره؛ إذ مع وجود المقتضى له لم یكن وجه لرفعه، فالناسخ کاشف عن عدم المقتضی لبقاء الحكم ودوامه[211]. فربما یلهم النبی أو یوحى إلیه أن یظهر أصل تشریع الحكم أو استمراره مع إطلاعه على أنّه ینسْخ فی المستقبل، أو عدم إطلاعه على ذلك، لعدم إحاطته بتمام ماجرى فی علمه تعالی، لكونه ممکن الوجود، المستحیل أن یحیط بواجب الوجود، ومن المعلوم أن علمه تعالی عین ذاته، فیمتنع احاطته بعلمه تعالی أیضاً، فبرهان امتناع احاطته بذات الباری تعالی برهان على امتناع احاطته بعلمه أیضاً[212].
البداء فی التكوینیات: إبداء ما أخفاه فی بدو الأمر، فهو تعالی یخبر عن وقوع أمر معلّق على أمر غیر واقع أو على عدم أمر واقع، كما إذا أخبر عن موت شخص معلّق موته على عدم التصدّق، وقد أخفى التعلیق علیه حین الأخبار، ولم یبین أنّه یتصدّق ولا یموت، وذلك لحكمة مقتضیة، كالتنبیه على خواص الصدقة، وشدة تأثیرها فی دفع البلاء، ونحو ذلك من المصالح.
ثم إنّ البداء الذی تقول به الشیعة الإمامیة إنّما یقع فی القضاء غیر المحتوم، أمّا المحتوم منه فلا یتخلّف، ولابد من أن تتعلّق المشیئة بما تعلّق به القضاء[213]. وتوضیح ذلك: إنّ القضاء على ثلاثة أقسام:
الأوّل: قضاء الله الذی لم یطّلع علیه أحداً من خلقه والعلم المخزون الذی استأثر به لنفسه، ولاریب فی أنّ البداء لا یقع فی هذا القسم.
الثانی: قضاء الله الذی أخبر نبیه وملائكته بأنّه سیقع حتماً، ولاریب فی أنّ هذا القسم أیضاً لا یقع فیه البداء.
الثالث: قضاء الله الذی أخبر نبیه وملائکته بوقوعه فی الخارج إلّا أنّه موقوف على أنّ لا تتعلق مشیئة الله بخلافه، وهذا القسم هو الذی یقع فیه البداء: کما قال الله تبارک وتعالی: ﴿یمْحُوا اللَّهُ ما یشاءُ ویثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾[214].
الفرق بین التخصیص والحكومة
إِنّ التخصیص، كما ذكرنا عبارة عن إخراج بعض أفراد الموضوع عن الحكم من دون تصرّف لا فی عقد الوضع، ولا فی عقد الحمل؛ بأنّ لا یكون أحد الدلیلین ناظراً لفظاً إلی حال الآخر وشارحاً له[215].
قال محقق الفیروزآبادی فی تعریف الحکومه: أمّا الحكومة: فهى ما إذا كان أحد الدلیلین ناظراً إلی الدلیل الآخر وشارحاً له، بحیث لو لا دلیل المحكوم، لكان دلیل الحاكم لغواً، لا فرق فی تصرّف الحاكم فی المحكوم بین أن یكون بنحو التضییق والتخصیص، كما إذا قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا وجوب لإکرام العالم الفاسق أو بنحو التوسعة والتعمیم، كما إذا قال: لا تجالس الفقراء، ثم قال: لیس الفقیر من لا مال له، بل الفقیر من لا دین له، فالأوّل یسمّى حكومة مخصّصة. والثانی: یسمى حكومة معمّمة، وینبغی تسمیة الثالث بالحكومة المغیرة، ولم أری من تعرضها القسم الثالث- إلی الأن[216].
فالفرق بین الحكومة والتخصیص بعد اشتراكهما فی عدم ارتفاع الموضوع وجداناً أنّ الدلیل الحاكم یوجب التصرّف فی عقد الوضع أو فی عقد الحمل، فیترتّب علیه رفع الحكم، وهذا بخلاف التخصیص، فإنّه یوجب ارتفاع الحكم عن الموضوع من دون تصرّف أصلاً.
أقسام الحكومة
الأوّل: الدلیل الحاكم قد یكون ناظراً إلی عقد الوضع كقوله: «لا ربا بین الوالد والولد»، فإنّه شارح للدلیل الدال على حرمة الربا، إذ لو لم یرد دلیل على حرمة الربا، لكان الحكم بعدم الربا بین الوالد والولد لغواً وناظر إلی أنّ المراد من دلیل الحرمة: غیر الربا بین الوالد والولد، فیكون نافیاً للحكم بلسان نفی الموضوع.
الثانی: وقد یكون ناظراً إلی عقد الحكم، كما فی قوله: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ»[217]، وقوله تعالی: ﴿وَ ما جَعَلَ عَلَیكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ﴾[218]، وغیرهما من أدلّة نفی الأحکام الضرریة والحرجیة، فإنّها حاكمة على الأدلّة المثبتة للتكالیف بعمومها حتّی فی موارد الضرر والحرج وشارحة لها بأنّ المراد ثبوت هذه التكالیف فی غیر موارد الضرر والحرج.
الثالث: أن یكون أحد الدلیلین رافعاً لموضوع الحكم فی الدلیل الآخر – وإن لم یكن بمدلوله اللفظی شارحاً له – كحكومة الأمارات على الأصول الشرعیة: من البرائة، والاستصحاب، وقاعدة الفراغ، وغیرها من الأصول الجاریة فی الشبهات الحكمیة أوالموضوعیة، فإنّ أدلّة الأمارات لم تکن ناظرة إلی أدلّة الأصول وشارحة ها، بحیث لو لم تكن الأصول مجعولةً، لكان جعل الأمارات لغواً ولكن الأمارة تكون موجبة لارتفاع موضوع الأصل بالتعبّد الشرعی، ولا تنافی بینهما لیدخل فی التعارض[219].
الفرق بین التخصّص والورود
كلاً من الورود والتخصص خروج الشیء بالدلیل عن موضوع دلیل آخر خروجاً حقیقیاً، ولكن الفرق أن الخروج فی التخصص خروج بالتكوین بلا عنایة التعبد من الشارع، كخروج الجأهل عن موضوع دلیل «أكرم العلماء» وأما فی الورود فإن الخروج من الموضوع بنفس التعبد من الشارع، كما فی موارد قیام الدلیل الشرعی بالنسبة إلی الأصول العقلیة، كالبرائة، والاشتغال، والتخییر، فإن موضوع حكم العقل فیها: عدم البیان، واحتمال الضرر، والتحیر فی مقام العمل، وبعد قیام الحجة الشرعیة لایبقى عدم البیان، واحتمال الضرر والتحیر. فالتخصّص خروج الشیء موضوعاً بالوجدان والورود خروج الشیء موضوعاً بالتعبد[220].
المراد من التعارض
التعارض فی اللغة، کما قال فی لسان العرب، العرض[221]. وهو ذو معان عدیدة، والظاهر أنّ المعنى الملحوظ من بینها فی هذه الصناعة هو العرض بمعنى جعل الشیء حذاء الشیء الآخر وفی قباله وأمّا الاصطلاح: فقد ذهب الشیخ، الی تعریف المشهور: بأنّه تنافی مدلولی الدلیلین على وجه التناقض والتضاد[222]. وعلى هذا، فالمراد من التنافی هو التنافی فی المدلول مع قطع النظر عن مقام الإثبات والدلالة.
والأوّل: كما إذا دل أحدهما على وجوب شیء والآخر على عدم وجوبه.
والثانی: كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شیء والآخر على حرمته.
وهذا بظاهره غیر تام، إذ ربّما یكون بین الدلیلین تناف فی المدلول ولا یكون بینهما تناف فی الدلالة والإثبات، كما فی العام والخاص، والحاكم والمحكوم، والوارد والمورود، والعناوین الثانویة والعناوین الأوّلیة، فانّ التنافی بین مدلولی الدلیلین فیها أمر واضح لا مریة فیه ولكنّه لا یعدّ من التعارض فی شیء، لعدم التنافی فی مقام الدلالة حیث یقدّم الخاص على العام، والحاكم على المحكوم، والوارد على المورود، والعنوان الثانوی على العنوان الأوّلی على وجه لا یتردّد العرف الدقیق فی رفع التعارض بعد الإمعان[223]. ولذلك عدل المحقّق الخراسانی(ره) إلى تعریفه بنحو آخر بحیث تخرج عن تعریفه هذه الموارد التی قد عرفت إمکان الجمع فیها من دون أن تصل النوبة إلىالتعارض، وقال: التعارض هو تنافی الدلیلین أوالأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أوالتضاد حقیقة أوعرضاً[224].
و قال بعض الأعاظم(ره): بعد ما استشکل علی التعریف الشیخ(ره) والآخوند(ره) بعدم شمولیت تعریفهما: التعارض هوالتنافی بین المدلولین ذاتاً بلحاظ مرحلة الفعلیة المجعولة التی هی مرحلة متأخرة عن المرحلة التی یتعرض لها الدلیل[225].
المراد من التزاحم
التزاحم قد یطلق على تزاحم الملاكات، كما إذا كان فی فعل جهة مصلحة تقتضی إیجابه وجهة مفسدة تقتضی تحریمه، والأمر فی هذا التزاحم بید المولى ولیس للعبد الا الامتثال، وحیث إنّه لیس للمكلف دخل فی هذا التزاحم، فلا تترتّب علیه ثمرة، فهو خارج عن محل البحث، وقد یطلق التزاحم على تزاحم الأحکام فی مقام الامتثال، بأنّ توجّه إلی المکلّف تكلیفان: یكون امتثال أحدهما متوقفاً على مخالفة الآخر، لعجزه عن امتثال كلیهما، كما إذا توقف انقاذ الغریق على التصرّف فی الأرض المغصوبة أو كان هنال غریقان لا یقدر المکلّف الاّ على انقإذ أحدهما، وهذا التزاحم هو المقصود بالبحث هنا[226].
الفرق بین التعارض والتزاحم
إن المیزان فی تعارض الدلیلین تكاذبهما وتنافیهما فی مقام الجعل والتشریع مع قطع النظر عن مرحلة الفعلیة؛ بأنّ یستحیل جعلهما وتشریعهما، لاستلزامه التعبد بالضدین أو النقضین فی مورد واحد، والتنافی بین المتزاحمین، إنّما هو فی مقام الفعلیة والامتثال لعجز المکلّف عن امتثال، كلا التكلیفین فی زمان واحد، حیث إنّ له قدرة واحدة، فإمّا أن یعملها فی هذا أو یعملها فی ذاك. وبعبارة أخرى: ثبوت مدلول أحد الدلیلین فی باب التعارض یوجب انتفاء مدلول الآخر فی مقام الجعل بخلاف التزاحم، فان ثبوت أحدهما یوجب انتفاء موضوع الآخر[227].
والفرق الثانی بینهما على بعض المبانی: أن المصلحة والملاك فی باب التعارض فی أحد الدلیلین، وأما فی باب التزاحم فی كلیهما[228].
الفرق بین التنافی والتعارض
التنافی، كالتعارض على وزن «التفاعل» من النفی، والنفی فی اللغة، کما فی لسان العرب؛ هو الطرد والدفع[229]. وهذا المعنى هو المقصود فی باب التعارض، لأنّ كل وأحد من المدلولین ینفى الآخر، ولو بالدلالة الالتزامیة الشرعیة، لأنّ كل وأحد من الدلیلین، یطرد الآخر، ویزاحمه فی حجیته الفعلیة.
لكن التعارض أخص من التنافی، لأنّ التنافی- وهو عدم الاجتماع فی الوجود- بالذات یتحقق فی المدلولین المتمانعین، كالوجوب والحرمة، أو الوجوب وعدمه، ولا یصدق التعارض على هذا التمانع، فلا یوصف الوجوب والحرمة بأنّهما متعارضان، وإنْ وُصفا بأنّهما متنافیان، بل یوصف مادلّ على الوجوب، ومادلّ على الحرمة بالمعارضة، فیقال: «تَعارَضَ الخبران» ولایقال: «تَعارَضَ الحكمان»، فالتعارض من أوصاف الدال- بما هو دالّ- بالذات لا بالعرض[230].
المرجحات فی باب التعارض
إنّ المستفاد من الأخبار أنّ المرجحات المنصوصة ثلاثة:
الأوّل: الشهرة، أی الشهرة فی الروایة، فإنّ إجماع المحققین قائم على الترجیح بها، وقد دلّت علیه مقبولة عمر بن حنظلة «فَإِنَ الْمُجْمَعَ عَلَیهِ لَارَیبَ فِیه»[231].
والمقصود من المجمع علیه، هو المشهور؛ بدلیل فهم السائل ذلك، إذ عقبّه بالسّؤال: «فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَینِ».
و قال الإمام الخوئی(ره): أن المراد من المجمع علیه، هو الخبر الذی أجمع الأصحاب على صدوره من المعصومین، فالمراد به الخبر المعلوم صدوره من المعصوم، فلا تكون الشهرة من المرجحات[232].
الثانی: موافقة الكتاب والسنة.
الثالث: مخالفة العامة.
وأضاف بعض العلماء على هذه المرجحات الثلاثة الترجیح بالاحدث تاریخاً والترجیح بصفات الرأوی[233].
والمرجحات المذكورة ترجع إلی ثلاث نواح: موافقة المشهور، وصفات الرأوی من المرجحات الصدوری، ومخالفة العامة من المرجحات الجهتی، وموافقة الكتاب والسنة من المرجحات المضمونی[234].
المرجحات فی باب التزاحم
إنّ المرجحات فی باب التزاحم تنتهی كلها إلی أهمیة أحد الحكمین عند الشارع، فالأهم عنده هو الأرجح فی التقدیم، ولمّا كانت الأهمیة تختلف جهتها ومنشأها، فلابدّ من بیان تلك الجهات:
الأوّلى: أن یكون أحد الواجبین لا بدل له مع كون الواجب الآخر المزاحم له البدل فما لا بدل له یقدّم على الآخر.
الثانیة: أن یكون أحد الواجبین مضیقةً أو فوریاً، والآخر یكون موسعةً، فیقدّم الأوّل على الثانی لأهمیته علیه.
الثالثة: أن یكون أحد الواجبین صاحب الوقت المختص (كالصلاة الیومیة فی آخر وقتها) دونه الآخر (كالصلاة الآیات فی ضیق وقتها).
الرابعة: كون أحد الواجبین غیر مشروط بالقدرة شرعاً (كحفظ النفس المحترمة من الهلاك)، فیقدّم على واجب مشروط بها شرعاً.
المراد من القدرة الشرعیة ما یكون ملاکه متوقفاً على القدرة، ففی صورة العجز لیس له ملاك أصلاً، کالوضوء بخلاف حفظ النفس المحترمة، فإنّ ملاکه غیر متوفق على القدرة[235]، وقیل: المراد من القدرة الشرعیة، هی القدرة المأخوذة فی لسان الدلیل شرطاً للوجوب، کالحج المشروط وجوبه بالاستطاعة.
الخامسة: كون أحد الواجبین سابقاً على الآخر من حیث الزمان، كما إذا نذر أحد صوم یوم الخمیس ویوم الجمعة[236].
السادسة: أحد الواجبین أولى من الآخر عند الشارع من غیر تلك الجهات المتقدّمة. والأوّلیة تعرف؛ إمّا من الأدلّة، وإمّا من مناسبة الحكم للموضوع، وإمّا من معرفة ملاكات الأحکام بتوسط الأدلّة السمعیة، كحقوق الناس، والدماء، والفروج، وأركان العبادة.
لحن الخطاب وفحوالخطاب ودلیل الخطاب
یعبّر عن مفهوم الموافقة بلحن الخطاب، ودلیل الخطاب، ویعبر عن مفهوم المخالفة بفحوى الخطاب: توضیح ذلك: إذا قلت لایجب إکرام الفسّاق العلماء، مثلا: یستفاد منه ثلاثة أمور:
أحدها: عدم وجوب إکرام فساقهم، ویقال له المنطوق، لأنّ موضوع الحكم قد نطق به[237].
ثانیها: وجوب إکرام عدول العلماء، ویقال له مفهوم المخالفة، لأنّه مخالف لحكم المنطوق، ویقال له دلیل الخطاب أیضاً، لأنّه مدلول الخطاب[238].
ثالثها: عدم وجوب إکرام فسّاق الجهال، ویقال له مفهوم الموافقة، لأنّ الحكم المذكور موافق لحكم غیر المذكور، ویقال له: فحوى الخطاب أیضاً، لأنّ الفحوى ما یفهم من الكلام بسبیل القطع، ویقال له لحن الخطاب أیضاً، لأنّ اللحن هو صرف الكلام عن طریقه الذی یجرى علیه، كصرف الكلام من التصریح إلی التلویح والتعریض، كالمقام. وذكر المحقق المظفر(ره) : أنّ لحن الخطاب، هو أن تدل قرینة عقلیة على حذف لفظ نحو(اسئل القریة)[239].
الفرق بین المبادیء التصوریة والتصدیقیة
المبادى على قسمین:
الأوّل: المبادى التصوریة: كتصور الموضوع وتصور أجزاء الموضوع وتصور جزئیات الموضوع[240].
المبادى التصدیقیة: ما یعبر عنها بمقدّمات الاستدلال، وبعبارت أخرى: المبادیء التصوریة: هی التی توجب معرفة الموضوع أو المحمول، وأمّا المبادى التصدیقیة، فهی: الأدلّة توجب التصدیق بثبوت المحمولات لموضوعاتها[241].
وقال بعض الحكماء: المبادى التصوریة: هی الحدود والرسوم، والتصدیقیة: هی القضایا المؤلفة منها الأقیسة، وغیرها؛ من الاستقراء والتمثیل)[242].
أقسام الدلالة: من الاقتضاء والتنبیه والاشارة
۱- دلالة الاقتضاء: هی أن تكون الدلالة مقصودةً للمتكلم بحسب العرف ویتوقف صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعاً أو لغةً أو عادةً علیها[243]. الأمثلة بالترتیب: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ»[244]، وإسئل القریة، إعتق عبدك عنّی على ألف ونحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأی مختلف.
۲- دلالة التنبیه: وهی أن تكون الدلالة مقصودةً للمتكلم بحسب العرف ومن غیر أن یتوقف صدق الكلام أو صحته علیها[245]، كذكر الشیء وإرادة لازمه العقلی أوالعرفی.
٣- دلالة الاشارة: وهی ألا تكون الدلالة مقصودة بالقصد الاستعمالی بحسب العرف، لكن مدلولها لازم لمدلول كلام لزوماً غیر بین أو لزوماً بیناً بالمعنى الأعم، سواء استنبط المدلول من كلام وأحد أم من كلامین. كدلالة الآیتین على أقلّ الحمل[246]. وهما: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾[247]، ﴿والْوالِداتُ یرْضِعْنَ أولاًدَهُنَّ حَوْلَینِ كامِلَینِ﴾[248]. وبعبارت أخرى: الدلالة؛ إمّا أن تكون مقصودةً للمتكلم أو لا؟ والثانی: هو دلالة الاشارة، والأوّل: إمّا لا یتوقف علیه صدق الكلام، ولا صحته فهو دلالة التنبیه والإیماء، أو یتوقف علیه صدق الكلام فقط أو صحته عقلاً أو صحته شرعاً، فظهر أن دلالة الاشارة، والتنبیه، والاقتضاء كلها من أقسام الدلالة الالتزامیة.
الفرق بین المعنى والمفهوم والمدلول
إنّ ما استفید من اللفظ باعتبار أنّه فُهِم منه یسمّى مفهوماً وباعتبار إنّه قصد منه یسمّى معنى وباعتبار أنّ اللفظ دال یسمّى مدلولاً[249]، فالكل فی الحقیقة وأحد، والفرق بالاعتبار.
ذكر فی الفرق بین المعنی والمفهوم فی حاشیة شرح الأنموذج ما هذا نصّه: أنّ المفهوم هو الصور الذهنیة؛ سواء وضع بازائها ألفاظ أولاً، والمعنى هو الصور الذهنیة التی وضع بازائها ألفاظ،[250] وأفاد المحقق النائینی(ره) فی هذا المقام، وهذا نص عبارته: أنّ المعنی یطلق على نفس المعانی المجردة فی العقل التی جرد عنها جمیع ما یلازمه عنه بالمعنى؛ سواء وضع له لفظ أم لا، استعمل فیه اللفظ أم لا؟ وأما المفهوم أو المدلول، فیطلقان علیه باعتبار انفهامه من اللفظ أو دلالة اللفظ علیه[251]. وأورد علیه تلمیذه المحقق السیدنا الخوئی(ره) فی حاشیة الكتاب: بأنّ إطلاق لفظ المعنى على شیء إنّما هو باعتبار کونه مقصوداً وإلّا فلمدركات المجردة فی العقل مع قطع النظر عن استعمال الالفاظ فیها لا تتصف بكونها معانی، كما لا تتصف بأنّها مفاهیم أو مدالیل[252].
الفرق بین الإرادة التكوینیة والتشریعیة
إنّ تقسیم الإرادة إلی التكوینیة والتشریعیة باعتبار تعلّق الأوّلى بفعل المرید بنفسه بلا تخلل إرادة غیره فی صدوره، كما فی إرادة الله تعالی خلق العالم وإرادة الإنسان شرب الماء، وأكل الغذاء وأمّا إرادة الله تعالی محال أن تنفك عن المراد، وأمّا إرادة غیره یجوز أن تنفك عن المراد لأجل الموانع وتعلّق الثانیة بفعل الغیر أعنى المراد منه بمعنى إرادة صدور الفعل عن غیره بإرادته واختیاره، كما فی إرادة الله تعالی صدور العبادات من عباده باختیارهم وإرادتهم، وإرادة العباد بصدور الفعل عن بعضهم الآخر عن إرادة واختیار[253].
توضیحه: أن فعل الغیر إذا كان ذا فائدة عائدة إلی الشخص، فینبعث- من الشوق إلی تلك الفائدة- شوق إلی فعل الغیر بملاحظة ترتّب تلك الفائدة العائدة إلیه، وحیث إنّ فعل الغیر- ما هو فعل اختیاری له- لیس بلا واسطة مقدورة للشخص، بل بتبع البعث والتحریك إلیه لحصول الداعی للغیر، فلا محالة ینبعث للشخص شوق إلی ما یوجب حصول فعل الغیر اختیاراً وهو تحریكه إلی الفعل فالإرادة التشریعیة: هی الشوق المتعلّق بفعل الغیر اختیاراً؟
ما هو المراد من الإرادة فی آیة التطهیر
إنّ الإرادة: تتشعّب إلی التكوینیة وتشریعیة، والأوّلى هی التی یمتنع تخلّف المراد عنها، ضرورة استحالة الانفكاك بین العلّة والمعلول، كآیة التطهیر: ﴿إِنَّما یریدُ اللَّهُ لِیذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَیتِ ویطَهِّرَكُمْ تَطْهیرا﴾[254].
الإرادة فی هذه الآیة التكوینیة قطعاً لتعلقها بافعال المرید نفسه، فهى تكوینیة لاتشریعیة، فلو قال الله تعالی: ﴿إِنَّما یریدُ اللَّهُ﴾؛ لكانت الإرادة تشریعیة.
وأما الثانیة، فهی لا تلازم المراد بداهة، ألا ترى أن الله تعالی طلب الاطاعة من الكفار والفساق مع عدم وقوعها خارجاً[255].
الفرق بین الإرادة التكوینیة والتشریعیة لله تعالی
إنّ لله تعالی إرادتین: تكوینیة وتشریعیة:
أمّا الأوّلى: فهی عبارة عن العلم بالنظام على نحوالتام: وهذه الإرادة تتعلق بذوات الماهیات وتفیض علیها الوجود الذی هو منبع كل خیر، وشرف ولا تتخلف الإرادة التكوینیة عن المراد.
أمّا الثانیة: فهی عبارة عن العلم بوجود المصلحة فی فعل العبد إذا صدر عنه بالإرادة والاختیار، ومن المعلوم أنّ هذه الإرادة التشریعیة قد تتخلف عن المراد.
الفرق بین الهدایة التكوینیة والتشریعیة[256]
الهدایة التكوینیة: هی إعطاء كل مستحق ما یستحقه على ماهو مفاد قوله تعالی: ﴿ٱلَّذِیٓ أَعۡطَیٰ كُلَّ شَیۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَیٰ﴾[257]. وهی یحصل بأمرین:
حفظ الكمال الموجود، وطلب الكمال المفقود.
الهدایة التشریعیة: هی إنزال الكتب، وإرسال الرسل، ونصب الأوصیاء وإیجاد سائر وسائل التبلیغ والإرشاد، وهی المرادة بقوله تعالی: ﴿إِنَّا هَدَیناهُ السَّبیلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُورا﴾[258].
الفرق بین الجبر والاکراه
الجبر یكون من حامل لا یمكن التفصّی منه نوعاً، مثل السلطان. والإكراه یكون من حامل یمكن التفصی منه نوعاً، كالزوجة، والاب، والام.
الفرق بین الشرط الأصولی والنحوی:
الشرط الأصولی: هو تعلیق الشیء بشیء بحیث یلزم من عدمه العدم، كتعلیق الحج بالاستطاعة.
الشرط النحوى: ما ذكر تلو حرف الشرط وأن لم یلزم من عدمه العدم، نحو إن كان هذا إنساناً كان حیواناً، فلا یلزم من عدم الإنسان عدم الحیوان.
الفرق بین المتواطی المنطقی والأصولی
المتواطى الأصولی: هو ما تسأوی ظهوره فى أفراده بأنّ لا ینصرف إلی بعضها، كالنقطة.
المتواطى المنطقی: هو ما تسأوی صدقه فی أفراده بأن لا یتفاوت أفراده فی العلیة، والمعلولیة، والشدّة، والضعف، وغیر ذلک، کالإنسان[259]. والنسبة بینهما عموم من وجه، فكل المتواطی الأصولی متواط عند المنطقی ولیس بالعكس، كالإنسان. فإن له ظهور إلی بعض أفراده، کالرجل، والأنثى دون الخنثى، فلا یكون متواطیاً عند الأصولی.
الفرق بین المشکک الأصولی والمنطقی
المشکک الأصولی: ما تفاوت ظهوره اللفظى على أفراده، کالوجود والإنسان
المشكك المنطقی: ما تفاوت أفراده بالعلیة والمعلولیة (كالوجود فإنّ أحد أفراده الواجب تعالی یكون علّةً لسائر أفراده) أو الشدّة والضعف، کالبیاض، مثلاً[260]، والنسبة بینهما أیضاً عموم من وجه، فکل مشکّک عند المنطقی، مشکّک عند الأصولی ولیس بالعکس.
الفرق بین البرائة العقلیة والشرعیة
البرائة؛ إن أخذت من الكتاب والسنة والإجماع تسمّى برائة شرعیة، وموضوعها عدم العلم(رفع ما لا یعلمون).
و إن أخدت من العقل تسمّى عقلیة وموضوعها عدم البیان.
المراد من الرفع فی حدیث الرفع
عن أبی عبد الله قال: قال رسول الله: «وُضِعَ عَنْ أُمَّتِی تِسْعُ خِصَالٍ الْخَطَأُ والنِّسْیانُ ومَا لَا یعْلَمُونَ ومَا لَا یطِیقُونَ ومَا اضْطُرُّوا إِلَیهِ ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَیهِ والطِّیرَةُ والْوَسْوَسَةُ فِی التَّفَكُّرِ فِی الْخَلْقِ والْحَسَدُ مَا لَمْ یظْهَرْ بِلِسَانٍ أو یدٍ»[261].
وقد ورد فی بعض الأخبار: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِی تِسْعَةُ أَشْیاءَ»[262].
إنّما الكلام فیما رفع فی هذا الحدیث: قال الشیخ الأعظم(ره): والحأصل: إنّ المقدر فی الروایة- باعتبار دلالة الإقتضاء- یحتمل أن یكون جمیع الآثار فی كل وأحد من التسعة، وهو الأقرب اعتباراً إلی المعنى الحقیقى، وأن یكون فی كل منها ما هو الأثر الظاهر فیه. وأن یقدر الموأخذة فی الكل، وهذا أقرب عرفاً من الأوّل وأظهر من الثانی أیضاً، لأنّ الظاهر أنّ نسبة الرفع إلی مجموع التسعة على نسق واحد[263].
وحاصل ما أفاده صاحب الكفایة(ره)[264]: أنّ المرفوع بحدیث الرفع، هو الأثر الشرعی المترتّب على الفعل بعنوانه الأوّلى الذی یقتضیه دلیله، وتوضیحه: أنّ المرفوع بالخطأ، والنسیان، وما اضطروا إلیه، وما استكرهوا علیه یحتمل وجوهاً ثلاثة كما ذكرناها:
الأوّل: أن یكون المرفوع الآثار المترتّبة على الفعل بما هو هو، وبعنوانه الأوّلى، فإنّها ترتفع عند طرؤ الخطأ، والنسیان، والإكراه، وغیرها، فهذه العنأوین رافعة لذلك الحكم.
الثانی: أن یكون المرفوع الآثار المترتّبة على الأفعال بقید الخطأ، والنسیان، والاضطرار، والإكراه، وذلك، كوجوب الكفارة المترتّبة على القتل الخطیء، ووجوب الدیة فیه على العاقلة، ووجوب سجدتی السهو المترتّب على نسیان بعض إجزاء الصلاة.
الثالث: أن یكون المرفوع الآثار المترتّبة على الفعل المقید بالعمد، والذكر، والاختیار لا الخطأ، والنسیان، والاكراه، مثل: الكفارة المترتّبة على الافطار العمدی. وصاحب الكفایة(ره) تبعا لشیخنا الأعظم(ره) اختار الوجه الأوّل لبطلان الأخیرین[265].
وجه حكومة حدیث الرفع علی أدلّة الأحکام الأوّلیة
المشهور؛ أنّ حدیث الرفع حاكم على أدلّة الأحکام الأوّلیة، لأنه متعرض لكیفیة الدخل والتشریع بخلافها، لأنّها لا تتعرض إلّا لأصل الدخل.
توضیحه: إنّ أدلّة الأجزاء، والشرائط، والموانع، مثلاً: تدل على أصل الجزئیة، والشرطیة، والمانعیة، ولاتدلّ على كیفیة دخلها، وحدیث الرفع یتعرض لكیفیة الدخل، وأنّ جزئیتها أو شرطیتها أو مانعیتها، مختصة بغیر حال النسیان، فضابط الحكومة- وهو تعرض أحد الدلیلین لما لایتكفله الآخر- ینطبق على حدیث الرفع.
هذا، لكنّك خبیر بعدم انطباق الضابط المذكور للحكومة على المقام، ضرورةً أن كلا من حدیث الرفع، ودلیل الجزئیة، ونحوها متكفل لما یتكفل الآخر، فإنّ إطلاق دلیل جزئیة السورة، مثلاً: یدل على جرئیتها المطلقة، أی فی جمیع الحالات من النسیان وغیره، وحدیث الرفع یدل على عدم جزئیتها حال النسیان، فهماً فی هذه الحالة متعارضان، فلا حكومة لحدیث الرفع على دلیل الجزئیة ونحوها[266].
وجه تقدّم الأصل الموضوعی على الأصل الحكمی
لاریب فی تقدّم رتبة الأصل الموضوعی على الأصل الحكمی، لتقدّم الموضوع على الحكم رتبةً، حیث إنّه بالنسبة إلی الحكم، كالعلّة بالنسبة إلی المعلول، فلا یجری الأصل فی الحكم مع جریانه فی الموضوع، سواء كان الأصلان بحسب المفاد متنافیین، كما إذا اقتضى الأصل الموضوعی حرمة شیء، والأصل الحكمی إباحته، کاستصحاب خمریة المائع المشكوك انقلابه خِلّاً المقتضی لحرمته، وأصالة الحل المقتضیة لحلیة شربه أم متوافقین، كما فی استصحاب عدالة زید واستصحاب جواز تقلیده.
والوجه فی تقدیم الأصل الموضوعی على الأصل الحكمی هو تسبّب الشکّ فی الحكم عن الشکّ فی الموضوع؛ لأنّ الشکّ فی الموضوع أوجب الشکّ فی الحكم ، فالأصل الموضوعی لكونه منقحة للموضوع، یرفع الشکّ عن حكمه، ومعه لایبقى مجال للأصل الحكمی[267].
الفرق بین الاحتیاط العقلی والشرعی
المراد من الأوّل: حكم العقل بلزوم إتیان فعل یحتمل الضرر الأخروی فی ترکه، ولزوم ترک فعل یحتمل الضرر الأخروی فی فعله، وموضوعه: عدم المؤمّن، واحتمال العقاب، ودفعه واجب عند العقل، والمراد من الثانی: حكم الشارع بلزوم إتیان ما احتمل وجوبه، وترک ما احتمل حرمته: أخوك دینك فأحتط لدینك[268]، الوقوف عند الشبهات خیرٌ مّن الاقتحام فی الهلكات[269]. وموضوعه: الشکّ فی المکلّف به مع العلم بأصل التكیف. وأمّا أصالة التخییر، فهی عقلیة، وشرعیة؛ والاستصحاب الشرعى لا العقلی.
الفرق بین أصالة العدم والبرائة
إن أصالة العدم تجری فی الأحکام، والموضوعات، وأصالة البرائة تجرى فی الأحکام فقط.
الفرق بین أصالة الإباحة والبرائة
إن أصالة الإباحة تطلق على البرائة الشرعیة غالباً، وقد تطلق على البرائة العقلیة أیضاً، والبرائة المطلقة تطلق على البرائة العقلیة.
الفرق بین الماهیة المهملة واللا بشرط القسمی
الماهیة: تارةً تلاحظ بماهی هی، یعنی: أنّ النظر مقصور إلی ذاتها وذاتیاتها، ولم یلحظ معها شی زائد، وتسمّى هذه الماهیة بالماهیة المهملة نظراً إلی عدم ملاحظة شیء من الخصوصیات المتعینة معها؛ فتكون مهملة بالإضافة إلی جمیع تلك الخصوصیات حتى خصوصیة عنوان كونها مقسماً للأقسام الثلاثة. وتارة یلاحظ معها شیء خارج عن مقام ذاتها، وذاتیاتها باعتبار أنّها مقسم للأقسام الثلاثة، وتسمّى هذه الماهیة بالماهیة لا بشرط القسمی، وعلى هذا، فالملاحظة الأوّلى مباینة لملاحظة الثانیة، وتكون قسیمة لها، ولا یعقل أن یكون قسیم الشیء مقسماً له، خلافا للمحقق الخراسانی وبعض الفلاسفة بأنّهما اصطلاحان لمعنى واحد[270].
الفرق بین لا بشرط المقسمی ولا بشرط القسمی
اللا بشرط المقسمی: عبارة عن الماهیة التی تكون مقسماً للاعتبارات الثلاثة، أی لا بشرط شیء من الاعتبارات الثلاثة، كجواز السلام على المؤمن مطلقاً بالقیاس إلی العدالة، مثلا: أی لا بشرط وجودها ولا بشرط عدمها.
وأمّا لا بشرط القسمی: عبارة من الماهیة التی إذا لوحظت إلی ما هو خارج عن ذاتها لا تكون مشروطة بوجوده ولا بعدمه، کوجوب الصلاة على الإنسان بإعتبار کونه حرّاً.
وحاصل الفرق بینهما أنّ الماهیة فی القسمی مقیدة باللا بشرطیة وفی المقسمی غیر مقیدة بها[271].
مقدّمات دلیل الانسداد
إنّ دلیل الانسداد یتألّف من مقدّمات أربع، إذا تمّت یترتّب علیها حكم العقل بلزوم العمل بما قام علیه الظن فی الأحکام.
المقدّمة الأوّلى: دعوی انسداد باب العلم والعلمی فی معظم أبواب الفقه فی عصورنا المتأخرة عن عصر أئمتنا.
المقدّمة الثانیة: لا یجوز إهمال امتثال الأحکام الواقعیة المعلومة إجمالاً.
المقدّمة الثالثة: إنّه إذا وجب التعرض لامتثالها فلیس امتثالها بالطرق الشرعیة المقررة للجأهل، من الأخذ بالاحتیاط الموجب للعلم الإجمالی بالامتثال أو الأخذ فی كل مسألة بالأصل المتبع شرعاً فی نفس تلك المسألة مع قطع النظر عن ملاحظتها منضمّة إلی غیرها من المجهولات أو الأخذ بفتوى العالم بتلك المسئلة وتقلیده فیها.
المقدّمة الرابعة: إنّه إذا بطل الرجوع فی الامتثال إلی الطرق الشرعیة المذكورة لعدم الوجوب فی بعضها وعدم الجواز فی الآخر، والمفروض عدم سقوط الامتثال بمقتضى المقدّمة الثانیة، تعین بحكم العقل المستقل الرجوع إلی امتثال الظنّی والموافقة الظنیة للواقع، ولا یجوز العدول عنه إلی الموافقة الوهمیة[272]، وأضاف بعض العلماء مقدّمةً خامسةً وهی: أنّ ترجیح المرجوح – الشکّ والوهم – على الراجح قبیح.
الفرق بین انسداد الكبیر والصغیر
انسداد الكبیر: هو انسداد باب العلم فی جمیع الأحکام من جهة السنة وغیرها.
انسداد الصغیر: هو انسداد باب العلم بالسّنة مع انفتاح باب العلم بالطرق الأخرى[273].
وقال بعض الأعاظم من الأساتید فی وجه الفرق بینهما: إنّ استفادة الحكم الشرعی من الخبر یتوقف على أمور: ۱- العلم بصدور الخبر؛ ۲- العلم بجهة الصدور؛ 3- كون الخبر ظاهراً فی المعنى المنطبق علیه؛ ۴- حجیة الظهور، فإنّ سدّ العلم بجمیع هذه الأمور، یسمّى انسداد الكبیر، وإلّا یسمّى انسداد الصغیر[274].
أقسام القیاس
القیاس: هو إثبات حكم فی محل بعلّة، لثبوته فی محل آخر بتلك العلّة.
القیاس ینقسم بحسب مادته وصورته إلی أقسام كثیرة: نذكر فی مباحث المنطقیة إن شاء الله تعالی، وما یذكر من القیاس فی الأصول تقسیمه إلی منصوص العلّة، ومستنبط العلّة، وقیاس الأوّلویة؛ توضیح ذلك: فإنّ فهم من النص أنّ العلّة عامة على وجه لا اختصاص لها بالأصل، فلا شكّ فی أنّ الحكم یكون عاماً شاملاً للفرع كما إذا ورد: حرم الخمر، لأنّه مسكر، فیفهم منه حرمة النبیذ، لأنّه مسكر أیضاً، وامّا إذا لم یفهم منه ذلك ونستنبط منه الحكم فی الفرع من جهة العلّة المشتركة، كما إذا ورد: الخمر حرام ونستنبط علة الحرمة بأنّه مسكر، ونحكم بحرمة النبیذ لوجود الإسكار فیه أیضاً، ویسمّى القسم الأوّل: بمنصوص العلّة، والثانی: بمستنبط العلّة؛ وأمّا القیاس الأوّلویة، كمفهوم الموافقة، وفحوى الخطاب نحو قوله تعالی: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾[275]. الدالّ بالأوّلویة على النهی عن الشتم، والضرب، ونحوهما.
تسمیة منصوص العلّة وقیاس الأوّلویة بالقیاس؛ من باب التسامح، والمجاز، وفی الحقیقة أنّهما داخلان تحت الظواهر، وتكون حجیتهما من هذه الجهة.
الفرق بین قیاس الأوّلویة ومفهوم الموافقة
إنّ بعض العلماء كالمحقق المظفر(ره) صرّح[276]: بأنّ قیاس الأوّلویة: هو نفسه الذی یسمّى مفهوم الموافقة، ویسمّى فحوى الخطب، وذكر بعض آخر بأنّهما متمایزان عن الآخر؛ لأنّ قیاس الأوّلویة هو: إجراء حكم الأصل على الفرع بالأوّلویة وبالمناط؛ بأنّ یكون مناط الحكم فی الفرع أشدّ وأقوی من الأصل، والمفهوم الموافقة هو: إجرا حکم الأصل على الفرع بدلیل لفظی یدل على حكم الأصل، كقوله تعالی: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾.
الفرق بین قیاس الشبهی والأوّلوی
إن كان وجه الشبه فی المشبه به أقوی، نحو: زید كالأسد، فهو قیاس شبهی، وإن كان وجه الشبه فی المشبه أقوی، نحو: أسد کزید، فهو قیاس الأوّلوی.
المراد من الأصل المثبت
الأصل المثبت فی اصطلاح الأصولیین: هو استصحاب الموضوع لإثبات اللوازم العقلیة، والعادیة باعتبار ترتّب الآثار الشرعیة علیها، كاستصحاب الحیات لإثبات النمو، والإنبات (من اللوازم العادیة)، والتنفس، والتحیز (من اللوازم العقلیة)[277].
المشهور عند المتأخرین[278] عدم حجیة الأصل المثبت، لأنّ معنى عدم نقض الیقین، والمضىّ علیه، هو: ترتیب آثار الیقین السابق الثابتة بواسطته للمتیقّن، ووجوب ترتیب تلك الآثار من جانب الشارع لا یعقل إلّا فی الآثار الشرعیة المجعولة من الشارع، لذلك الشی، لأنّها قابلة للجعل دون غیرها من الآثار العقلیة والعادیة.
وقیل إنّ مفاد أخبار الباب تنزیل المستصحب بلحاظ مطلق ماله من الأثر الشرعی ولو بواسطة اللازم العادی أو العقلى أو الملزوم أو الملازم (کاستصحاب حرمة تزویج المرئة لإثبات وجوب نفقتها، فأنّهما لازمان لملزوم ثالث، وهو حیات الزوج)، فیكون الأصل المثبت حجة[279].
إنّ الشیخ الأعظم(ره) فصّل بین حجیة مثبتات الأمارات والأصول، وأنّ مثبتات الأمارات حجة دون الأصول، وحیث جعل الاستصحاب من الأصول لم یلتزم بحجیة مثبتاته، كما صرّح بذلك مراراً فی الرسائل، ونذكر ما صَرَّحَ فی هذه المقام: ومن هنا یعلم: أنّه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن، لم یكن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن بالازم شرعاً كان، أی اللازم أو غیره، إلّا إن یقال: إنّ الظن الحأصل من الحالة السابقة حجة فی لوازمه الشرعیة دون غیرها[280]. وصرح فی موضع آخر هذا نصّه: وقد عرفت أنّ الاستصحاب، إن قلنا به من باب الظن النوعى، كما هو ظاهر أكثر القدّماء: فهو، كإحدى الأمارات الاجتهادیة یثبت به كل موضوع، یكون نظیر المستصحب فی جواز العمل فیه بالظن الاستصحابی، وأمّا على المختار من اعتباره من باب الأخبار، فلا یثبت به ما عدا الآثار الشرعیة المترتّبة على نفس المستصحب[281].
و فی الخاتمة استثنى الشیخ الأعظم(ره) من عدم حجیة الأصل المثبت ما إذا كانت الواسطة خفیةً بحیث یعدّ الأثر أثراً لذى الواسطة فی نظر العرف، وإن كان فی الواقع أثراً للواسطة-كما فی استصحاب عدم الحاجب، فإنّ صحة الغسل، ورفع الحدث، وإن كان فی الحقیقة أثراً لوصول الماء إلی البشرة، إلّا أنّه بعد صبّ الماء على البدن یعدّ أثراً لعدم الحاجب عرفاً[282].
وزاد صاحب الكفایة[283] مورداً آخر لاعتبار الأصل المثبت، وهو ما إذا كانت الواسطة بنحو لا یمكن التفكیك بینها وبین ذى الواسطة فی التعبّد عرفاً، فتكون بینهما الملازمة فی التعبّد عرفاً، كما أنّ بینهما الملازمة بحسب الوجود واقعاً أو كانت الواسطة بنحو یصح انتساب أثرها إلی ذى الواسطة، كما یصح انتسابه إلی نفس الواسطة، لوضوح الملازمة بینهما. ومثّل له فی هامش الرسائل بالعلّة والمعلول تارة وبالمتضائفین أخرى بدعوى أن التفكیك بین العلّة والمعلول فی التعبد مما لا یمكن عرفاً، وكذا التفكیك بین المتضائفین.
و أورد علیهما الإمام الخوئی(ره)، كما ذكر فی تقریراته[284] بأنّ ما ذكره الشیخ من الاستثناء لیس هذا استثناءً من عدم حجیة الأصل المثبت، لكون الأثر حینئذ أثراً لنفس المستصحب لا للازمه، وإن كان العرف معترفاً بأنّ المستظهر منها أنّ الأثر أثر للواسطة-كما هوالصحیح – فإنّ رفع الحدث وصحة الغسل من آثار تحقق الغسل لا من آثار عدم الحاجب عند صبّ الماء، فذا الاستثناء مما لا یرجع إلی محصّل.
وإن ما ذكره صاحب الكفایة(ره) صحیح من حیث الكبرى، فإنّه لو ثبت الملازمة فی التعبد فی مورد، فلا إشکال فی الأخذ بها إلّا أنّ الأشكال فی الصغرى، لعدم ثبوت هذه الملازمة فی مورد من الموارد وأمّا ما ذكره من المتضایفین خارج عن محل الكلام، إذا الكلام فیما إذا كان الملزوم مورداً للتعبّد، ومتعلقاً للیقین، والشکّ، والمتضایفان كلاهما مورد للتعبد الاستصحابی[285].
وأمّا ما ذكره من العلّة والمعلول، فإن كان مراده من العلّة هی العلّة التامة، ففیه ما ذكرناه فی المتضائفین من الخروج عن محل الكلام، لعدم إمکان الیقین بالعلّة التامة بلایقین بمعلولها. وإن كان مراده العلّة الناقصة، ففیه أنّه لا ملازمة بین التعبد بالعلّة الناقصة والتعبد بالمعلول عرفاً، فلا معنى للاستثناء، والا یلزم أن لا یكون لعدم حجیة الأصل المثبت مورد، فانتج مما ذكره فی المقام عدم حجیة الأصل المثبت مطلقا[286].
المراد من العقل
العقل؛ هو الجوهر المجرد عن المادة ذاتاً وفعلاً[287]، وبعبارت أخرى: هو قدرة التفكر، وإدراک الکلّیات، ومن فقد فقد خرج عن موضوع الأوامر والنواهی. وفی لسان الروایات كما روی عن الصادق: «مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ، وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَان»[288].
المراد من الدلیل العقلی
المراد من الدلیلی العقلی، كل حكم للعقل یوجب القطع بالحكم الشرعی، وبعبارت الأخری، هو: كل قضیة عقلیة یتوصل بها إلی العلم القطعی بالحكم الشرعی، كحسن العدل وقبح الظلم.
الفرق بین العقل النظری والعملی
المراد من العقل النظری: هو إدراک ما ینبعی أن یعلم، أی إدراک الأمور التی لها واقع. والمراد من العقل العملی، هو: إدراک ما ینبغی أن یعمل، أی حكمه بأنّ هذا الفعل ینبغی فعله أو لا ینبغی فعله[289].
الفرق بین الشبهة البدویة وغیرها
المراد من الشبهة البدویة هو ما یكون المشتبه غیر مقارن بالعلم الإجمالی ومقابلها ما یكون مقروناً بالعلم الإجمالی، کالعلم بنجاسة أحد الإنائین مثلاً.
المراد من الشبهة الكثیرة فی الكثیرة
المراد منها ما إذا كانت أطراف الشبهة فی نفسها كثیرة، وكان المعلوم بالإجمال فی البین أیضاً كثیرة، كما لو فرض كون أطراف الشبهة ألفاً والمعلوم بینها مائة: فهلیكون العلم الإجمالی فی مثلذلك الفرضمنجزاً أم لا؟
والتحقیق: أنّه یختلف الحال باختلاف المسالك فی عدم تنجیز العلم الإجمالی فی الشبهة غیر المحصورة، فعلی مسلك الشیخ(ره) من أنّ الملاك فی عدم التنجیز کون احتمال التكلیف موهوماً لا یعتنى به العقلاء، كان العلم الإجمالی فی مفروض المثال منجزاً؛ لأنّ احتمال التكلیف فی كل واحد من الأطراف من قبیل تردد الواحد فی العشرة، ومثله لا یعدّ موهوماً، كما هو ظاهر[290].
وأما على مسلك المحقق النائینی(ره) من أنّ الوجه فی عدم التنجیز عدم الحرمة المخالفة القطعیة، لعدم التمكن منها، ووجوب الموافقة القطعیة متفرع علیها (قد ذكرنا فی محله عدم الملازمة بین الوجوب الموافقة القطعیة وحرمة المخالفة القطعیة، بل بینهما عموم من وجه)، فلابدّ من الالتزام بعدم التنجیز فی المقام أیضاً، فإنّ المخالفة القطعیة لا تتحقق إلّا بارتكاب جمیع الأطراف، وهو متعذّر أو متعسّر عادة، فلا تجب الموافقة القطعیة أیضاً، فلا یكون العلم الإجمالی منجزاً لا محالة[291].
وأمّا على مسلك الآخوند صاحب الكفایة(ره)[292] من تنجیز العلم الإجمالی مطلقا حتّى فی الشبهة غیر المحصورة، فلابّد من التنجیز هنا أیضاً[293].
الفرق بین الأقل والأکثر الاستقلالیین والارتباطیین
دوران الأمر بین الأقل والأکثر الاستقلالیین، هو: أن ما یتمیز به الأکثر على الأقل من الزیادة على تقدیر وجوبه یكون واجباً مستقلاً عن وجوب الأقل، كما إذا علم المکلّف بأنّه مدین لغیره بدرهم أو بدرهمین، وبعبارت أخرى: ولو تعلّق الحكم فی الواقع بالأکثر لكان إتیان الأقل كافیاً ومجزیاً بالنسبة إلی الأقل.
والأقل والأکثر الارتباطیان، هو: أن یكون هناك وجوباً واحداً له امتثال واحد، وعصیان واحد، وهو: إمّا متعلق بالأقل أو بالأکثر، كما إذا علم المکلّف بوجوب الصلاة، وترددت الصلاة عنده بین تسعة أجزاء وعشرة.
أما القسم الأوّل: فلاشك فی وجوب الأقل، لأنّه منجزّ بالعلم، ووجوب الزائد مشكوك بشكّ بدوی، فتجری عنه البرائة عقلاً وشرعاً أو شرعاً فقط على الخلاف بین المسلكین.
و أمّا القسم الثانی: ففیه مباحث طویلة لا مجال لذكرها فلیراجع فی المطولات.
دوران الأمر بین الأقل والاکثر الارتباطیین
إنّهم اختلفوا فی كون المقام مجرى البرائة أو الاحتیاط: فقد ذهب الشیخ الأعظم(ره) إلی البرائة[294]: وأنّه یكفی الإتیان بالأقل للخروج عن عهدة التكلیف، وذلك، لأنّ التكلیف بالأقل متیقن على كلا التقدیرین: تقدیر وجوب الأقل، وتقدیر وجوب الأکثر، فیجب الإتیان به. أمّا التكلیف بالأکثر، فهو مشكوك فیه، لأنّه لا یعلم وجوبه، فهو مجرى البرائة، فالعلم الإجمالی المتعلق بأحدهما منحلّ إلی یقین تفصیلی، هو الیقین بالأقل وشکّ بدوی بالنسبة إلی الأکثر.
والمحقق الخراسانی(ره) ذهب إلی وجوب الأکثر، وقال: والحق أن العلم الإجمالی بثبوت التكلیف بینهما أیضاً یوجب الاحتیاط عقلاً بإتیان الأکثر لتنجزّه به حیث تعلق بثبوته فعلاً[295].
وأجاب عن انحلال العلم الإجمالی، لاستلزامه انحلال المحال؛ إذ وجوب الأقل على كل تقدیر متوقف على تنجّز التكلیف مطلقاً، فلو سبّب وجوب الأقل على كل تقدیر انحلال العلم، لزم عدم وجوب الأقل على كل تقدیر وهو خلف؛ إذ معنى انحلال. عدم وجوب الأکثر، وعدم وجوب الأکثر ملازم لعدم تنجز التكلیف على كلا التقدیرین وهو خلف.
و ذكر دلیلاً ثانیاً لوجوب الاحتیاط فی المقام: بأنّ الأحکام الشرعیة تابعة للملاكات فی متعلقاتها من المصالح والمفاسد، على ما هو الحق من مذهب العدلیة، وحیث إنّه یجب تحصیل غرض المولى بحكم العقل، فلا مناص من الاحتیاط والإتیان بالأکثر، إذ لا یعلم بحصول الغرض عند الاقتصار بالأقل لاحتمال دخل الأکثر فی حصوله[296].
والإمام الخوئی(ره) أیّد كلام الشیخ(ره) وقال: فتلخّص مما ذكرناه عدم صحة التفكیك بین البرائة العقلیة والنقلیة فی المقام، فلابد من القول بجریان البرائة عقلاً ونقلاً، كما اختاره شیخنا الأنصاری(ره)، وهو الصحیح على ما تقدّم بیانه.[297]
ولا یخفى أنّ ما ذكرناه من الاختلاف بین الشیخ(ره) والخراسانی(ره) من الاحتیاط، والبرائة فی الأکثر بحسب حكم العقل، وأمّا بحسب النقل، فصاحب الكفایة أیضاً قائل بالبرائة النقلیة، كما صرّح فی الكفایة: وأمّا النقل، فالظاهر أنّ عموم حدیث الرفع قاض برفع جزئیة ما شكّ فی جزئیته، فبمثله یرتفع الإجمال والتردد عمّا تردد أمره بین الأقل والأکثر[298].
أقسام المقدّمة الداخلیة
هی الشرط، والسبب، والمعد،ّ والمانع.
الأوّل: الشرط: وهو ما یلزم من عدمه عدم المشروط، ولا یلزم من وجوده وجود المشروط، كالطهارة إلی الصلاة.
الثانی: السبب: وهو ما یلزم من وجوده وجود المسبّب، ومن عدمه عدم المسبّب لذاته، كالصیغة بالنسبة إلی العتق وکالشمس للنهار.
الثالث: المعد: وهو ما یلزم من مجموع وجوده وعدمه الوجود، کالذهاب بالنسبة إلی الكون فی مكان مخصوص، فإنّ إیجاد الخطوة وإعدامها موجب للوصول إلی مكان معین.
الرابع: المانع: وهو ما یلزم من وجوده العدم ولا یلزم من عدمه الوجود، کاستدبار القبلة بالنسبة إلی الصلاة[299].
الفرق بین مقدّمة الوجود والوجوب
مقدّمة الوجود: هی ما یتوقف علیها وجود الواجب بعد فرض عدم تقیید الوجوب بها، کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة، والسفر بالنسبة إلی الحج.
مقدّمة الوجوب: هی ما یتوقف علیها نفس الوجوب دون الوجود، كما فی تملك النصاب وقت انعقاد الحبّة، ولكن لا یجب إخراج الزكاة الّا یوم التصفیة، کالبلوغ، والعقل، والقدرة بالنسبة إلی جمیع الواجبات.
یجب على المکلّف تحصیل المقدّمات الوجودیة فی الخارج لاجل توصل إلی ذی المقدّمة بخلاف المقدّمات الوجوبیة، فلا یجب على المکلّف تحصیلها[300].
والنسبة بینهما عموم وخصوص من وجه؛ لتصادقهما فی القدرة والتمكن وافتراقهما فی تملك النصاب والطهارة.
أقسام السببیة
سببیة الأمارة تتصور على أقسام ثلاثة:
الأولی: ما هو المنسوب إلی الأشاعرة من أنّه لیس فی الواقع حكم مع قطع نظر عن قیام الأمارة، بل یكون قیامها سبباً لحدوث مصلحة موجبة لجعل الحكم على طبق الأمارة[301].
الثانیة: ما نسب إلی المعتزلة وهو: أن یكون قیام الأمارة سبباً لكون الحكم الواقعی بالفعل هوالمؤدّی، وذلك، لأنّ قیام الأمارة یوجب إحداث مصلحة أو مفسدة فی متعلقه، بمعنى أنّ قیام الأمارة من قبیل طرو العنأوین الثانویة، كالحرج والضرر موجبة لحدوث مصلحة فی المؤدّی أقوی من مصلحة الواقع[302].
الثالثة: ما نسب إلی بعض الإمامیة وهو: أن یكون قیام الأمارة سبباً لإحداث المصلحة فی السلوك على طبق الأمارة، وتطبیق العمل على مؤدّاها مع بقاء الواقع على ما هو علیه بمعنی فی السلوك على طبق الأمارة یتدارك بها ما یفوت من مصلحة الواقع على تقدیر مخالفتها له، كما قال الشیخ الأعظم(ره)[303].
وجه بطلان التصویب
إنّ التصویب عند الأشاعرة مستلزم للدور المحال عقلاً، وذلك، لأنّ قیام الأمارة على حكم من الأحکام یتوقف على ثبوت هذا الحكم قبل تعلّقها به، ومقتضى القول بالتصویب هو: ثبوت الحكم بنفس الأمارة، وبالنتیجة تكون الأمارة موقوفة على ثبوت الحكم، وثبوت الحكم موقوف علیها، وهذا دور واضح. هذا مضافاً إلی كونه مخالفاً للإجماع والروایات الدالة على اشتراك الأحکام بین العالم والجأهل.
والتصویب عند المعتزلة، وإن كان أمراً معقولاً بحسب مقام الثبوت إلّا أنّ الأدلّة لا تساعد على ذلك، لأنّ الإجماع والروایات یدلان على اشتراك الأحکام بین العالم والجأهل، وأن الواقع لا یتغیر عمّا هو علیه بقیام الأمارة.
الفرق بین الحیثیة التعلیلیة والتقییدیة
الحیثیة التعلیلیة هی التی جعلت، کالجزء والحثییته التقیدیه هی التی کالخارج[304]. بیان أخری: الحیثیته التعلیلیه تكون فیما كان العمل تمام الموضوع، وهذه الحیثیة تبین علة الحكم فقط نحو أكرم زیداً؛ لكونه عالماً ولا تكرم الفاسق ونحوالماء إذا تغیر تنجّس.
والحیثیة التقییدیة هی تكون تمام الموضوع، نحو: صلّ ولا تغصب، لأنّ الحكم لم یتعلق لذات العمل، بل تعلق بالعمل بوصف کونه صلاةً وغصباً وكذا إذا ورد فی لسان الدلیل: الماء المتغیر متنجس.
أقسام الشهرة
إنّ الشهرة على ثلاثة أقسام[305]:
الأوّل: الشهرة فی الروایة: بمعنى كثرة الناقلین لها سواء عملوا بها أم لا.
الثانی: الشهرة العملیة: بمعنى عمل المشهور بروایة واستنادهم إلیها فی مقام الافتاء.
الثالث: الشهرة الفتوائیة: بمعنى إفتاء المشهور بحكم من الأحکام من دون أن یعلم مستند فتواهم نظیر الإفتاء بإتمام الصلاة وإفطار الصیام فی سفر الصید للتجارة، وازدیاد المال مع عدم وجود روایة بذلك فیما بأیدینا، وأنّ مقتضى القواعد والإطلاق هو التلازم بین الصلاة والصیام فی القصر والإتمام.
و ذكر المحقق المظفر(ره)[306]: الشهرة فی أصول الفقه تختلف مع ما ذكرنا یسیراً، قال: إنّ الشهرة لغة: تتضمن معنى ذیوع الشیء ووضوحه[307]. وفی اصطلاح أهل الحدیث، یقال: على خبر کثر رأویه على وجه لا یبلغ حدّ التواتر، وفی اصطلاح الفقهاء: عبارة عمّا لا یبلغ درجة الإجماع من الأقوال فی المسئلة الفقهیة، وهذا على قسمین:
الأوّل : الشهرة فی الروایة: هی عبارة عن شیوع نقل الخبر من عدّة روّاة على وجه لا یبلغ حدّ التواتر.
الثانی: الشهرة فی الفتوى: هی عبارة عن شیوع الفتوى عند الفقهاء بحكم شرعی، وذلك، بأنّ یكثر المفتون على وجه لاتبلغ الشهرة درجة القطع الموجب للقطع بقول المعصوم، وهذه الشهرة فی الفتوى على قسمین من جهة وقوع البحث عنها والنزاع فیها:
الأوّل: أن یعلم فیها أنّ مستندها خبر خاص موجود بین أیدینا وتسمّى حینئذ الشهرة العملیة.
الثانی: ألّایعلم فیها أنّ مستندها، أی شیء هو سواء كان هناك خبر على طبق الشهرة، ولكن لم یستند إلیها المشهور أو لم یعلم استناد هم إلیه أم لم یكن خبر أصلاً، وینبغی أن تسمّى بالشهرة الفتوائیة.
الشهرة الفتوائیة، هی محل بحث الأعلام[308]. من جهة كونها من الظنون الخاصة، کخبر الوأحد أم لا، ومن المعروف عن المحققین من علمائنا أنّهم لایجرؤون على مخالفة المشهور إلّا مع دلیل قوی ومستندهم جلىّ یصرفهم عن المشهور.
أقسام التواتر
التواتر على ثلاثة أقسام:
الأوّل: التواتر اللفظی، هو أخبار جماعة كثیرة عن لفظ واحد بحیث یمتنع عادة خطائهم وتواطئهم على الكذب، کنقل حدیث الثقلین.
الثانی: التواتر المعنوی هو نقل جماعة كثیرة معناً واحداً بألفاظ مختلفة[309]، كنقل شجاعة على بن ابیطالب.
الثالث: التواتر الإجمالی، هو أن تكون الالفاظ والمعانی مختلفة، ولكن نعلم إجمالاً بصدور إحدى الروایات عن المعصوم.
أقسام الإجماع
إنّ الإجماع بما هو إجماع لا قیمة علمیة له عند الإمامیة ما لم یكشف عن قول المعصوم، فإذا كشف على نحو القطع عن قوله، فالحجة فی الحقیقة هو المنکشف (قول المعصوم، فعله وإمضائه) لا الكاشف، فیدخل حینئذ فی السّنة، فلا یكون أحد الأدلّه فی مقابل السّنة بخلاف الأصولیین من أهل السنّة حیث جعلوه فی مقابل الكتاب والسّنة.
الإجماع بحسب الطرق التی یكشف عن قول المعصوم ینقسم إلی أقسام.
الأوّل: الإجماع الدخولی: هو بمعنى أن یعلم بدخول الإمام فی ضمن المجمعین على سبیل القطع من دون أن یعرف بشخصه من بینهم وطریقه الحس، وهی الطریقة المعروفة عند قدّماء الأصحاب التی اختارها السید المرتضی(ره)[310].
الثانی: الإجماع اللطفی: طریقه قاعدة اللطف وهی أن یستكشف عقلاً رأی المعصوم من اتفاق من عداه من العلماء الموجودین فی عصره خاصة أو فی العصور المتأخرة مع عدم ردع من قبله، وهذه الطریقة هی التی اختارها الشیخ الطوسی(ره)[311] ومن تبعه.
الثالث: الإجماع الحدسی: هو أن یقطع بكون ما اتفق علیه الفقهاء الإمامیة وصل إلیهم من رئیسهم وإمامهم یداً بید، وطریقیة الحدس بقول المعصوم من اتفاق الفقهاء الإمامیة مع كثرة اختلافهم فی أكثر المسائل وقد ذهب إلی هذه الطریقیة أكثر المتأخرین[312].
الرابع: الإجماع التقریری: هو أن یتحقق الإجماع بمرأى ومسمع من المعصوم، مع إمکان ردعهم ببیان الحق له ولو بالقاء الخلاف بینهم[313]، فالإجماع إنّما یكون حجة إذا کشف کشفاً قطعیاً عن قول المعصوم من أی سبب كان، وعلى أیة طریقة حصل، فلیس من الضروری أن تفرض حصوله من طریقة مخصوصة هذه الطرق أو نحوها، هذا كله من أقسام الإجماع المحصل.
الفرق بین الإجماع المحصّل والمنقول
المراد من الأوّل: ما یحصله الفقیه بنفسه بتتبّع أقوال أهل الفتوى، والمراد من الثانی: ما لم یحصله الفقیه بنفسه، وإنّما ینقله له مَن حصّله من الفقهاء سواء كان النقل له بواسطة أم بوسائط.
الفرق بین الإجماع القولی والعَملی
الإجماع القولی: هو إتفاق أرباب الفتوى على الفتوى بحكم فرعى أو أصولى، وطریق إحرازه المراجعة إلی كتبهم ورسائلهم[314].
الإجماع العملی: عبارة عن عمل المجتهدین فی المسئلة الأصولیة بحیث یستندون إلیها فی مقام الاستنباط ویعتمدون علیها عند الفتوى[315].
تعریف الاستصحاب
قال الشیخ الأعظم(ره): إنّ الاستصحاب فی اللغة بمعنى أخذ الشیء مصاحباً[316]. ومنه: استصحاب أجزاء ما لا یؤكل لحمه فی الصلاة، وعند الأصولیین عرّف بتعاریف، أسدّها وأخصرها: «إبقاء ماكان»[317]، وقال المحقق الخراسانی(ره) فی تعریفه: «هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذی حكم شكّ فی بقائه»[318].
وذكر الإمام الخوئی(ره) للاستصحاب ثلاث تعریفات:
الأوّل: إذا كان الاستصحاب من الأمارات المفیدة للظن النوعی، فالصحیح فی تعریفه أن یقال: إنّ الاستصحاب كون الحكم متیقناً فی الآن السابق مشكوك البقاء فی الآن اللاحق.
الثانی: إذا كان الاستصحاب من الأمارات المفیدة للظن الشخصی، فالصحیح أن یقال فی تعریفه: إنّ الاستصحاب هو الظن ببقاء حكم یقینی الحصول فی الآن السابق مشكوك البقاء فی الآن اللاحق.
الثالث: إذا كان الاستصحاب من الأصول، فالصحیح فی تعریفه أن یقال: إنّ الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء الیقین فی ظرف الشکّ من حیث الجرى العملی[319].
الاستصحاب أمارةٌ أو أصل؟
یظهر من القدّماء إنّه معدود عندهم من الأمارات، کالقیاس؛ إذ لا مستند لهم علیه إلّا حكم العقل. والشیخ الأنصاری(ره)[320] فرّق فی الاستصحاب بین أن یكون مبناه الأخبار، فیكون أصلاً عملیّاً مضروباً للشاك فی وعاء الجهل والحیرة، كأصالة البرائة، وقاعدة الحل، وقاعدة الطهارة، وبین أن یكون مبناه حكم العقل، فیكون أمارة ظنیة، كخبر الواحد وظواهر الكلام. قال ما لفظه فی الرسائل: إنّ عدّ الاستصحاب من الأحکام الظاهریة الثابتة للشیء بوصف کونه مشكوك الحكم نظیر أصل البرائة وقاعدة الاشتغال: مبنی على استفادته من الأخبار، وأمّا بناء على كونه من أحكام العقل، فهو دلیل ظنّی اجتهادی، نظیر القیاس والاستقراء على القول بهما، وحیث إنّ المختار عندنا هو الأوّل ذكرناه فی الأصول العملیة المقررة للموضوعات بوصف کونها مشكوكة الحكم.
وذكر بعض الأعاظم[321]: أن الاستصحاب من الأمارات الظنّیة والأدلّة الاجتهادیة؛ سواء استفدنا اعتباره من بناء العقلاء أو من الأخبار أو من كلیهما جمیعاً، إذ لا إشکال فی أن الأمارة هی عبارة عما له كشف وحكایة عن الواقع؛ سواء كانت معتبرة عقلاً، کالأمارات المفیدة للعلم، أو شرعاً، كخبر الثقة وظواهر الكلام ونحوهما، أو لا عقلاً ولا شرعاً، كخبر الفاسق وخبر الصبىّ ونحو هما، فإن خبرهما من الأمارات الظنّیة بلا کلام غیر أنهما من الأمارات الغیر المعتبرة.
كما لا إشکال فی أنّ وجود الشیء فی السابق هو ممّا له، نحو کشف وحكایة عن البقاء ولو غالباً لا دائماً كشفاً ظنیاً لا عملیاً على وجه یعدّ إنکاره من الجدل والعناد جداً، وعلیه فالاستصحاب المعتبر فیه الیقین بوجود الشیء فی السابق یكون لامحالة من الأمارات المفیدة للظن بالبقاء، ولو نوعاً، كما هو الشأن فی سائر الأمارات الظنیة لا شخصاً فی كل مورد وفی كل مسئلة[322].
وجه تقدیم الأمارة على الاستصحاب
لا إشکال ولا خلاف فی عدم جریان الاستصحاب مع قیام الأمارة على ارتفاع المتیقّن، بل یجب العمل بها، وإنما الكلام فی وجه تقدیم الأمارة على الاستصحاب، وأنّه من باب التخصیص أو الورود أو الحكومة؟ فذهب بعضهم إلی أنّه من باب التخصیص، لأنّ النسبة المتحققة بین الأمارات والاستصحاب، هی النسبة بینها وبین جمیع الأصول العملیة، فلو عمل بالأصول، لم یبق مورد للعمل بالأمارات، فیلزم إلغائها؛ إذ من الواضح أنّه لا یوجد مورد من الموارد إلّا وهو مجرى الأصل من الأصول العملیة مع قطع النظر عن الأمارة القائمة فیه[323].
وذهب صاحب الكفایة وبعض المحققین إلی أنّ: تقدیم الأمارات على الأصول من باب الورود[324]، لأنّ ذكر الیقین فی قوله: «ولكن تنقضه بیقین آخر»، لیس من باب كونه صفة خاصة، بل من باب كونه من مصادیق الحجة، فهو بمنزلة أن یقال: انقضه بالحجة، وإنّما ذكر خصوص الیقین لكونه أعلى أفراد الحجة، لكون الحجیة ذاتیة له وغیر مجعولة، فخصوصیة الیقین ممّا لا دخل له فی رفع الید عن الحالة السابقة، بل ترفع إلیه عنها مع قیام الحجة على الارتفاع بلا فرق بین الیقین وغیره من الأمارات المعتبرة، فموضوع الاستصحاب هو الشکّ فی البقاء مع عدم قیام الحجة على الارتفاع أو البقاء، فمع قیام الأمارة ینتفی موضوع الاستصحاب والورود لیس الّا انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.
وذهب الإمام خوئی(ره): إلی أنّ تقدیم الأمارات على الاستصحاب من باب الحكومة لا من باب التخصیص والورود. وهذا خلاصة ما استفدنا من تقریراته[325]: إنّ التخصیص هو رفع الحكم عن الموضوع بلا تصرّف فی الموضوع، وأدلّة الاستصحاب فی نفسها بعیدة عن التخصیص، فإنّ ظاهر قوله: «فَلَیسَ ینْبَغِی لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْیقِینَ بِالشَّكِ أَبَداً»[326]، إرجاع الحكم إلی قضیة ارتكازیة، وهی عدم جواز رفع الید عن الأمر المبرم بأمر غیر مبرم، وهذا آب عن التخصیص، إذ مرجعه إلی أنّه فی مورد خاص، یرفع الید عن الأمر المبرم بأمر غیر مبرم وهو خلاف الارتكاز.
وأنّ الورود عبارة عن انتفاء الموضوع بالوجدان لنفس التعبد لا لثبوت المتعبد به – وإن كان ثبوته لا ینفك عن التعبّد إلّا أن ثبوته إنّما هو بالتعبد وأمّا نفس التعبد، فهو ثابت بالوجدان لا بالتعبد وإلّا یلزم التسلسل وتقدیم الأمارات على الاستصحاب لیس من باب الورود، إذ بمجرد ثبوت التعبّد بالأمارة لا یرتفع موضوع التعبد بالاستصحاب، لكون الشکّ وهو باق بعد قیام الأمارة على الفرض، بل تقدیمها علیه إنما هو من باب الحكومة التی مفادها عدم المنافات حقیقة بین الدلیل الحاكم والمحكوم علیه.
وجه تقدیم الاستصحاب علی سائر الأصول العملیّة
لا إشکال فی تقدیم الاستصحاب على جمیع الأصول الشرعیة والعقلیة، إنّما الكلام فی وجه تقدّمه علیها، والظاهر أنّ تقدّم الاستصحاب على الأصول العقلیة من باب الورود، لارتفاع موضوعها بالتعبّد الاستصحابی، فإنّ موضوع البرائة العقلیة هو عدم البیان، ومع حكم الشارع بالبناء على الحالة السابقة یثبت البیان وینتفی موضوع حکم العقل بالبرائة، وموضوع الاحتیاط العقلی هو احتمال العقاب، وبالتعبّد الشرعی وقیام الحجة الشرعیة یرتفع احتمال العقاب، فلا یبقی موضوع للاحتیاط العقلی، وموضوع التخییر العقلى عدم الرجحان مع كون المورد مما لابّد فیه من أحد الأمرین، ومع قیام الحجة الشرعیة على أحدهما یحصل الرجحان وینتفی موضوع حكم العقل بالتخییر وجداناً .
وتقدیم الاستصحاب على الأصول الشرعیة، كحال الأمارات مع الاستصحاب فی تقدّمه علیها من باب الحكومة[327].
تعارض الاستصحابین
التنافی بین الاستصحابین؛ قد یكون بحسب مقام الجعل، وقد یكون بحسب مقام الامتثال، فإن كان التنافی بینهما فی مقام الامتثال لعجز المکلّف عن العمل بكلیهما، كما إذا شكّ فی بقاء نجاسة المسجد وارتفاعها بالمطر مع الشکّ فی إتیان الصلاة، وهو فی الوقت، وهذا التنافی خارج من باب التعارض، وداخل فی باب التزاحم، ویؤخذ بالأهم وغیره من المرجحات المذكورة فیه.
وإن كان التنافی فی مقام الامتثال، فقد یكون الشکّ فی أحدهما مسبّباً عن الشکّ فی الآخر، وقد لا یكون كذلك، فإن كان الشکّ فی أحدهما مسبّباً عن الشکّ فی الآخر، یجری الاستصحاب فی السبب دون المسبب (المراد من السبب، السبب الشرعی المعبّر عنه بالموضوع دون التكوینی)، فجریان الاستصحاب فی الموضوع یغنی عن جریانه فی الحكم، إذ بعد ثبوت الموضوع بالتعبد الشرعى، یكون ثبوت الحكم من آثاره، فإذا غسلنا ثوباً نجساً بماء مستصحب الطهارة، مثلاً، یحكم بطهارة الثوب بحسب الظاهر[328].
أركان الاستصحاب
إنّ هذه القاعدة تتقوّم بعدّة أمور؛ بحیث لو لم تكن إمّا لاتسمّی استصحاباً أو لا تكون مشمولة لأدلته، ونعبّر عن هذه الأمور بأركان الاستصحاب، وهی سبعة أمور.
الأوّل: «الیقین السابق»، أی الیقین بكون الشیء سابقاً سواء كان حكماً شرعیاً أو موضوعاً ذا حكم شرعی.
الثانی: «الشکّ اللاحق»، وهذان الأمران مشتركان بین الاستصحاب وقاعدة الیقین.
الثالث: «اجتماع الیقین والشکّ فی زمان واحد»: بمعنى أن یتّفق فی آن واحد حصول الیقین والشکّ وإلّا تبدّل الیقین بالشکّ، وسرى الشکّ إلیه، فلا یكون العمل بالیقین إبقاء لما كان ولو قیل باعتبار هذه القاعدة، فهی قاعدة أخرى غیر الاستصحاب، وتسمّى بقاعدة الیقین، وقد یطلق علیها الشکّ الساری.
الرابع: «وحدة متعلق الیقین والشکّ»: بمعنى أنّه یعتبر فی الاستصحاب اتحاد القضیة المشكوكة مع المتیقنة موضوعاً، كما یعتبر اتحادهما محمولاً.
الخامس: «سبق زمان المتیقن على زمان المشكوك».
السادس: «فعلیة الشکّ والیقین».
السابع: «تعدّد زمان المتیقن والمشكوك»، ویعرف هذا مما ذكرنا فی الأمر الثالث، فلا یكون هذا مقوّماً مستقلاً[329].
أقسام الاستصحاب الکلّی
المستصحب قد یكون جزئیاً وقد یكون كلیاً، وجریان الاستصحاب فی الکلّی لا یتوقف على القول بوجود الکلّی الطبیعی فی الخارج، فإنّ البحث عن وجود الکلّی الطبیعی وعدمه بحث فلسفی، والأحکام الشرعیة مبنیة على المفاهیم العرفیة ولا إشکال فی وجود الکلّی فی الخارج بنظر العرف.
استصحاب الکلّی علی أقسام أربعة وهی:
القسم الأوّل: ما إذا علمنا بتحقق الکلّی فی ضمن فرد معین، ثم شككنا فی بقاء هذا الفرد وارتفاعه، فلا محالة نشكّ فی بقاء الکلّی وارتفاعه أیضاً، كما إذا علمنا بوجود زید فی الدار، فنعلم بوجود الإنسان فیها ثم شككنا فی خروج زید عنها، فنشك فی بقاء الإنسان فیها[330].
القسم الثانی: ما إذا علمنا بوجود الکلّی فی ضمن فرد مردد بین متیقّین الارتفاع ومتیقّن البقاء، كما إذا علمنا بوجود إنسان فی الدار مع الشکّ فی كونه زیداً أو عمرواً مع العلم بأنّه لو كان زیداً لخرج یقیناً، ولو كان عمرواً فقد بقى یقیناً، ومثاله فی الحكم الشرعی ما إذا رأینا رطوبة مشتبهة بین البول والمنی فتوضأنا، فنعلم أنّه لو كان الحدث الموجود هو الأصغر فقد ارتفع، ولو كان هو الأكبر فقد بقی[331].
القسم الثالث: ما إذا علمنا بوجود الکلّی فی ضمن فرد معین، وعلمنا بارتفاع هذا الفرد، لكن احتملنا وجود فرد آخر مقارناً مع وجود فرد الأوّل أو مقارن مع ارتفاعه، كما إذا علمنا بوجود زید فی الدار وعلمنا بخروجه عنها، ولكن احتملنا بقاء الإنسان فی الدار لاحتمال دخول عمرو فیها، ولو مقارناٌ مع خروجه عنها.
القسم الرابع: ما إذا علمنا بوجود فرد معین، وعلمنا بارتفاع هذا الفرد ولكن علمنا بوجود فرد معنونٍ بعنوان یحتمل انطباقه على الفرد الذی علمنا ارتفاعه، ویحتمل انطباقه على فرد آخر، فلو كان العنوان المذكور منطبقاً على الفرد المرتفع، فقد ارتفع الکلّی، وإن كان منطبقاً على غیره، فالکلّی باق، هذه هی أقسام استصحاب الکلّی[332].
اما القسم الأوّل والثانی، فلا ینبغی الاشكال فی جریان الاستصحاب فیهما، وإن استشكل بعضهم فی القسم الثانی، ولكنه غیر تام.
أمّا القسم الثالث، فقد أختار الشیخ: التفصیل بین احتمال حدوث فرد آخر مقارن مع حدوث الفرد المعلوم، واحتمال حدوثه مقارناً مع ارتفاع الفرد الأوّل، فقال: بجریان الاستصحاب فی الأوّل دون الثانی. وأجاب عنه الإمام الخوئی(ره): بأنّ الصحیح عدم جریان الاستصحاب فی الصورتین، لأنّ الکلّی لا وجود له الّا فی ضمن الفرد، فالعلم بوجود فرد معین یوجب العلم بحدوث الکلّی بنحو الأنحصار، أی یوجب العلم بوجود الکلّی المتخصص بخصوصیة هذا الفرد، وأمّا وجود الکلّی المتخصص بخصوصیة فرد آخر، فلم یكن معلوماً لنا، فما هوالمعلوم لنا قد ارتفع یقیناً، وما هو محتمل للبقاء لم یكن معلوماً لنا، فلا یكون الشکّ متعلّقا ببقاءِ ما تعلّق به الیقین، فلا یجری فیه الاستصحاب .
لقد استثنى الشیخ(ره): صورة أخرى من القسم الثالث، والتزم بجریان الاستصحاب فیها، وهی ما یتسامح فی العرف، فیعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق، کالمستمر الواحد، كما إذا كان الشخص فی مرتبة عالیة من العدالة، وشكّ فی تبدّلها بالفسق أو برتبة نازلة من العدالة، فیجری الاستصحاب فی مطلق العدالة[333].
وأجاب عنه الإمام الخوئی(ره)، كما فی تقریراته[334]: بأنّ جریان الاستصحاب فی مثل هذا وإن كان لا إشکال فیه، إلّا أنّه لایصح عدّه من القسم الثالث من استصحاب الکلّی، فإنّه بعد کون الفرد اللاحق هو الفرد السابق بنظر العرف، وکون الشدّة والضعف من الحالات، یكون الاستصحاب من الاستصحاب الجاری فی الفرد أو القسم الأوّل من استصحاب الکلّی، إذا كان الأثر له لا لخصوصیة الفرد.
وأما القسم الرابع، فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه لتمامیة أركانه من الیقین والشکّ[335]، ولكن قد یبتلى بالمعارض، فیقع التعارض بینهما.
الفرق بین الاستصحاب عدم النعتی وعدم المحمولی
المراد من الاستصحاب النعتی ما كان مفاداً للیس الناقصة، كاستصحاب عدم كون هذه المرأة قرشیة، والمراد من الاستصحاب المحمولى ما كان مفاداً للیس التامة، کاستصحاب عدم القرشیة[336].
الفرق بین الاستصحاب التعلیقی والتنجیزی
إنّ الحكم تارةً یكون فعلیاً من جمیع الجهات، وأخرى یكون فعلیاً من بعض الجهات دون بعض، ویعبّر عن الثانی بالحكم التعلیقی مرةً وبالحكم التقدیری أخرى، كما یعبّر عن الأوّل بالحكم التنجیزی. ومثال الثانی، كالتغیر المأخوذ فی نجاسة الماء، فإنّه لا یعلم أنّ النجاسة دائرة مدار التغیر حدوثاً وبقاءً، أو أنّها باقیة بعد زوال التغیر أیضاً لكونه علةً لحدوثها.
وظابطه: هو كون المستصحب فیه حكماً ثابتاً لموضوع منوطاً بوجود شرط مفقودٍ، كالغلیان الذی هو شرط حرمة العصیر العنبی، أو منوطاً بفقد مانع موجود، كما إذا أوصی شخص بمال لزید على تقدیر ترك شرب التتن، فإن كان زید فقیهاً وصار تاجراً، مثلاً: قبل موت الموصى، فإنّ الشکّ فی ملكیة زید، لتبدّل حاله – وهوالاشتغال بالعلم – بالتجارة یكون من هذا القبیل، فیقال: «زید مالك للمال الموصی به بعد موت الموصى الذی هو أحد جزئی موضوع الملكیة على تقدیر ترك الدخان، والآن كما کان»[337].
ولا یخفى أنّ الكلام فی جریان الاستصحاب فی الحكم التعلیقی إنّما هو بعد الفراغ من جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلّیة وإلّا كان البحث عن جریان الاستصحاب فی الأحکام التعلیقیة ساقطاً.
هل الاستصحاب یجری فی الحكم التعلیقی؟
ولایخفی أنّ جریان الاستصحاب فی الحكم التعلیقی وعدمه مبنی على أنّ القیود المأخوذة فی الحكم هل هی راجعة إلی نفس الحكم، ولا دخل لها بالموضوع أو راجعة إلی الموضوع، ففى الصورة الأوّلى، فلا مانع من جریان الاستصحاب فیها عند الشکّ فی بقاء الحكم، وأمّا على تقدیر القول برجوعها إلی الموضوع، فلا مجال بجریان الاستصحاب فیه، لكون الموضوع حینئذ مركباً، وفعلیة الحكم متوقفة على وجود موضوعه بتمام أجزائه، وحیث إنّ الصحیح فی القیود هو كونها راجعة إلی الموضوع، فلا مجال لجریان الاستصحاب فی المقام[338]. خلافاً للشیخ الأعظم(ره) حیث صرّح فی الرسائل بالجواز لتحقق الوجود التقدیری، لأنّ تحقّق كل شیء بحسبه[339].
عدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالی
لقد التزم الشیخ الأعظم(ره)[340] بعدم الجریان فی مباحث الاستصحاب لا لأجل استلزامه المخالفة العملیة، بل من جهة لزوم المناقضة بین الصدر والذیل فی قوله فی صحیحة زرارة: «وَ لَا تَنْقُضِ الْیقِینَ أَبَداً بِالشَّكِ وإِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِیقِینٍ آخَرَ»[341]، حیث منع عن نقض الیقین بالشکّ فی صدره وأمر بنقض الیقین فی ذیله، فإنّ الشکّ فی صدره والیقین فی ذیله مطلقان، فإطلاق الشکّ یشمل البدوی والمقرون بالعلم الإجمالی، كما أنّ إطلاق الیقین یشمل الیقین الإجمالی والتفصیلی، وهذا الإطلاقان لا یمكن التحفظ علیهما فی أطراف العلم الإجمالی، لأنّ مقتضى إطلاق الصدر جریان الاستصحاب فی كلا الطرفین، ومقتضى إطلاق الذیل عدم جریانه فی أحدهما، وبهذا تصحیح الصحیحة مجملة، والمانع الإثباتی، وهو لزوم المناقضة بین الصدر والذیل موجود.
ووافقه المحقق النائینی(ره)[342] على هذا المدعى، وإن لم یرتض ببرهانه حیث أجاب عما استدل به بما ذكره صاحب الكفایة من دلیل اعتبار الاستصحاب غیر منحصر بتلك الصحیحة المشتملة على الذیل، فهب أنّها مجملة إلّا أنّ الأخبار التی لاتشتمل على هذا الذیل مطلقة، وهی شاملة لكل من الشبهات البدویة، والمقرونة بالعلم الإجمالی لوضوح أنّ إجمال، أی دلیل لا یسرى إلی الآخر هذا، فلا مانع إثباتی لجریانه، بل التزم بعدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالی للمانع الثبوتی.
وتقریبه: إنّ الاستصحاب أصل إحرازی تنزیلی، ومعنى ذلك: أنّ الشارع فی مورد الاستصحاب قد نزل المکلّف منزلة العالم تعبّداً، وإن كان شاكاً وجداناً، ومن البین أنّ جعل المکلّف عالماً بنجاسة كل من الإنائین بالتعبّد مع العلم الوجدانی بطهارة أحدهما أمر غیر معقول، لأنّه تعبّد على خلاف المعلوم بالوجدان.
واختار صاحب الكفایة[343] جریان الاستصحاب لوجود المقتضی، وهو شمول أدلّة الاستصحاب، وعدم المانع، وهو لزوم المخالفة العملیة.
ووافقه الإمام الخوئی فی جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالی[344]. وأجاب عن إشکال أستاذه المحقق النائینی(ره)، بأنّه یتم فیما إذا كان الیقین والشکّ فی كلا الطرفین مورداً لاستصحاب وأحد، بأنّ شَمَلَها شمولاً واحداً، فإنّ التعبّد بالنجاسة فی مجموعهما تعبّد على خلاف العلم الوجدانی بعدم أحدهما، فعلى تقدیر أن یكون لنجاسة المجموع أثر شرعی، کما إذا فرضنا أنّ لبسهما معاً محرم فی الصلاة لم یمكن الحكم ببقاء النجاسة فی مجموعهما باستصحاب وأحد، لإنّه على خلاف ما علمناه بالوجدان.
وأما إذا كان كل وأحد من الیقین والشکّ فی الطرفین مورداً للاستصحاب مستقلاً، فلا وجه لما أفاده، وذلك، لأنّ كل وأحد من الطرفین معلوم النجاسة سابقاً، ومشكوك فیه بالفعل، وهو مورد للاستصحاب من دون علم وجدان على خلافه، لأنّ العلم الإجمالی إنّما یتعلق بالجامع دون الاطراف، فمرتبة الاستصحاب فی كل وأحد من الطرفین محفوظة، فلا مانع من جریانه فیه، ولا یضره العلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع، لأنّ المخالفة الالتزامیة غیر مانعة عن جریان الاستصحاب فی الأطراف.
الفرق بین المانع والرافع
المانع عبارة عن ما أخذ عدمه فی حدوث شیء، والرافع عبارة عمّا أخذ عدمه فی بقاء شیء بعد حدوثه، كالطلاق بالنسبة إلی علاقة الزوجیة.
الفرق بین الشک فی الرافع ورافعیة الموجود
والمراد من الأوّل ما كان رافعیته معلوماً، والشکّ فی تحققه، كالشکّ فی حدوث البول مع العلم بسبق الطهارة، والثانی ما كان معلوم الوجود قطعاً، ولكن یشكّ فی کونه رافعاً للحكم أم لا؟ كما إذا علم فی یوم الجمعة بأنّه مشغول الذمة بصلاة ما، ولا یعلم إنّها صلاة الجمعة أو صلاة الظهر، فإذا صلّى الظهر، مثلاً: یتردد هل هی رافعة لشغل الذمة بالتكلیف المذكور أو غیر رافعة.
المراد من الأصل الموضوعی والحكمی
الأصل الموضوعی: هو الأصل الجاری فی الموضوع لإحراز حكمه، کاستصحاب خمریة مائع شكّ فی انقلابه خلاً، فإنّه رافع لموضوع أصالة الحل فیه، وکاستصحاب عدم ذهاب ثلثی العصیر العنبی المغلّى إذا شكّ فی ذهابهما، کاستصحاب عدالة زید لإحراز الأحکام المترتّبة علیها من جواز الاقتداء به، ونفوذ شهادته، وغیرهما، ولیس مراد الشیخ(ره) ومن تبعه من الأصل الموضوعی هذا المعنى، بل كل ما یكون بیاناً ورافعاً للشك ولو تعبّداً ویسمّى بالأصول الموضوعی باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر. (أعنى أصالة البرائة)[345].
والأصل الحكمی: هو الأصل الجاری فی نفس الحكم الشرعی، کاستصحاب حرمة مباشرة الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال.
الأصل الموضوعی حاكم على البرائة أو وارد؟
إنما تجری أصالة البرائة شرعاً وعقلاً فیما لم یكن هناك أصل موضوعی سواء كان مطابقاً للبرائة، كما لو كان الماء حلالاً، ثم شككنا أنّه هل صار حراماً بحیازة أحد له- حتى یصبح غصباً- أم لا؟ لم تجرى أصالة البرائة ولم یصح التمسك بكل شیء لك حلال، بل جرى الأصل الموضوعی الموافق لها. فالاستصحاب یقتضی بقاء حلّیته أم مخالفاً لها، كما إذا شكّ فی حلیة لحم لتردده بین لحم الغنم الحلال ولحم الثعلب الحرام مع العلم بوقوع التذكیة علیه على كل تقدیر.
لا فرق فی عدم جریان البرائة فی الشبهة الحكمیة أو الموضوعیة مع أصل الموضوعی لوروده علیها وارتفاع موضوعها بسببه، إذ موضوع البرائة هو المشكوك والاستصحاب الموضوعی یرفع الشکّ كما أختار المحقق الخراسانی(ره)[346].
أو لحكومة الأصل الموضوعی على البرائة، كما اختار الشیخ الأعظم(ره) وهذا لفظه: الأوّل: إنّ محل الكلام فی الشبهة الموضوعیة المحكومة بالإباحة ما إذا لم یكن هناك أصل موضوعى یقتضی بالحرمة، فمثل المرئة المرددة بین الزوجیة والاجنبیة خارج عن محل الكلام، لأنّ أصالة عدم علاقة الزوجیة المقتضیة للحرمة، بل استصحاب الحرمة حاكمة على أصالة الاباحة[347].
الأقوال فی حجّیة الاستصحاب
إنّ الشیخ الأعظم(ره) ذكر فی رسائله أحد عشر قولاً[348]، ونذكر هنا ما هو الأهم:
الأوّل: اختار الشیخ(ره) التفصیل فی مقامین: الأوّل: بین الشکّ فی المقتضى والشکّ فی الرافع، وأنّ الاستصحاب حجة فی الثانی دون الأوّل، وهذا نصّ عبارته: لأنّ حقیقة النقض هو رفع الهیئة الاتصالیة، كما فی نقض الحبل، والأقرب إلیه على تقدیر مجازیته هو رفع الأمر الثابت، وقد یطلق على مطلق رفع الید عن الشیء ولو لعدم المقتضى له بعد إن كان أخذاً به، فالمراد من النقض عدم الاستمرار علیه، والبناء على عدمه بعد وجوده[349].
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ الأمر یدور بین أن یراد بالنقض مطلق ترك العمل، وترتیب الأمر وهو المعنى الثالث، ویبقى المنقوض عامّاً لكل یقین وبین أن یراد من النقض ظاهره، وهو المعنى الثانی، فیختص متعلّقه بما من شأنه الاستمرار المختص بالموارد التی یوجد فیها هذا المعنى، ولایخفی رجحان هذا على الأوّل[350]، ففی مورد یكون المتیقن مما له دوام فی نفسه یكون أمراً مبرماً مستحکماً، ویصّح إسناد النقض إلیه، وفی مورد لا یكون المتیقن كذلك، لا یصّح إسناد النقض إلیه، لأنّ النقض حلّ شیء مبرمٍ مستحکمٍ.
والثانی: هو التفصیل بین الحكم الثابت بالدلیل الشرعی، کالكتاب والسّنة والإجماع والحكم الثابت بالدلیل العقلى، فأنکر حجیة الاستصحاب فی الثانی، والوجه فیه بحسب ما یستفاد من كلامه: أنّه لابدّ فی جریان الاستصحاب من إتحاد الموضوع فی القضیتین، فإنّه لولا اتحاد القضیة المتیقنة والمشكوكة لایصدق نقض الیقین بالشکّ، وإذا ثبت الحكم بالدلیل العقلى والعقل لایحكم بحكم للموضوع المهمل، لأنّ الإهمال فی مقام الثبوت لایتصور من الحاكم، فلابدّ فی حكم العقل من إدراک الموضوع بجمیع قیوده، فلا یحكم العقل بحكم إلّا للموضوع المقید بقیود لها دخل فی الحكم، فمع عدم انتفاء شیء من هذه القیود لایمكن الشکّ فی الحكم ومع انتفاء أحدها ینتفى الحكم العقلى یقیناً، والمفروض إنّ الحكم الشرعی فی المقام مستفاد من الحكم العقلی بقاعدة الملازمة، فبانتفاء الحكم العقلى ینتفى الحكم الشرعی لا محالة، فلا یبقى لنا شكّ فی بقاء الحكم الشرعی حتى نرجع إلی الاستصحاب، بل هو مقطوع العدم[351].
الثالث: ما ذهب إلیه المحقق الخراسانی(ره) من حجیة الاستصحاب مطلقاً فی الأحکام والموضوعات والمقتضى والرافع والحكم الثابت بالدلیل الشرعی أو العقلی و… وعمدة دلیله على ذلك، كما صرّح فی الكفایة[352] الأخبار المستفیضة فی الباب
منها: صحیحة زرارة قُلْتُ: لَهُ الرَّجُلُ ینَامُ، وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، أَ تُوجِبُ الْخَفْقَةُ وَالْخَفْقَتَانِ عَلَیهِ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: «یا زُرَارَةُ! قَدْ تَنَامُ الْعَینُ وَلَا ینَامُ الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَینُ وَالْأُذُنُ وَالْقَلْبُ، وَجَبَ الْوُضُوءُ»، قُلْتُ: فَإِنْ حُرِّكَ إِلَى جَنْبِهِ شَیءٌ وَلَمْ یعْلَمْ بِهِ، قَالَ: «لَا حَتَّى یسْتَیقِنَ أَنَّهُ قَدْ نَامَ حَتَّى یجِیءَ مِنْ ذَلِكَ أمر بَینٌ وَإِلَّا فَإِنَّهُ عَلَى یقِینٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَلَا تَنْقُضِ الْیقِینَ أَبَداً بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِیقِینٍ آخَرَ»[353].
هذا ما ذكر فی الوسائل مع اختلاف یسیر مما ذكر فی التهذیب[354]. ولکن إختلاف العبارة غیر مخل فی الاستدلال: إنّ هذه الصحیحة والصحیحة الثانیة والثالثة لزرارة التی ذكرها فی الكفایة، تدلّ بإطلاقها على حجیة الاستصحاب مطلقاً بلا فرق بین الأحکام الکلّیة والجزئیة والموضوعات الخارجیة، فإنّها بإطلاقها تدل على عدم جواز نقض الیقین بالشکّ، سواء كان متعلق الیقین هو الحكم الکلّی أو الموضوع الخارجی.
الرابع: ما ذهب إلیه الإمام الخوئی(ره) فی المقام من جریان الاستصحاب فی الشکّ فی المقتضى أیضاً، لأنّ متعلّق الیقین، والشکّ ملحوظ بالنظر المسامحى العرفی، والغاء الخصوصیة الزمان بالتعبّد الشرعی، فتستفاد من قوله: «وَلَا تَنْقُضِ الْیقِینَ أَبَداً بِالشَّكِّ»[355]. حجیة الإستصحاب مطلقاً بلا فرق بین موارد الشکّ فی المقتضی، وموارد الشکّ فی الرافع خلافاً للشیخ(ره)، ولكنه فصّل بین الأحکام الکلّیة الإلهیة وغیرها من الأحکام الجزئیة والموضوعات الخارجیة، كما اختاره الفاضل النراقی(ره) فی المستند[356]. فیكون الاستصحاب قاعدةً فقهیةً مجعولةً فی الشبهات الموضوعیة، نظیر قاعدتی الفراغ والتجأوز وغیرهما من القواعد الفقهیة، ولیس الوجه فیه قصور الروایات الواردة فی المقام، لأنّ عموم التعلیل فی الصحیحة، كما ذكرنا والإطلاق فی غیرها، شامل للشبهات الحكمیة والموضوعیة، بل الوجه فی هذا التفصیل أنّ الاستصحاب فی الأحکام الکلّیة معارض بمثله دائماً.
بیانه: إنّ الشکّ فی الحكم الشرعی؛ تارة یكون راجعاً إلی مقام الجعل، وأخرى یكون الشکّ راجعاً إلی المجعول بعد فعلیته بتحقق موضوعه فی الخارج، كالشکّ فی حرمة وطء المرأة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال.
والشکّ فی المجعول على قسمین: إمّا أن یكون لأجل الشکّ فی دائرة المجعول سعةً وضیقةً من قبل الشارع، كما إذا شككنا فی أنّ المجعول من قبل الشارع هل هو حرمة وطء الحائض وجود الدم فقط أو الی حین الاغتسال؟ ویعبّر هذ الشکّ بالشبهة الحكمیة، وإمّا أن یكون الشکّ لأجل الأمور الخارجیة بعد العلم بحدود المجعول سعةً وضیقاً من قبل الشارع، كما إذا شككنا فی انقطاع الدم بعد العلم بعدم حرمة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل، ویعبّر عن هذا الشکّ بالشبهة الموضوعیة، وجریان الاستصحاب فی الشبهات الموضوعیة مما لا إشكال فیه.
أمّا الشبهات الحكمیة: فإن كان الزمان مفرّداً للموضوع، وكان الحكم انحلالیاً كحرمة وطء الحائض، مثلاً: فلا یمكن جریان الاستصحاب فیها؛ لأنّ هذا الفرد من الوطء، هو الفرد المفروض وقوعه بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال لم تعلم حرمته من أوّل الأمر حتّى تستصحب بقائها.
وإن لم یكن الزمان مفرداً، ولم یكن الحكم انحلالیاً، كنجاسة الماء القلیل المتمّم كراً، فإنّ الماء شیء واحد غیر متعدد بحسب إمتداد الزمان فی نظر العرف ونجاسته حکم واحد مستمر من أوّل الحدوث إلی آخر الزوال، ومن هذا القبیل: الملكیة والزوجیة، فلایجری الاستصحاب فی هذا القسم أیضاً، لابتلائه بالمعارض، لأنّه إذا شككنا فی بقاء نجاسة الماء المتمّم كراً، فلنا یقین متعلق بالمجعول، ویقین متعلّق بالجعل، فبالنظر إلی المجعول یجرى استصحاب النجاسة؛ لكونها متیقنة الحدوث ومشكوكة البقاء. وبالنظر إلی الجعل یجرى استصحاب عدم النجاسة، لكونه أیضاً متقیناً، وذلك للیقین بعدم جعل النجاسة للماء القلیل فی صدر الإسلام لا مطلقاً ولا مقیداً بعد التتمیم، والقدر المتیقن إنّما هو جعلها للقلیل غیر المتمّم، أمّا جعلها مطلقاً حتى للقلیل المتمّم، فهو مشكوك فیه فنستصحب عدمه[357].
وأجاب عما أفاد سیدنا الخوئی(ره) الأستاذ آیة الله العظمى المحقق الكابلی(ره)، وهذا نصّ عبارته: وما أفاده من أنّ الاستصحاب فی الأحکام الکلّیة معارض باستصحاب عدمی لایمكن المساعدة علیه، فنقول فی المقام إنّ استصحاب عدم جعل النجاسة، معارض باستصحاب عدم جعل الطهارة، فیتساقطان بالتعارض، لأنّا نعلم بجعل أحدهما فبعد تساقطهما یكون المرجع استصحاب المجعول المحقق قبلها وهی النجاسة[358].
ما أفاده الاستإذ ینافی ما ذکر فی الفقه من أنّ کل شیء طاهر حتی تعلم أنّه قذیر، وإذا لم یکن للشیء دلیل علی النجاسة، فهو محکوم بالطهارة.
الفرق بین الترجیح بغیر مرجّح والترجّح بغیر مرجّح
إنّ الأوّل مستند إلی الفاعل، وذلك قبیح بخلاف الثانی، فإنّه ترجّح تلقائی، وذلك ممتنع، لأنّ ارتفاع أحد طرفی المتساویین بدون علّة معناه وجود المعلول بدون علة، وذلك محال[359]. وفرّق بینهما الآملی(ره) فی درر الفوائد على شرح المنظومة، وهذا لفظه: الترجّح: هو تحقق أحد طرفی المتساویین من غیر علة. الترجیح من غیر مرجح: اختیار الفاعل المختار أحد طرفی المتساویین من غیر رجحان فیما یختاره على الطرف الآخر[360].
معیار القدّماء والمتأخرین عند الأصولین
وفیه أقوال ثلاثة:
أ- قال الإمام الخمینی(ره): إنّ الفقهاء الذین یعیشون من إبتداء الغیبة الصغری(260ق) إلی عصر وفات الشیخ الطوسی(ره)(460ق) یکونوا من القدماء وبعده یکونوا من المتأخرین[361].
ب- المقصود من القدماء فی استعمالات الفقهاء المعاصرین الذین یعیشون من غیبة الکبری(329ق) إلی عصر الشیخ الطوسی(ره) (460ق) وبعده یکونوا من المتأخرین إلی عصر العلامة الحلی(ره)(726ق).
المعروف عند بعض الأصولیین فی تشخیص القدّماء عن المتأخرین المحقق الأوّل[362].
ج- ذكر بعض المعاصرین فی كتابه المسمّى بهدایة الأصول: بأنّ میزان القدّماء والمتأخرین، الشیخ الطائفة الشیخ الطوسی(ره)، فإنّه وما بعده یكون من المتأخرین، وقبله یكون من القدّماء. المولود عام (۳۸۵) والمتوفی عام (۴۶۰).
و قد تمّ ما أردنا ذكره من المباحث الأصولیة
ونرجو من الله تعالی أن یوفقنا لإتمام
المباحث الأخرى بفضله وکرمه
إنّه ذو فضل عظیم.
2
حول المباحث الفقهیة
قال رسول الله: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَیرًا فَقَّهَهُ فِی الدِّینِ»[363].
قال الوكیل فی منظومته:
الفقه فی العلوم بعد المعرفة کالبــدر بین أنجم منکسفة
وإنّــه وظیـــفة العـــباد وأحـسن الزّاد إلى المــعاد
وعالم مـن علماء الإ ئـــمّة فی حجج الدین عن الإئمّة
الفقه فی اللّغة والاصطلاح
الفقه فی اللغة: عبارة عن الفهم، کما فی لسان العرب ومجمع البحرین[364]. ومنه قوله تعالى: ﴿قالُوا یا شُعَیبُ ما نَفْقَهُ كَثِیراً مِمَّا تَقُولُ وإِنَّا لَنَراكَ فِینا ضَعِیفاً﴾[365]، أی لا نفهم. وقوله تعالى: ﴿لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ﴾[366] وتقول العرب: «فَقَهُت كلامك»، أی فهمته.
وفی الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعیة الفرعیة عن أدلّتها التفصیلیة. فخرج بالتقیید بـ«الأحكام»، العلم بالذوات، كزیدٍ مثلاً. وبـ«الصفات، ككرمه وشجاعته، وبـ«الأفعال»، ککتابته وخیاطته. وخرج بـ«الشرعیة»، غیرها، كالعقلیة المحضة واللغویة. وخرج بـ«الفرعیة»، الأصولیة. وبقولنا: «عن أدلّتها»، علم الله سبحانه وعلم الملائكة والأنبیاء. وخرج بـ«التفصّیلیة»، علم المقلّد فی المسائل الفقهیة، فإنّه مأخوذٌ من دلیل إجمالىّ مطّردٌ فی جمیع المسائل[367].
الفقه ینقسم إلى أربعة أقسام
إنّ الفقهاء(ره) قسّموا مسائل الفقه إلى أقسام أربعة: عبادات، وعقود، وإیقاعات، وأحکام. وقد یعبّر عن هذه الأقسام: بعبادات، وعادات، ومعاملات، وسیاسات.
وجه حصر الفقه فی أربعة أقسام
وجه الحصر: أنّ المبحوث عنه فی الفقه: إمّا أن یتعلّق بالأمور الأخرویة أو الدنیویة؛ فإن كان الأوّل، فهو العبادات، وإن كان الثانی، فلایخلو، فإمّا أن یفتقر إلى عبارة أو لا؟ فإن لم یفتقر، فهو الأحكام كالدیات والقصاص والمواریث، وإن افتقر؛ فإمّا من الطرفین أو من طرف واحد؟ فإن كان الثانی، فهو الإیقاعات، كالطلاق والعتق، وإن كان الأوّل، فهو العقود، ویدخل فیه المعاملات والنكاح[368].
الفرق بین القواعد الفقهیة والأصولیة
إنّ القواعد الفقهیة على قسمین: قسم یجری فی الشبهات الموضوعیة، وقسم یجری فی الشبهات الحكمیة.
القسم الأوّل: الفرق بینه وبین القواعد الأصولیه: هو أنّ القواعد الجاریة فی الشبهات الموضوعیة، عبارة عن كبریات تنتج بعد انضمام الصغرى إلیها حكماً جزئیاً شخصیاً؛ كقاعدتی التجاوز والفراغ، فإنّهما تفیدان عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ والانتهاء من العمل أو بعد تجاوز محل المشكوك. وهاتان الكبریان إذا ضممنا هما إلى صغریاتهما التی هی موارد ابتلاء الشّخص نفسه، انتجنا صحّة عمله المشكوك. وكذلك الحال فی قاعدة الید، وقاعدة نفی الضّرر، والحرج فی موارد الضرر، أو الحرج الشخصی. فإنّ الناتج من القواعد الفقهیة الجاریة فی الشبهات الموضوعیة، حكمٌ شخصیٌّ خاصٌّ؛ وأمّا المسائل الأصولیة: فالناتج بعد الانضمام، حکمٌ کلیٌ عام ثابت لجمیع المكلّفین، كمسألة حجیة خبر واحد. فإنّا لو ضممنا هذه القضیة الکلّیة الى قضیة صغرویة، وهی الخبر الذی أثبت جزئیة السورة فی الصلاة، لانتج من هذا جزئیة السورة فی حقّ كلّ واحدٍ من دون اختصاصٍ بفردٍ معینٍ. فهذا هو الفارق بینهما[369].
والقسم الثانی: هی القواعد الجاریة فی الشبهات الحكمیة، مثل: لاضرر، ولاحرج؛ بناء على جریانهما فی موارد الضرر، أو الحرج النوعی. وكذا قاعدة ما لایضمن بصحیحه لایضمن بفاسده، تنتج بعد الانضمام حکماً كبرویّاً كلّیاً.
فإنّ مفادّ الأوّلى: أنّ كلّ حکمٍ إذا استلزم ضرراً أو حرجاً ولو كان الضرر والحرج نوعیاً فهو مرفوع.
ومفادّ الثانیة: أنّ كلّ معاملةٍ كان فی صحیحها ضمانٌ، ففی فاسدها كذلك، وبالعكس: إنّ كلّ معاملةٍ لم یكن فی صحیحها ضمانٌ، ففی فاسدها لا یكون فیه الضمان أیضاً. فكلتا القاعدتین من حیث النتیجة متّحدة مع علم الأصول من حیث إنتاج الحكم الکلّی إلّا أنّ هناك فرق بینهما؛ فإنّ نتائج هذه القواعد لا تقع فی طریق استنباط الحكم، ولا أنّها مما ینتهی إلیه بعد العجز عن استنباط الحكم الشرعی، وإنّما هی من الحكم المستنبط المنطبق على موارده، مثلاً: المستفاد من دلیل لاضرر إنّ الحكم الضرری مرفوع وهو بنفسه حکمٌ شرعیٌّ ینطبق على موارده. مثل: اللّزوم فی المعاملة الغبنیة، فإنّه ضرریٌّ نوعاً، فهو مرفوع شرعاً. وكذا قاعدة لایضمن، فإنّها تنطبق على مثل الهبة، والعاریة، فإنّ صحیحهما لم یكن فیه ضمانٌ، فكذا فاسدهما، بخلاف البیع، فإنّ صحیحه مضمونٌ، ففاسده كذلك. وهكذا.
بخلاف المسائل الأصولیة، فإنّ نتائجها بین ما أمكن أن یستنبط منه الحكم الشرعی، ومایكون مرجعاً للفقیه فی تعیین الوظیفة الفعلیة. نعم، أصل حكم القاعدة الفقهیة إنّما استفید من المسائل الأصولیة، كما هو الحال، فی جمیع المسائل الفقهیة[370].
و قال بعض الأعاظم فی مقام الفرق بینهما: القواعد الفقهیة: هی أحكام عامّة فقهیة تجرى فی أبواب مختلفة، كقاعدة الطّهارة والحلیة.
وأمّا؛ القواعد الأصولیة: فهی القواعد العامّة الممهّدة لحاجة الفقیه إلیها فی تشخیص الوظائف الکلّیة للمكلّفین.
وممّا ذكر، تعرف أنّه لیس من شرط المسألة الأصولیة الوقوع فی طریق استنباط الحكم، كما یظهر من غیر واحدٍ من الأعلام؛ وذلك، لأنّ البحث فی كثیر ٍمن مسائله بحثٌ عن نفس الحكم الشّرعی لا عمّا یقع فی طریق استنباطه، کالبحث عن البرائة الشرعیة فی الشبهات الحكمیة المستفاد من قوله «كلّ شیء لك حلالٌ». بناء على شموله للشبهات الحكمیة[371].
الفرق بین الحكم القضاء والفتوى
الفتوى: عبارة عن بیان الأحكام الکلّیة من دون نظر إلى تطبیقها على مواردها. وأمّا القضاء: فهو الحكم بالقضایا الشخصی التی هی مورد الترافع والتشاجر، فیحكم القاضی: بأنّ المال الفلانی لزید أو أنّ المرأة الفلانیة زوجة فلان[372].
و الفرق بینهما من جهات:
١- الفتوی إخبارٌ وحکایةٌ عن حكم الله تعالى عن حدسٍ، بخلاف إخبار الثقة، فإنّه عن حسٍّ. والقضاء إنشاء حكمٍ من قبل القاضی، کحکمتُ أو قضیتُ[373].
٢- الفتوى، منحصرٌ فی الشبهات الحكمیة، ولایجری فی الشبهات الموضوعیة. وأمّا القضاء فیجری فی الشبهات الحكمیة والموضوعیة.
٣- الفتوى، حجةٌ للمفتى ومقلّدیه، ولا یكون حجةً لغیرهم. وأمّا القضاء حجةٌ لغیر مقلّدیه أیضاً[374].
۴- الفتوى، لا یكون إلزاماً من المفتی إلى مقلّدیه إلّا من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر. وفی القضاء إلزامٌ من القاضی بما صدر من الحكم ولو كان مخالفاً لفتوى مرجعه[375].
وبعبارة أخری: إنّ الفتوى، تتمثّل فی بیان الأحكام الشرعیة الکلّیة على نحو القضیة الحقیقیة من دون نظر إلى تطبیقها على مواردها ومصادیقها، ولا تكون حجّة إلّا على من یجب علیه تقلید المفتی به، والمعیار فی التطبیق إنّما هو نظره دون نظر المفتی.
و أمّا القضاء، فهو تتمثّل فی حكم المفتی بالقضایا الشخصیة التی هی مورد الترافع والتشاجر بین الناس وإنهاء النزاع فیها، سواء كانت من القضایا المالیة أم غیرها، وهو نافذٌ على كل أحد، حتى إذا كان أحد المتخاصمین أو كلاهما مجتهداً[376].
الفرق بین القاضی المنصوب والقاضی التّحكیم
القاضی المنصوب: هو من له الولایة شرعاً على تطبیق الأحكام الشرعیة، وإجراء الحدود، وإقامة التعزیرات، وفصل الخصوم والنزاعات والمرافعات بین المسلمین، وأخذ حقوق المظلومین من الظالمین بأىّ كیفیة متاحّة له شرعاً، بغایة الحفاظ على مصالح المسلمین الكبرى، وهی العدالة الاجتماعیة، وخلق التوازن. وأمّا القاضی التحكیم: فهو الذی اختاره المتخاصمان وتراضیا على حكمه فی فصل الخصومة بینهما بالطرق المقرّرة شرعاً. ولا یعتبر فی القاضی التحكیم الاجتهاد، بل یكفی فیه معرفة الأحکام، ولاسیما أحكام القضاء، ولوكان عن التقلید. وأمّا فی القاضی المنصوب شرعاً، فیعتبر فیه الاجتهاد، بل الأعلمیة على الأظهر إلّا المنصوب من قبل الإمام أو نائبه[377].
الفرق بین القاضی والمفتی
الفرق بینهما أنّ المفتی: یقرّر القوانین الشرعیة. والقاضی: یشخّص تلك القوانین فی الموارد الجزئیة، مثل أن یقول: لزیدٍ، مثلاً: علیك البینة وعلى خصمك الیمین[378].
الفرق بین الحق والحكم
أمّا بحسب المفهوم والحقیقة، فالفرق واضحٌ: فإنّ الحقّ نوعٌ من السلطنة على شیء متعلّقٍ بعین، كحقّ التحجیر وحقّ الرهانة وحقّ الغرماء فی تركة المیت أو غیرها، كحقّ الخیار المتعلّق بالعقد أو على شخص، كحقّ القصاص وحقّ الحضانة وحقّ القسم ونحو ذلك؛ فهى مرتبة ضعیفة من الملك، بل نوع منه وصاحبه مالكٌ لشیء یكون أمره إلیه بخلاف الحكم، فإنّه مجرّد جعل الرخصة فی فعل شیء أو تركه أو الحكم بترتب أثر على فعل أو ترك مثلاً: فی حقّ الخیار فی العقود اللازمة حیث إنّه من الحقوق، نقول: إنّ الشارع جعل للمتعاقدین أو أحدهما سلطنةً على العقد أو على متعلّقه، وحكم بأنّه مالكٌ لأمره من حیث الإمضاء والفسخ والّرد والاسترداد. وأمّا الجواز فی العقود الجائزة حیث إنّه من الحكم لیس إلّا مجردّ رخصة الشارع فی الفسخ والإمضاء لا بحیث یكون هناك اعتبار سلطنة من الشارع، لأحد الطرفین أو کلیهما، فهو نظیر جواز شرب الماء وأكل اللّحم[379].
و بالجملة: إن اعتبر الشارع مالكیة شخص لأمر وسلطنته على شیء، فهو من باب الحقّ. وإن لم یكن منه إلّا مجرّد عدم المنع من فعل شیء أو ترتیب الأثر على فعل أو ترك بحیث یكون الشخص مورداً أو محلاً لذلك الحكم، فهو من باب الحكم.
وأمّا بحسب المصادیق والصّغریات: فالفرق بینهما فی غایة الأشكال؛ إذ فی جمیع الموارد یمكن تصویر کلا الوجهین ولابدّ من مراجعة الدلیل والمیزان فی ذلك إمّا الإجماع أو لسان الدلیل[380].
ومن آثار الحقّ: جواز إسقاطه ونقله، بخلاف الحكم، فإنّه لیس قابلاً للإسقاط والنقل؛ لأنّ أمر الحكم بید الحاكم ولیس للمحكوم علیه إسقاطه ولا نقله، خلافاً للمحقّق البارع الحاج میرزا فتاح الشهیدی التبریزی حیث جعل الحقوق داخلاً فی الأحكام. وهذا نصّ عبارته: ولایخفى علیك أنّ ما ذكرنا فی هذه الحاشیة: إنّما هو مبنی على مذاق القوم القائلین بأنّقسام الحقوق من حیث القابلیة للإسقاط والنقل إلى ثلاثة أقسام، ومنهم المصنّف. وأمّا بناءً على المختار: من کون الحقوق كلّها من قبیل الأحکام، امّا الوضعیة، كما فی بعض الموارد أو التكلیفیة، كما فی بعض الآخر. وصرّح عدم صحّة عوضیة الحق فی البیع مطلقا[381]. وصرّح الإمام الخوئی(ره)، أیضاً على وحدتهما فی مصباح الفقاهة: لا ینبغی الرّیب فی أنّ الحكم والحق متّحدان حقیقةً؛ لأنّ قوامهما بالاعتبار الصّرف[382].
أقسام الحقوق
وأمّا الحقوق، فهی بحسب صحّة الإسقاط والنقل بعوضٍ أو بلا عوضٍ والانتقال القهری بإرث ونحوه، على أقسام:
فمنها: ما لا یقبل الإسقاط ولا النقل ولا الانتقال بالموت، كحقّ الأبوة وحقّ الولایة للحاکم وحقّ الإستمتاع بالزوجة وحقّ السبق فی الرمایة قبل تمام النضال وحقّ الوصایة و…
ومنها: مایجوز إسقاطه، ولایجوز نقله ولا انتقاله، كحقّ الغیبة أو الشتم أو لأذیة بإهانة أو ضرب أو نحو ذلك، بناءً على وجوب إرضاء صاحبه وعدم كفایة التّوبة.
ومنها: ما یصحّ إسقاطه وإنتقاله بالموت ولایجوز نقله،كحقّ الشفعة.
ومنها: ما یصحّ نقله وإسقاطه وینتقل بالموت أیضاً، كحقّ الخیار وحقّ الرهانة وحقّ التحجیر وحقّ الشرط و…
ومنها: ما یجوز إسقاطه ونقله لا بعوضٍ، كحقّ القسم على ماذكره جماعة، كالعلّامة فی القواعد على ماحکی عنه والشهید فی اللمّعة حیث قال: ولایصح الإعتیاض عن القسم بشیء من المال[383].
ومنها: ما هو محل الشك فی صحّة الإسقاط أو النقل أو الانتقال وعدّ من ذلك: حقّ الرجوع فی العدة الرجعیة، وحقّ النفقة فی الأقارب، کالأبوین والأولاد، وحقّ الفسخ بالعیوب فی النكاح، وحقّ السبق فی إمامة الجماعة، وحقّ المطالبة فی القرض والودیعة والعاریة، وحقّ العزل فی الوكالة، وحقّ الرجوع فی الهبة، وحقّ الفسخ فی سائر العقود الجائزة، کالشركه والمضاربة ونحوهما إلى غیر ذلك. وأنت خبیر بأنّ جملة من ذلك من باب الحكم[384].
و قسّم الشیخ الأعظم(ره)، الحقوق إلی ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا یقبل المعاوضة بالمال ومثّل له بحقّ الحضانه والولایة.
ثانیها: ما لا یقبل النّقل وإن قبل الإسقاط، بل الا نتقال بإرث ونحوه ومثّل له بحقّ الشفعة والخیار.
ثالثها: ما یقبل النّقل والانتقال، کحقّ التحجیر[385].
مقتضى القاعدة فیما لم یثبت من الخارج جواز إسقاطه أو نقله
لایخفى أنّ طبع الحقّ: یقتضی جواز إسقاطه ونقله؛ لأنّ المفروض كون صاحبه مالكاً للأمر ومسلّطاً علیه، فالمنع: إمّا تعبّدى أو من جهة قصور فی كیفیته بحسب الجعل. والأوّل واضح. والثانی، كأن یكون الحقّ متقوّماً بشخص خاصّ، كحق التّولیة فی الوقف وحقّ الوصایة ونحوهما، فإنّ الواقف أو الموصى جعل الشخص الخاصّ من حیث أنّه خاصّ مورداً للحقّ، فلا یتعدّى عنه، کولایة الحاكم، فإنّها مختصّة بعنوان خاصّ لایمكن التعدّی عنه إلى عنوان آخر، ومثل حقّ المضاجعة بالنسبة إلى غیر الزوج والزوجة وكحقّ الشفعة بالنسبة إلى غیر الشریك، وهكذا. فإن شكّ فی كون شیء حقاًّ أو حكماً، فلایجوز إسقاطه ولا نقله وإن علم کونه حقّاً وعلم المنع التعبّدی أو علم كون الشخص أو العنوان مقومّاً، فلا إشكال فی جواز اسقاطه ونقله أیضاً[386].
الفرق بین حقوق الله وحقوق النّاس
إنّ الذی یجعله المولى على عبیده من الحكم بنحو التكلیف أو الوضع، ویرید منهم إتیانه أو تركه أو یرخّصهم فیه لایخلو: إمّا أن یكون هذا الجعل والحمل ناشیءاً من خصوصیة فی نفس الفعل والترك أو خصوصیة فی الغیر، إنساناً كان أو غیره. وبعبارة أخری أنّ طلب المولى من العبد: إیجاد فعل أو تركه أو تجویزه لهما على المشهور من مذهب العدلیة، لابدّ أن یكون عن مصلحة فی المطلوب مقتضیة له أو مفسدة فی المبغوض كذلك. إمّا فی نفسه ،مثل: الصلاة والصوم والزكاة وشرب الخمر ونحوه من المحرّمات أو تكون عن خصوصیة فی الغیر الذی كان لذلك الفعل أو الترك، إضافة إلیه بمعنى أنّ الخصوصیات المقتضیة بطلب المولى فعلا أو تركاً إنّما جائت من قبل تلك الإضافة بحیث لو انتفت الإضافة، انتفى الحكم. وذلك، مثل: حرمة غیبة المؤمن وهتك عرضه والظلم والخیانة علیه فی عرضه وماله، فإنّ منشأ حرمتها على المكلّف إنّما هو خصوصیة فی المؤمن مقتضیة لحرمتها، ویسمّى الأوّل بحقوق الله تعالى والثانی بحقوق الناس[387].
الفرق بین الحقّ والملك
ملخّص الفرق بینهما: أنّ الحقّ سلطنة من ذی الحقّ على من علیه الحقّ قائماً بینهما لا یعقل تحقّقه إلّا بوجود هما معاً، بحیث یكون أحدهما سلطاناً والأخرمسلطاً علیه، فلابدّ من تغایرهما ویمتنع أن ینتقل إلى من علیه الحقّ، لأنّه یستلزم اتّحاد السلطان والمسلّط علیه بخلاف الملك، فإنّه إضافة ومجرّد ربط بین المالك والمملوك ووجود المالك والمال كافٍ فی حصول هذه الربط وتحقّقه، فلایحتاج إلى من علیه الملك، واتّحاد المالك ومن علیه الملك غیر قادح؛ لما عرفت من عدم اقتضاء الملكیة تغایر هما لیكون اتّحادهما قادحاً[388].
وقال الإمام الخوئی(ره)، فی الفرق بینهما: إنّ الملکیّة قد تطلق علی السّلطنة والإحاطة الحقیقیّة، کملکیّة الله تعالی بالإضافة إلی المخلوقات. وقد تطلق علی السلطنة الخارجیّة التکویّنة، کملکیّة الإنسان لأفعال نفسه ولما فی ذمّته، فإنّ الإنسان یملک تکویناً ذلک ولیست ملکیتّه، کملکیّة عمل عبده أو أجیره. وهذه الملکیّة معناها الاختیار بحیث إن شاء فعل وإن شاء ترک[389]. وهذا هو المراد بقوله تعالی حکایة عن کلیمه: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِی وأَخِی﴾[390].
وثالثة: تطلق علی الملکیّة الاعتباریّة، وهی: سلطنة اعتباریّة تثبت باعتبار من بیده الاعتبار من الشارع والعقلاء. وهذه الملکیّة لیست منتزعة من الأحکام التکلیفیّة لثبوتها فی موارد عدم ثبوت الحکم التکلیفی، کالصّبی والمجنون، فإنّهما قد یملکان، ولا تکلیف فی حقّهما، وقد ینعکس الأمر، فیکون التکلیف ثابتاً دون الملکیّة، کما فی المکلّف بالنسبة إلی مال الغیر، فإنّ التکلیف موجود فی حقّه من غیر أن یکون مالکاً. وقد یجتمعان، کالمکلّف بالنسبة إلی أموال نفسه، فبین الملکیّة والتکلیف عمومٍ من وجه[391].
فظهر مما بیّناه أنّ الملکیّة مجعولٌ اعتباریٌ مستقلٌ غیر منتزعٍ من الحکم التکلیفی کما أنّها لیست من المقولات العرضیّة، فهی قسم من الحکم الوضعی.
وأمّا الحقّ، فهو فی اللغة: بمعنی الثابت، فیقال: هذا مطلب حق، أی ثابت، ویطلق علیه تعالی: إنّه الحقّ، أی ثابت[392]. إلّا أنّه بحسب الاصطلاح یراد به الحکم القابل للإسقاط، کما أنّ الحکم أیضاً له فی اللغة معنی عام وفی الاصطلاح المقابل للحقّ یراد به الحکم غیر قابل للإسقاط.
ومرجع الحقّ الاصطلاحی إلی عدم جواز مزاحمة من علیه الحقّ لمن له الحقّ، فی فعل متعلق الحقّ، سواء کان من علیه الحقّ شخصاً خاصّاً، کمن علیه الخیار فی البیع، فإنّ من علیه حقّ الفسخ لا یجوز أن یزاحم من له الحقّ فی الفسخ، أو لم یکن شخصاً خاصّاً، کما فی حق التحجیر، فإنّه لا یجوز لسائر المکلّفین مزاحمة من له حقّ التحجیر فی عمارة مورد التّحجیر. فیکون فی مورد الحقّ طرفان: من له الحقّ ومن علیه الحقّ، ولا یجوز لمن علیه الحقّ أن یزاحم من له الحقّ فی متعلق الحقّ، فالصحیح أنّ الحقّ لا یغایر الحکم، بل هو حکمٌ شرعیٌ اختیاره بید من له الحقّ إسقاطاً وإبقاءً[393].
ملخّص الفرق بین الملک والحقّ والحکم: فالملک الاعتباری هو: سلطنة اعتباریّة قد تتعلق بالأعیان، کملکیّة الدار وقد تتعلق بالأفعال، کملک عمل الأجیر، کما أنّهما حکمٌ وضعیٌ مستقلٌ ولیس منتزعة من الحکم التکلیفی. والحقّ: هو الحکم الشرعی القابل للإسقاط ولا یتعلق إلّا بالأفعال، والحکم هو ما لا یقبل الإسقاط[394].
الفرق بین المال والملك
المال فی اللغة: ما ملکه الإنسان من الأشیاء[395]. وفی العرف: إنّ المالیة إنّما تنتزع من الشیء بملاحظة كونه فی حدّ ذاته مما یمیل إلیه النوع، ویدّخرونه للانتفاع به وقت الحاجة.
وأّمّا عند الشرع: فمالیة كلّ شیء باعتبار وجود المنافع المحلّلة فیه، فعدیم المنفعة المحلّلة (كالخمر والخنزیر) لیس بمال[396].
ثمّ إنّ النسبة بین المال والملك، هی العموم من وجه، بدیهیة أنّه قد یوجد الملك ولا یوجد المال، كالحبّة من الحنطة المملوكة، فإنّها ملك ولیس بمال. وقد یتحققّ المال ولا یتحققّ الملك، كالمباحات الأصلیة قبل حیازتها، فإنّها أموال، ولیست مملوكة لأحد. وقد یجتمعان وهو كثیرٌ[397].
وذكر بعض الأعاظم فی وجه الفرق بین المالیة والملكیة، وهذا عبارته: إنّ الملكیة أمر اعتباریٌ إضافی بین المالك والشیء تقتضی اختصاصه به والمالیة وصف اعتباری لنفس الشیء بلحاظ الرغبة فیه بحیث یبذل بإزائه المال ویعبّر عنها بكون الشیء ذا قیمة وبینهما عموم من وجه[398].
بیانٌ جامع لسیّدنا الحكیم فی هذا المقام
وهنا کلام جامعٌ وبیانٌ شامل لسیّدنا الحكیم(ره)، حول الحق والحكم والملک، فحقیقٌ أن نذكر نصّ عبارته من مستمسک العروه الوثقی، قال: الفرق بین الحقّ والحكم مفهوماً واضحٌ، فإنّ الحقّ نوع من الملك یختصّ بهذا الإسم بحسب الاصطلاح، والحكم لا یكون ملكاً. وكذلك، الفرق بینهما أثراً: فإنّ الحقّ یسقط بالإسقاط، للقاعدة المقرّرة بین العقلاء من أنّ لكل ذی حق إسقاط حقّه،كما ادّعاها شیخنا الأعظم(ره) فی مبحث خیار المجلس من مكاسبه[399]. والحكم لیس كذلك، فإنّه تابع لرأی الحاكم (الشّارع) فإن شاء أبقاه، وإن شاء أسقطه وألغاه، ولیس أمره راجعاً إلى المحكوم له ضرورة.
والفرق بینهما فی مقام الإثبات هو إنّك تقول: زید له أكل لحم الضأن ولیس له أكل لحم المیتة، وتقول: المغبون له الخیار فی الفسخ، ولیس للغابن الخیار فی الفسخ، فاللّام فی الأوّل لام الصلة والتعدیة، متعلّقة بمحذوف، یعنی: زید یجوز له أكل لحم الضأن، فالظرف لغوٌ بحسب اصطلاحهم، واللام فی الثانی لام الملك، یعنی: المغبون یملك الخیار، فهى متعلّقة بمحذوف عام، فالظّرف مستقر، یعنی: المغبون كائن له الخیار، كما تقول: لزید مال. هذا هو وجه الفرق بین الحقّ والحكم.
وأمّا الفرق بین الحقّ والملك فهو: أنّ الحق نوعٌ من الملك یختص باصطلاح العرف بالعین القائمة بغیره، أو با لمعنى القائم بغیره، على نحو لایصح اعتباره إلّا فی ظرف إضافته إلى المالك، بحیث لولا إضافته إلى المالك، لم یصحّ اعتباره، ویختصّ الملك عرفاً بما عداه[400].
وتوضیح ذلك: إنّ ما یكون مضافاً إلى المالك: إمّا أن یكون عیناً أو معنى، والعین إمّا أن تكون فی الخارج، كالفرس الخارجی أو فی الذّمة، كالمبیع فی السلف، كما إذا باعه تمراً أو حنطة إلى أجل، فإنّ المبیع عین ذمیة لا خارجیة؛ أو لا یكون فی الخارج ولا فی الذّمة، لكنّه قائم فی عین أخری، كحقّ الجنایة القائم فی عین الجانی، وكحقّ الزكاة القائم بالعین الزكویة على بعض الأقوال، فإنّ الشاة الزكاة قائمة فی الأربعین شاة (فإنّ زکات الشاة قائمة فی الأربعین شاة)، ولیست جزء منها لتكون خارجیة، ولا فی ذمّة المالك إجماعاً منا لتكون ذمیة، بل هی قائمة فی الأربعین شاة أو قائم فی معنى مثله، كما إذا كان المدین یملك منافع أعیان، فاشترط علیه الدائن فی عقد بینهما: أن ینتقل دینه إلى المنافع المملوكة. فإنّ الدائن یكون له حقّ استیفاء الدین من المنافع وهو قائم بها.
هذه أقسام العین التی تكون ظرفاً لإضافة الملكیة، وهی أربعة. ومثلها أقسام المعنى الذی یكون طرفاً لإضافة الملكیة، فإنّها أیضاً أربعة :
الأوّل: المعنى القائم بالعین الخارجیة، مثل الدار والفرس.
الثانی: المعنى القائم بالذّمة، مثل ما لو استأجره على خیاطة ثوب، فإنّ الخیاطة معنى مملوك للمستأجر، وهو فی ذمّة الـجیر.
الثالث: المعنى القائم بالعین الخارجیة ولا یكون اعتباره من لوازم وجودها، مثل استیفاء الدّین من العین المرهونة: المعبّر عنه بحقّ الرّهانة ومنافع الأجیر الخاصّ الحر، فإنّها متعلّقة بعینه لا بذمّته.
الرابع: المعنى القائم بالمعنى، مثل استیفاء الدین من منافع المدیون إذا شرط الدائن على المدیون ذلك فی عقد، فإنّ الداین یملك الدین فی الذمّة ویملك استیفاءه من المنافع.
فهذه أنواع المملوكات من العین والمعنى تختلف فی كونها حقّاً أو ملكاً بإختلاف الموارد، فالقسمان الأوّلان من أقسام العین من الأملاك، ولیسا من الحقوق، والقسمان الأخران من الحقوق، وكذلك القسمان الأوّلان من المعنی أیضاً من الأملاك ولیسا من الحقوق، والقسمان الأخران من الحقوق.
كلّ ذلك بحسب اصطلاح الفقهاء لا لإختلاف مراتب الملكیة، بأنّ تكون الحقوق مرتبة من الملكیة ضعیفة، والملك مرتبة من الملكیة قویة، كما ادّعاه بعض الأعاظم، فإنّه غیر ظاهر، كیف والملك فی الجمیع على نحو واحد. ولا لإختلاف فی السقوط بالإسقاط وعدمه، فیكون الحق ما یسقط بالإسقاط، والملك ما لا یكون كذلك، كما قد یتوهّم، فإنّ المملوكات فی الذمم كلّها تسقط بالإسقاط، سواء كانت أعیاناً، کالدیون، أم معانی، كعمل الأجیر؛ مع أنّها أملاك قطعاً، بل الفرق ما عرفت من الاختلاف فی الموارد لمجرّد الاصطلاح.
فإذا یصحّ تعریف الحق بأنّه عینٌ أو معنی قائم فی غیره من عینٍ أو معنى، على نحو لا یصحّ اعتباره إلّا فی ظرف إضافته إلى مالك.
والوجه فی اعتبار القید الأوّل إخراج الأعیان الخارجیة والذمیات، أعیاناً كانت أو معانی، لأنّها جمیعاً لیست قائمةً فی غیرها.
والوجه فی اعتبار القید الثانی: إخراج منافع الأعیان الخارجیة، فإنّ اعتبارها تابع لقابلیة العین لها، فالدار تعتبر منافعها، وإن لم تكن مملوكة لمالك، ولأجل ذلك لا تكون من الحقوق، ولذا لا تسقط بالإسقاط، فلو قال المستأجر: أسقطت حقّى، لم تخرج المنافع عن ملکه، والسرّ فی ذلك: أنّ السقوط بالإسقاط من لوازم کون الشیء لا یصحّ اعتباره إلّا بإضافته إلى المالك، ومنافع الأعیان لا یكون المصحّح لاعتبارها إضافتها إلى المالك، بل المصحّح لإعتبارها قابلیة العین للانتفاع بها[401].
والمتحصّل من جمیع ما ذكرنا أمور
الأوّل: أنّ الاختلاف بین الملك والحقّ لیس لاختلافها فی مراتب الملكیة، ولا لاختلافها فی السقوط بالإسقاط وعدمه، بل للاختلاف فی المورد لمجرّد الاصطلاح.
الثانی: أنّ الحقّ قد یكون عیناً مثل حقّ الجنایة الخطائیة المتعلّق بالعبد، وحقّ الزكاة المتعلّق بالنصاب على بعض الأقوال، وقد یكون معنى، وهو الأكثر، كحقّ الخیار وحق الأخذ بالشفعة وحقّ القصاص، وحق القسم للزوجة، وحق الرهانة، وحق الحضانة، وحق الرضاعة … إلى غیر ذلك.
الثالث: أنّ الحقّ لا یكون قائماً بنفسه، بل قائماً بغیره من عین أو معنى.
الرابع: أنّ الحقّ لا یصحّ اعتباره إلّا فی حال إضافته إلى المالك، وكذلك الملك فی الذمّة من أعیان ومعان، فإنّها لایصحّ اعتبارها إلّا فی حال إضافتها إلى المالك.
الخامس: أنّ الولایة لیست من الحقوق؛ لأنّها لا تسقط بالإسقاط، فتكون من الأحكام.
السّادس: أنّ حق القسم للزوجة وحقّ الانفاق علیها لیسا من الحقوق، بل من الأملاك، لأنّها فی الذمّة، وجمیع المملوكات فی الذمّة أملاك لا حقوق.
السابع: أنّ السقوط بالإسقاط من أحكام المملوكات التی لایصحّ اعتبارها إلّا فی حال إضافتها إلى المالك، ومنها الذمّیات من أعیان ومعان ومنافع الحرّ إذا كان أجیراً خاصّاً، فإنّها لا تعتبر إلّا فی حال الإجارة، ومع عدمها لا تعتبر ولا تكون مملوكة لمالك.
ومن ذلك تعرف الفرق بین منافع العبد إذا كان أجیراً خاصّاً وبین منافع الحرّ إذا كان كذلك، فانّ منافع الأوّل تسقط بإسقاط المستأجر، ومنافع الثانی لا تسقط، وكذلك منافع الدار المستأجرة، فتأمّل[402]. فإنّه قد تعرّض هذا البحث وفی موارد مختلفة من مستمسكه وأحسن ماذكره وحقّقه ما فی هذا المقام.
الفرق بین الملكیة الحقیقیة التكوینیة والاعتباریة المحضة
فالأوّلى: كمالكیة الله تعالى لنظام الوجود من الأعلى إلى الأدون بمعنى واجدیته لها، وإحاطة القیومیة بها تكویناً لتقوّمها به ذاتاً.
وكذا مالكیة الإنسان لفكره وقواه وحركاته الصادرة عنه. ومن هذا القبیل أیضاً مقولة الجدة، كواجدیة الإنسان خارجاً لِألبسته المحیطة ببدنه، ویقال لها مقولة الملك أیضاً.
و الثّانیة: كمالكیة زید، مثلاً لداره وبستانه وسایر أمواله، حیث إنّها إضافة اعتباریة محضة یعتبرها العرف والشّرع بینهما، وأن فرض كون أحدهما بالمغرب والأخر بالمشرق مثلاً[403].
أقسام التلف
للتّلف أقسام:
الأوّل: التلف الحقیقی، فحكم بأنّه یجب على الضّامن بذل عوض تمام المال، ویزول ملكیة المالك عن العین لكونها تالفة من أصلها، فلم یبق مورد للملكیة.
الثانی: التلف الحكمی، وهو ذهاب سلطنة المالك عن ماله، بحیث لا یكون عودها مرجوّاً، كغرق المال فی البحر، فحكم فیه بأنّه موردٌ لبدل الحیلولة، ویكون البدل عوض عن السلطنة الفائتة لا عن نفس العین، فهی باقیة على ملك مالكها الأصلی.
الثالث: تلف الأجزاء والأوصاف الدخیلة فی المالیة دون الملكیة فبتلفها تزول المالیة دون الملكیة وتكون الغرامة بدلاً عن مالیة العین مع بقائها فی ملك مالكها.
الرّابع: ما إذا زالت الملكیة، كالمالیة، كما لو صار الخلّ خمراً، فإنّ الشارع قد ألغی مالیّتها وملكیتها إلّا أنّه یبقى مجرّد حقّ الأوّلیة للمالك مع ثبوت بدل الخلّ على الضامن[404].
الفرق بین الفرض والوجوب
إنّ الفرض لا یكون إلّا من الله تعالى، كقوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْناها وفَرَضْناها﴾[405]. و﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَیمانِكُم﴾[406]. والإیجاب یكون منه ومن غیره، كما یقال: أوجب الله على عباده كذا، أوجب الملك على رعیته كذا، ولا یقال فرض علیهم. وفی حدیث الزكات: «هَذِهِ فَرِیضَةُ اَلصَّدَقَةِ اَلَّتِی فَرَضَهَا رَسُولُ اَللَّهِ عَلَى اَلْمُسْلِمِینَ»[407]، أی أوجبها علیهم بأمر الله». وأصل الفرض القطع. والفرض والواجب سیّان عند الشافعی، والفرض أكد من الواجب عند أبی حنیفة، کما قال السرخسی فی أصوله والزحیلی فی الفقه الاسلامی[408] وأیضاً، فی الموسوعه، عرف الحنفیة الفرض: بأنّه ما عرِف وجوبه بدلیل قطعی موجبٍ للعلم قطعًا من الكتاب أو السنّة المتواترة أو الإجماع، أمّا ما عرف وجوبه بدلیلٍ ظنّیّ، فهو الواجب عندهم[409].
الفرق بین الوجوب والواجب
الوجوب: هو أحد الأحكام الخمسة التكلیفیة، وحقیقیة؛ إمّا الإرادة الأكیدة الحاصلة فی نفس الأمر المتعلقة بفعل المأمور، أو هو أمر انتزاعی ینتزع لدى العرف عن إنشاء الطلب بواسطة لفظ أو غیر لفظ مع عدم قرینة على الترخیص فی الترک، قسّم بأقسام: المطلق والمشروط، النفسی والغیری، الأصلی والتبعی، التعیینی والتخییری[410]. الواجب: هو كل فعل أو ترك تعلق به البعث الأكید، قسّم بأقسام: الموقّت وغیر الموقّت، الموسّع والمضیّق، العینی والکفائیّ، المعلّق والمنجّز، التعبّدی والتوصّلی[411].
وبالبیان التالی: الوجوب عبارة عن أصل التكلیف، وهو فعل المولى وبعبارت أخری: الوجوب: عبارة عن مفاد هیئة الأمر. والواجب: هو متعلق التكلیف وفعل خارجىّ للعبد، وبعبارت أخری، هو مدلول مادّة الأمر، كالصلاة مثلاً.
الفرق بین الشرائط الوجوب والشرائط الواجب
إنّ شرط الحکم المأخوذ فی لسان الدلیل، هو شرطٌ للوجوب فی مرحلة الجعل والتشریع، ولإتّصاف الفعل بالملاک فی مرحله المبادیء، کما فی البلوغ، مثلاً؛ فهو شرطٌ لوجوب الصّلاة فی مرحلة الجعل ولإتّصافها بإلملاک فی مرحلة المبادیء. وکذالک الحال فی العقل، فإنّه شرطٌ لوجوب الصّلاة فی مرحله الجعل لإتّصاف الصلاة بإلملاک فی مرحلة المبادیء، وکالوقت وما شاکل ذالک.
وأمّا شرط الواجب، فهو قیدٌ للواجب، کشروط الصلاة، فانّها قیودٌ لها، والتقیید داخلٌ فی الواجب، والقید خارجٌ، کالقیام وإستقبال القبله والساتر وطهارة البدن واللباس والطهارة من الحدث الأکبر والأصغر وماشاکل ذالک، فإنّ هذه الشروط شروط للواجب وقیودٌ للواجب، ولها دخلٌ فی صحّة الواجب، وهی شروطٌ لترتّب الملاک علی الواجب فی مرحله امتثال الصلاة والإتیان بها. ومن هنا لابدّ اَن تکون شروط الواجب اختیاریة، لأنّ تقیید الواجب بقید غیر اختیاریٍ تکلیفٌ بغیر المقدور وهو مستحیلٌ. نعم، لو کان شرطٌ الواجب غیر اختیاری، فلابدّ اَن یکون شرطاً للوجوب أیضاً؛ إذ لازم الاقتصار علی کونه شرطاً للواجب وهو غیر اختیاری، دون أن یکون شرطاً للوجوب أیضاً أن یکون الوجوب مطلقاً وفعلیاً، فإذا کان الوجوب کذالک کان محرّکاً، وباعثاً للمکلّف، نحو الإتیان بالواجب المقید بقید غیر اختیاریٍ، فعندئذٍ یلزم التکلیف بغیر المقدور وهو مستحیلٌ، فلا مانع من اَن یکون بعض الشّروط، شروطاً للوجوب والواجب[412].
الفرق بین الإعادة والتكرار
الإعادة، لغة: التكریر، وإعادة الحدیث: تكریره[413]، فهی على هذا فعل الشیء مرّة ثانیة، ومن أسماء اللّه تعالى: «المعید»، أی الذی یعید الخلق بعد الفناء، قال اللّه تعالى: ﴿كَمٰا بَدَأْنٰا أولَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ﴾[414]. وهی أیضاً: إرجاع الشیء إلى حاله الأوّل.
وفی الاصطلاح: کما عرّفها عدة من الفقهاء، کالغزالی والقرافی: بأنّها فعل الشیء ثانیاً فی الوقت بعد فعله على نوع من الخلل. وقیل: لعذر، فالصلاة فی الجماعة بعد الصلاة منفرداً تكون إعادة، باعتبار أنّ طلب الفضیلة عذر، أو أنها إیقاع العبادة فی وقتها بعد تقدم إیقاعها على خلل فی الإجزاء، كمن صلّى بدون ركن، أو فی الكمال، كمن صلّى منفردا[415].
بعبارة أخری، إنّ التكرار یطلق على إعادة الشی مرّة، وعلى إعادته مرّات. والإعادة للمرة الواحدة، ألاترى أنّ قول القائل: أعاد فلان كذا، لا یفید إلّا إعادته مرة واحدة. وإذا قال: کرّر كذا كان كلامه مبهماً لم یدرء إعادته مرّتین أو مرّات.
الفرق بین السهو والنسیان
النسیان لغة: بكسر النون ضدّ الذكر والحفظ، یقال: نسیه نسیانًا ونساوةً، ویأتی بمعنى الترك[416]. منه قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیهُمْ﴾[417]، أی تركوا اللَّه فتركهم، ولمّا كان النسیان ضربًا من الترك، وضعه موضعه، أو أنساهم أَن یعملوا لانفسهم، وقوله تعالى: ﴿فَنَسِیتَهَا وَكَذَلِكَ الْیوْمَ تُنْسَى﴾[418]، ورجل نسیان بفتح النون: كثیر النسیان للشیء، وقوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آیةٍ أو نُنْسِهَا﴾[419]، أی نأمركم بتركها[420]. السهو لغة: نسیان الشیء والغفلة عنه[421].
وسجود السهو عند الفقهاء: هو ما یكون فی آخر الصلاة أو بعدها لجبر خللٍ، بترك بعض مأمور به أو فعل بعض منهی عنه دون تعمُّدٍ[422]. بیان أخر، أنّ النسیان إنّما یكون عمّا كان، والسهو یكون عمّا لم یكن تقول: نسیت ما عرفته ولا یقال: سهوت عما عرفته، وإنّما تقول: سهوت عن السجود فی الصّلاة، فتجعل السهو بدلاً عن السجود الذی لم یكن. والفرق الأخر: أنّ الإنسان إنّما ینسى ما كان ذاكراً له، والسهو یكون عن ذکر وعن غیر ذكر؛ لأنّه خفاء المعنی بما یمتنع به إدراکه.
وبعبارة أخری: السهو خفاء المعنى عن القوة الذاكرة وبقائه فی المحافظة، والنسیان خفاء المعنى عن الذاكرة والحافظة معاً. الفرق الثالث وهو أنّ الشی الواحد محالٌ أن یسهى عنه فی وقت ولا یسهى عنه فی وقت أخر، وإنّما یسهى فی وقت أخر عن مثله، ویجوز أن ینسى الشی الواحد فی وقت ویذكره فی وقت أخر.
الفرق بین الشكّ والریب
الشكّ هو: تردّد الذهن بین أمرین على حدّ سواء. وإمّا الریب، فهو: شكّ مع تهمة. ویدل علیه قوله تعالى: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ لا رَیبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ﴾[423]، فإنّ المشركین مع شكّهم فی القرآن كانوا یتّهمون النبی بأنّه هو الذی افتراه وأعانه قوم آخرون.
الفرق بین المانع والقاطع
المانع ما اعتبر عدمه بنفسه فی المأمور به من دون أن تنقطع به الهیئة الاتّصالیة للأجزاء السابقة مع اللاحقة، كلبس غیر المأكول فی الصّلاة، القاطع ما اعتبر عدمه فی المأمور به من جهة انقطاع الهیئة الاتّصالیة به، بحیث إذا طرء فی الأثناء سقطت الأجزاء السابقة عن قابلیة الا نضمام مع اللّاحقة، فإذا وقع علیه شیٌ من غیر المأكول فی أثناء الصلاة أو لبسه نسیاناً أو عمداً، ثمّ نزعه فوراً من دون فصل طویل یخلّ بالموالات[424].
الفرق بین الباطل والفاسد
الباطل هو ما لا یكون صحیحاً فی أصله، كبیع الخمر وغیره من آلات المسكر، أی ما لم یشرّع بالکلّیة، كبیع ما فی بطون الأمّهات[425]. وأمّا الفاسد، فهو ما یكون صحیحاً فی أصله لا بوصف كذا، أی ما یشرّع أصله، ولكنّ امتنع لاشتماله على وصف، كالرباء، كذا قاله الشهید(ره) فی تمهید القواعد[426].
الفرق بین الإیجاب والإلزام
الإیجاب، لغة: مصدر أوجب، یقال: «أوجب الأمر على الناس إیجابا»، أى ألزمهم به إلزاماً، ویقال: «وجب البیع یجب وجوباً»: لزم وثبت، وأوجبه إیجاباً: ألزمه إلزاماً[427].
اصطلاحاً: عرّف بأنّه طلب الفعل على وجه الحتم والإلزام، وكثیراً ما یعبّر عنه بالفرض والمكتوب والحقّ، وكلّها بمعنى واحد عند جمهور العلماء[428].
به بیان آخر، إنّ الإلزام یكون فی الحقّ والباطل، یقال: ألزمته الحقّ وألزمته الباطل. والإیجاب لا یستعمل إلّا فیما هو حقّ، فإن استعمل فی غیره فهو مجاز والمراد به الإلزام.
الفرق بین الصوم والصیام
الصیام: هو الكفّ عن المفطرات مع النیة. ویرشد إلیه قوله تعالى: ﴿یا أَیهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَیكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾[429]. والصوم: هو الكف عن المفطرات فقط[430].
الفرق بین الكفّارة والفدیة
الكفّارة: جریمة شرعیة لإزالة الإثم وتخفیفیه، كإفطار الصوم عمداً بلاعذر. وأمّا الفدیة: بمعنى العوض وإن لم یكن هنا إثمٌ، كالشیخ والشیخة إذا تعذّر علیهما الصوم أو كان حرجیاًّ، فیجوز لهما الإفطار، لكن یجب علیهما الفدیة بدل كل یوم بمدّ من طعام. وكذا ذو العطّاش والحامل المقرب، والمرضعة القلیلة اللبن فی صورة الضّرر[431].
الفرق بین الحدث والخبث
1- الحدث: هو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه، كالصبی والمجنون، عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة المتوقّف رفعه على النیة. وبعبارت أخری: الحدث: هو الحالة المعنویة الحاصلة للمكلّف من أحد أسباب الوضوء والغسل، کالنوم والجنابة مثلاً، والخبث: وهو النجس، ضدّ الطهارة، ویطلق على عین النجس أیضاً[432].
٢- الحدث یتوقّف رفعه على النیة. والخبث لا یحتاج رفعه إلى النیة، وإن كان ترتّب الثواب علیه متوقّفاً على النیة وقصد القربة.
٣- الحدث لا یدرك بالحسّ. والخبث یدرك بالحسّ، كما لا یخفی.
الفرق بین الحدث الأکبر والأصغر
الحدث، إذا لم یكن رفعه إلّا بإلغسل، کالجنابة والحیض؛ یسمّى بإلحدث الأكبر. وإذا رفع بإلوضوء، فیسمّى بالحدث الأصغر، کالبول والنّوم[433].
الفرق بین الموجب والنّاقض
النسبة بینهما عموم من وجه؛ لأنّهما قد یصدقان معاً، إذا دخل وقت الصّلاة وكان المكلّف متطّهراً. فحدث قبل أن یأتی بها فحدثه موجبٌ، لأنّه أوجب علیه التطهّر مقدمّةً للعمل الواجب المشروط بالطهارة، كما أنّه ناقض أیضاً، لأنّ هذا الحدث نقض تلك الطهارة السابقة.
وقد یصدق عنوان الموجب من دون أن یصدق عنوان الناقض، كما إذا دخل الوقت وكان محدثاً فأحدث ثانیاً، فلا یصدق على الحدث الثانی عنوان الناقضیة؛ لانه لم ینقض شیئاً، لكنّه یصدق علیه عنوان الموجبیّة؛ لأنّ كلّ حدث موجب للطهارة مقدمّة للعمل المشروط بالطهارة، وقد یصدق عنوان الناقض من دون أن یصدق عنوان الموجب، كما إذا كان متطّهراً وكان خارج الوقت ولم یكن یجب علیه أی عمل مشروط بالطهارة، فإنّه فی هذه الحالة إذا أحدث یكون حدثه ناقضاً لطهارته، لكنّه لیس بموجب؛ لعدم وجوب عمل یحتاج إلى الطهارة[434].
ویظهر من كلمات بعض الأعلام ومنهم شیخنا الأستاذ آیة الله المحقّق الکابلی والمحقق الخوانساری: أنّ النسبة بینهما أیضاً عموم وخصوص مطلقاً؛ لأنّ كلّ موجب ناقضٌ، إذ لا یصدق على الحدث الثانی بعد دخول الوقت عنوان الموجب، لأنّ الموجب هو الحدث الأوّل، فلا أثر للحدث الثانی والمحدث لا یحدث ثانیاً[435].
الفرق بین السّبب والموجب والنّاقض
النسبة بینهما العموم المطلق؛ لأنّ السبب أعمّ مطلقاً من الموجب والنّاقض، كلّما صدق علیه الموجب والناقض، یصدق أنّه سببٌ أیضاً؛ لأنّ الحدث مطلقاً سببٌ شرعیٌ، فلا یعقل وجود منفك عن السببیة الشرعیة ولیس بإلعكس، لأنّه قد یصدق السبب ولا یصدق علیه الموجب والناقض، كما إذا كان خارج الوقت وكان محدثاً، ولم یكن یجب علیه، أی فریضة مشروطة بالطهارة، فإذا أحدث ثانیاً، یكون حدثه سبباً، لأنّ الحدث سببٌ شرعیٌ ولا یكون ناقضاً وموجباً، كما هو واضحٌ[436].
أحكام النجاسة من التکلیفی والوضعی
قد رتّب فی الشریعة الإسلامیة على النجس بعنوانه الکلّی أحکام من تكلیف أو وضع.
أولها: مانعیة الاستصحاب نفسه أو ما أصابه مع الرطوبة عن الصلاة، واجبة أو مندوبة، وعن توابعها، من صلاة الإحتیاط، وقضاء التشهد، والسجدة المنسیین، كان فی بدن المصلی أو ثوبه عدا ما استثنی.
ثانیها: ما نعیة نجاسة موضع السجدة عن الصّلاة وسجودها، دون المواضع الستة الآخر.
ثالثها: حرمة إیصاله إلى المسجد بمعنى تنجیسه به.
رابعها: وجوب إزالته عن المسجد، سواء نجّسه هو أو غیره، من غیر فرق بین داخل المسجد وخارجه، وسقفه، وسطحه، والطّرف الدّاخل من جدرانه[437].
خامسها: حرمة تنجیس المشاهد المشرّفة به، ووجوب إزالته عنها، مطلقاً على الأحوط.
سادسها: حرمة تنجیس المصحف به، ووجوب إزالته عنه إذا استلزم ذلك هتكاً له.
سابعها: حرمة تنجیس التربة الحسینیة به، بل وتربة الرسول والأئمّة المأخوذة من قبورهم ووجوب تطهیرها مطلقاً.
ثامنها: وجوب الاجتناب عنه، وإزالته عن المأكول والمشروب وعن ظروفهما إذا استلزم تنجّس الغذا.
تاسعها: حرمة الانتفاع به فی الجملة[438].
الفرق بین الفروع والأصول
إنّ الفروع یتعلّق بالعمل بلا واسطة، كمباحث الفقهیة – كالوجوب إلى الصلاة – وأمّا الأصول على قسمین: قسم لا یتعلّق بالعمل، کأصول الفقه، کتعارض الخبرین، فإنّه یتعلّق بإلأدلّة لا بالعمل[439]. وقسم آخر، وهو: أصول الدین یتعلّق بالعمل مع الواسطة، كمعرفة الواجب الوجود، مثلاً بواسطة الإسلام[440].
الإمامة شرط فی صحّة الأعمال أم لا؟
قد ثبت فی محلّه: أنّ الإسلام لیس شرطاً فی تعلّق الأحكام والتكلیف، بل هو شرط صحة الأعمال على تفصیل تقرّر فی علم الفقه، فغیر المسلم مكلّف (بالفروع كما أنّه مكلّف بالأصول) لایصح منه عمل فی حال كفره، بل یجب علیه الإیمان لیتمّكن من العمل الصحیح، كما أنّ الصلاة واجبة على المحدث لكنّها لاتصحّ منه، بل لابّد من تحصیل الطّهارة ثمّ إتیان الصّلاة[441].
و هل الإیمان : ونعنی به الإقرار بولایة الأئمّة المعصومین – مثل الإسلام أم لا؟ بل هو شرط قبول الأعمال، فالمسلم غیر المؤمن یصحّ منه عمله، ولایجب علیه الإعادة والقضاء، ولا یستحقّ العقاب من هذه النّاحیة، ولكنّه لا یقبل منه ولایثاب على عمله، بل هو آثمٌ من أجل عدم اعتقاده بالامامة. المشهور: هو الأوّل. وذهب جماعة من الفقهاء إلى الثانی[442].
المراد من الجزء والشّرط
فما كان معتبراً فی الصلاة، مثلاً: قیداً وتقیّداً، کالسورة، یعبّر عنه بالجزء. وما كان معتبراً فیها تقیداً دون القید، كالطّهارة، فهو شرط[443].
الفرق بین شرائط الصّلاة وشرائط الأجزاء
إن كان الشرط معتبراً فی تمام حالات الصلاة حتى الآنات المتخللّة بین الأجزاء، كالطهارة والاستقبال والستر، یعبّر عنها بشرائط الصلاة ومقدّماتها. وما كان معتبراً فی نفس الأجزاء دون الآنات المتخللّة بینها، یعبّر عنها بشرائط الأجزاء؛ سواء كانت معتبراً فی تمام الأجزاء بالأسر، کالترتیب والموالاة والطمأنینة أم فی بعضها، كالقیام حال القرائة والجلوس حال التشهد، ونحوهما[444].
الفرق بین مقدّمة الوجود ومقدّمة الوجوب
النسبة بینهما من نسب الأربع عموم وخصوص من وجه؛ لتصادقهما على القدرة، والتمكن من المقدّمات العقلیة، وعدم الحیض وعدم الصغر من المقدّمات الشرعیة؛ فثبت أنّ القدرة والتمكن وعدم الحیض وعدم الصغر، مقدّمة للوجود، كما كانت مقدّمة للوجوب. وقد یكون الشی مقدّمة للوجوب دون الوجود، كما فی تملك النصاب وقت انعقاد الحبّة ولكن لا یجب إخراجه إلّا یوم التصفیة. وقد یكون بالعكس، كما فی الطهارة بالنسبة إلى الصلاة[445].
الشرط المصرّح والشرط الضمنی
الشرط المصرّح هو: الذی یذکر، ویصرّح به فی متن العقد[446]. أمّا الشرط الضمنی هو: أن لا یكون اعتباره محتاجاً إلى الذكر، بل یكون معتبراً فی العقد؛ سواء ذكر أم لم یذكر، کانصراف العقد إلى كون النقد بلدیاً وكون التسلیم فی بلد البیع[447] أو کشرط الصحة[448].
الفرق بین السبب والشرط
الفرق بینهما مجرد اصطلاح، فإنّهم یعبّرون عمّا اعتبر وجوده فی الحكم التكلیفی بالشرط، ویقولون: إنّ البلوغ شرط لوجوب الصلاة مثلاً، والاستطاعة شرط لوجوب الحج، وهكذا، ویعبّرون عمّا اعتبر وجوده فی الحكم الوضعی بالسّبب، ویقولون: إنّ الملاقاة سببٌ للنجاسة، والحیازة سببٌ للملكیة، فكلّما اعتبر وجوده فی الحكم، فهو شرط فی باب التّكلیف وسببٌ فی باب الوضع. فالسببیة والشرطیة بالنسبة إلى التكلیف منتزعة من جعل التكلیف مقیداً بوجود شیء فی الموضوع[449].
الفرق بین العزیمة والرخصة
العزیمة: عبارة عن سقوط الأمر بجمیع مراتبه، والرخصة: عبارة عن سقوطه ببعض مراتبه، فإذا أمر المولى بشیء، ثمّ أسقط الأمر رأساً، كما فی الرّكعتین الأخیرتین للمسافر، فیكون الإتیان به استناداً إلى المولى تشریعاً محرّماً وهذا هو العزیمة، وإذا أمر بشیء وجوباً ثمّ سقط وجوبه وبقی رجحانه، فهذا هو الرخصة[450].
الفرق بین المسّ والمسح
المسّ: عبارة عن مجرد الإصابة بالشی، کإصابة الید بالكتاب مثلاً. والمسح فی اللغة: عبارة عن أمرار الید علی الشیء وإزالته[451]، وفی الشرع عبارة عن إصابة الید المبتله العضو بلاتسییل الماء، إمّا بللاً یأخذه من الإناء أو بللاً باقیاً فی العضو بعد غسل عضوء من المغسولات[452].
الفرق بین الحلال والمباح
الحلال: هو المباح الذی علم إباحته بالشّرع. والمباح لا یعتبر فیه ذلك. تقول المشی فی السوق مباحٌ ولا تقول حلالٌ. والحلال خلاف الحرام والمباح خلاف المحظور[453].
الفرق بین الدین والقرض
ذکر القرض بعد الدین تخصیص بعد التعمیم؛ لأنّ الدین یطلق على المهر والجنایات والتلف، بخلاف القرض، فإنه لا یشمل ذلك، ولذا كان القرض أخص من الدین فبینهما عموم وخصوص مطلق[454].
به عبارة أخری: الدین: هو ما له أجل، کإعطاء درهم لشخص إلى مدّة معینة وما لا أجلٌ له. القرض: وقد یستعمل القرض على ما فیه أجلٌ[455].
الفرق بین الخوف والخشیة
المراد من الخشیة: هی الخوف المقدّس، کخوف من الله تعالى: ﴿إِنَّما یخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء﴾[456]. والخوف أعمّ من أن یكون مقدّساً أم لا.
الفرق بین الجاهل القاصر والمقصّر
الجاهل القاصر: من لم یتمكنّ من الفحص أو فَحَصَ فلم یعثر أو من كان جاهلاً بالجهل المركب. والجاهل المقصّر: هو الملتفت إلى الأحکام، فلم یتعلّم تهأوناً حتى غفل حین العمل.
فلا ینبغی التردد فی أنّ الجاهل القاصر لا یستحق العقاب على شیء من أعماله؛ سواء كانت مطابقة للواقع أم مخالفة له، كما إذا استند الى أمارة شرعیة أو فتوی من یجوز تقلیده وكانتا مخالفتین للواقع. وذلك لقصوره مع استناده فی أعماله إلى الحجة الشرعیة، وإمّا الجاهل المقصّر: فهو على عكس الجاهل القاصر، یستحقّ العقاب على أعماله إذا كانت مخالفة للواقع. وذلك، لأنّه قد قصّر فی الفحص والسؤال وخالف الواقع من غیر أن یستند فیه إلى حجّة شرعیة، بل یمكن الإلتزام بإستحقاق المقصّر العقاب حتى إذا كان عمله مطابقاً للواقع إلّا أنّه یختص بما إذا كان ملتفتاً حال العمل لكونه مصداقاً بارزاً للتجرى القبیح وبذلك، یستحق العقاب على عمله وإن كان مطابقاً للواقع[457].
إنّما الكلام فی أعمال الجاهل المقصّر من عباداته ومعاملاته، هل أنّها تقع صحیحة أو فاسدة؟ إنّما یخصّ أفعاله التی یترتّب على صحتها أو فسادها أثرٌ عملیٌ بإلإضافة إلى زمانی الحال أو الإستقبال، بخلاف شرب العصیر العنبی بعد غلیانه وقبل ذهاب ثلثیه، ثمّ التفت وتردّد فی جوازه وحرمته، فإنّه لا أثر للحكم بحرمته وحلیته بإلإضافة إلى زمانی الحال أو الإستقبال. ذهب السید طباطبائی صاحب العروة(ره) إلى بطلان عمل الجاهل المقصّر الملتفت وإن كان مطابقاً للواقع؛ لأنّه لا یتمشّى منه قصد القربة فی عباداته[458].
والإمام الخوئی قال: والصحیح إنّ عمل الجاهل المقصّر، كالقاصر محکومٌ بالصّحة ملتفتاً كان أم لم یكن إذا كان مطابقاً للواقع. وذلك، أمّا فی التّوصلیات: فلإجل أنّ الأمور التّوصلیة لا یعتبر فیها غیر الإتیان بها مطابقة للواقع، والمفروض أنّ المقصّر أو غیره أتی بما هو مطابق للواقع.
وإمّا فی العبادات: فلان العبادة أمر ممكن الصدور من الجاهل، أمّا غیر الملتفت: فظاهرٌ. وإمّا الملتفت: فلأنّه إذا أتی بها برجاء أنّها ممّا أمر به الله سبحانه تحققّت به الإضافة نحوه، فإذا كانت مطابقة للواقع وقعت صحیحة لا محالة[459].
الفرق بین الخضوع التكوینی والتشریعی
الخضوع التكوینی: عبارة عن الوجود المخلوقیة ثابتٌ لجمیع الموجودات. والخضوع التكلیفی الذی هو: عبارة عن الانقیاد وإطاعة الأمر والنهی وعدم المخالفة. وأمّا الفرق بین الخضوع والخشوع: الخضوع فی البدن والخشوع فی الصوت والبصر. وقال بعض اللغویین: خشع، یخشع، خشوعة، وتخشع: رمی ببصره نحو الأرض وخفض صوته[460].
المراد من الكافر والمشرک
الكافر: إسمٌ لمن لا إیمان له، فإن قال بألهین فصاعدا، خصّ بإسم المشرك. وإن كان متدیناً ببعض الأدیان أو الكتب المنسوخة، خصّ” بإسم الكتابی. وإن كان یقول بقدم الدّهر واستناد الحوادث إلیه، یسمّى باسم الدهّری[461].
الفرق بین علم الهیئة وعلم النّجوم
علم الهیئة: هو علم یبحث فیه عن نظام العالم العلوی وحركات النّجوم وأوضاعها بقیاس بعضها إلى بعض؛ من الطّلوع والغروب والمدار والقرب والبعد والاقتران والكسوف والخسوف والاحتراق والارتفاع والحضیض، ونحو ذلك.
وعلم النجوم: هو علم یبحث فیه عن إرتباط حوادث الكون والعالم السفلی بأوضاع النّجوم وكیفیة تأثیرها فیها، کإرتباط الموالید والأعمار والوفیات والرّخص والغلاء والسعد والنحس والقتال والصلح ونحو ذلك، من حوادث الكون بأوضاع النجوم وحالتها.
ولا یخفى: أنّ علم الهیئة بذاته، علمٌ شریفٌ یوجب الإطّلاع علیه زیادة معرفة بالنسبة إلى الحقّ تعالى وصفاته وأفعاله، وإنّما الكلام فی علم النجوم: ففیه أقوال ومباحث عند الفقهاء، فلیراجع فی كتب الفقهیة[462].
الفرق بین الاجرة والجعل وبین الارتزاق
إنّ فی الأجرة والجعل یقدّر العمل والعوض والمدّة فی ضمن عقد الإجارة أو الجعالة. وأمّا الارتزاق من بیت المال للقاضى، فمنوط بنظر الحاكم من غیر أن یقدّر بقدر خاصّ وعقد بینهما[463].
الفرق بین الحرمة الذاتی والتشریعی
الأوّلى: لیست تابعة لقصد المكلّف، کشرب الخمر مثلاً.
والثانیة: تابعة لقصد المكلّف، كـ«الآمین» فی الصلاة بعد ﴿وَ لَا الضَّالّینَ﴾ بقول المشروع، فإنّه فی نفسه لیس محرّماً، بل إتیانه بقصد الورود حرامٌ[464].
الفرق بین الظلم والجور
لعلّ الفرق بینهما: هو الفرق بین الإفراط والتفریط حیث إنّ كلا منهما مقابل العدل، وهو كون الشی فی حد الوسط وعدم الكون فیه: تارة بعدم الوصول إلى هذا الحد، وأخری بالتجاوز عنه. فعدم معاملة شخص مع غیره على العدل وحدّ الوسط الذی ینبغی کونها علیه؛ إن كان بنحو عدم الوصول إلى ذلك الحد، فهو جورٌ، وإن كان بنحو التجاوز عنه، فهو ظلمٌ. هذا فیما اجتمعا. وأمّا إذا افترقا، فكلّ منهما یعمّ الآخر، فیكونان، كالفقیر والمسكین إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا[465].
الفرق بین القسط والعدل
إنّ القسط هو العدل البین الظاهر. ومنه یسمّى المكیال قسطاً والمیزان قسطاً؛ لأنّه یصوّر لك العدل فی الوزن حتى تراه ظاهراً، وقد یكون من العدل ما یخفی. ولهذا قلنا القسط هو النصیب الذی بینت وجوهه وتقسط القوم الشیئ تقاسموا بالقسط[466]. المقسط: هو العادل. یقال: أقسط یقسط فهو مقسط إذا عدل، وقَسَطَ، یقسِطُ، فهو قاسط إذا جار، فكأنّ الهمزة فی القسط للسبّ. وفسّر إبن منظور الفرق بین الاستعمالین بقوله: یقال أقسَطَ یُقسِطُ فهو مقسِطٌ إذا عَدَل وقَسَطَ یَقسِطُ فهو: قاسِطٌ إذا جار. ویستعمل بمعنى المیزان والحصّة والنصیب وقیل: القسط: هو عدل الذی بین الخالق والإنسان أو بین إنسان وإنسان آخر[467]. العدل: یكون له معنى الأعمّ، ولذا یقال: بالعدل قامت السموات والأرض.[468]
وكتب عبد الملك إلى سعید بن جبیر یسأله عن العدل، فأجابه: أنّ العدل على أربعة أنحاءٍ: العدل فی الحكم، قال الله تعالى: ﴿وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَینَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل﴾[469]. والعدل فی القول، قال الله تعالى: ﴿وإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾[470]. والعدل فی الفدیة، قال الله تعالى: ﴿وَ لا یقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ﴾[471]. والعدل فی الإشراک، قال الله عزّ وجلّ: ﴿ثُمَّ الَّذِینَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یعْدِلُون ای یشرکون﴾[472].
الفرق بین الخراج والمقاسمة
المقاسمة: ما یؤخذ من حاصل الأرض. والبستان نسبته إلیه بالجزئیة، كالنصف والثلث مثلاً. والخراج: مقدارٌ معینٌ من المال یضْرب على الأرض أو البستان، كأن یجْعَل على كلّ جریب كذا درهماً.
و الذی یأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ومن الأموال باسم الخراج[473].
أقسام الانفال
وفی المفردات النفل: هو الغنیمة بعینها، لكن اختلف العبارة عنها لاختلاف الاعتبار، فإنّه: إذا اعتبر بكونه مظفوراً به یقال لها غنیمة. وإذا اعتبر بكونه مِنحَةً من الله ابتداءً من غیر وجوبٍ، یقال له نَفَل. وقیل هو مایحصل للمسلمین بغیر قتال، وهو الفیٔ انتهى[474].
والمتحصّل من المجموع: إنّ النفل بالفتح والتّحریك، یستعمل فی اللغة بمعنى الغنیمة والزیادة.
و فی الا صطلاح الذی كثر استعماله فیه فی النصوص، بل قد اصطلح علیه الأصحاب فی الفقه، هو أنّه: عبارة عن عدة أعیان كثیرة وأموال وافرة منقولة وغیر منقولة، قد جعلها الله لإمام المسلمین بعنوان ولایته على الناس، وحكومته على المجتمع ورئاسته العامة الإلهیة، فهى غنائم وفوائد موهوبة من قبل الله تعالى على الوالی من الله وعلى الأمة المطیعة له، وله أن یصرفها فی تقویة الإسلام ومصالح المسلمین كیفما رآه. ویختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمنة واختلاف حال نفس الأعیان.
ولها مصادیق كثیرة حصرها الأصحاب فی أمور:
١- منها: كلّ ما أخذ من أهل الحرب من الكفار مما لم یوجف علیه بخیلٍ ولاركابٍ أرضاً كانت أو غیرها، انجلى عنها أهلها أو سلّموها للمسلمین طوعاً أو خوفاً أو لغیر ذلك.
٢- ومنها: الأرض الموات التی لا ینتفع بها إلّا باحیائها؛ سواء أحرز أنّه لم یجر علیه ملك أحدٌ أو لم یحرز أو أحرز أنّه قد جرى علیها الید لكن قد باد وهلك.
3- ومنها: أسیاف البحار، أی سواحلها وشطوط الأنهار الكبار مما لم یتملّکه احدٌ.
۴- ومنها: كل أرضٍ لا ربّ لها ولو لم تكن مواتاً، كالأرض العامرة بالإصالة، أی المهیاة بالطبع للزرع أو لغرس أو البناء أو غیرها بحیث لایحتاج إلى إزالة مانع وإعداد مقدّمة، وما قد یخرج من وسط البحار والأنهار الكبیرة من الجزائر ومایظهر من حوالیها بعد ما كانت معمورة.
5- ومنها: رؤوس الجبال ومایکون فیها من الأحجار والنبات والأشجار مالم یسبق إلیها أحدٌ.
۶- ومنها: بطون الأودیة.
۷- ومنها: الآجام: وهی الأرض الملتفّة بالأشجار والقصب بنفسها لا من معمّر.
۸- ومنها: القطایع: وهی ما أقطعه الملوك لأنفسهم، وجعلوها دوراً ومساکن وبساتین ومزارع ومراتع ومرافق لمعایشهم ولهوهم ولعبهم وضیوفهم وخیولهم ومراكبهم ومواشهم وغیر ذلك، بعد أن غلب علیهم المسلمون وأخذوها عنوة.
9- ومنها: صفایا أموال الملوك من المركب وأثاث البیوت والألبسة والفرش والممالیك من عبید وإماء وغیرها.
۱۰- ومنها: صفو الغنیمة، كفرس جواد، ومراكب فارهة عصریة، وأموال ثمینة وعبید وإماء ذوى فنون وكمالات .
11- ومنها: الغنائم التی لیس بإذن الإمام الشاملة للأراضی العامرة وأنواع ما یغنمه عسكر المسلمین من أهل الكفر.
۱۲- ومنها: إرث من لأوارث له الشامل لجمیع ما یمكن أن یملکه الإنسان من الأبنیة والضیاع والعقار والدّكاكین وغیرها.
۱۳- ومنها: المعادن الظاهرة والباطنة التی لم یتملّكها احد تبعاً لأرضه أو مستقلة.
۱۴- ومنها: البحار كلها إلّا شیئاً یسیراً ممّا یقرب من سواحلها بإلمقدار الذی تصرّف فیه الناس أو كان حریماً لما تصرّفوا فیه.
۱۵- ومنها: الهواء والفضاء حول الكرة الأرضیة بإلمقدار المیسور للبشر من التصرّف فیه والانتفاع به بالاستطرقات الجویة، عدا ما یحتاج إلیه سكنة البلاد والأراضی المملوكة من الفضاء الذی تعلوه الأبنیة والبروج والأشجار ونحوها[475].
وهذان الأخیران لم یذكرهما الأصحاب ولم یأتوا لها بدلیل ویمكن الاستدلال لهما بما دلّ من الأخبار على «أن الدنیا وما فیها للإمام»[476].
المراد من الغنائم
وممّا یتعلّق فیه الخمس الغنائم كما دلّ علیه الكتاب ،كقوله تعالى: ﴿واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِی الْقُرْبى والْیتامى والْمَساكِینِ وابْنِ السَّبِیلِ﴾[477]. والسنة، كصحیحة عبدالله بن سنان مثلاً قال: سمعت أبا عبدالله یقول: «لَیسَ الْخُمُسُ إِلَّا فِی الْغَنَائِمِ خَاصَّةً»[478].
انّما الكلام فی أنّ الغنائم: عبارة عمّا أخذ من الكفّار من أهل الحرب قهراً بإلمقاتلة معهم أو الأعمّ منه وغیره وأنّ الغنیمة التی یجب فیها الخمس عامّة للمنقول وغیره أو مختصّة بالمنقول فقط.
المشهور بین الأصحاب أنّ الغنیمة عامّة للمنقول وغیره کالأراضى والدور والأشجار والمصانع وغیرها وذهب جماعة من الأصحاب الی اختصاصه بالغنائم المنقولة.
و من جملة من قال بالعموم سماحة آیة ا… العظمى الاُستاذ المحقق الكابلی(مدّظله العالی) وهذا ما هو نصّ عبارته: ویمكن أن یقال: إنّ المراد منها: مطلق النّفع والفائدة، وما أخذ من الكفّار بالقتال أحد مصادیقها[479]. وذلك لما ورد من التفسیر فی صحیحة على بن مهزیار وقد جاء فیها: قال الله تعالى: ﴿و اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِی الْقُرْبى والْیتامى والْمَساكِینِ وابْنِ السَّبِیلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا یوْمَ الْفُرْقانِ یوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَیءٍ قَدِیر﴾[480]، فالغنائم والفوائد یرحمک الله، فهی الغنیمة یغنمها المرء والفائدة یفیدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التی لها خطر، والمیراث الذی لا یحتسب من غیر أب ولا إبن، ومثل عدوّ یصطلم، فیؤخد ما لُه الخ[481].
والظاهر منها: أنّ الفائدة عطفٌ تفسیرىٌ للغنیمة، فمعناها هی الفائدة المطلقة وما أخذ من الكفّار بالحرب والقتال أحد مصادیقها لا أنّها منحصرة فیه، كما تشهد لذلك الأمثلة التی ذكرها فی تفسیر الغنیمة فتأمّل فیها حتى یظهر لك صدق ما ذكرناه. وقد عدّ من الفوائد مالٌ أخذ من عدو اُصطلم، وهو یشمل المنقول وغیر المنقول، فأنّ الأراضی المفتوحة عنوة: مالٌ أخذ من عدو اُصطلم وهی مصداق للغنائم والفوائد التی فیها الخمس، وكذا المیراث الذی لایحتسب یشمل المنقول وغیر المنقول، فعلیه تكون هذه الصحیحة من أدلّة المشهور القائلین بوجوب الخمس فی مطلق الغنائم وإن كانت غیر منقولة[482].
المراد من متعلّق الخمس
المحتملات فی المسئلة كثیرة:
الأوّل: ما نسب إلى المشهور بین المتأخرین: من أنّه ملک بنحو الكسر المشاع ومن آثاره عدم جواز التصرف فی المال إلّا بإذن ولی الخمس، والظاهر من آیة الخمس هو ذلک.
الثانی: إنّه ملک بنحو الکلّی فی المعین ومن آثاره جواز التصرف فی متعلّق الخمس، مادام مقدار الخمس باقیاً.
الثالث: أن یكون أرباب الخمس شریكاً فی المالیة، نظیر إرث الوجة من البناء فإنّها لا ترث من عینه، بل من مالیته، ونسب هذا القول إلى الشهید الصدر[483].
الرابع: إنّه من قبیل حقّ الرهانة ومقتضاه ثبوت الحقّ فی الذّمة مع كون العین بأجمعها وثیقة له، فلا یجوز التصرّف فیها ما لم یؤدّ الحقّ.
الخامس: أن یتعلق الحقّ بالذمّة محضاً بلا تعلّق بالمال. نسب الى الشافعی وعن إبن حمزة أیضاً نسبته إلى بعض أصحابنا، ولكن لم یعرف القائل به فی أصحابنا، بل حکی إجماعهم على خلافه.
السادس: أن یكون من قبیل حقّ الجنایة المتعلّق بالعبد الجانی خطأ حیث لایشتغل ذمّة المولى بشیء ولا یخرج العبد أیضاً عن ملک مولاه. نعم، هو مخیر بین دفع نفس العبد لیسترقوه وبین دفع القیمة، ففی الحقیقة یكون حقّ أولیاء المقتول هو الجامع بین نفس العبد وقیمته.
السّابع: أن یكون من قبیل منذور التصدّق، فإنّ حقیقة النذر تملیک العمل لله تعالى أو عقد بین الناذر وبین الله، یتعقّبه وجوب الوفاء وهو حكم تكلیفى ینتزع منه حكمٌ وضعیٌ أعنی: إستحقاق الفقیر؛ لأنّ یدفع إلیه هذا المال لا الملكیة الفعلیة، فما لم یدفع المال بقصد التقرّب لا یخرج عن ملک مالکه وإنّما یصیر ملکاً للفقیر بدفعه إلیه[484].
اختار من هذه الوجوه شیخنا المحقق الكابلی(مدظله العالی) الوجه الثالث، كما صرّح فی كتاب خمسه: ولكن الأظهر هو القول الثالث وهو الشركة فی المالیة. وإستدل على مدّعاه بالسیرة القطعیة .وحكمة إیجاب الواجبات المالیة من الزكات والخمس والكفّارات ونحوها؛ من أنّها لرفع حاجات الفقراء فی أمرار المعاش وإیجاد التوازن فی الجامعة نسبیاً، وهو یتحقّق باعطاء المال لهم، ولا یتوقّف على الدفع من نفس العین وروایات الزكات الدالّة على تعلّق الزكات بالمالیة[485].
أقسام المرتّد
المرتّد: عبارة عمّن خَرَج عن دین الإسلام. وهو على قسمین: «فطریٌ» و«ملیٌ».
فالفطری: من ولد على الاسلإم؛ بأنّ كان أبواه أو أحدهما مسلماً، ثمّ دخل فی الكفر.
وقیل: من ولد على الإسلام ووصف بالإسلام حین بلغ أو حین صار ممیزاً ثمّ كفر[486].
وفسّر ثالثٌ: وهو المرتدّ الذی انعقد واحد أبویه أو كلاهما مسلم، فیقتل وتبین عنه زوجته وتقسم أمواله. والمشهور عدم قبول توبته وإسلامه، وإنّه مخلّدٌ فی النّار، كبقیة الكفّار. وذهب جملة من المحقّقین إلى قبول توبته وإسلامه فیما بینه وبین الله سبحانه واقعاً، وأنّه تعامل معه معاملة المسلمین وحکم بعدم قبولهما ظاهراً بإلحكم بنجاسته وکفره وغیرهما من الأحكام المترتبة على الكفّار.
والصحیح: هو القول الوسط كما اختاره جملة من المحقّقین من السیّد الیزدی والإمام الخوئی وغیرهما[487]. وإن كان أمرأةً لم تقتل، بل تحبس ویضیق علیها حتى تتوب أو تخلد فی السجن.
و الملّیّ: من أسلم عن كفر أصلیّ، ثمّ رجع ثانیاً إلى الكفر.
و الملّىّ: إن كان رجلاً یستتاب ثلاثة أیام أو بمقدار یمكن معه رجوعه، فإن تاب وإلّا قتل، ولاتزول منه أملاکه مادام حیاً، وینفسخ العقد بینه وبین زوجته، ولكنّه مراعی على انقضاء عدّتها، فإن تاب فیها رجع إلیها. وإن كان أمرأة، فكالفطریة، أی لم تقتل بل تحبس ویضیق علیها[488].
الفرق بین الحدود والتعزیرات
كلّ ما كان له عقوبة مقدّرة، یسمّى حدٌّ ومالیس كذلك، یسمّى تعزیراً.
وقال بعض الأعاظم فی هذا المقام: الحدّ لغة المنع. ومنه أخذ الحد الشرعی، لكونه ذریعة إلى المنع عن فعل موجبه[489]. وشرعاً عقوبة خاصة یتعلق بإیلام البدن بواسطة تلّبس المكلّف بمعصیة خاصة عیّن الشارع، كمیتها فی جمیع أفراده، كما فی الزنا مثلاً[490]. والتعزیر من فعل محرمّاً أو ترک واجباً اللهیاً عالماً عامداً، فعلى الحاكم الشرعی: أنّ یعزّره دون الحد الشرعی حسب ما یراه فیه من المصلحة، على أساس أنّ فی تطبیق هذه العقوبة على كلّ عاص ومتمرّد تأثیرٌ كبیرٌ فی ردع الناس وإصلاح المجتمع والتوازن وإیجاد الأمن فیه الذی هو الغایة القصوى والأهم للشارع، ویثبت موجب التعزیرات بشهادة الشاهدین، وبإلإقرار وبعلم الحاكم إذا رأى مصلحة[491].
الفرق بین الأرش والقیمة واُجرت المثل
الأرش: هو المال الذی یجبر به نقص مضمون فی مال أو بدن حصل من فوات وصف الصحّة فیه. واُجرت المثل: اسمٌ لعوض المنفعة الفائتة. والقیمة: اسم ٌ للعین الفائتة كلاٍّ أو بعضاً. وبعبارت أخری: التالّف إن كان عیناً، فإسمه القیمة. وإن كان منفعة، فإسمه اُجرة المثل. وإن كان وصف الصحّة فإسمه الأرش[492]. وقد یؤخذ الأرش من تلف العین أیضاً، كما لا یخفی. والأرش فی اللغة، كما فی الصحاح والمصباح دیة الجراحات[493].
الفرق بین حق الرهانة والجنایة
إنّ الحقّ فی الأوّل یتعلّق بالعین بما هو ملك للمالک یكون متقوّماً ببقائه على ملکه ولازمه عدم بقائه مع انتقال العین عنه بناقلٍ، بل إمّا یسقط الحقّ على فرض صحّة الانتقال أو یمنع الحقّ عن الانتقال على فرض بقائه.
وفی الثانی: یتعلّق بالعین مع قطع النظر عن كونها ملكأ للمالک، ولازمه بقائه على العین حیثما تذهب العین، ولذا یأخذ المجنی علیه بحقّه حیثما وجدت العین، وحیث أنّ للعامل فی باب الزكاة أن یسعى بها حیثما وجد العین الزكویة، فیشبه بحقّ الجنایة، وحیث إنّ للمالک أداء الزكاة من مال آخر وفکّ عینه من تعلّق حقّ الزكاة، فیشبه بحقّ الرهانة[494].
الفرق بین العادل والثقة والأعدل والأوثق
العادل: لایصرّ على الذنوب ویجتنب عن المعاصی الكبیرة. والثقة: محترز عن الكذب[495]. الأعدل: ما له إحتیاط تام عن المعصیة. والأوثق: ما له إحتیاط تامٌ عن الكذب[496].
الفرق بین الخبر والحدیث
الخبر ما روی عن المعصوم أو غیره. والحدیث ما روی عن المعصوم فقط[497].
الفرق بین الأخبار والأثار
الأخبار والآثار، کالفقیر والمسكین إذا إجتمعا إفترقا، وإذا افترقا إجتمعا، إذا ذكر أحدهما یراد منه ما روی عن النبی أو عن الأئمّة، وإذا ذكر كلاهما یراد من الأخبار ما روی عن النبی، ویراد من الآثار ماروی عن الأئمّة[498].
أقسام الخبر عند الفقهاء
١- الصحیح: ما كان سلسلة سنده إمامیین ممدوحین بإلتوثیق مع الإتّصال. وعرّفه الشهید الأوّل(ره): ما إتّصلت روایته إلى المعصوم بعدلٍ إمامیٍّ[499].
تعریف الشهید الثانی(ره): ما إتّصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامی عن مثله فی جمیع الطبقات وإن اعتاره شذوذ[500].
٢- الحسن: ما كانوا إمامیین ممدوحین بغیر التّوثیق كلاًّ أو بعضاً مع توثیق الباقی.
تعریف الشّهید الأوّل(ره): ما رواه الممدوح من غیر نصٍّ على عدالته[501].
تعریف الشهید الثانی(ره): ما إتّصل كذلک بإمامیٍ ممدوحٍ بلامعارضة ذم مقبول، من غیر نصّ على عدالته فی جمیع مراتبه أو بعضها مع كون الباقی بصفة رجال الصحیح[502].
٣- الموثّق: ما كان كلهم أو بعضهم غیر إمامیین مع توثیق الكل. وقدیسمّی بالقوى أیضاً. وقدیطلق القوی على ما كان رجاله إمامیین مسكوتاً عن مدحهم وذمّهم.
تعریف الشّهید الأوّل(ره): ما رواه من نصّ على توثیقیه مع فساد عقیدته، ویسمّى القوى[503].
تعریف الشّهید الثّانی(ره): ما دخل فی طریقه من نص الأصحاب على توثیقه، مع فساد عقیدته، ولم یشتمل باقیه على ضعف[504].
۴- الضّعیف: ما كان رأوی الحدیث غیر موثوق به من جهة صدقه وكذبه. تعریف الشهید الأوّل(ره): ما یقابل الثلاثة[505].
تعریف الشهید الثانی(ره): ما لا تجتمع فیه شروط احد الثلاثة[506].
5- الموقوف: هو الخبر المجهول الرأوی أو مقطوع السند[507].
۶- المرسل: خبر محذوف السند.
المرسل: هو مأخوذ من إرسال الدابّة، بمعنى رفع القید والربط عنها، فكأنّ المحدّث بإسقاط الرأوی رفع الربط الذی بین رجال السند بعضهم ببعض[508]، وفسّره الشهید بقوله: ما رواه عن المعصوم من لم یدرکه؛ سواء كان الرأوی تابعیاً أم غیره، صغیراً أم كبیراً؛ وسواء كان الساقط واحداً أم أكثر؛ وسواء رواه بغیر واسطة أو بواسطة نسیها بأنّ صرّح بذلک أو تركها مع علمه بها أو أبهمها[509].
۷- المرفوع: فیه اصطلاحان:
الف- یطلق على ما اُضیف إلى المعصوم من قول: بأنّ یقول فی الروایة أنّه قال كذا أو بفعل: بأنّ یقول فعل كذا، أو تقریر: بأنّ یقول فعل فلان بحضرته كذا ولم ینكره علیه[510].
قال والد بهاء الدین العاملی(ره): وهو مما اُضیف إلى النبّی أو احد الائمّة من أىّ الأقسام كان متّصلاً كان أو منقطعاً، قولاً كان أو فعلاً أو تقریراً، فمقوّم المرفوع إضافته إلى المعصوم؛ سواءً كان له إسناد أولاً. وعلى فرض وجوده كان کاملاً أو ناقصاً. وعلىهذا، فالمرفوع فیمقابل الموقوف: فإن اُضیف إلى المعصوم بإسناد أولاً، فهو مرفوع؛ واذا اُضیف الى مصاحب المعصوم بإسناد أولاً؛ فهو موقوفٌ[511].
ب- وقد یطلق على ما اُضیف إلى المعصوم بإسناد منقطع، قال والد الشیخ بهاء الدین العاملی(ره): واعلم: أنّ من المرفوع قول الرأوی یرفعه أو ینمیه (ینسبه) أو یبلغ به إلى قول النبّی أو أحد الأئمّة، فمثل هذا یقال له الآن: موضوع، وإن كان منقطعاً أو مرسلاً أو معلّقاً بالنّسبة إلینا الآن[512].
۸- المتواتر: خبر جماعة یفید بنفسه القطع بصدقه من غیر احتمال تواطئهم على الكذب[513].
اختلفوا فی أقل عدد یتحقّق معه التواتر: والحقّ أنّه لا یشترط فیه عدد. فالمقیاس: هو إخبار جماعة یؤمن من تعمّدهم الكذب، وهو یختلف بإختلاف الموارد، فربّ مورد یكفی فیه عدد إذا كان الموضوع بعیداً عن الهوى والكذب، وربّ موضوع لایكفی فیه ذلك العدد. وبذلك یظهر أنّ تقدیره بالخمسة أو العشرة أو العشرین أو الأربعین أو السبعین لا أساس له[514].
المتواتر على قسمین: لفظیٌ ومعنویٌ.
فالأوّل: ما إذا اتّحدت الفاظ المخبرین فی أخبارهم كقوله: «إنَّمَا الاَعمَال بِإلنِّیاتِ»[515] على القول بتواتره. وقوله: «مِن کُنتُ مَولَاهُ فَعَلِی مَولَاه»[516]. وقوله: «إنّی تَارِکٌ فِیکُمُ الثِّقَلَین»[517].
والثانی: ما إذا تعددّت ألفاظ المخبرین، ولكن إشتمل كل منها على معنی مشترک بینها بالتضمّن أو الالتزام، وحصل العلم بذلك العدد المشترک بسبب كثرة الأخبار، كما فی الأخبار الواردة فی بطولة على فی غزواته التی تدلّ بالدّلالة الالتزامیة على شجاعته وبطولته.
9- المستفیض: هو ما كان مخبره أكثر من واحد ولم یصل إلى حد التّواتر. وقیل: كل خبر واحد إذا تجاوز روّاته عن ثلاثة، فهو مستفیض.
۱۰- الغریب: الخبر الذی إنفرد واحد بروایته، فهو غریب وإن تعددّت الطرق إلیه، أو تعددّت الطرق منه.
11- الخبر الواحد : كلّ خبر لم یبلغ حد التواتر، فهو خبر واحد. أو خبر نفر لایحصل من قوله «العلم القطعیّ»[518].
۱۲- المشهور هو ما شاع عند أهل الحدیث خاصّة دون غیرهم، بأنّ نقله منهم رواة كثیرون، ولا یعرف هذا القسم إلّا أهل الصناعة[519].
۱۳- الشاذّ: وهو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه المشهور. ویقال للطرف الراجح: المحفوظ أیضاً[520].
۱۴- المقبول: هو الحدیث الذی تلقاه الأصحاب بالقبول والعَملِ بمضمونه، والمثال الواضح للقبول هو حدیث عمربن حنظلة الوارد فی حال المتخاصمین من أصحابنا والذی رواه المشایخ الثلاثة فی جوامعهم[521]، وإلیک سنده:
محمّد بن یعقوب، عن محمّد بن یحیى، عن محمّد بن الحسین، عن محمّد بن عیسی، عن صفوان بن یحیى، عن دأود بن الحصین، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبدالله عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة فی دَینٍ أو میراثٍ فتحاكما إلى السّلطان وإلى القضاة أ یحلّ ذلک؟»
قد تلقّاه الأصحاب بالقبول فی باب القضاء. وعلیه المدار فی ذلك الباب[522]. وممّن قال بالقبول شیخنا الأستاذ[523]. وإن خالف بعض الأعلام فلیراجع فی علم الرجال.
أصحاب الإجماع
إنّ السید الجلیل بحر العلوم جَمَع أسماء من ذكره الكشّی فی المواضع الثلاثة[524]. تحت عنوان تسمیة الفقهاء من أصحاب أبی جعفر وأبی عبد الله: اجتمعت العصابة على تصدیق هؤلاء الأوّلین من أصحاب أبی جعفر وأصحاب أبی عبد الله، وإنقادوا لهم بالفقه[525]. فقالوا أفقه الأوّلین ستة: زرارة ومعروف بن خرّبوز وبرید، وأبوبصیر الأسدی، والفضل بن یسار، ومحمد بن مسلم الطائفی قالوا: وأفقه الستة زرارة: وقال بعضهم: مکان أبوبصیر الأسدی أبوبصیر المرادی، وهو لیث بن البختری وخالفه فی اشخاص من الستة الأوّلى، قال :
قد أَجَمع الكلّ على تصحیح ما وهم أولوا نجابةٍ ورَفعةٍ فالسّتة الأوّلى من الأمجاد زرارةٌ كذا بریدٌ قد أتى كذا الفضیل بعد معروف والستة الوسطى أولوالفضائل جمیل الجمیل مع أبان والستة الأخرى هم صفوانُ ثمّ ابن محبوب کذامحمّد و ما ذكرناه الأصح عندنا | یصحّ عن جماعهٍ فَلْیُعلما أربعةٌ وخمسةٌ وتسعةٌ أربعةٌ منهم من الأوتاد ثمّ محمّدو لیثٌ یا فتی وهو الذی ما بیننا معروفٌ رتبتهم أدنى من الأوائل والعبدلان ثمّ حمّادان و یونس علیهما الرّضوانکذاک عبدالله ثمّ أحمد وشذَّ قول مـن بـه خالَفـنا[526] |
اختارالكشّی أنّ أبا بصیر الأسدی من أصحاب الإجماع وإختار السّید البحر العلوم أنّ أبا بصیر المرادی منهم[527].
حقیقة البیع
عرّف الفقهاء البیع بتعاریف شتّی نذكر بعضها لتوسعة الذهن وإختیار ما هو الحقّ فی المقام.
الأوّل: أنّ البیع إنتقال عین مملوكة من شخصٍ إلى غیره بعوضٍ مقدّرٍ على وجه التراضی؛ كما ذكره الشیخ فی المبسوط، والعلامة فی التّذكرة[528].
الثانی: أنّ البیع هو الإیجاب والقبول الدالّین على الانتقال، كما هو المشهور بین الفقهاء[529].
الثالث: أنّ البیع نقل العین بالصیغة المخصوصة، كما حكى هذا التعریف عن اللمحققّ الكركی فی جامع المقاصد[530].
الرابع: البیع إنشاء تملیک عین بمال، كما عرّف الشیخ الأعظم[531].
وأورد الشیخ الأعظم على تعریف الأوّل: وحیث إنّ فی هذا التعریف مسامحة واضحة، (وجه المسامحة حیث أنّ هذا التعریف تعریف بإللازم والأثر فلا یسوغ تعریف الشیء بأثره إلّا على سبیل العنایة والمجاز) عدل آخرون إلى تعریفه: بإلإیجاب والقبول الدالّین على الانتقال وناقش على تعریف الثانی: بأنّ البیع من مقولة المعنی دون اللفظ، فلا وجه لتفسیره به، وأشكل على تعریف الثالث: مع أنّ النقل لیس مرادفاً للبیع ، ولذا صرّح فی التذكرة بأنّ إیجاب البیع لا یقع بلفظ (نقلت) وجعله من الكنایات، وأنّ المعاطات عنده بیع مع خلوّها عن الصّیغة وأنّ النقل بالصیغة أیضاً لایعقل إنشاؤه بالصیغة[532].
وأورد الإمام الخوئی، على تعریف الشیخ ما هذا لفظه: ویتوجه علیه وجوه:
١- أنّ لفظ العین یشمل الأعیان المتموّلة وغیرها مع أنّه اعتبر المالیة فی العوضین، فلا یكون تعریفه هذا مانعاً عن دخول الأغیار فی المحدود.
٢- أنّه لو كان البیع إنشاء تملیک عین بمال لزم منه أن یكون التبدیل فیه فی الإضافة الملكیة فقط. وقدعرفت خلاف ذلك فیما تقدمّ (من عمومیة الإضافة سواء كانت إضافة ملكیة، أم كانت اضافة مالیة، أم اضافة حقیقیة، أم غیرها من أنحاء الإضافات).
٣- أنّه لا دلیل على اعتبار المالیة فی الثمن، وإنّما المناط فی تحقق مفهوم البیع صدق عنوان المعأوضة علیه. وقد مرّ تفصیل ذلك فیما سبق
(فإذا كان المبیع مورداً لغرض المشترى – سواء كان مالاً عند العقلاء أم لا كالحشرات. واشتراه بأغلى الثمن صدق علیه مفهوم البیع)[533].
الخامس: حقیقة البیع هی الاعتبار النفسانی المظهر بمظهرٍ خارجیّ. وعرّف فی موضع آخر: البیع موضوع للاعتبار المبرز فی الخارج بمبرِز ما،كما ذكره الإمام الخوئی[534]. وسایر التعاریف التی ذكرها الشیخ فی المكاسب یرجع الى هذه التعاریف[535].
النسبة بین البیع والتملیك
النسبة بین البیع والتملیک هی العموم من وجه، إذ قد یوجد التملیک ولا یصدق علیه مفهوم البیع، كما فی الهبة، والوصیة، والإرث وغیر ذلک، وقد یوجد البیع ولا یكون هناك تملیک، کبیع المتاع بسهم سبیل الله من الزكاة فإنّ هذا بیع ولیس فیه تملیک، فإنّ سهم سبیل الله من الزكاة، لیس ملكاً لشخصٍ خاصٍّ ولا لجهةٍ معینّةٍ ولذا صدر فی آیة الصدقات بلفظ (فی) الظاهرة فی بیان المصرف ومع ذلك كلّه یجوز بیع السهم المزبور، وصرف ثمنه فی سبیل الله، كما یجوز بیع نماء العین الموقوفة فی سبیل الله، وصرف ثمن ذلك فی قربات الله مع أنّ تلك العین لیست بملک لأحد، ولالجهة وكذا نماؤها. وقدیجتمعان وهو كثیر[536].
أقسام البیع
البیع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن وعدمه ینقسم إلى خمسة أقسام:
الأوّل: المساومة: وهی البیع بما یتفقان (البایع والمشتری) علیه من غیر تعرّض للإخبار بالثمن، سواء علمه المشتری، أم لا.
الثانی: المرابحة: هی البیع بزیادة عن رأس المال مع الإخبار بالثمن.
الثّالث: التولیة: هی البیع برأس المال مع الإخبار بالثمن.
الرابع: المواضعة: هی البیع بأقل من رأس المال مع الإخبار بالثمن.
الخامس: التشریک: هو بیع الجزء المشاع برأس المال كأن یقول البایع: أشرکتک بالنصف، فاذا قبل المشترى، فیكون شریكاً مع البایع بالنصف. ولم یذكره كثیر من العلماء وإن ذكره الشهید الأوّل فی اللمّعة والدروس. التشریک فی الحقیقة یرجع إلى أحد الأقسام الأربع فلیس قسماً مستقلاً[537].
الفرق بین الإخبار والإنشاء
إنّ واقع الإنشاء المقابل للإخبار وإن كان من الأمور الواضحة التی یعرفها أكثر الناس إلّا أنّه وقع الكلام فی حقیقة الإنشاء وفیما به یمتاز عن الإخبار، فالمعروف بین العلماء: أنّ الإنشاء إیجاد المعنی بإللفظ لكن هذا المعنى غیر تامٍّ؛ لأنّ المراد من إیجاد المعنی باللفظ إمّا إیجاد خارجی، أو إیجاد اعتباری:
أمّا الإیجاد الخارجی، فهو ضروری البطلان بداهة أنّ الموجودات الخارجیة برمّتها مستندة إلى عللها الخاصّة، وأسبابها المعینّة، ومقدمّاتها الإعدادیة، ومن الواضح الذی لاریب فیه أنّ اللفظ أجنبی عنها.
و أمّا الإیجاد الاعتباری، فإن كان المراد به وجوده فی نفس المتكلم، فهو واضح الفساد، فإنّ الإعتبار النفسانی من أفعال النفس، ومن المعلوم أنّ أفعال النفس توجد فیها بفاعلیتها بلا إحتیاج إلى عالم الألفاظ أصلاً.
وإن كان المراد من الإیجاد الاعتباری وجود المعنى فی اعتبار العقلاء، فیتوجّه علیه إنّ الإنشاء وإن كان موضوعاً لاعتبار العقلاء إلّا أنّ هذا الاعتبار مترتّب على تحقّق الإنشاء فی الخارج وکلامنا فی تصویر حقیقته، سواءٌ كان ذلک مورداً لاعتبار العقلاء أو الشرع، أم لم یكن[538]. فلا نعقل محصلاً للإنشاء فی تعریف المشهور. فنكتفی هنا على تعریف خراریت الفن المحقق الخراسانی والإمام الخوئی.
وقال المحققّ الخراسانی فی حاشیة الرسائل ما هذا لفظه: أنّ الإنشاء هو القول الذی یقصد به إیجاد المعنى فی نفس الأمر لا الحكایة عن ثبوته وتحققّه فی موطنه من ذهن أو خارج، ولهذا لا یتّصف بصدق ولا كذب بخلاف الخبر فإنّه تقریر للثابت فی موطنه وحكایة عن ثبوته فی ظرفه ومحله فیتصف بأحدهما لا محالة[539] .( وهذا التعریف یرجع الى تعریف الشهید، فی القواعد: الإنشاء: هو قول الذی یوجد به معناه فی نفس الأمر[540].
والإمام الخوئی، ذكر بعد الإیراد على تعریف المشهور، ما هذا نصّ تقریراته: والتحقیق؛ أنّ الإنشاء إبراز الإعتبار النفسانی بمبرزٍ خارجیٍ، كما أنّ الخبر إبراز قصد الحكایة عن الثبوت أو السلب بالمظهر الخارجی. وقال فی مقام الفرق بین الجمل الإنشائیة والخبریة: إنّ جمل الإنشائیة إنّما وضعت بهیئاتها الإنشائیة لإبراز أمر ما من الأمور النفسانیة: وهذا الأمر النفسانی قد یكون اعتبارا من الاعتبارات كما فی الأمر والنهی والعقود والإیقاعات وقد یكون صفة من الصفات، كما فی التمنّی والترجّی، ولأجل ذلك أنّ الجمل الإنشائیة لاتتّصف بالصدق تارةً وبالكذب أخرى، إذ لیس فی مواردها خارج تطابقه النسبة الكلامیة، أو لا تطابقه. وهذا بخلاف الجمل الخبریة، فإنّها موضوعة لإبراز قصد الحكایة عن الثبوت أو السلب، وعلیه فالهیئات التركیبیة للجمل الخبریة أمارة على قصد المتكلم للحكایة عن النسبة وهذا الحكایة قد تطابق الواقع، فتكون الجملة صادقة، وقد تخالفه، فتكون كاذبة. وقدإتّضح لك مما ذكرناه أنّ المتّصف بدءً بالصدق والكذب فی الجمل الخبریة إنّما هو الحكایة عن الواقع وأمّا إتّصاف الجملة الخبریة بهما إنّما هو من قبیل وصف الشیء بحال متعلقه[541].
و قال فی موضع الآخر: الإنشاء هو إبراز الاعتبار النّفسانی بمبرز ما، والإخبار إبراز قصد الحکایة عن ثبوت شیء أو نفیه، فالفرق بینهما إنّما هو فی المبرز (بالفتح)، فإنّ المبرز فی الإنشاء عبارة عن أمر لا تعلّق له بالخارج والأمور الواقعیّة وهو الاعتبار، فإنّ الاعتبار أمر نفسانیٌ لا یحتاج إلی شیء وراء نفسه ولا تعلّق له بالخارج أبداً، وبإلاستعمال یبرز ذلک الإعتبار القائم بالنفس، وأمّا المبرز فی الإخبار، فهو أمر له تعلّق بالخارج وهو عبارة عن قصد حکایة ثبوت شیء لشیء أو نفیه عنه، والقصد وإن کان أیضاً من الأمور القائمة بالنفس إلّا أنّ له تعلّقاً بالخارج ولأجل ذلک یتصف بالصدق والکذب، لأنّه ربما تکون الحکایة مطابقة للواقع واُخری مخالفة له، وهذا بخلاف الإنشاء إذ لامعنی لمطابقة الإعتبار فیه للواقع وعدمه، وقصد الحکایة هوالذی یمکن أن یکون مدلولاً للجملات الاخباریّة ولا یستفاده منها أزید من أنّ المتکلّم بصدد الحکایة وقاصد لحکایة ثبوت شیء لشیء أو نفیه عنه[542].
و بالجملة : فالمعنى فی الإخبار والإنشاء واحد، لأنّه عبارة عن نسبة المبدأ إلى الذات، فإن قصد بالكلام الحكایة عن النسبة فیكون خبراً، وإن قصد به إیجاد ها یكون انشاءً.
و قال المظفّر، حول الخبر والإنشاء ما هذا لفظه: كل ّمرکب تام له نسبة قائمة بین أجزائه تسمّى النسبة التامّة أیضاً وهذه النسبة:
١- قد تكون لها حقیقة ثابتة فی ذاتها ، مع غض النظر عن اللفظ وإنّما یكون لفظ المركب حاكیاً وكاشفاً عنها، مثلما إذا وقع حادث أو یقع فیما یأتی، فاخبرتَ عنه، كمطر السماء فقلتَ: مطرتِ السماء، أو تمطر غداً. فهذا یسمّى (الخبر). إذن الخبر هو: «المركبّ التامّ الذی یصحّ أن نصفه بالصدق أو الكذب»
۲- وقد لا تكون للنسبة التامّة حقیقة ثابتة بغض النظر عن اللفظ ، وإنّما اللفظ هو الذی یحقق النسبة ویوجدها بقصد المتكلم، وبعبارة أصرح إنّ المتكلم یوجد المعنى بلفظ المركب، فلیس وراء الكلام نسبة لها حقیقیة ثابتة یطابقها الكلام تارةً ولا یطابقها اخرى، ویسمّى هذالمركب « الإنشاء» ومن أمثلته: الأمر، والنهی، والاستفهام، والنداء، والتمنّی، والتعجّب، والعقد، والإیقاع[543].
أقسام الخیار
الخیار لغةً إسم من الإختیار[544] ومعنى الإختیار لغةً هو: طلب الخیر من أىّ شیء؛ فیصحّ تعلّقه بإلأمور التكوینیة والاعتباریة نظیر الكسب والاكتساب، فیکون وصفاً لنفس الأفعال الخارجیة، والأمور الإعتباریة حسب اختلاف متعلّقه من الأفعال والأعیان والإعتباریّات[545].
والظاهر بهذا المعنى اللغوی استعمل فی الخیارات المختصّة بالمعاملات، فلا یكون من الأوصاف النفسانیة المعبّر عنها بالإرادة تارةً وبالاختیار أخرٰى ولا من الأفعال الخارجیة ولا بمعنى الملک فی المقام، بل إنّما یستفاد الملكیة من موارد الإستعمال بحسب إقتران مادّة الخیار بكلمة اللام أو ذو أو صاحب أو الباء أو بالهیئة المفیدة لهذا المعنی، کهیئة المختار مثلاً.
وعلیه، فیكون الإختیار والخیار فی مقابل الإضطرار والإلتجاء بحسب الحقیقة فی جمیع الموارد، فإنّ المضطرّ لا یقدر على إتّخاذ الخیر لنفسه فیما اُضطّر الیه[546].
وإن كان الأصل فی البیع اللزوم، كما ذكر العلامة وتبعه غیر واحد من الأعلام ولكن الشارع جعل للبایع والمشتری أو لإحدهما خیاراً والخیارات كثیرة وقد أنهاها بعضهم الى أربعة عشرة، كما فی اللمّعة لكن المناسب جعلها سبعة، لأنّ البقیة تندرج فی خیار الشرط[547].
الأوّل: خیار المجلس. إضافته إلى المجلس من جهة الغلبة؛ لعدم اختصاصه بإلمجلس، بل یثبت فی حال القیام والمشی أیضاً فما لم یفترقا فهذا الخیار موجود لكل واحد منهما[548].
الثانی: خیار الحیوان. لٰا خلاف بین الفریقین فی ثبوته فی الجملة فی بیع الحیوان، وإنّما الخلاف فی الحیوان هل هو مطلق الحیوان أو ما لم یقصد منه إلّالحمه، ظاهر النصّ والفتوى هو العموم. وهو ثابت للمشتری خاصّة. ومدة هذا الخیار ثلاثة أیام مبدئها من حین العقد. وإستقرب الشیخ الأعظم(ره) اختصاصه بالبیع الشخصی، ولكن لا دلیل علیه، بل كانت الأدلّة مطلقة ولا منشأ للانصراف كما ادّعىٰ، مبدئه من حین العقد، كخیار المجلس لا بعد حصول التفرق كما توهّم بعضٌ. ویسقط بإشتراط سقوطه فی العقد أو إسقاطه بعد العقد وبتصرّف ذى الخیار إذا كان مصداقاً للإسقاط ومبرزاً لمٰا فی ضمیر المتكلم من كونه موجباً لسقوط الخیار[549].
الثالث: خیار الشرط الثابت بسبب إشتراطه فی العقد یجوز إشتراطه لكل واحد من البائع والمشتری أو لأحدهما أو لأجنبی إذا لم یكن مخالفاً للكتاب والسنة، ولابدّ من تعیین مبدءٍ بقدر معین، ولو مادام العمر. ومبدئه من حین العقد لا من حین الفرق کماذهب الشّیخ والحلّى ویسقط بإسقاط ذى الخیار وإنقضاء المدة المجعولة له[550].
الرابع خیار الغبن: لاشبهة فی ثبوت هذا الخیار فی الجملة، بل ادّعیٰ بعضهم الإجماع علیه ولكن أنكر المحققّ هذا الخیار لعدم كونه منصوصاً والتحقیق أنّ المدرک لخیار الغبن هو الشرط الضمنی. الظاهر كون الخیار المذكور ثابتاً من حین العقد لا من حین ظهور الغبن. ویسقط: بالإسقاط بعد العقد وبإشتراط سقوطه فی متن العقد وبتصرّف المغبون بائعاً كان أو مشتریاً فیما اُنتقل الیه تصرّفاً یدلّ على الإلتزام بالعقد[551].
الخامس: خیار التأخیر:
قال: العلاّمة فی التذكرة: من باع شیئاً ولم یسلّمه الى المشتری ولا قبض الثمن ولاشرط تأخیره ولو ساعة، لزم البیع ثلاثة أیام، فإن جاء المشتری بإلثمن فی هذه الثلاثة. فهو أحق بالعین، وإن مضت الثلاثة ولم یأت بالثمن تخیر البایع بین فسخ العقد والصبر، والمطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع[552]. ذهب الشیخ الطوسی إلى البطلان وتبعه صاحب الحدائق والإمام الخوئی (ره) فی مصباح الفقاهة وإن ذهب إلى ثبوت الخیار فی منهاج الصالحین[553].
شروط خیار التأخیر:
الأوّل: عدم قبض المبیع؛ بأنّ لا یقبض المشتری المبیع من البایع وقبض البعض، كلا قبضٍ.
الثانی: عدم قبض البایع مجموع الثّمن وقبض البعض، كلا قبضٍ.
الثالث: أن لا یشترط المشتری على البایع تأخیر الثّمن وإلّا فلا خیار له.
الرابع: أن یكون المبیع شخصیاً، وأمّا إذا كان كلّیاً فی الذمّة ففیه خلاف ذهب جمع من العلماء کا لشیخ الطوسی وغیره إلى عدمه[554].
الخامس: عدم إسقاط البایع الخیار بعد ثلاثة أیام.
السادس: خیار الرؤیة:
المراد منه ما إذا ابتاع شیئاً بإلوصف ولم یره ، ثمّ رأه على خلاف ما وصفه البایع، كما یثبت الخیار للمشتری عند تخلّف الوصف یثبت للبائع عند تخلّف الوصف، إذا كان قد رأى المبیع سابقاً، فباعه بتخیل أنّه على ما رآه فتبین خلافه، أو باعه بوصف غیره فإنكشف خلافه[555]. ویسقط هذا الخیار بإشتراط سقوطه فی ضمن العقد، وبإسقاطه بعد الرؤیة وبالتصرّف فی العین بعدها تصرّفاً كاشفاً عن الرضا بالبیع.
(السابع : خیار العیب)
وهو كلّ مازاد عن الخلقة الأصلیة ذاتاً أو صفة أو نقص عنها عیناً كان أو صفة كالعمى والعرج وغیر هما، فللمشتری الخیار مع الجهل بین الرد والأرش، وهذا الخیاركما یكون للمشتری، یكون للبایع أیضاً. ویستفاد الخیار للمشتری من الروایات وللبایع من جهة الشرط الضمنی فقط، كما لا یخفى على من تتبّع المنابع والمدارک؛ لأنّ المتبایعین حین الإقدام على المعاملة، قد إشترط كل منهما على الآخر بحسب إرتكازهما كون العوض سالماً عن العیوب[556]. وقد ذكرنا الشرط الضمنی فی مباحث الأصولیة آنفاً.
یسقط الرد والأرش بأمور
الأوّل: العلم بالعیب قبل العقد.
الثانی: تبرّؤ البایع من العیوب بأنّ یقول: بعته بكل عیب.
الثالث: إسقاط الخیار قبل ظهور العیب أو بعده.
الرابع: الإلتزام بأِلعقد، بمعنى: اختیار عدم الفسخ ، ومنه التصرّف فی المعیب تصرّفاً یدلّ على اختیار عدم الفسخ[557].
یسقط الرد دون الأرش
الأوّل: تلف العین
الثانی: خروجها عن الملك ببیع أو عتق أو هبة أو نحو ذلک
الثالث: التصرّف الخارجی فی العین الموجب لتغییر العین، مثل تفصیل الثوب وصبغه وخیاطته ونحو ها.
الرابع : التصرّف الإعتبارى فیها الموجب لعدم إمکان ردها مثل إجارة العین ورهنها.
الخامس: إذا أحدث فیه عیباً بعد قبضه من البائع[558].
كیفیة أخذ الأرش
أن یقوّم المبیع صحیحاً ثم یقوّم معیباً، وتلاحظ النسبة بینهما ثمّ ینقص من الثمن المسمّى بتلك النسبة، فإذا قوّم صحیحاً بثمانیة ومعیباً بأربعة وكان الثمن أربعة، ینقص من الثمن النصف وهو إثنان، فیرجع فی المثال بإثنین وهكذا.
ولا یؤخذ ما بین المعیب والصحیح؛ لأنّ قد یحیط بالثمن، أو یزید علیه، فیلزم أخذه العوض والمعوض، كما إذا اشتراه بخمسین وقوّم معیباً بها وصحیحاً بمائة أو أزید وعلى إعتبار النسبة یرجع فی المثال بخمسة وعشرین وعلى جواز أخذ نفس التفاوت؛ لرجع المشتری على البایع بخمسین أو أزید بعنوان الأرش، فیحصل لدیه المثمن والثمن جمیعاً[559].
أخذ الأرش علی القاعدة أم لا؟
وینبغی أن نشیر إلى أنّ أخذ الأرش فی المقام على طبق القاعدة أو على خلاف القاعدة لا شبهة فی أنّه یجوز للبایع والمشتری جبران عیب المبیع والثمن. وإنّما الكلام فی الإلزام وعدمه، فإن كان على طبق القاعدة فله إلزامه على ذلك وإلّا فلا، الظاهر أنّه یثبت على خلاف القاعدة، لعدم الدلیل من العقل والشرع على كون وصف الصحة الذی یفقد فی المعیب أن یقابل بجزء من الثمن، كما أنّ أجزاء المبیع تقابل بإلثمن ومن هنا لو وقعت المعأوضة بین المعیب والصحیح وكانا من جنس واحد ربوی، لا یلزم الربا. مع أنّ الصحیح زائد عن المعیب بوصف الصحة. ولو زاد على المعیب فی مقابل وصف الصحّة شیء لزم منه الربا، فیعلم من ذلك: أنّ وصف الصحّة لایقابل بالمال، فیعلم من جمیع ذلک: أنه الأرش لم یثبت على طبق القاعدة، بل هو ثابت بعنوان الغرامة لدلیل خاصّ یقتضیه وهو عبارة عن الأخبار الواردة فی المقام.
قد ذكر الشهید الأوّل فی اللمّعة أقساماً آخر من الخیارات: كخیار مایُفسدُ لیومه، وخیار التدلیس، وخیار تبعّض، والصفقة[560]. وهذه الخیارات كلها ترجع الى خیار الشرط، كما صرح الإمام الخوئی فی مصباح الفقاهة، حسب ما ذكر المقرر[561].
الفرق بین الجمع العرفی والتبرّعی
اشتهر بینهم: أنّ الجمع بین المتعارضین مهما أمكن أولی من الطرح. والظاهر المراد منه هو الجمع العرفی الذی سَمّاهُ الشیخ الاعظم(ره) بالجمع المقبول ویسمّى الجمع الدلالی ایضاً، فإذا كان الجمع بینهما فیالدلالة ممكناً، فیرتفع التعارض بینهما فلا تكاذبان، كما إذا كان أحد الدلیلین أخص من الآخر. فإنّ الخاص مقدّم على العام یوجب التصرف فیه، لانه بمنزلة القرینة علیه أو کان أحدهما نصّاً والآخر ظاهراً أو کان أحدهما ظاهراً والآخر أظهر؛ فَالنص والأظهر مقدمان علىالظاهر.
والمراد منالجمع التبرعی: هو عدم وجود شاهد علیه من الاخبار وعرّف المحقق المظفر(ره) الجمع التبرعى وهذا نصّ عبارته فی اصول الفقه: «إنّ المراد من الجمع التبرعی ما یرجع إلی التأویل الكیفی الذی لا یساعد علیه عرف أهل المحاورة ولا شاهد علیه من دلیل ثالث»[562].
الإجازة كاشفة أو ناقلة؟ وأقسام الکشف والنّقل
إنّ القائلین بصحة بیع الفضولی، اتفقوا على توقّفها على الإجازة واختلفوا فی كونها كاشفة، بمعنى: أنّه یحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حین وقوعه: حتی كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلةً: بمعنی ترتّب آثار العقد من حینها، حتی كأنّ العقد وقع حال الإجازة[563] فإن قلنا بالنقل، فلا كلام فیه. وأمّا إذا قلنا بالکشف، فلابد من ذكر أقسام الکشف، من الحقیقی والحكمی، والکشف الحقیقی على أقسام:
الأوّل: الکشف الحقیقی الصِرْف بمعنی: عدم مدخلیة للإجازة فیالتأثیر أصلاً، بلالمؤثّر التّام فیالمعاملة الفضولیة العقد، والإجازة كاشفة عن كون ذلک العقد تمام التأثیر. وهذا یتصّور على وجوهٍ حسب ما ذكره العلّامة المحقّق السید محمد کاظم الطبا طبائی(ره) فی حاشیته على المكاسب:
١- أن یكون العقد مشروطاً بالرضا المقارن الأعم منالفعلی والتّقدیری، بمعنی: كون المالک راضیاً على فرض إلتفاته إلیه وإلی مافیه منالمصلحة. وإن لم یكن بالفعل راضیاً، بل كان كارهاً من جهة غفلته أو جهله بالمصلحة، فالإجازة الآتیة فی المستقبل کاشفة عن حصول الشرط حین العقد ولا مدخلیة لها فی التأثیر أصلاً. وهذا الوجه مختار بعض الأفاضل منالمعاصرین.
۲- أن یكون مشروطاً بأمر واقعی لا نعرفه ویكون ذلك الأمر ملازماً للإجازة الاستقبالیه، فتكون كاشفة عن حصول ذلک الشّرط من غیر أن یكون لها دخل فی التأثیر. وذلك الأمر المكشوف عنه مقارن للعقد.
٣- أن لا یكون هناك شرط للعقد أصلاً لا الرضا ولا الإجازة ولا شیء آخر، نعم، الشارع رتّب الأثر على هذا القسم منالعقد لا علىالقسم الآخر، فالعقد الذی یتعقّبه الرضا فی علم الله صحیح من أول الأمر لا لحصول الرضا، بل لجعلالشارع. والذی لم یتعقّبه لم یجعل مؤثراً، ولعل هذا مراد صاحب الجواهر منالوجه الأوّل منالوجوه الثلاثة التی ذكرها للقول بالکشف[564].
الثانی: الکشف الحقیقی بإرجاع الشرط إلی التعقّب والحكم بكون العقد مشروطاً بأمر اعتباری مقارن، وهو تعقّب الرضا. وهذا الوجه ظاهر جماعة من العلماء منهم صاحب الفصول(ره) على ما أشار إلیه فی بحث مقدمة الواجب، ومنهم أخوه شیخ المحققین (صاحب الحاشیة المکاسب) (ره) على ما حکی عنه[565].
الثّالث: الکشف الحقیقی بمعنی: کون نفس الإجازة المتأخرة شرطاً، فیكون الشرط وجودها فیالمستقبل. وهذا ظاهرالمشهور واختاره فیالجواهر صریحاً[566].
والإمام الخوئی(ره) ذكر هذا الوجه ثم أجاب عنه وهذا نصّ تقریراته: وهذا المعنى، أى تأثیر الأمر المتأخر فیالأمر المتقدم یتصّور على نحوین:
فإنّ ما یكون دخیلاً فیالأمر المتقّدم وشرطاً فیتحقّقه: تارةً یكون من أجزائه واُخرى من شرائطه.
أمّا الأوّل: فكالمركّبات الاعتباریة، كالصلاة مثلاً: بأنّ یكون الجزء المتأخر دخیلاً فی صحّة الجزء المتقّدم؛ بحیث أن المتقّدم تحقّق صحیحاً وتامّ العیار وكان المؤثّر فی ذلك هو الجزء المتأخر؛ مع انّه لم یتحقّق، فإنّ كل جزءٍ من الأجزاء اللاحقة فیالصلاة دخیلاً فی صحّتها.
وأمّا الثانی: فکكون الأمر المتأخر من شرائط الأمر المتقدم لا من أجزائه ومقوّماته. وهذا، كدخالة أغسال المستحاضة فیصحّة صومها، فإنّ صّحة صوم الجزء المتقدم من طلوع الفجر مشروط بغسلها بعد الفجر، بناءً على كونه بعد الفجر-كما هو الحق-. وصحّة الصوم قبل الظهر مشروط بغسلها بعد الظهر. وصحّة صوم الیوم مشروط بغسلها بعد المغرب عند بعض. وإن کان نادراً بخلاف الأوّلین، فإنّ فی جمیع ذلك قد أثّر الأمر المتأخر فی صحّة المشروط المتقدم، إلّا أنّ الکشف بهذا المعنى غیر معقول فیكلا القسمین، فإنّه كیف یعقل تحقّق المشروط على ما هو علیه من دون تطرّق نقص علیه مع عدم تحقّق شرطه إلّا بعد مدةٍ، ولیس هذا إلّا التناقضالواضح، فإنّ معنی تحقق المشروط على ما هو علیه من التمامیة والصحّة، عدم دخالة شیء فیه من الأمور المتقدمة والمتأخرة. ومعنی دخالته، عدم تمامیة المشروط وتحقّقه على وجهه بتمامه وكماله، وهل هذا إلّا التّناقض الواضح؟
ومن هنا قال بعض الأكابر: إنّ الإلتزام بدخالة الأمر المتأخر فیالأمر المتقّدم لیس إلّا الإلتزام بعدم إستحالة التناقض فیالشرعیات.
وأمّا الأمثلة المذكورة، فشیء منها لا یكون دلیلاً على صحّة ما توهم وسیأتی الوجه فی صحتّها وعدم ارتباطها لهذ الوجه[567].
الرابع: ذلک (کون نفس الإجازة المتأخرةِ شرطاً) مع ادعاء أنّ الشرط هو الوجود الدهرى للإجازة، وإنّه وإن کان بحسب الزمان متأخراً إلّا أنّه بحسب وعائه الدّهری مقارن، ویمكن إرجاعه إلیالسّابق. وذكر المحقق النائینی(ره) هذا الوجه حسب ما ذكر مقرره المحقق الشیخ محمد تقی الآملی(ره): «أنّ أهل المعقول قالوا: بأنّ المتغیرات فی وعاء الزّمان ثابتات فی عالم الدّهر، ومرادهم من هذه العبارة، إنّ لكل مهیة نحوین من الوجود وجود تفصیلیٌّ یختص بها الذی به موجودیة المهیة فی عالم الزمان بنحو البسط والنشر، وهو یتكثر بتكثر المهیات ووجود واحد جمعی فی عین وحدته وجود كل المهیات، فتكون الكل موجودة به على نحو الجمع واللف، وهو المعبّر بعالم الدهر، فالامر المتأخر وإن کان متأخراً بالوجود التفصیلی الزمانی، لكنه مقارن مع المتقدم بحسب وجوده الجمعى الدهری، فهو شرط بهذا الوجود، فلا تأخر للشرط»[568].
وفیالختام قد إنتج: بأنّ مقتضى القاعدة الأوّلیة فی باب الإجازة وفی باب دخل كلّ أمر غیر موجود فیالحال، هو النقل، والحكم بتحقّق الأثر عند تحقّق جمیع ماله الدخل فیتحققه ممّا فرض دخله، فإن لم یقم دلیل على خلافه، فلا محیص عن إلتزامه.
وإن قام الدلیل على تقدم الأثر على بعض ماله الدّخل فیتحققه، مثل ما ورد فیالمقام ممّا یدل على تقّدم حصول الملكیة على تحقّق الإجازة وساعَدَ على شرطیته الدّلیل والعقل والإعتبار، فیتعین الإلتزام به، كما فیالواجبات الإرتباطیة، مثل: الصّوم والصّلاة ونحوهما، حیث أوضحنا فیالأصول: كون الوجوب والواجب والامتثال فیها جمیعاً تدریجیة، فراجع ما فیالواجب المشروط.
وإن لم یساعد الدلیل والعقل والاعتبار على شرطیة الأمر الانتزاعی، بل قام الدلیل والعقل والإعتبار على شرطیة الأمر المتأخر بوجوده العینی الخارجی، فلابدّ منالالتزام بالکشف الحكمی والمقام من هذا القبیل؛ حیث إنّ مایدل على إعتبار الرضا والإجازة فیالعقد، یدل على إعتبارهما بالوجود الخارجی، بحیث لو فرض عدم تعقّب العقد بالإجازة مع تحقّق الإجازة نفسها، لكان نّفس وجود الإجازة فیالخارج كافیاً فیصحّة العقد.
وإن کان الإمام الخوئی(ره) قائلاً: بإمكان جعل الأمر الانتزاعی، وأنّ وعاء الوجودات الإعتباریة لیس إلّا عالم الإعتبار، فتوجد بمجرد الإعتبار لكونها خفیف المؤنة من غیر إحتیاج إلی مبادىالوجودالخارجیة، كما سیأتی مختاره فی هذا المقام.
وکان مراد النائینی(ره) منالکشفالحكمی ما أفاده الشیخ محمد باقر الإصفهانی(ره) وحاصله: «إنّ كل أمر متقّدم یكون كالمادة الهیولائیة بالنسبة إلی أمر متأخّر عنه، وكان المتأخّر، كالصورة فی إفادة فعلیة ذاك الأمر یكون بوجوده منشاء التحقق الفعلیة فی ذاك المتقّدم، فلا یمكن ترتیب الأثر على المتقّدم قبل وجود المتأخر، لعدم تحقق فعلیته قبله، لكن إذا تحقق المتأخر یصیر المتقّدم فعلیاً ویخرج عمّا هو علیه منالقوة إلیالفعل، ویلزم ترتّب الأثر علیه من حینه، لكن عند وجود المتأخر، وذلک، کالرّكوع، فإن الوصول إلی حدّ یتمكّن من وضعالیدین على الركبتین شرط فی صدق الرّكوع على أول إنحنائه عن القیام إلی أن یصل إلی ذاك الحدّ فهذا الانحناء الخاص قابل لأنّ یتصور بصورة الركوع، ویكون رکوعیته منوطاً بالوصول إلیالحدالمخصوص وإذا وصل یصیر الانحناء بتمامه رکوعاً[569].
الخامس: الکشف الحكمی بمعنیکون الإجازة شرطاً ومؤثرةً من حین وجودها إلّا أنّ تأثیرها إنّما هو فیالسابق بمعنى أنها تقلب العقد مؤثراً من الأوّل[570].
وفی الخاتمة قد إنتج جمع من المحقّقین ما أختاره الشیخ الأعظم(ره) فی هذا المقام من أنّ الأنسب بالقواعد والعمومات[571]، هو النقل[572]. وأمّا الأخبار، فالظاهر من صحیحة محمد بن قیس وغیرها[573]: الکشفالحقیقی ولكن الشیخ الأعظم(ره) قائل بالکشفالحكمی[574].
وعرّف سماحة آیة الله المكارم الشیرازی(مدظله العالی): الکشف الحقیقی والحكمی والانقلابی ما هذا لفظه:
الکشف الحقیقی: كون النقل والانتقال حاصل من زمن العقد وإن خفى علینا وبعد الإجازة نعلم ذلک من دون أن یحصل أی تغییرٍ فیالبیع بعد حدوث الإجازة.
الکشف الحكمی: بمعنی إجراء أحکام الکشف علیه بمقدار الامكان، فالملک لم ینتقل من المالك إلی المشتری إلّا من حین الإجازة، كما فی صورة النقل. ولكن إذا اجاز، رتّب علیه آثار الملكیة من أول الأمر بمقدار ما یمكن.
الکشف الانقلابی: تأثیر الإجازة بعد وجودها فیالعقد الواقع على صفة عدم التأثیر فیالماضی وجعله مؤثراً من زمن وجوده فتؤثّر فی الماضی فینقلب عمّا كان علیه.[575]
والإمام الخوئی(ره) قسّم الکشف الحقیقی إلی أقسام:
منها: ما اشار إلیه المحقق والشهید الثانی(ره)– على ما حكى عنهما- «من ان الاجازة متعلقة بالعقد فهو رضی بمضمونه ولیس إلّا نقل العوضین من حینه»[576].
ومحصلّ ذلک: أنّ الرضا من الأوصاف التعلیقیة والصّفات النفسانیة ذات الاضافة لها تحقّق وتكون فی صقع النفس ولها بحسب نفسها فی ذلك العالم ماهیة ووجود، وتوجد بخالقیة النفس. ومع ذلك، لابدّ أن تضاف إلی شیء ویتعلّق به حتىّ یكون ذلک الشیء متعلّقه نظیر العلم.
وفی الختام: اختار من أقسام الکشف الحقیقی هذا الوجه وأجاب عن إیرادات أوردوا علیه وقال: إنّ الاعتبار تارة یتعلّق بالأمر الحالی، فیعتبر ملكیة داره، مثلاً لشخص فیالحال الحاضر، كما إذا باع داره من زید بالفعل من غیر ترقّب وتأخّر، لأنّ الاعتبار والمعتبر، کلاهما فعلیّ وأخرى یتعلّق بامر استقبالی، کاعتبار الملكیة لشخص بعد مدّة، كما فی باب الوصیة حیث یعتبر الموصی ملكیة الموصى به للموصى له بعد موته ووفاته. فالإعتبار حالی والمعتبَر استقبالی. وثالثة: یتعلّق بالأمر الماضی بأنّ یعتبر ملكیة ما له لزید من الأمس، فلو لم تكن الارتكازات العرفیة على خلافه، لحكمنا بجواز ذلك البیع أیضاً وکان المال ملک المشتری من الأمس، فإنّه لیس فی ذلک محذور عقلیّ أو شرعیّ بوجه.
وبالجملة: بعد القول بتحقّق الإعتبار قبل الإجازة، فمقتضى العمومات الحكم بالصحّة، وكونه بیعاً صحیحاً للمالک، لانضمامه إلیه بالإجازة لا أنّ الإجازة كشفت عن أنّ الملكیة كانت حاصلة من الأوّل، بل الإجازة أوجبت حصول الملكیة فعلاً أذن فیترتب علیه آثار الملكیة من الأوّل. وعلى هذا، فلا نكون مضطرّاً للمیل إلی ماذهب إلیه المصنف (الشیخ الاعظم(ره) من الالتزام بالکشف الحكمی[577].
ثمرة القول بالکشف أو النقل
إنهم ذكروا للثمرة بین الکشف والنقل وجوهاً:
منها: النّماء: فإنّه على الکشف بقول مطلق لمن انتقل إلیه العین وعلى النقل لمن انتقلت عنه[578].
ومنها: وطىالمشتری الأمة، التی إشتراها فضولاً قبل اجازة المالک، فإنّه علىالکشف الحقیقی حلال واقعاً لكشف الاجازة عن وقوعه فی ملك الواطئ. وعلىالکشف الحكمی أو النقل، حرام واقعاً[579]. وذلك، لوقوع الملک بالإجازة، فلا یكون الوطی فی ملك الواطی، فإنّ الإجازة الحاصلة بعد الوطى الواقع عن حرام لاتوجب انقلاب الحكم عن واقعه وجعل ما وقع حرام حلا” والشیء لاینقلب عمّا هو علیه.
ومنها: استیلاد الامة الموطوئة قبل الاجازة، فإنّها تصیر أم الولد على الکشف الحقیقی، والحكمی معاً دون النقل؛ أمّا على الکشف الحقیقى فظاهر، أمّا على الحكمی، فلان النقل وإن وقع من حین الإجازة، لكن مقتضى ترتیب الآثار من حین العقد هو الحكم بوقوع الوطئ بمعنی ترتیب أثره الذی فی المقام عبارة عن الحكم بصیرورة الامة أم ولد، وأمّا على النقل فعدم صیرورتها أم الولد ظاهر ایضاً. وإن احتمل الشّیخ الاعظم(ره) عدم تحقّق استیلاد على الکشف الحكمی ایضاً[580].
ومنها: أنّ فسخ الأصیل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنّقل دون الکشف، بمعنى أنّه لو جعلناها ناقلة، كان فسخ الأصیل، کفسخ الموجب قبل قبول القابل فیكونه ملغیاً، لإنشائه السابق، بخلاف ما لوجعلت كاشفة، فإنّ العقد تام من طرف الأصیل، غایة الأمر تسلّط الآخر على فسخه، وإن قیل بعدم جواز فسخه مطلقاً حتى على القول بالنقل.
ومنها: جواز التصرّف الأصیل فیما انتقل عنه، بناءً على النقل وإن قلنا بأنّ فسخه غیر مبطل لإنشائه. وأمّا على القول بالکشف، فلا یجوز التصرف فیه على ما یستفاد من كلمات جماعة، كالعلامة والسید العمیدی المحقق الثانی وظاهر غیرهم[581]، لكونه تصرّفاً فی مال الغیر بدون إذنه، فهو حرام عقلاً وشرعاً.
ومنها: لو مات أحد طرفی العقد من البائع أو المشتری؛ سواءكان العقد من قبل كلیهما فضولیاً أو من قبل أحدهما، فنفرض الكلام فیما لوکان فضولیاً من جانب واحد، فمات الاصیل قبل اجازة الآخر، فیبطل العقد بناءً على النّقل، فإنّه حین تحقق الملكیة غیر موجود والفرض أنّ العقد لم ینعقد قبل الإجازة فیبطل.
وأمّا على القول بالکشف، فإنّه یحكم بصحّته، فإنّ الملكیة قد تحقّقت على الفرض لم یبق فی البین إلّا اجازة المجیز، فهی قد حصلت فیحكم بصحّته.
وقد أورد علیه صاحب الجواهر(ره) من أنّ صحّة العقد الفضولی متوقّفة على بقاء مالكی العقد ومن یستند العقد إلیه ویكون العقد عقده باقیاً على قابلیة ذلک المعنى وبالموت یخرجان عن ذلك القابلیة ولا یمكن استناد العقد إلیه، فلا وجه للصحّة حتى على القول بالکشف[582].
وقال الإمام الخوئی(ره) والذی ینبغی أن یقال: إنه لوکان النظر إلی الأدلّة الخاصّة للمعاملة الفضولیة، كروایة عروة البارقی[583]. وصحیحة محمد بن قیس[584]، فلاشبهة لظهورها فیكون المالك المجیز أو الطرف الآخر حیاً، فلا اقل من أخذ المتیقّن منها، فإنّه لیس لها إطلاق یؤخذ به إذن، فالحق مع صاحب الجواهر، وإن کان النّظر إلی الأدلة العامة أعنى العمومات والإطلاقات الدّالة على صحة المعاملة، كقوله تعالی: ﴿أوفوا بِالعُقودِ﴾[585]، و﴿وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ﴾[586]. وغیر هما، فلاشبهة فی صحّة المعاملة مع موت الاصیل أو المجیز مطلقاً على القول بالکشف وعلى القول بالنقل. وذلک، أمّا على القول بالکشف، فواضح؛ لأنّ العقد قد تمّ من جمیع الجهات إلّا من ناحیة إجازة من كان العقد من قبله فضولیاً، فإذا حصلت الإجازة، فلا معنى للحكم بالبطلان، لصحّة العقد من جمیع الجهات.
وأمّا على النقل، فالعقد قد وقع من المتعاقدین، ویبقى إلی زمان الاجازة معلّقاً فیالهواء حتى یجیزه المجیز، فإذا أجاز، یستند إلیه العقد وموت الاصیل أو غیره من أحد طرفی العقد، لایضرّ بالعقد الواقع، فإنّ الشیء لاینقلب عمّا هو علیه، إذن، فتشمله العمومات والمطلقات. نعم، لو کان المیت هو الإصیل لصار العقد من قبل ورّاثه ایضاً فضولیاً، فیتوقّف صحّته على أجازتهم ایضاً، كتوقّفها على اجازة المجیز الآخر.
وبالجملة: لا نعرف وجهاً صحیحاً لدفع العمومات أو المطلقات عن شمولها لهذه المعاملة.[587]
ومنها : إذا كان المبیع فی البیع الفضولی مسلماً أو مصحفاً، ثم ارتد أحدهما، أی الاصیل أو الفضولی، فتظهر الثمرة حینئذ بین القول بالکشف وبین القول بالنقل، فإنّه على الأوّل: فیحكم بكون الكافر مالكاً لهما، فان الفرض أن الملكیة قد حصلت من زمان العقد، فحین الإرتداد كان مالكاً لهما.
وأمّا على الثانی: فلا، لأنّه كان مراعی إلی زمان الإجازة. وبالإجازة كانت الملكیة حاصلة والفرض إنّ المشتری الأصیل مثلاً ارتدّ وسقط عن قابلیة تملّک المسلم والقرآن، فیحكم ببطلان المعاملة.[588]
ومنها: ما لوإنسلخت قابلیة المنقول بتلف، أو عروض نجاسة له مع میعانه إلی غیر ذلک. هذا إذا كان التلف بعد القبض، وأمّا قبله فیحكم ببطلان العقد مطلقاً.
فإذا كان المبیع قبل البیع تحت یدالمشتری بالایجار ونحوه، وتلف بعد البیع، أو کان أمواله تحت ید الوكیل فی غیر جهة البیع، فباعها شخص آخر من الوكیل فضولة ثم تلف المبیع قبل الإجازة، فإنّه حینئذٍ لا شبهة فی ظهور الثّمرة بین القولین: فإنّه على القول بالکشف یكون التلف من الذی انتقل إلیه المال، فبالإجازة یكشف تلفه منه.
وأمّا على القول بالنّقل فیحكم بالبطلان، فإنّه فی زمان العقد لم یحصل النّقل على الفرض، وفی زمان الإجازة، قد انعدم المال، فلا یكون المعدوم قابلاً للانتقال إلی المنقول إلیه بالإجازة. وهذه الثمرات الثلاث التی ذكرنا أخیراً، ما ذكرها الشیخ الكبیر الشیخ جعفر کاشف الغطاء(ره) فی شرح القواعد(مخطوط) ونقلها عنه الشیخ الاعظم(ره) فی المكاسب[589]. وذكر فی المقام ثمرات اُخری لم نذكر هنا للاختصار.
الفرق بین الکشف الحقیقی والحكمی
لقد ذكر الفرق بینهما من وجوه:
الأوّل: وطى المشتری الأمة التی اشتراها فضولاً قبل الإجازة، فإنّه على الکشف الحقیقی حلال واقعاً لكشف الإجازة عن وقوعه فیملك الواطئ، وعلى الکشف الحكمی حرام واقعاً، وذلك، لوقوع الملک بالإجازة، فلا یكون الوطئ فیملک الواطی[590].
الثّانی: إذا أخرج المالك ما وقع علیه الفضولى عن ملکه، ثم أجاز، تكون الإجازة مؤثّرة بناءً على الکشف الحقیقی دون الحكمی. أمّا فی الکشف الحقیقی، فلكشف الإجازة عن خروج الملک عن المجیز إلی الآخر من حین عقد الفضولی، فوقع ما أوقعه علیه من العقد فی ملک الآخر. وأمّا على الکشف الحكمی، فلكون الانتقال من زمان الإجازة ولوکان الأثر مترتباً من حین العقد[591].
واجاب المحقق النائینی(ره) عن الثمرة الأوّلى بما یرجع محصله إلی أنّ: الجواز وعدمه دائر مدار العلم بإجازة المالک فیما بعد وعدمه، فالعلم بإجازة المالک فیما بعد، یستلزم العلم بجواز التصرّف الذی هو مسبّب عن الإجازة فیما قبلها؛ سواءً قلنا بالکشف الحقیقی أو الحكمی[592].
وقال الإمام الخوئی(ره) فی هذا المقام ما أفاد أستاذه النائینی(ره) والتحقیق أن یقال: إنّه بناءً على الکشف الحقیقی على جمیع أقسامها غیر ما ذكرنا، یجوز التصرّف فی المبیع والثّمن إذا علم أنّ المجیز یجیز العقد، لتحقّق شرطه واقعاً، فلا یجری هنا أصالة عدم الإجازة، فیحكم بالجواز ظاهراً وواقعاً. ومع تولید الأمة فتكون اُمّ ولد ومع عدم العلم بالإجازة، فیحرم التصرّف فیالظاهر، ویجوز فیالواقع، ویكون حلالاً على تقدیر أن یجیز المالک وإلّا فیحرم فی الظاهر والواقع. وأمّا على ما ذكرنا من الکشف الحقیقی، فلا یجوز التصرّف فیالظاهر والواقع حتّى مع العلم بالإجازة، فإن الفرض أنّ الملكیة تحصل بالإجازة، فلا معنى لجواز التصرّف قبله فی مال الغیر، بل یكون حراماً ومع وطى الأمة، فیكون زناً فیحدّ ولا تكون الأمة اُمّ ولد ولو مع تحقّق الإجازة، فإنّها لایوجب انقلاب ما وقع حراماً من واقعه والشیء لاینقلب عمّا هو علیه.
وأجاب عن الثمرة الثانیة أن الإجازة تنفذ ممن ینفذ إنشائه لو صدر منه الإنشاء بدل الإجازة، والذی انتقل عنه المال بالعقد السابق، لا ینفذ إنشائه اللاحق المخالف لعقده السابق، فلا تنفذ إجازته ضرورة عدم صحّة نفوذ الإجازة الصادرة عن كل أحد بالنسبة إلی كل عقد، ولو لم یكن بین المجیز وبین ما تعلّق به العقد ربط وعلقة أصلاً.[593].
وذكر السید محقق الكلانتر(ره) فی شرحه على المكاسب ما هذا لفظه: لا یخفى أنّه كیف یعقل الفرق بین الکشف الحقیقی والحكمی إذا قلنا فیالحكمی بترتّب جمیع آثار الملک علیه من زمان العقد؛ سواءً قلنا: أنّ الشّرط هو الإجازة بنفسها أم الوصف المنتزع. وعنوان تعقب العقد بالإجازة[594]. وعلى هذا، فلا یترتّب الثمرة بین كشف الحقیقی والحكمی.
الفرق بینالمعاطات والودیعة والعاریة والاجارة والبیع
الإعطاء لمّا كان من الأفعال الإختیاریة الصادرة بالإرادة والإختیار، لم یكن یخلو عن قصد لا محالة نظیر غیره من سائر الأفعال الصادرة بالإرادة والإختیار، وحینئذٍ، فإن کان قصده بإعطاء المال بقائه عند الشخص من دون أن یجوز له التصرّف فیه ولا یخرج عن ملكه، فهذا یكون ودیعة لا محالة، وإن کان قصده بالإعطاء تحلیلالانتفاع به مع بقائه فی ملك نفسه، فهو عاریة.
وأمّا إذا قصده به تملیک منافع المال للأخذ مع بقاء عینه فیملكه، فهو إجارة، كما أنّه إذا كان قصده تملیک عین المال للأخذ، فإن کان بلا عوضٍ، فهو هبة. وأمّا إذا كان مع العوض فهو لا محالة بیع[595]. فتأمل.
ثمّ، إنّ المعاطاة وإن کانت جاریة فی جمیع هذهالصّور إلّا أنّ محل الكلام هو الصورة الأخیرة أعنی: ما إذا كان قصده بالإعطاء تملیک ما له بالعوض.
حقیقة المعاطات والأقوال فیها
إنّ المعاطات حسب ما ذكرها الشیخ(ره) فیالنهایة والعلامة(ره) فی التّذكرة والشّهید(ره) فیشرح اللمّعة وغیرهم، عبارة عن: أن یعطی كل من إثنین عوضاً عمّا یأخذه من الآخر[596].
وقال المحقّق الخراسانی(ره): إنّ المعاطات، ما جعل موضوعاً لحكم فی آیة أو روایة، ولا فی معقد إجماع، وإنما عبّر عمّا یتداول بین الناس، من المعاملة بلاصیغة[597].
وذكر المحقّق الإیروانی(ره) فی حاشیته على المكاسب: إنّ المعاطاة كلّ معاملة لم تكن بالصیغة المشتملة على شرائط الإیجاب والقبول، حصلت تلك المعاملة بالتعاطی للعوضین أو حصلت بإنشاء المعاملة بالألفاظ الفاقدة للشرائط[598].
إنّ جملة الأقوال فی باب المعاطات(قد إنهاها) حسب ما ذکرها الشیخ(ره) فی المكاسب، وصل إلی ستّة، والإمام الخوئی(ره) فی مصباح الفقاهة إلی سبعة، والمحقق النائینی(ره) إلی خمسة. ونذكر هنا ما ذكره المحقق النائینی(ره):
الأوّل: القول بعدم إفادتها شیئاً أصلاً، لا الملک ولا الإباحة، ویكون حالها کالمقبوض بالعقد الفاسد فی عدم إفادته لشیء. فلو حصلت إباحة من غیر ناحیة العقد الفاسد، صحّ للقابض أن یتصرّف فی ما قبضه وإلّا فلا إباحة من ناحیة العقد الفاسد. نسب هذا الرأی إلی العلّامة(ره) فی نهایته. ولكن حکی رجوعه عن ذلك فی كتبه المتأخرة، لأنّه خلاف للإجماع.
و فی مقابل هذا القول هو: القول بكونها مفیدة لشیء فی الجملة وینحلّ إلی أربعة أقسام.
الثّانی: إفادتها الملک اللّازم وهو منقول عن المفید(ره) وعن بعض العامة، کأبی حنیفة فی المحقّرات. وقد نفی هذه النسبة إلی المفید(ره) فی تعلیقة مصباح الفقاهة[599].
الثّالث: إفادتها الملک الجائز (إنّما تصیر لازمة بذهاب إحدى العینین، وهو المختار عند المحقّق الثانی ومن تبعه.
الرّابع: إفادتها لإباحة جمیع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملک، کالوطئ ونحوه (مع بقاء كل من العینین على ملک صاحبه، ویحصل الملک اللازم بتلف إحدى العینین، أو بما هو بمنزلة التلف.
الخامس: إفادتها لإباحة جمیع التصرّفات إلّا ما یتوقف على الملک (کالوطئ والعتق والبیع). وهذا هو المحکی عن حواشی الشهید(ره) على القواعد[600].
و لقد أختار الشیخ الأعظم(ره) من هذه الوجوه الخمسة. الوجه الثانی: وهو المنسوب إلی المفید(ره)، كما صرّح فیالمكاسب: فالقول الثانی لا یخلو عن قوة (وهو قول المحقق الثانی(ره) القائل بالملكیة فی مقابل من انكرها) وصرّح بلزوم الملكیة بقوله: وعلیه فهل هی لازمة ابتداء مطلقا، كما حكى عن ظاهر المفید(ره) أو بشرط کون الدّال على التراضى لفظاً، كما حكى عن بعض المعاصری الشهید الثانی(ره) (كالمحقّق الأردبیلی(ره) فی شرح الأرشاد والمحدث القاسانی(ره) فیالمفاتیح، والفاضل السبزواری(ره) فیالكفایة) وقوّاه جماعة من متأخرى المحدّثین[601] أو هی غیر لازمة مطلقا، فیجوز لكل منهما الرجوع فی ماله، كما علیه أكثر القائلین بالملك، بلكلهم عدا من عرفت؟ وجوه: أوفقها بالقواعد هو الأوّل (أی اللّزوم کمانسب إلی المفید(ره) بناءً على إصالة اللّزوم فیالملک، للشك فی زواله بمجرد رجوع مالكه الأصلی.
و استدلّ ایضاً على لزوم المعاطاة بقوله تعالی: ﴿أوفُوا بِالْعُقُودِ﴾[602]، فإنّها تدّل على لزوم كل عقد، والمعاطاة عقد عرفی عنده[603].
والإمام الخوئی(ره) أید كلام الشیخ﴾ فیالمقام. وهذا نصّ عبارة مقرره: والمراد من الأمر بالوفاء بالعقد هو الأرشاد إلی لزومه وعدم إنفساخه بالفسخ، إذ لوكان الأمر بالوفاء تكلیفیة لكان فسخ العقد حراماً وهو واضح البطلان، وعلیه فمفاد الآیة: إنّه یجب الوفاء بكل ما صدق علیه عنوان العقد عرفاً، ومنالواضح جدّاً أنّ المعاطاة عقد عرفی، کسائر العقود، فتكون مشمولة لعموم الآیة[604].
وأمّا دعوى الإجماع على عدم لزوم المعاطاة فغیر تامّ، أمّا الإجماع المحصّل فهو غیر حاصل جزماً وأمّا المنقول منه، فلا دلیل على حجیته، كما ذكر فی الأصول[605].
وصرّح الإمام الخمینی(ره): الأقوى وقوع البیع بالمعاطاة فیالحقیر والخطیر، ویعتبر فیالمعاطاة جمیع ما یعتبر فیالبیع بالصیغة من الشّروط الآتیة ما عد اللفظ[606].
المراد من المثل والقیمة
لاریب أنّ لفظىالمثلى والقیمی لم یردا فی آیة ولا روایة ولا فی معقد إجماع حتى یتكلّم فی بیان المراد منهما، بل هما عنوانان منتزعان من حكم العرف الممضى شرعاً بواسطة إحالة كیفیة الضمان إلیهم بوجوب اداء المثلى فی بعض المضمونات وأداء القیمة فیالبعض الآخر. نظیر الرّكن بالنّسبة إلی الصّلاة، فإنّه لیس بلفظ شرعی ورد فی لسان دلیل. وإنّما هو عنوان إنتزعه الفقهاء من حكم الشّارع فی بعض الأجزاء والشرائط ببطلان الصّلاة بنقصانها أو زیادتها عمداً وسهواً، فالمراد من المثلى ما یجب فیه المثل على الضّامن ولا یبرئ ذمته إلّا بإعطاء المثل وكذا القیمی[607].
وذكر المحقق النّائینی(ره): بأنّ مناط الحكم فی وجوب ردّ المثل فیالمثلی والقیمة فی القیمی على ما یستفاد من قاعدة (على الید)، فلا جرم یكون الأوّلى، الإضراب عمّا قیل فی تحدیدهما، والنظر إلی ما یستفاد من القاعدة فی تشخیص المثلى والقیمی، وتعیین أنّ مقتضى علىالید هو وجوب ردّ المثل فی أی موضع وردّ القیمة فی أىّ موضع[608].
كما أنّ المراد من الركن ما یبطل الصلاة بترکه عمداً أو سهواً، فالمثلیة والقیمیة مثل الركنیة متأخرة عن الحكم بوجوب المثل أو القیمة ناشئة من الحكم المذكور، فلا یعقل جعلهما موضوعاً له، فلابدّ أن یكون موضوع كل من الحكمین جملة من الأموال المضمونة ولمّا كان كلّ من الموضوعین غیر متمیز عن الآخر جعلوا لكل منهما ضابطاً یمیزه عن الآخر، وعرّفوه بتعاریف ذكرها الشیخ الاعظم(ره) فیالمكاسب والظاهر أنّ الاختلاف فی تعریفهما، لیس لأجل الخلاف فی حقیقتهما وماهیتهما، ضرورة أنّ مثل هذه التعریفات، لیس بحدّ، ولارسم، بل من باب شرح الاسم، كما هو الشأن فی التفسیرات اللغویة ولعله أشار الكل إلیالمعنى الواحد والمفهوم الفارد، فلا مجال للنّقض والإبرام فیها طرداً وعکساً ومع ذلك هذه التّعاریف الّتی ذكرها الفقهاء(رضوان الله علیهم) لاتخلو عن الفائدة، ونذكر ما هوالإهم منها:
الأوّل: ما ذكره الشیخ وابن زهرة وابن ادریس والمحقق وتلمذه والعلّامة وغیرهم(قدس الله ارواحهم)[609]، بل المشهور على ماحکی: «المثلی ما تسأوت أجزاؤه من حیث القیمة»، المراد من الأجزاء فی قولهم: هو الأفراد لا الجزء من الكل، لأنّ الفرد هو الذی یصدق علیه اسم الحقیقة، دون الجزء من الكل كما توهمه المحقّق الخراسانی(ره) فی حاشیته على المكاسب وهذا لفظه: وكیف كان، فتعریف المشهور: بأنّه ممّا یتساوی أجزائه بحسب القیمة، لایعمّ كثیراً من المثلیات، مثل المسكوكات وسائر المصنوعات المشتبهات، کالساعات والظروف، والآلات الفرنجیة، حیث إنّ كلّ واحد منها یكون مثلیاً، ولیس ممّا یتسأوی أجزائه بحسب القیمة[610]. ومن المعلوم أنّ أفرادها ومصادیقها لیست مختلفةً من حیث القیمة.
الثانی: فعن العلّامة فیالتحریر: «المثلی ما تماثلت اجزاؤه، وتقاربت صفاته».[611].
الثالث: فعن الشهید الأوّل والثانی(ره) فی الدروس والروضة: «المثلى المتسأوی الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات» كالحنطة، والشعیر وغیرهما من الحبوب.[612]
الرابع: فعن الشّهید الأوّل(ره) فی غایة المراد: «المثلى ما تسأوت أجزائه فی الحقیقة النوعیة»؛ بأنّ تكون افراده داخلةً تحت نوع واحد وحقیقة واحدة، كالحنطة مثلاً: فإنّ جمیع أفرادها داخلة تحت نوع واحد وحقیقة واحدة[613].
الخامس: عن بعض العامّه: «المثلی ماقدر بالكیل أو الوزن»[614].
السادس: ماذكره المحقق السّید محمد کاظم الطباطبائی الیزدی(ره) فی حاشیته على المكاسب: «المثلی ما له مماثل فی الأوصاف والخصوصیات التی لا تختلف بها الرّغبات وتتفاوت بها القیم قلةً وكثرةً»، فكلّ ما كان كذالک غالباً، فهو مثلیّ وكل ما كان لم یكن كذلك فهو قیمیّ[615].
السابع: ما ذكره المحقق الخراسانی(ره) فی حاشیته على المكاسب: «الأوّلى تعریفه بما كثر افراده التی لا تفاوت فیها بحسب الصفات المختفلة، بحسب الرّغبات[616].
الثامن: فعن الحاج میرفتاح الشّهیدى التبریزی(ره): إنّ المثلی: هو الکلّی الذی یكون المدار فی مالیة أفراده الخارجیة على هذا» وذلک، کالحنطة مثلاً؛ لأنّ مالیة جمیع أفرادها إمّا هی بلحاظ الجهات الکلّیة الجنسیة أو النّوعیة أو الصّنفیة بمراتبها المتنازلة بحیث لا دخل فی ذلک للخصوصیات الشّخصیة الفردیة أصلاً والقیمی بعكس ذلك هذا هو الضابط المحكم المستحکم.[617]
التّاسع: ما ذكره المحقّق النائینی(ره): یعتبر فیالمثلی اجتماع أمور:
الأوّل: أن یكون أفراد نوع واحد أو صنف واحد متحدة الصّفات بحسب الخلقة الالهیة، كالحبّات من الحنطة ونحوها من الحبوبات وكذا إذا كانت كذالك بسبب صنع المخلوقین، كالمطبوعات والمصنوع فیالمكاین (کارخانه جات) ومنه الدّراهم والدنانیر المسكوكة على إشکال.
الثانی: أن یكون تلك الصّفات المتحدة نوعاً أو صنفاً ممّا لها قیمة.
الثالث: أن تكون لتلك الصّفات بقاء بحسب الزّمان على حسب بقاء العین فمثل الخضروات التی تتبدل صفاتها فی كل زمان مع عدم بقائها لا تكون من المثلیات.
الرابع: أن تكون الأفراد المتساویة مع الفرد التالف فی الصّفات شایعاً یمكن ردها إلی المالک بحسب العادة لا ما إذا كانت نادرةً یعزّ وجودها، فلوکان كذلک خرج عن المثلی وبعد اجتماع الأمور الأربعة فی شیء یكون مثلیاً، وبانتفائها أوانتفاء شیءٍ منها یكون من القیمی. وهذا، هو حق القول فی باب المائز بین المثلی والقیمی سواءً طابق مع ما قیل فی تحدید هما أم لا؟ إذ لیست العبرة بما قیل بعد اتّضاح المعنى.[618]
مقتضىالقاعدة فی صورة الشك بین کون الشیء، مثلیاً أو قیمیاً
إذا علم بكون الشّیء مثلیاً أو قیمیاً فهو، وإن شکّ فیه، فهل الأصل یقتضی أن یعامل معه معاملة المثلى أو القیمی؟
فهل الشّك فی المثلیة والقیمة من قبیل الشّك فی الأقل والأكثر؟ أو إنّه من قبیل المتباینین؟ ثمّ على الأوّل، فهل یكون الشّك بین الأقل والأكثر فی ناحیة الإشتغال، أو یكون فی ناحیة الأداء والفراغ؟ فلمرجع على تقدیر الأوّل هو البرائة وعلى تقدیر الثّانی هو الإشتغال، وعلى تقدیر كون الشّكّ فی المتباینین، فهل الحكم هو تخییر الضامن؟ أو تخییر المالک؟ أو یحكم بالتّنصیف، بمعنى الأخذ من نصف المثل ونصف القیمة؟ أو یحكم بالصّلح القهری؟ وجوهٌ:
ذهب الشیخ الأعظم(ره): أولاً إلی تخییر المالک بین أخذ المثل أو القیمة، وهذا نصّ عبارته فیالمكاسب: «والأقوى، تخییر المالک من أول الأمر؛ لأصالة الإشتغال. والتمسّك بأصالة البرائة لا یخلو من منع وعدل عنه بعد أسطر هذا لفظه: ولكن یمكن أن یقال: إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان فیالمغصوبات، والأمانات المفرط فیها وغیر ذلک هو : الضمان بالمثل؛ لأنّه أقرب إلی التالف من حیث المالیة والصفات[619].
وذهب المحقق النائینی(ره) ایضاً إلی المثلیة، كما ذكر مقرره المحقق الآملی(ره) وهذا عبارته: «فتحصّل أنّ المختار هو وجوب ترتیب آثار المثلیة عند الشك فی كون المقبوض مثلیاً أو قیمیاً، لظهور الظرف (على الید ما أخذت حتى تؤدى) فی كونها مستقراً. ولازم كونها مستقراً هو ذلك للاستصحاب، لظهور قوله على الید ما أخذت، فی كون نفس ما أخذت على الید لا خسارته ودرکه، وقبل التّلف یكون على الید أداء المثل لا خسارته ودرکه وبعد التلف نستصحبه[620].
والمحقّق الخراسانی(ره) لقد ابتنی هذه المسألة على أن الضمان، بالقیمة فی القیمیات مجرد إرفاق، بحیث لو تمكّن من مثل العین التالفة، وما یشابهها بحسب الصفات فیها،كان له دفعه، ولا یتعین علیه قیمته، كان الأمر من باب الدوران بین التخییر والتعیین، والأصل عدم الخروج عن العهدة إلّا بالمعین للشّك فی الخروج بدونه، فلا وجه للتخییر.
ولو کان الضمان بها فیها على نحو التعیین، كان الأمر من باب الدّوران بین المتباینین ویتعین فیه الإحتیاط لا التّخییر إلّا أنّ الإحتیاط حیث یحصل هنا بمجرد تسلیمهما (المثل والقیمة) لیختار المضمون له، أیّ واحد شاء لا دفع كلیهما، كما أنّ الإحتیاط له أن لایختار واحداً منهما، إلّا برضاء الضّامن، فالإحتیاط لهما أن یختار أحدهما بتراضیهما[621]. انتهى.
والإمام الخوئی(ره) لقد اختار ما ذهب إلیه المحقّق النائینی(ره) من الضمان بالمثل عند الشك فی ضمان المثل أو القیمة والوجه فی ذلک: هو قیام السیرة القطعیه على أنّ وضع الید على مال الغیر بلا سبب شرعیٍّ موجب للضّمان، وعلیه، فإن کان المال المذبور موجوداً بعینه، فلابدّ من ردّه على مالكه على النّحوالذی أخذه منه، وإذا تعذّر ذلک لتلفٍ ونحوه سقط عنه وجوب ردّ العین، وإنتقل الضمان إلیالمثل[622].
المراد من بدلالحیلولة وحكمه
وتنقیح البحث عنه یتوقف على بیان أقسام التلف، فإنّه یتصوّر على أنحاءٍ، کما اتضح المحقّق النّائینی:
الأوّل: تلف الخصوصیة العینیة تلفاً حقیقیاً أو حكمیاً. والمراد بالتلف الحقیقی معلوم. وبالحكمی ما إذا كان موجوداً، ولكن لا یرجی عوده إلی المالک عادةً، كما إذا ألقى فی البحر أو صار فی خزانة سلطان لا یتیسّر إرجاعه منه، ولا إشکال فی هذا القسم فی جواز المطالبة بالبدل وإنه خارج عن مورد الكلام فی بدل الحیلولة[623].
الثانی: ما إذا زالت أنحاء سلطنة المالک عن العین دائماً؛ بحیث لا یرجى عودها مع بقاء العین، وهذا القسم أیضاً ملحق بالتلف الحكمی، فیرجع فیه إلی البدل[624].
الثالث: ما إذا زال بعض أنحاء السلطنة كذلك دائماً؛ بحیث لا یرجى عودها، کالدّابة الّتی یركب ظهرها إذا صارت موطوئة حیث إنّها یجب بیعها فی خارج المصر وورد النّص على وجوب غرامة الواطئ بثمنه، ثم بیعه فی خارج المصر.
الرابع: ما إذا زالت سلطنة المالک زوالاً یرجى عودها إلیه، كالخشب الذی جعل من أجزاء السفینة فی وسط البحر، بحیث یتوقّف نزعه عنها فی وسط البحر على غرق نفس محترمة، ولو کانت نفس الغاصب، أو مال محترم، لكن من غیر الغاصب، فإنّه یجب إبقائها إلی أن تصل السّفینة إلی مكان یؤمن نزعه عنها عن الغرق، ففی مثل هذه الصورة تكون سلطنة المالک زائلة شرعاً مع رجاء عودها أو کان زوالها بحكم العقل، كما إذا أخرج ماله إلی بلد بعید یتوقف عوده إلی المالك إلی مضىّ زمان یحمل ذاك المال إلیه فی ذاك الزمان (یتضرر المالک بعدم الوصول إلی ماله فی هذه المدة)، وهذا القسم هو مورد بدل الحیلولة لحیلولة الغاصب بین المالک وماله).
وقد وقع الخلاف فی جواز مطالبة المالک حینئذ بالبدل فعن جماعة القول به، وعن آخرین کالمحقّق الثانی(ره) إنكاره حیث یقول: لم یحصل لبدل الحیلولة معنی متّضح[625].
وذهب الإمام الخوئی(ره) أیضاً إلی عدم جواز مطالبة المالک الغاصب ببدل الحیلولة فی مدة انقطاعه عن ماله نعم یجوز للمالک أن یطالب بالمنافع الفائتة، فیكون المأخوذ بازاء تلک المنافع بمنزلة الاُجرة للعین فی مدت غیابها عن المالک، فلا یمكن الإستدلال على ثبوت بدل الحیلولة بالرّوایات والإجماع لعدم دلالة كلیهما بالمدّعی[626].
قاعدة لا ضرر ولا ضرار
هذه إحدى قواعد الفقهیة المشهورة المعروفة بقاعدة لا ضرر. ومدرکها روایات كثیرة مستفیضة فیكتب الفریقین وردت فی موارد عدیدة، منها: ما رواه فی الكافی فی قضیة سمرة بن جندب عن إبن بكیر عن زرارة عن أبی جعفر بعد نقل القضیة أنّه قال للأنصاری: «إِذْهَبْ فَاقْلَعْهَا وَ اِرْمِ بِهَا إِلَیهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ»[627]. وفی بعض الطّرق هكذا قال: «إِنَّكَ رَجُلٌ مُضَارٌّ وَ لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ عَلَى مُؤْمِنٍ»[628].
ومنها ما رواه الفقیه مرسلاً فی باب میراث أهل الملل: «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَام»[629].
ومنها مارواه الکلّینی عن عقبة بن خالد عن أبی عبدالله فی أنّه قضى رسول الله بین أهل المدینة فی مشارب النّخل، إنّه لا یمنع نفع الشیء وقضى بین أهل البادیة أنّه لا یمنع فضل ماء لیمنع فضل کلاء وقال : «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ»[630].
وقد إدّعى فخر الدین فی الإیضاح، فی باب الرّهن، تواتر الأخبار على نفی الضّرر والضّرار فلا حاجة فی سنده مع عمل الأصحاب به[631].
والعمدة فی هذه القاعدة البحث عن فقه الحدیث وشرحه وإیضاحه مع رعایة الإختصار. وأمّا التفصیل ورفع الإشكالات، فلا مجال لذكره هنا. والمتتبّع فلیراجع إلی كتب المفصلة المدوّنة فی القواعد الفقهیة[632].
الضّرر، اسم مصدر من ضرّ یضرّ ضَرّاً، ویقابله المنفعة. وأمّا النّفع، فهو: مصدر لا اسم مصدر، فلا مقابلة بینه وبین الضرر، كما ذكره فی الكفایة[633].
ومادة الضرر تستعمل متعدیاً إذا كانت مجردة. وأمّا إذا كانت من باب الأفعال، فتستعمل متعدیة بالباء، فیقال: اضرّ به ولایقال: اضرّه[634].
وأمّا معنى الضرر فهو: النقص فی المال، كما إذا خسر التاجر فی تجارته، أو فی العرض، كما إذا حدث شیء أوجب هتکه مثلاً، أو فی البدن، كما إذا أكل شیئاً، فصار مریضاً، وبینه وبین المنفعة واسطة، فإذا لم یربح التّاجر فی تجارته ولم یخسر لا یتحقّق فی مورده منفعة ولاضرر. ومن ذلک یظهر إنّه لا وجه لما ذكره فی الكفایة من أنّ التقابل بین الضرر والنفع تقابل العدم والملكة؛ لأنّه فی الموضوع القابل یرجع إلی النّقیضین لا یمكن ارتفاعهما. وفیهما (العدم والملكة) یمكن الإرتفاع حتّى فی الموضوع القابل، فالمبیع الذی بیع برأس المال مثلاً؛ مع أنّ تلك المعاملة قابلة للنفع والضرر یصدق أنّ هذه المعاملة لانفع فیها ولاضرر[635].
والمحقّق الاصفهانی(ره) ذهب إلی أنّ التقابل بین الضرر والنفع تقابل العدم والملكة بالعرض وهذا لفظه:
ظاهر أهل اللغة أنّ تقابل الضرر والنفع تقابل التضاد[636]، وظاهر شیخنا الأستاذ(ره): أنّ تقابلهما تقابل العدم والملكة، ولا یخلو كلاهما عن محذور:
أمّا الأوّل، فواضح؛ اذ لیس الضّرر المفسّر فی النفس أو المال أو العرض أمراً وجودیاً، لیكون مع النفع الذی هو أمر وجودی، متقابلین بتقابل التّضاد.
وأمّا الثانی، فلان النّفع هی الزیادة العائدة إلی من له علاقة بما فیه الفائدة، العائدة إلیه، وعدمها عدم ما من شأنه أن یكون له فائدة عائدة.
إلّا أنّ عدم النفع لیس بضرر، والضرر هو: النقص فی الشیء وهو عدم ما من شأنه التمامیة، فهو عدم التمامیة، لاعدم الزیادة لیكون مقابلاً لها بتقابل العدم والملكة. وعدم الزیادة لیس بنقص حتى یرجع إلی الضّرر.
نعم، النقص والزیادة متقابلان بتقابل العدم والملكة بالعرض؛ لأنّ الزیادة تستدعى بقاء المزید علیه على حدّه الوجودی، فالنقص بمعنی عدم بقائه على صفة التّمامیة یستلزم عدم الزّیادة، فیقابل الزّیادة بالعرض[637].
وأمّا الضّرار، فیمكن أن یكون مصدراً للفعل المجرد، كالقیام ویمكن أن یكون مصدراً من باب المفاعلة، لكن الظاهر أنّ المذكور فی الحدیث هو الثانی؛ إذ لو كان مجرداً لزم التّكرار فی الكلام بلا موجب، مع أنّ ذكر كلمة «إِنَّکَ رَجُل مَضَارّ» فی قضیة سمرة، یؤكد كونه كذلک. (ثم إنّ المعروف فی باب المفاعلة) أنّه فعل للاثنین ولكن التتبع فی موارد الإستعمالات، كما نبّه علیه المحقّق الاصفهانی(ره) (حسب ماذكر فی تعلیقة مصباح الأصول فی بحث قاعدة لاضرر) یفید بطلان ذلك، بل أنّ هیئة المفاعلة وضعت لإفادة قیام الفاعل مقام إیجاد المادة وكون الفاعل بصدد إیجاد الفعل.
و نذكر هنا نصّ ما ذكره المحقّق الإصفهانی(ره) فی نهایة الدّرایة:
لا یخفى علیک أنّ الضرار، وإن کان مصدراً لباب المفاعلة، وهو- كما فی المتن – الأصل فیه أن یكون فعل الاثنین، كما هو المشهور.
إلّا أنّه لا أصل له، كما تشهد له الإستعمالات الصحیحة الفصیحة القرآنیة وغیرها، فإنّ فیها ما لا یصحّ ذلک، وفیها ما لا یراد منه ذلك، كقوله تعالی ﴿یخادِعُونَ اللَّهَ والَّذینَ آمَنُوا﴾[638].
فإنّ الغرض نسبة الخدیعة منهم إلی الله، وإلی المؤمنین لا منهما إلیهم ایضاً وقوله تعالی هو: ﴿ومَنْ یهاجِرْ فی سَبیلِ اللهِ﴾[639]، و﴿یراؤُنَ﴾[640]، و﴿وَ نادَیناهُ﴾[641]، و﴿نافَقُوا﴾[642]، و﴿شَاقُّوا﴾[643]، و﴿مَسْجِداً ضِراراً﴾[644]، و﴿وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً﴾[645]، و﴿لا تُؤأخذنی﴾[646]، إلی غیر ذلک. انتهى. وقوله تعالی: ﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ولا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾[647].
وأمّا شرح هذه الجملة ومفاد ها أعنى: لاضرر ولاضرار، فالأقوال المعروفة المشهورة التی ذكرها الفقهاء أربعة:
الأوّل: أن یكون الكلام نفیاً أرید به النّهی عن إیجاد ضرر الغیر أو مطلقاً، حتّى على النّفس، كما فی قوله تعالی: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِی الْحَجِّ﴾[648]. حیث إنّ الآیة الشریفة تدلّ على حرمة هذه الأمور فی الحج وقوله: «لاسبق إلّا فی خفّ أو حافر أو نضل»[649].
وغیر ذلك من الموارد العدیدة، ولقد أصرّ الشیخ شریعة الإصفهانی(ره) على هذا القول فی رسالته «قاعدة لاضرر ولا ضرار» وتعین هذا الاحتمال من بین الاحتمالات الاربع.
الثانی: ما أفاده فی الكفایة من أنّ المراد نفی الحكم بلسان نفی موضوعه كما فی قوله: «لَا رِبَاً بَینَ الوَالِدِ والوَلَد»[650] .«وَلَاسَهوَ لِلأِمَّامِ مَعَ حِفظَ المَأمِوم، وَلَاسَهوَ فِی السَهوِ»[651]، وأمثال ذلک. فیكون المراد من هذه الجملة بناءً على هذا القول أنّ الموضوعات التی لها أحكام بعناوینها الأوّلیة إذا صارت ضروریة، وتعنونت بعنوان الضّرر، یرتفع ذلک الحكم عن ذلك الموضوع. فتكون هذه القاعدة بناءً على هذا حاكماً على الادّلة الأوّلیة بالحكومة الواقعة تضییقاً فی جانب الموضوع.
الثالث ما أفاده الشیخ الأعظم(ره) وغیره: من أنّ المراد نفی الحكم الناشیء من قبله الضّرر بمعنی: أنّ كل حكم صدر من الشارع؛ فإن إستلزم ضرراً أو حصل من قبل جعله ضررٌ على العباد، سواء كان الضرر على نفس المكلّف أو على غیره، كوجوب الوضوء الذی حصل من قبل وجوبه ضرر مالی أو بدنی على المكلّف، وکلزوم المعاملة فی المعاملة الغبنیة حیث نشأ من قبله ضرر على المغبون مرفوع[652].
وعلى هذا، فقد استعمل كلمة لا فی معناها الحقیقی وهو نفی جنس مدخوله حقیقةً لا ادّعاءً.
والفرق بین هذا الوجه والوجه الثّانی هو: إنّ الوجه الثانی یختصّ بما إذا كان متعلق الحكم ضرریاً فی نفسه، كالوضوء الموجب للضرر. وأمّا هذا الوجه، فیعمّ ما إذا كان الضرر ناشیءاً من نفس الحكم، كلزوم البیع المشتمل على الغبن أو ناشیءاً من متعلقه، کالوضوء الموجب للضرر، فالزوم مرتفع فی الأوّل والوجوب فی الثانی.
و بعبارة أخرى: إنّ المرفوع فی الوجه الثانی هو: متعلّق الحكم وفی هذا القول نفس الحكم.
الرّابع: أن یكون المراد منه نفى الضرر الغیر المتدارک ولازمه، ثبوت التدارک فی موارد الضرر بمعنى أنّ الشارع ینهى الضرر غیر المتدارک، بأنّ یكون الضرر المتدارک فی حكم العدم ولا یراه الشارع ضرراً، كما هو كذلك عند العرف والعقلاء. فنفى الضرر المطلق یرجع إلی نفی الضرر غیر المتدارک[653].
و لقد إختار الإمام الخوئی(ره) والبجنوردی(ره) ما أفاده الشیخ الاعظم(ره) من كون الحدیث دالّاً على نفی جعل الحكم الضّرری وأجابا عن الوجه الأوّل والثانی والرابع.
وأمّا الجواب عن الوجه الأوّل، فلأجل أنّه خلاف الظاهر، لظهور الجملة فیالرفع التشریعی، فلا ربط له بالضّرر الخارجی التكوینی کی یتوهّم أنّ النفی بمعنى النّهی، والّا یلزم الكذب أو یقال: أنّ نفیه ادعائی من باب نفی الحكم بلسان نفی الموضوع.
و ثانیاً لظهور الحدیث وسوقه فی مقام الإمتنان وأی امتنان فی الزام المكلف بلزوم ترک الإضرار؟
و ثالثاً، حمل الجملة الخبریة على الإنشاء خلاف ظاهر اللفظ فیحتاج إلی قرینة صارفة مفقودة فی المقام.
ومن هنا ظهر فساد القول الثانی أیضاً من توقّفه على أن یكون المراد من الضّرر هو الضرر الخارجی أو التكوینی وهذا خلاف ظاهركلمة لا ولا یصار إلیه إلّا بعد عدم إمکان الرفع الحقیقی وفی المقام ممكن كما لا یخفی.
وأمّا الجواب عن الوجه الرابع: اذ یرد أولاً أنّ التقیید خلاف الأصل فلایصار إلیه بلا دلیل.
و ثانیاً، أنّ التدارک الموجب لانتفاء الضرر إنّما هو التدارك الخارجی التكوینی لا التشریعی، فمن خسر مالا، ثم ربح بمقداره صحّ أن یقال: إنه لم یتضرر- ولو مسامحةً . وأمّا حكم الشارع بالتدارک، فلا یوجب ارتفاع الضّرر خارجاً، فمن سرق ما له متضرر بالوجدان، مع حكم الشارع بوجوب رده علیه.
و ثالثاً، أنّ كل ضرر خارجی لیس ممّا حكم الشارع بتدارکه تکلیفاً أو وضعاً، فإنّه لو تضّرر تاجر باستیراد تاجر آخر لا یجب علیه تدارکه، مع كون التاجر الثانی هو الموجب للضّرر على التّاجر الأوّل، فضلاً عمّا إذا تضّرر شخص من دون أن یكون أحد موجباً للضّرر علیه، كمن احترقت داره مثلاً فإنّه لا یجب على جاره ولا على غیره تدارک ضرره[654].
والمحقّق الاصفهانی(ره) ذهب إلی أنّ نفی الحكم بنفی ذات ما یعرضه الضّرر لا بنفی الضّرر بما هو ضرر وهذا نصّ عبارته: «والتحقیق أنّ الظاهر من قاعدة الضرر والحرج وأشباههما أنّ المقتضى لنفی الحكم هو الضرر والحرج والخطأ وأشباهها، فموضوع الحكم المنفى نفس ما یعرضه الضرر والحرج ونحو هما، فنفى الحكم بنفی ذات ما یعرضه الضرر، لا بنفی الضرر بما هو ضرر، فلا فرق بین نفی الحكم عن الضرر ونفی الحكم بنفی موضوع یعرضه الضرر.[655]
المراد من الضرر المنفى فی هذه القاعدة
المراد من الضرر المنفى فی هذه القاعدة هل هو الضرر الشخصی أو النّوعی؟ المراد من الضرر الشخصى هو إنّ المناط فی رفع الحكم ترتّب الضرر الشخصی الخارجی علیه ففی كل مورد نشأ من قبل الحكم الشّرعی ضرر خارجی على شخص، فذلک الحكم مرتفع فی حقه دون من لا یتضرر من قبله.
والمراد من الضرر النوعی كون الحكم ضرریاً نوعاً وإن لم یكن ضرریة فی بعض الأحیان أو لبعض الأشخاص.
الظاهر من الحدیث هو الضرر الشخصی لا النوعی؛ لأنّ معنی رفع الحكم فی كل مورد نشأ منه الضرر وأمّا فی المورد الذی لم ینشأ من قبله ضرر فلا معنی لرفعه، بل الإطلاق یشمله. ولأنّ الحدیث فی مقام الإمتنان، یقتضی أن یكون الرّفع بلحاظ شخص بحسب نفسه وإلّا رفع الحكم عن شخص بلحاظ شخص آخر أیّ امتنان فیه؟[656].
ولا یخفى أنّ المراد من الضرر فی الحدیث الضرر الواقعی، دون الظاهری؛ لأنّ الألفاظ موضوعة لمعانیها الواقعیة لا بقید أنّه معلومة. غایة الأمر أنّ الجأهل المستند فی مخالفتها إلی الأمّارة أو الأصل معذور غیر مستحقّ للعقاب. وعلیه، فیكون المیزان فی رفع الحكم كونه ضرریاً فی الواقع، سواءً علم به المكلف أم لا؛ فمن هذا یتولّد الإشکال فی موارد:
منها: قولهم بصحّة الوضوء أو الغسل مع الجهل بكون استعمال الماء ضرریاً.
ومنها: تقییدهم لخیار الغبن بجهل المغبون بالغبن وخیار العیب بجهل المشتری بعیب المبیع[657].
وأمّا الجواب عن هذه الإشکالات فلیراجع إلی محلّه.
النّسبة بین قاعدة الضّرر وقاعدة الّحرج
قیل دلیل نفی الحرج حاكم على أدله نفی الضرر، كما أنّه حاكم على الأدله المثبتة للأحکام ولأجل هذا إستدل على جواز التصرف وعدم الضمان فیما إذا دار الأمر بین تضرر شخص والإضرار بالغیر من جهة التصرّف فی ملکه، کمن حفر فی داره بالوعة أو بئراً یكون موجبة للضررعلى الجار، إذا كان التّصرف بداعی المنفعة، بأنّ یكون فی ترکه فوات المنفعة أویكون الداعی التحرّز عن الضرر، بأنّ یكون فی ترکه ضرر علیه[658].
والحقّ عدم حكومة دلیل نفی الحرج على قاعده نفی الضرر، فإنّ كلّ واحد منهما ناظر إلی الأدله الدّالة على الأحکام الأوّلیة، ویقیدها بغیر موارد الحرج والضرر فی مرتبة واحدة فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر[659].
الفرق بین قاعدة الضّرر وقاعدة الحرج
إنّ الضرر موجب لحرمة الفعل الضرری فإرتكاب الفعل الذی فیه الضّرر لا یجوز، فلا یجتمع مع العبادة التی یجب الإتیان بها مقرّباً.
و بعبارة أخرى: الفعل الذی ضرری مبعّدٌ ولا یمكن أن یكون المبعّد مقرّباً (ولا یطاع الله من حیث یعصی) بخلاف الحرج، فإنّ ارتكاب الفعل الحرجی لاحرمة فیه، فلیس بمبعّد بل العبادة الحرجیة التی یأتی بها مع المشقة تكون آكد فی العبودیة ولاشكّ فی أنّ تحمّل المشاق، فی سبیل امتثال أوامر المولی ونواهیه ممدوح عند العقل والعقلاء (افضل الأعمال احمزها) إلّا أن یكون المولی نھی عن تحمّله أو ایقاع نفسه فیالمشقة[660].
وجه تقدیم لاضرر على العمومات والإطلاقات
لاشكّ، فی أنّ النّسبة بین دلیل هذه القاعدة وبین تلك الأدله عموم من وجه مثلا دلیل وجوب الغسل عام من حیث كونه ضرریاً أوغیر ضرری ولاضرر أعمّ منه؛ لشموله لغیر وجوب الغسل من الأحکام الضرریة فیتعارضان فی مورد الاجتماع ویقدّم دلیل لاضرر على تلك الأدله لحكومته علیها حكومةً واقعیةً بالتضییق فی جانب المحمول سواء كان المحمول حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً بلا تصرّف وتضییق فی النّسبة التی بین الموضوع والمحمول حتى یكون تخصیصاً؛ لأنّ ملاحظة النّسبة فرع التعارض ولا تعارض بین الحاكم والمحكوم؛ إذ المعارضة فرع وحدة القضیتین بحسب الموضوع والمحمول وأمّا إذا كان لسان إحدى القضیتین التصرّف فی موضوع القضیة الأخرى كقولهم: لاشک لكثیر الشك . أومحمولها كقوله(صلی الله علیه وآله) لاضرر ولاضرار. بناءً على أن مفاده رفع الحكم الضرری عن عالم الجعل والتشریع فلا تعارض حتى تلاحظ النّسبة.
وأمّا الجمع العرفی الذی ذكره صاحب الكفایة (ره) وإن کان صحیحاً ومطابقاً للواقع إلّا أنّه لیس بلا سبب وجزافاً ووجه الجمع العرفی هو ما ذكرنا من الحكومة فی هذ المورد وربّما یكون وجهه فی الموارد الأخر غیر الحكومة من قوة الظهور فی إحدهما لكونه أظهر أو كون أحدهما خاصاً أوغیر ذلک[661].
أشکل شیخنا الأعظم الأنصاری (ره) وغیره على تمامیة هذه القاعدة المستفادة من قوله (صلی الله علیه وآله): «لاضرر ولاضرار» بلزوم تخصیص الأكثر؛ لأنّ المستفاد من هذا الحدیث على مسلک الشیخ، ومن تبعه نفی الحكم الذی ینشأ من قبله الضّرر، وإنّه لم یجعل فی الدّین مثل هذا الحكم، وترى أنّه كثیر من أبواب الفقه مثل هذا الحكم مجعول، کأبواب الحج والزكاة والخمس وأبواب الجهاد والضمانات بواسطة الید أوالإتلاف إلی غیر ذلک.
ثم أجاب عنه: بأنّه من الممكن أن یكون بین الأفراد الخارجة عن تحت هذا العموم جامع والتّخصیص یكون بعنوان إخراج ذلك الجامع الواحد وإخراج عنوان الواحد عن تحت عموم العام من العناوین التی یتعنون العام بها لیس بمستهجن وإن کان أفراد العنوان الخارج أكثر من الأفراد الباقى تحت العام[662].
و اعترض علیه صاحب الكفایة (ره): بأنّ خروج عنوان واحد عن العام، لیس بمستهجن ولوکان أفراده أكثر من الأفراد الباقی تحت العام إذا كان عموم العام أنواعیاً وکان محط العموم الأصناف التی للعام وأمّا إذا كان محط العموم والنظر إلی الاشخاص ومصادیقه فلا فرق فی استهجان تخصیص أکثر الأفراد بین أن یكون بعنوان واحد وتحت جامع واحد، فلوکان عنواناً واحداً ولکن محط العموم هو المصادیق والأفراد، مثل: «أکرم كل عالم» فلوکان المخصص عنواناً واحداً مثل إلّا أن یكون فاسقاً وکان أفراد الخاص أكثر من الباقی بعد الإخراج یكون هذا التخصیص مستهجناً وإن کان بعنوان واحد.
وأمّا إن کان محطّ العموم أنواع العالِم، من الصرفی والنحوی والأصولی والمنطقی والفقهاء إلی غیر ذلك من الأنواع، وکان المخصص عنوان النحویین مثلاً وفرضنا أفراده كان أكثر من مجموع الأنواع الآخر، فهذا التخصیص لیس بمستهجن[663] والحاكم فی كلیهما العرف.
والمحقّق البجنوردی(ره) (أیّد إشکال الآخوند على الشیخ الأعظم(ره) وقال: هذا كله بحسب الكبرى وأمّا بحسب الصغرى فلاشک أنّ مصبّ العموم فی القاعدة هی الأفراد؛ إذ مفادها كما استظهرنا من إدلتها هو نفی كل حکم ضرری أی: ینشأ من قبله الضرر ولیس مفادها نفی كل نوع من أنواع الأحکام الضرریة حتّى لا یكون خروج نوع واحد موجباً للاستهجان ولوکان أفراده أكثر ممّابقی تحت العام.
هذا مضافاً إلی أنّ الخارج من هذا العموم – على فرض تسلیم التخصیص – لیس عنوان واحد وإنما هو صرف فرض من الشیخ الأعظم الأنّصاری (ره)؛ لأنّ الأحکام الضّرریة مجعولة بعناوین موضوعاتها، كعنوان الحج والجهاد والخمس والزکاة وإلی غیر ذلك من العناوین التی یجدها الفقیه المتتبّع، بل موضوع الأحکام الضّرریة موضاعات مسائل هذه الأبواب.
فالصواب فی الجواب – عن أصل إشکال تخصیص الأكثر – أنّ خروج هذه المذكورات عن تحت القاعدة بالتخصص ولیس تخصیص فی البین أصلاً بیان ذلک: أنّ قاعدة نفی الضّرر وکذلک قاعدة نفی الحرج بناءً على ما استظهرناه من أنّ مفاد هما نفى الأحکام الضّرریة والحرجیة، تكون حاكمة على أدله الأحکام الأوّلیة، بمعنی أنّ أدلّه الأوّلیة لها إطلاق أو عموم یشمل كلتا حالتی الحكم من كونه ضرریاً وغیر ضرری، فالقاعدة تخرج حالة كونه ضرریاً عن مفاد الإطلاق أو العموم فنتیجة هذه الحكومة لبّاً تقیید ذلک الإطلاق أو تخصیص ذلك العموم بغیر حالة كون ذلک الحكم ضرریاً.
وأمّا إذا كان الحكم المجعول على موضوع ضرری دائماً كوجوب الجهاد وإعطاء الخمس والزکاة مثلا أوکان نفس الحكم دائماً ضرریاً كحکمه بضمان الید فی مورد التلف – فخارج عن مصب هذه القاعدة ولیس من باب التخصیص حتى یكون مستهجناً لكونه تخصیص الأكثر[664].
والإمام الخوئی(ره) لقد فصّل فی إستهجان تخصیص الأكثر بین قضیة الخارجیة والحقیقیة وإنّ تخصیص الأكثر مستهجن فی القضیة الخارجیة دون الحقیقیة (وکلام المحقّق البجنوردی(ره) یرجع ایضاً إلی هذا التفصیل) وأجاب عن إشکال الشیخ ما هذا عبارته: وأمّا الجواب عن أصل الإشکال، فهو إنّه لیس فی المقام تخصیص إلّا فی موارد قلیلة:
الأوّل: من موارد التخصیص هوالحكم بنجاسة الملاقی للنجس، مع كونه مستلزماً للضرر على المالک، كما لو وقعت فأرة فی دهن أو مرق، فالحكم بنجاستهما كما هو المنصوص للضرر على المالک وكذا غیر الدهن والمرق ممّا كان الحكم بنجاسته موجباً للسقوط عن المالیة أو لنقصانها.
الثانی: وجوب الغسل على مریض أجنب نفسه عمداً.
الثالث: وجوب شراء ماء الوضوء ولو بأضعاف قیمته، فإنّه ضرر مالی علیه لكنه منصوص ومستثنى من القاعدة.
هذه هی موارد التخصیص وأمّا غیر ها ممّا ذكره شیخنا الأنّصاری(ره) فلیس فیه تخصیص للقاعدة.
أمّا باب الضمانات فلیس مشمولاً لحدیث لاضرر من أول الأمر، لكونه وارداً فی مقام الإمتنان والحكم بعدم الضمان موجب للضرر على المالک، والحكم بالضمان موجب للضرر على المتلف، فكلاهما منافیان للإمتنان خارجان عن مدلول الحدیث بلاحاجة إلی التخصیص والحكم بالضمان مستند إلی عموم أدلّه الضمان من قاعدة الإتلاف أو الید أوغیرهما ممّا هو مذكور فی محله.
وأمّا الأحکام المجعولة فی الدیات والحدود والقصاص والحج والجهاد، فهی خارجة عن قاعدة لاضرر بالتخصّص لا بالتخصیص؛ لأنّها من أوّل الأمر جعلت ضرریاً لمصالح فیها[665]، كما قال سبحانه تعالی: ﴿وَ لَكُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[666]. وحدیث لاضرر ناظر إلی العمومات والإطلاقات الدالّة على التكالیف التی قد تكون ضرریة وقد لا تكون ضرریة ویقیدها بصورة عدم الضرر على المكلف، فكل حكم جعل ضرریاً بطبعه من أوّل الأمر لا یكون مشمولاً لحدیث لاضرر، فلا یحتاج خروجه إلی التخصیص[667].
قاعدة الفراغ والتجأوز والفرق بینهما
الفراغ فی اللغة الإتمام والخلو عن الشییء[668]. ولیس له فی الشرع اصطلاح خاصّ وفی اصطلاح الفقهاء: عبارة عن قاعدة کلیّة جاریة فی موارد کثیرة فی الفقه وموضوعها الشک فی صحة الشّی وتمامیّته بعد الفراغ عنه ومحمولها الحکم بالصحّة وترتیب آثارها.
والمراد بالشی فی الموضوع کلّ قول أو فعل صالح للصدور من المکلّف قابل للنقض والکمال والصحّة والفساد ومترتّب علیه حکم من الشّرع، کقراءة القرآن وأذکار العبادات وأفعال الطهارات والتطهیر بالمطهرّات، والصلاة والصیام وسایر العبادات والعقود والإیقاعات وتذکیة الحیوانات وما أشبه ذلک.
والمراد من الفراغ الخروج عنه وإتمامه سواء دخل فی عمل غیره أم لا.
والمراد من الحکم بالإتمام ترتیب آثار الصحّة علیه، فالمحصّل من القاعده أنّه کلما فرغ المکلف من عمل ثم شک فی أنّه أتمّه أواخلّ بجزء منه أو شرط، فله الحکم بالتّمامیة وترتیب آثارها[669].
وأمّا التجاوز فی اللغة: المرور والعبور عن الشی[670]. ولیس له فی الشّریعة مصطلح خاص وفی إصطلاح الفقهاء: عبارة عن قاعدة کلیة جاریة فی أبواب کثیرة من الفقه بالنّسبة لکل عمل محدود بحدّ معیّن أو موقّت بوقت خاص ولها موضوع ومحمول، موضوعها الشکّ فی الإتیان بعمل فی محله المعیّن بعد الخروج عن ذلک المحل ومحمولها الحکم بالإتیان به وتحقّقه فی محلّه وترتیب آثاره علیه.
ویشترط فی هذه القاعدة أمّا الخروج عن وقت العمل المشکوک فیه، إذا کان محدوداً بوقت کالصلاة والصیام، فإذا شکّ بعد طلوع الشمس فی أنّه صلی الغداة أم لا، بنی علی الإتیان بهاء أوالدخول فی فعل غیره فیما إذا کان مرتّباً علیه، کما إذا شکّ فی القراءة بعد الدخول فی الرکوع أو فی الرکوع بعد الدخول فی السجود[671].
الفرق بین هذه القاعدة وقاعدة الفراغ، فإنّهما وإن اشترکا فیالشکّ وفی فراغ الذمة وعدم الإعتناء بالشکّ والحکم بالفراغ الاّ أنّ بینهما فرقاً فیالموضوع والمحمول والدلیل، فإنّ قاعدة الفراغ عبارة: عن الشکّ فی صحّة الشیء المحقّق بعد الفراغ عنه والحکم بصحّته وقاعدة التجاوز عبارة: عن الشکّ فی وجود الشیء بعد الخروج عن محلّه والحکم بتحقّقه ووجوده، فإذا طلعت الشمس علی المکلّف فقدیشکّ فیصحّة فریضته المأتی بها فی الوقت وقد یشکّ فی الإتیان بها فی الوقت والأوّل موضوع قاعدة الفراغ، والثانی مجری قاعدة التجاوز[672].
الثانی: ما ذکره عدّة، من انّه هل یکفی فی جریان قاعدة الفراغ، مجرد إتمام العمل والفراغ عنه أو یشترط الدخول فی عمل آخر، فذکروا فیه قولین، فإذا أتمّ المتوضی وضوئه بمسح الرجل الیسری فشکّ فیه وهو جالس علی حال الوضوء جرت القاعدة علی الأوّل دون الثانی وقد ورد فی الصحیح إذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حال أخری فی الصلاة أو غیرها فشککت فلا شیء علیک وظاهره الوجه الثانی وحمله أرباب القول الأوّل علی بیان حال الغالب دون الإشتراط.
الثالث: إنّه هل یشترط فی قاعدة الفراغ کون الشخص فی حال شکّه عالماً بکونه متذکّراً حال العمل ومتوجّهاً إلی منشأ شکّه، أو یکفی احتمال ذلک أو تجری القاعدة ولو علم بغفلته حین العمل عن حال ما أوجب شکه وجوه، فذکروا أنّه ذهب إلی کلّ من الوجوه قائل وذلک، کما إذا توضّأ وفی یده خاتم فشکّ بعده فی وصول الماء إلی ما تحته، فحکم فیه کلّ علی وفق مذهبه.
الرابع: إنّه هل یشترط فی تمامیة القاعدة، فیما إذا أرید إجراؤها فی متعلقّ التّکالیف کالوضوء والصلاة، کون منشأ الشکّ حصول الخلل فی المأموربه مع العلم بتعلقّ التکلیف وتنجّزه، أو تجری ولو کان الشکّ من جهة نفس التکلیف وجهان بل قولان، فإذا أتی المکلّف بالصلاة بعد دخول الوقت فشکّ فی صحّتها من جهة وقوعها قبل دخول الوقت أو بعده، لم تجر علی الأوّل وجرت علی الثانی[673].
الخامس: أن القاعدة، هل هی أمارة، بمعنی: أنّ الشارع جعل حالة القرب من العمل لمرید إبراءالذمة أمارة علی إتمامه وعدم ترکه شیئاً مماله دخل فی صحّته، أو هی أصل بمعنی أنّ الشّارع حکم بصحّته وترتیب آثارها تعبّداً لمکان الشّک من غیر نظر إلی الواقع؛ ذهب إلی کلّ ذاهبٌ، لکنّه علی التقدیرین القاعدة مقدمة علی أغلب الأصول المخالفة لها حکومة أو تخصیصاً.[674]
السادس: ما ذکروا من أنّ القاعدة کما تجری فی الأعمال المرکّبة من أجزاء وقیود بالنّسبة لمجموعها، کالشکّ فی صحّة الصلاة المأتی بها، تجری بالنّسبة لأجزائها أیضاً، کما إذا شکّ فی صحّة القرائة بعد الرکوع وقد استثنی من هذه الکلیّة الوضوء فإنّه لاتجری القاعدة فی اجزائها وشرائطها قبل الفراغ من نفس العمل وذلک لورود النص فی ذلک وفی لحوق الغسل والتیمم به وجه قویّ.
إنّ الدلیل علی القاعدة مضافاً إلی السیرة العقلائیة علی ذلک نصوص خاصّة تدل علی إمضاء السّیرة[675].
المراد منالقاعدة الإلزام
مفهوم الکلمة فی اللغة والعرف بیّن[676]. وقد استعملت فیالسنة أصحابنا المتأخرین فی حکم شرعی کلی مستفاد من النصوص وهو: جواز إلزام الشّخص غیره بأمر یلتزمه ویعتقد به وترتیب الآثار علیه وفق معتقده وإن لم یلتزمه الملزِم (بالکسر) ولم یعتقد به، فهنا ملزِم (بالکسر) وملزَم (بالفتح) وفعل ملزم به وأثر أو آثار شرعیّة أو عرفیّة مترتب علی الفعل وفق مذهب الملتزم غیر مترتّب علی مسلک المللزِم بل ربّما کان محرّماً علیه لو خلی ونفسه وقد اُسمّی الأصحاب هذا الحکم بقاعدة الإلزام جریاً علی ماورد من قوله: الزموهم بما الزموا به انفسهم[677]. الشامل للکافر والمخالف[678]. وللقاعدة مصادیق کثیرة.
فروع قاعدة الإلزام
الأوّل: یعتبر الإشهاد فی صحّة النکاح عند العامّة ولا یعتبر عند الإمامیّة وعلیه فلو عقد رجل من العامّة علی إمرأة بدون إشهاد بطل عقده وعندئذ یجوز للشیعی أن یتزوّجها بقاعدة الإلزام.
الثانی: الجمع بین العمّة أوالخالة وبین بنت أخیها أو أختها فی النّکاح باطل عند العامّة، وصحیح علی مذهب الشّیعة، غایة الأمر تتوقف صحّة العقد علی بنت الأخ أو الاُخت مع لحوق عقدها علی إجازة العمّة أو الخالة وعلیه فلوجمع السنی بین العمة والخالة وبین بنت أخیها أو اُختها فی النکاح بطل، فیجوز للشیعی أن یعقد علی کلّ منهما بقاعدة الإلزام.
الثالث: تجب العدّة علی المطلّقة الیائسة أو الصغیرة بعد الدخول بهما علی مذهب العامّه، ولا تجب علی مذهب الخاصّة، وعلی ذلک فهم ملزمون بترتیب أحکام العدة علیها بمقتضی القاعدة المذکورة وعلیه فلو تشیّعت المطلّقة الیائسة أوالصغیرة خرجت عن موضوع تلک القاعدة، فیجوز لها مطالبة نفقة أیام العدة إذا کانت مدخولاً بها وکان الطلاق رجعیاً وإن تزوّجت من شخص آخر وکذلک الحال لوتشیّع زوجها فإنّه یجوز له أن یتزوّج باُختها أو نحوذلک، ولا یلزم بترتیب أحکام العدّة علیها[679].
الرابع: لو طلّق السنی زوجته من دون حضور شاهدین صحّ الطلاق علی مذهبه کما أنّه لو طلّق جزءاً من زوجته، کاصبع منها مثلا وقع الطلاق علی الجمیع علی مذهبه وأمّا عند الإمامیة فالطلاق فیکلا الموردین باطل وعلیه فیجوز للشیعی أن یتزوّج تلک المطلّقة بقاعدة الإلزام بعد إنقضاء عدّتها.
الخامس: لو طلّق السنّی زوجته حال الحیض أو فی طهر المواقعه صحّ الطّلاق علی مذهبه، ویجوز للشیعی أن یتزوّجها بقاعدة الإلزام بعد عدّتها.
السادس: لو حلف السنّی علی عدم فعل شییء وإن فعله فإمرأته طالق، واتفق فعل ذلک الشییء، فعندئذ تصبح إمرأته طالقاً علی مذهبه، فیجوز للشیعی أن یتزوّجها بمقتضی قاعدة الإلزام ومن هذا القبیل طلاق المرأة بالکتابة، فإنّه صحیح عندهم وفاسد عندنا وبمقتضی تلک القاعدة یجوز للشیعی ترتیب آثار الطلاق علیه واقعاً.
السابع: یصحّ طلاق المکره عند أبی حنیفة دون غیره، وعلیه یجوز للشیعی أن یتزوّج المرأة الحنفیة المطلّقة بمقتضی قاعدة الإلزام.
الثامن: یثبت خیار الرؤیة علی مذهب الشافعی لمن إشتری شیئاً بالوصف ثمّ رآه وإن کان المبیع حاویاً للوصف المذکور، وعلی هذا فلو إشتری شیعی من شافعی شیئاً بالوصف ثم رآه ثبت له الخیار بقاعدة الإلزام وإن کان المبیع مشتملاً علی الوصف المذکور.
التاسع: لا یثبت خیار الغبن للمغبون عند الشافعی، وعلیه فلو إشتری شیعی من شافعی شیئاً، ثمّ إنکشف أنّ البائع الشافعی مغبون فللشیعی ألزامه بعدم حق الفسخ.
العاشر: یشترط عند الحنفیة فی صحّة عقد السلم أن یکون المسلم فیه موجوداً، ولا یشترط ذلک عند الشیعة وعلیه فلو إشتری شیعی من حنفی شیئاً سلماً ولم یکن المسلم فیه موجودا، جازله الزامه ببطلان العقد، وکذلک لو تشیّع المشتری بعد ذلک[680].
الحادی عشر: لو ترک المیت بنتاً سنّیة وأخاً وافترضنا أنّ الأخ کان شیعیاً أو تشیّع بعد موته، جاز له أخذ ما فضل من الترکة تعصیباً بقاعدة الإلزام، وإن کان التعصیب باطلاً علی المذهب الجعفری، ومن هذا القبیل ما إذا مات وترک اُختاً وعمّاً أبویّاً، فإنّ العمّ إذا کان شیعیاً أو تشیّع بعد ذلک جازله أخذ ما یصله بالتعصیب بقاعدة الإلزام، وهکذا الحال فی غیر ذاک من موارد التعصیب[681].
الثانیعشر: ترث الزوجة علی المذهب العامة من جمیع ترکة المیت من المنقول وغیره والأراضی وغیرها ولاترث علی المذهب الجعفری من الأرض لاعیناً ولا قیمةً وترث منالأبنیة والأشجار قیمة لاعیناً، وعلی ذلک فلوکان الوارث سنّیاً وکانت الزوجة شیعیة جاز لها أخذ ما یصل إلیها میراثاً من الأراضی وأعیان الأبنیة والأشجار بقانون إلزامهم بمایدینون به. الضابط هو إنّ لکل شیعی أن یلزم غیره من أهل سائر المذاهب بما یدینون به ویلزمون به أنفسهم.[682]
الثالث عشر: یجوز تزویج المرأة الشیعیة من السنّی الذی حجّ البیت أو اعتمر عمرة مفردة ولم یطف طواف النّساء إعتقاداً لعدم وجوبه وعدم شرطیته للإحلال.
الرابع عشر: یجوز تمکین الزوجه من الزوج فیما إذا حجّ بعد الزواج فإنّ لها أن تحکم بخروجه عن الإحرام بالسعی أو الحلق حتی بالنسبة إلی حلیّة المرأة، ونظیره تزویج الشیعی المرأة السنّیه التی حجّت البیت أو إعتمرت عمرة مفردة مع ترکها طواف النساء لکن فیه تأمل إلّا أن یحکم ببطلان العمل لانتفاء شرط الإیمان[683].
الفرق بین الوکالة والنّیابة
الوکالة فتحاً وکسراً فی اللّغة: من التوکیل بمعنی؛ تفویض الأمر إلی الغیر وتسلیمه له. وفی المفردات: التوکیل أن تعتمد علی غیرک وتجعله نائباً عنک، والوکیل فعیل بمعنی المفعول[684]. وفی إصطلاح الفقها عبارة: عن الإستنابة فی التصرّف بالذات فهی أمر إعتباری قابل للجعل والإنشاء بالقول والفعل کسائر العقود والإیقاعات، فحقیقة الوکالة تنزیل شخص منزلة آخر، ویترتب علیه تنزیل العمل الصادر منه منزلة عمله والتقیید بالذّات لبیان کون المنشأ بالإصالة فیها هو التنزیل فتخرج المضاربة والمزارعة ونحوهما من العقود التی فیها تنزیل ضمنی.
والنیابة: عبارة عن القیام مقام الغیر فی العمل، یقال ناب زید فی أمر: أی قام مقامه، فالوکالة إنشاء تنزیلی والنّیابة عمل تنزیلی؛ لأنّهما حقیقتان مختلفتان لأنّ الأوّلی من مراحل الإنشاء، والثانیة من مراحل العمل[685].
الفرق بین الإسراف والتبذیر
الإسراف فی اللّغة: التبذیر والتّجأوز عن الحد والإفراط فی الأمر، یقال أسرف المال بذره وأفرط فی صرفه وفی المجمع وقد فرّق بین التبذیر والإسراف فی أنّ التبذیر الأنفاق فیما لا ینبغی. والإسراف الصرف زیادة عن ما ینبغی وفی المفردات السرف تجاوز الحدّ فی کلّ فعل یفعله الإنسان وإن کان ذلک فی الإنفاق أشهر، ویقال تارة إعتباراً بالقدر وتارة بالکیفیة. والتبذیر: التفریق وأصله القاء البذر وطرحه فاستعیر لکل تضییع للمال والإسراف الذی ذکره الاصحاب فی الفقه هو ضدالقصد؛ أی التجاوز عن حد الإستواء عند الشرع والعقلاء فی الفعل والمال ومن اظهر مصادیقه صرف المال فی المصارف المحرمة أو صرفه زیادة عن مقدار الحاجة بحیث یعدّ عبثاً، ولعل الأوّل ماسمّاه فی المجمع بالتبذیر والثانی ماسماه بالإسراف[686].
أقسام الطّلاق
الطّلاق قسمان؛ بدعةً وسنةً
الطّلاق بدعةً: هو طلاق الحائض الحائل أو النفساء حال حضور الزوج مع إمکان معرفة حالها أو مع غیبته کذلک أو قبل المدّة المعتبرة والطّلاق فی طهر المواقعة مع عدم الیأس والصغر والحمل وطلاق المستبرئة قبل إنتهاء ثلاثة أشهر وطلاق الثلاث إمّا مرسلاً بأنّ یقول: هی طالق ثلاثاً وإمّا ولاءً بأنّ یقول: هی طالق، هی طالق، هی طالق والکل باطل عدا طلاق الثلاث فإنّ فیه تصح واحدة ویبطل الزائد[687].
الطّلاق سنةً قسمان: بائنٌ ورجعیٌّ
الف: الطّلاق البائن: 1- طلاق الیائسة، 2- والصّغیرة غیر البالغة تسعاً، 3- وغیر المدخول بها ولو دبراً، 4- والمختلعة، 5- والمباراة، 6- والمطلّقة ثلاثاً بینهما رجعتان ولوکان الرجوع بعقد جدید إن کانت حرّة، 7- والمطلّقة طلقتین بینهما رجعة ولوکان بعقد جدید إن کانت أمة.
ب: وما عدا ذلک طلاق رجعی، یجوز للزّوج الرجوع فیه أثناء العدّة.
الطّلاق العدّی: هو أن یطلّق زوجته مع إجتماع الشرائط ثم یراجع قبل خروجها من العدة فیوقعها ثمّ یطلّقها فی طهرآخر ثم یراجعها فیه ویواقعها ثمّ یطلّقها فی طهرآخر فتحرم علیه حتی تنکح زوجاً آخر[688].
أقسام الطّلاق السنّی
1- السنّی بالمعنی الأعم وهو: کلّ طلاق جامع للشرائط مقابل الطّلاق البدعی
2- السنّی مقابل العدّی وهو: ما یراجع فیه فی العدّة من دون جماع
3- السنّی بالمعنی الأخص وهو: أن یطلق الزوجة فلا یراجعها حتی تنقض العدّة ثم یتزوّجها[689].
النّسبة بین قاعدة قبح العقاب بلا بیان وقاعدة دفع الضّرر المحتمل
قد یتوهّم فیالمقام من ورود قاعدة دفع الضّرر المحتمل على قاعدة قبح العقاب بلا بیان (بدعوی) أنّ حكم العقل بدفع الضّرر المحتمل یكون بیاناً عقلیاً یرتفع به موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بیان.
والحقّ ما ذهب إلیه الشّیخ الأعظم والمحقق الخراسانی(ره) من ورود قاعدة قبح العقاب بلا بیان على قاعدة دفع الضرر المحتمل؛ إذ یرتفع بها موضوعها وهو احتمال الضرر بل فی صورة جریان قبح العقاب بلا بیان تكون المؤأخذة معلومة العدم والضرر معلوم الانتفاء، كما أفاد المحقّق الخراسانی فی الكفایة: ولا یخفى أنّه مع إستقلاله بذلک لا إحتمال لضرر العقوبة فی مخالفته، فلا یكون مجال هیهنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل کی یتوهّم أنّه تكون بیاناً، كما أنّه مع إحتماله لا حاجة إلی القاعدة؛ (أی قاعدة دفع الضرر المحتمل) بل فی صورة المصادفة استحقّ العقوبة على المخالفة ولو قیل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى؛ لو لم تجرى قاعدة قبح العقاب بلا بیان لم یجز الإرتكاب عقلاً، سواء قلنا بقاعدة دفع الضّرر المحتمل[690] أم لا. أمّا لوقلنا بها فللقاعدة وأمّا لو لم نقل بها فلأنّه لامؤمّن للعقاب الواقعی فی صورة المصادفة؛ إذ مع إحتمال وجود بیان یمكن الوصول إلیه بالفحص عنه لایكاد یستقل العقل بقبح العقاب فلامؤمّن.
الفرق بین اللقطة ومجهول المالک
اللقطة: هی المال الضائع عن مالك غیر معلوم.
ومجهول المالک: هوالمال الذی ضاع مالکه[691].
السّهام المفروضة فیكتاب الله تعالی للمیت
السهام المفروضة التی بینها الله تعالی فی كتابه ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
النصف: للبنت الواحدة إذا لم یكن معها غیرها، وللأخت الواحدة للأبوین أو للأب فقط وللزوج إن لم یكن للزوجة ولد.
والربع: للزوج إن کان للزّوجة ولد وللزوجة إن لم یكن للزّوج ولد. والثمن للزوجة إن کان للزوج ولد.
الثلثان: للبنتین فصاعدة مع عدم الإبن للمیت، وللأختین فصاعدة للأبوین مع عدم وجود الأخ للأبوین أو للأب مع عدم الأخ لأب.
والثلث: للأم إن لم یكن للمیت ولد ولم یكن له إخوة متعددون وللأخ والإخت من الأمّ مع التعدد.
السدس: لكلّ واحد من الأبوین مع الولد وإن نزل وللاُمّ مع الإخوة للأبوین أو للأب وللأخ الواحد من الأم والأخت الواحدة منها[692].
المراد من العدالة
إختلفت عبارات الفقهاء فی حقیقة العدالة المعتبرة فی المفتی وغیره من القضاء والشهادة والطلاق وإمام الجماعة وغیرها من الأمور التی أعتبر فیها العدالة وینبغی أن نذكر هنا بعض الأقوال فیها:
الأوّل: ما نسب إلیالمشهور بین المتأخرین بل إلیالمشهور مطلقاً، بل إلی العلماء أو الفقهاء أو المخالف والموافق: من أنّ العدالة عبارة عن ملكة إتیان الواجبات وترک المحرمات. وعلى هذا من أتی بالواجبات وترک المحرمات ولم یحصل له ملكة فلا یكون عادلاً[693].
الثانی: أنّها عبارة: عن إتیان الواجبات وترک المحرمات الناشی عن الملكة النفسانیة كما هو ظاهر المقنعة وغیرها ولكن هذین التعریفین یرجع كل منهما إلی الآخر فهذا التعریف ناظر إلی المسبّب والمقتضیٰ، كما أنّ التعریف الأوّل ناظر إلی السبب والمقتضی[694].
الثالث: إنّها عبارة: عن نفس إتیان الواجبات وترک المحرمات. من دون إعتبار إقترانها بالملكة أو صدورها عنها[695]. كما هو ظاهر الحلّی وغیره.
الرابع: إنّه عبارة: عن الإسلام وعدم ظهور الفسق فی الخارج، وعلى ذلك لابدّ من الحكم بعدالة أكثر المسلمین، وإن لم نعاشر هم بوجه، وذلک لإسلامهم وعدم ظهور الفسق منهم عندنا[696].
الخامس: أنّ العدالة هی حسن الظاهر فحسب[697].
السادس: هی ملكة نفسانیة باعثة على ملازمة التقوى التی هی القیام بالواجبات، وترک المنهیات الكبیرة مطلقاً، والصغیرة مع الإصرار علیها وملازمة المروّة التی هی إتّباع محاسن العادات، واجتناب مساوئها، وما ینفر عنه من المباحات، ویؤذن بخسة النفس ودنائة الهمّة[698].
السابع: العدالة عبارة: عن الإستقامة فی طریق الشرع وعدم الإنحراف عنها یمیناً وشمالاً.
الثامن: العدالة: هی حالة نفسانیة باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن إرتکاب الكبائر بل الصغائر على الأقوى، فضلاً عن الإصرار علیه الذی عدّ من الكبائر وعن إرتكاب أعمال دالة عرفاً على عدم مبالاة فاعله بالدّین[699].
التاسع: بل الظاهر كونها عبارة: عن الإعتدال والإستقامة فی طریق الشرع عملاً، الناشیء عن إعتداله عقیدةً وخلقاً، بحیث لا یتخلّف عنها إلّا فی شرائط خاصّة[700].
العاشر: إنّ العدالة: هی صفة منتزعة من الإستقامة العملیة فی الشرع خارجاً شریطة أن تكون هذه الإستقامة ثابتة للعادل كالعادة[701].
لم تثبت للعدالة حقیقة شرعیة، ولا متشرعیة، وإنّما هی بمعناها اللغوی اعنی: الإستقامة وعدم الجور والإنحراف وهی قد تستند إلی الأمور المحسوسة فیقال: هذا الجدار عدل أو مستقیم، أو إنّ العصا مستقیم، فتكون العدالة والإستقامه من الأمور المحسوسة. وقد تستند إلی الأمور غیر المحسوسة فیراد منه الإستقامة المعنویة وذلک کالعقیدة والفهم، والأخلاق فیقال: عقیدة الفلان مستقیمة، أى: غیر مشوّشة أو إنّ فهمه مستقیم فی قبال إعوجاجه أو أخلاقه مستقیم، أی: لا افراط ولا تفریط. وقد تستند إلی الذوات فقال زید عادل ومعناه إنّه مستقیم فی الخروج عن عهدة التكالیف المتوجة إلیه وحیث أنّ الشّارع یراه مستقیماً فی طریق الشرع فهو عادل شرعاً وغیر منحرف عن طریقه[702].
فالعدالة المطلقة: هی الإستقامة العملیة كما یقتضیه معناها اللغوی، مع قطع النظر عن الروایات والمتحصل أنّ العدالة لیست لها حقیقة شرعیة وإنّما استعملت فی الكتاب والأخبار بمعناها اللغوی اعنى: الإستقامة وعدم الإعوجاج والإنحراف.[703]
نعم لابد أن تكون الإستقامة مستمرّة كالطبیعة الثانویة للإنسان حتى یصدق أنّه مستقیم، فإنّ الإستقامة فی بعض الأوقات دون بعض لایوجب صدق الإستقامة ولعل أن یكون هذا هوالمراد بالملكة فیكلام من إعتبرها فی العدالة فإنّ بذلک ترتفع المخاصمة من البین وتقع المصالحة بین الطرفین. وعلى هذا یمكن أن لا یكون شخص عادلا وفاسقاً إذا كان ترک المحرمات والإتیان بالواجبات مستنداً إلی عدم المقتضى لفعل الحرام أو ترك الواجب، كما إذا لم تكن له قوة شهویة أو غضبیة باعثة إلی فعل الحرام أو ترك الواجب، فمثله لیس بسالک لطریق الشرع وإن لم یكن منحرفًا عنها ایضاً فهو فی الحقیقة خارج عن موضوع العدالة والفسق. أمّا أنّه لیس بعادل فلأنّه لم یسلک طریق الشرع برادع عن المحرمات والإنحرافات وأمّا أنّه لیس بفاسق فلأنّه لم یخرج عن طریق الشّرع بفعل المحرمات[704].
ولا فرق فی الرادع بین أن یكون تسلط القوة العاقلة على العقل العملی أو رجاء الثواب أو الخوف من العقاب كما هو الغالب.
وأمّا إذا كان الرادع أمراً محرّماً فی نفسه كالرّیاء فلاشک أنّ الریاء محرم ومرتكبه محکوم بالفسق والإنحراف عن طریق الشرع، وأمّا إذا كان أمراً مباحاً، كما إذا ردعته عن إرتكاب المحرّم شرافته ووجاهته لأنّهّ لو إرتكبه سقط عن أعین الناس فهذه الصورة ایضاً خارجة عن موضوع الفسق والعدالة والمكلّف حینئذ لیس بعادل ولابفاسق[705].
الصغائر قادحة فیالعدالة أم لا؟
لاشكّ أنّ الكبائر – هی التی أو عد الله علیه النار فی كتابه – كما فی روایة[706]. عبد الله بن ابی یعفور قال: قلت لأبی عبد الله : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتى تقبل شهادته لهم وعلیهم؟
فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف، وكف البطن والفرج والید واللسان ویعرف باجتناب الكبائر التی أو عدالله علیها النار من شرب الخمر، والزنا، والریاء وعقوق الوالدین والفرار من الزحف وغیر ذلك والدلالة على ذلك كله أن یكون ساترة لجمیع عیوبه حتى یحرم على المسلمین مأوراء ذلک من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلك إلی…[707]. هادمة للعدالة ومانعة عن تحققها.
وأمّا الصغائر فهل هی كالكبائر أولاً؟
ذهب جمع إلی أنّ المعاصی كلّها كبیرة فی نفسها فإنّ المعصیة كبیرة على كل حال، وإنّما تقسم المعاصی إلی الصّغائر والكبائر من جهة مقایستها بما هو أعظم منها، وذلک لوضوح أن معصیة الزنا اكبر وأعظم من معصیة الغیبة، كما أنّ معصیة قتل النفس المحترمة أعظم من معصیة الزّنا وهكذا وعلى هذا فكلّ معصیة تنافی العدالة.
المعروف أنّ الصغائر غیر قادحة فی العدالة الّا بالاصرار على إرتكابها، فإنّ الإصرار على الصغیرة بنفسه من الكبائر ولا صغیرة مع الاصرار[708].
و إستدل لما ذهب إلیه المشهور بوجوه:
الأوّل: وهو العمدة روایة عبد الله بن ابی یعفور المتقدمة لما ورد فیها من قوله: وتعرف باجتناب الكبائر التی أوعد الله علیها النار. بتقریب إنّ الإجتناب عن الصغائر ایضاً لوکان معتبراً فی العدالة لم یكن للحصر بإجتناب الكبائر وجه.
و یرد على ذلك من وجوه:
الأوّل: أنّه، كما ذكرنا آنفا أنّها لیست بروایة معتبرة لضعف سندها لأجل احمد بن یحی العطار على طریق الصدوق ومحمد بن موسى الهمدانی على طریق الشّیخ وهما لم یوثقا فی كتب الرّجال.
الثانی: أنّ إجتناب الكبائر معرّف اصولی، لغوى وطریق وأمارة للعدالة فی ظرف الجهل وعدم العلم بأنّه هل یرتكب الصغائر أم لا؟ ولیس معرّفاً منطقیاً حتى تكون حقیقة العدالة هو إجتناب الكبائر، فإذا علم بأنّه یرتكب الصغائر فیعلم إنحرافه عن طریق الشریعة، فكیف یحكم بعدالته؟
الثالث: قد ورد فی ذیلها: (والدلالة على ذلك كله أن یكون ساترة لجمیع عیوبه) ومعنى ذلك أنّ الستر لجمیع العیوب معتبر فی إستكشاف العدالة، فإنّ ارتكب الصغیرة فی مرئى الناس وإن لم یتوعد علیه بالنار فی الكتاب لا یكون ساترة لجمیع عیوبه، على أنّه لو إرتكب الصغیرة، لأنطمئن بأنّه لایرتكب الكبیرة فی المستقبل فالاجتناب عن الكبائر، طریق للعدالة فی ظرف الجهل بالحال لا عند العلم بالإنحراف عن الطریق ولو بالإرتكاب الصغائر.
و إستدل المشهور ایضاً على ما ذهب إلیه بوجوه آخر لا مجال لذكرها وردّها فلیراجع إلی كتب المفصّلة.[709]
والمحقّق الهمدانی(ره) فی المقام قد فصّل فی الصغائر بین ما كان صدورها عن عمد والتفات تفصیلى إلی حرمتها فإنّها حینئذ كالكبائر قادحة فی العدالة، وبین ما إذا صدرت لا عن التفاوت إلی حرمتها، كما إذا صدرت غفلة أو لعذر من الأعذار العرفیة وذكر أنها غیر قادحة فی العدالة[710].
ولا یخفى أنّ ما أفاده(ره) لا یرجع إلی محصّل وذلک: لأنّ إرتكاب الصغیرة لا عن عذر وغفلة فلاشبهة أنّه یوجب الفسق والإنحراف وأمّا إذا كان عن غفلة فلا كلام فی أنّ إرتكابها غیر مضر للعدالة من دون فرق بین الكبائر والصغائر وأمّا إذا كان عن عذر عرفی فإن بلغ ذلک مرتبة یراه الشارع أیضاً عذراً فی الإرتكاب كما إذا بلغ مرتبة العسر والحرج فلا إشکال فی إرتكابه وعدم كونه موجباً للفسق والإنحراف بلا فرق فی ذلك بین الكبیرة والصغیرة.
وأمّا لو لم یبلغ العذر العرفی مرتبة یراه الشارع معذراً فلا مناص من الحكم بحرمة إرتكابه وعصیانه وإستلزامه الفسق والإنحراف إذا الصحیح أنّ ارتکاب المعصیة كبیرة كانت أم صغیرة تستتبع الفسق والإنحراف وینافی العدالة سواء إستند إلی عذر عرفی أم لم یستند[711].
المراد منالكبائر
تنبیه: الكبائركل معصیة ورد التوعید علیها بالنار أو بالعقاب أو شدَّد علیها تشدیداً عظیماً، أو دلّ دلیل أو حكم العقل بأنّها كبیرة، أوکان فی إرتكاز المتشرعة كذلک أو ورد النصّ بكونها كبیرة[712].
الکبائر المنصوصة علیها فیالأخبار
الكبائر المنصوصة علیها فیالأخبار:
1- الشرك بالله ۲- قتل النفس التی حرّم الله ۳- والزنا 4- والسرقة 5- وشرب الخمر 6- وعقوق الوالدین ۷- والفرار من الزّحف ۸- وأكل مال الیتیم 9- وأكل المیتة ۱۰- وأكل الدم ۱۱- وأكل اللّحم الخنزیر ۱۲- وأكل ما أهل لغیر الله ۱۳- وأكل الرباء ۱۴- والسحت[713] ۱۵- والمیسر ۱۶- والبخس[714]
۱۷- والقذف ۱۸واللواط ۱۹- وشهادة الزور ۲۰- والیأس من روح الله ۲۱- والأمن من مكر الله ۲۲- والقنوط من رحمة الله[715] ۲۳- ومعونة الظالم ۲۴- والیمین الغموس ۲۵- وحبس الحقوق ۲۶- والكذب ۲۷- والكبر ۲۸- والإسراف ۲۹- والتبذیر ۳۰- والخیانة ۳۱- وترک الحجّ ۳۲- ومحاربة الأوّلیاء ۳۳- واللهو ۳۴- والسحر ۳۵- وكتمان الشهادة ۳۶- وترک الصّلاة ۳۷- ونقض العهد ۳۸- وقطع الرحم ۳۹- والتعرّب بعد الهجرة[716] ۴۰- وإنکار حق أهل البیت ۴۱- والحیف فی الوصیة ۴۲- والغناء ۴۳- وإنکار ما انزل الله ۴۴- وترک شیء مما فرضه الله ۴۵- والإصرار على الذنب (۵) ۴۶- والغیبة ۴۷- والنمیمة ۴۸- والإستخفاف بالحجّ ۴۹- ومنع الزكاة[717].
أقسام الولایة
تنقسم الولایة بالقسمة الأوّلیة إلی نوعین تكوینیة حقیقیة، وإنشائیة اعتباریة والأوّل على اصناف:
أحدها: ولایة الله تعالی على جمیع الموجودات، فبتلک الولایة أنشأها وخلقها وبها حفظها وأدام بقاءها وبها تصرّف فیها ودبّر أمرها وبها ینفیها إذا شاء فناء ها فله الخلق والأمر.
و ثانیها: ولایة الملائكة على عالم التكوین على اختلاف مقاماتهم وشئونهم فإنّ بهمملأ الله السموات والأرض وجعل هم مدبرات امرهم ومقسماته.
ثالثها: ولایة النّبی الأعظم والأئمة التكوینیة على العالم واجزائه لقوله: وذلّ كلّ شیء لكم[718] وغیره من النصوص الكثیرة، بل وهذه الولایة كانت ثابتة للأنبیاء ایضاً فی بعض مراتبها كقوله تعالی: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ یأْتینَكَ سَعْیاً»[719] وقوله تعالی: «فَأَنْفُخُ فیهِ فَیكُونُ طَیراً﴾[720]. وقوله تعالی: ﴿خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعیدُها سیرَتَهَا الأوّلى﴾[721].
رابعها: ولایة الإنسان على نفسه التكوینیة، بل ولایة كل أنواع الحیوانات على أنفسها بمعنى ولایة روحه على جسمه وأعضاء بدنه، یتصرف فیها بجمیع أنواع التصرف وفق مشیّته وإرادته[722].
النّوع الثّانی ایضاً على أقسام:
أولها: ولایة النّبی الأعظم على احكام الشرعیة فی الجملة، فإنّ الله قد فَوَّضَ أمر مجموع قواعد الدین وقوانینیة التی أنزلها من السماء إلیه، وجعل له الولایة علیها لیزید فیها وینقص حسب ما رآه صلاحاً للاُمّة، من حیث مجتمعهم ومن حیث الأزمنة والأمكنة التی یعیشون فیها، وقد عمل على وفق هذه الولایة وتصرّف فی الأحکام فی موارد كثیرة یجدها الباحث الفاحص، والظاهر ثبوت هذه الولایة للأئمة المنصوبة من قبل الله تعالی لادارة أمور الاُمّة.
ثانیها: ولایة النبی الأعظم والإئمة على نفوس الاُمّة وأموالهم، والظاهر ثبوتها للأنبیاء الماضین أیضأ بالنّسبة لاُمّتهم.
ثالثها: ولایة المنصوبینمنقبلالمعصوم بنصب خاص أو عام على الاُمّة نفوسهم وأموالهم، فإنّها ولایة إنشائیة تشریعیة جعلها من بیده أمر هذه الولایة.
رابعها: ولایة القضاة المنصوبین من ناحیة ولی الأمر وحاكم الاُمّة، فإنّ لهم الولایة على المتحاكمین وغیرهم بما یستلزمه ولایة الحكم وإتمام القضاء، فلهم الإجبار وأخذ الحقّ، والمال، والأسجان، والضرب متى إقتضته القضأوة.
خامسها: ولایة أمراء الجیوش ورؤساء العساكر على إختلاف طبقاتهم وتعدد مراتبهم كل بالنّسبة إلی من یلیه ویكون تحت نظره وسلطانه وتربیته، فإنّ ذلک ولایة مجعولة منشعبة متفرعة عن ولایة نفس الحاكم على الاُمّة وعلى الجنود.
سادسها: ولایة الأب والجد على الصغار من أولادهما والمجانین فی حال صغرهم وجنونهم، ولایة على نفوسهم بتربیتهم وإجبارهم على ماهو صلاحهم وعلى أموالهم بالتصرّف فیها حسب إقتضاء المصلحة.
سابعها: ولایة الاُمّ على أولاًدها فیما یتعلّق بشیء دون الحضانة المجعولة فیحقها.
ثامنها: ولایة الأب والجد للأب على البكر البالغة الرشیدة فی تزویجها الأوّل على اختلاف فی ذلک أحوطه ذلک.
تاسعها: ولایة كل بالغ عاقل عارف بالمعروف والمنكر من الدین، على غیره من كل ممّاثل له فی خصوص أمره بالمعروف ونهیه عن المنكر فی مرتبتها الأوّلى أو الثانیة.[723]
هذا ما أردنا ذكره من المباحث الفقهیة وقد تمّ بالخیر.
3
حول المباحث المنطقیة
المراد من المنطق
المنطق: إمّا مصدر میمی بمعنى النطق، أطلق على العلم المذكور مبالغة فی مدخلیته فی تكمیل النطق حتى كأنّه هو وإمّا إسم مكان كان هذا العلم محل النطق.
وإنّما سمّى المنطق منطقاً؛ لأنّ النطق یطلق على الظاهری وهو التکلّم، وعلى الباطنی وهو إدراك الکلّیات. وهذا العلم یقوىّ الأوّل ویسلك بالثانی مسلك السداد فاشتق له إسم من النطق[724].
ألّفه الحكیم أرسطاطالیس، الملقّب بالمعلّم الأوّل[725]. وهو میراث ذی القرنین، واختلفوا أنّه من الحكمة أم لا؟ قیل هو من العلوم الآلیة حدّه وکنهه جمیع المسائل التی لها دخل فی عصمة الذهن عن الخطاء فی الفكرأو القدر المعتدّبه، فهو علم عملی آلی كما أنّ الحكمة علم نظری غیر آلی وقیل هو، منها: إن فسّرنا الحكمة بخروج النفس إلی كمالها الممكن فی جانبی العلم والعمل لا، إن فسّرناها بالعلم بأحوال أعیان الموجودات على ما هی علیه فی نفس الأمر بقدر الطاقة البشریة؛ لأنّ موضوع المنطق هو المعقولات الثانیة ولیست بأعیان.
وقال الحكیم السبزواری فی لئآلیه ما هو لفظه: بل هو من الحكمة وإن فسرت بالثانی، لأنّ المراد بأعیان الموجودات، الموجودات الخارجیة، والمعقولات الثانیة، خارجیة من وجه؛ لأنّ کلّ موجود ذهنی، خارجی فی نفسه، وإنّما هو ذهنی بالقیاس إلی الخارج؛ لأنّها هیئات لنفسه، والنفس خارجیة وهیئة الأمر الخارجی، خارجیة وكیف لا یكون من الحكمة ووضعه؛ لأنّ یكون آلة للحكمة وینظر به إلیها. وما به ینظر إلی الشیء، فانٍ فیه فهو، هو لكن من حیث إنّه ینظر به لا من حیث إنّه ینظر فیه [726].
تعریف المنطق
وینبغی أن نذكر هنا ماذكره القوم فی تعریف المنطق
الأوّل تعریف المشهور: المنطق آلة[727] قانونیة[728]. تعصم[729]. مراعاتها الذهن
عن الخطاء فی الفكر.
الثانی: تعریف الشیخ الرئیس أبی على السینا المنطق آلة قانونیة تعصم مراعاتها عن أن یضل فی فكره، هذا رسم للمنطق مقیس إلی غیره وذکر رسم المنطق بحسب ذاته: «المنطق علم یتعلم فیه ضروب الانتقالات من أمور حاصلة فی ذهن الإنسان إلی أمور مستحصلة» [730].
الثالث تعریف الفارابی: «المنطق عیار العقل فیما یمكن أن یغلط فیه من المعقولات»[731].
موضوع المنطق
إعلم أنّ الأقوال فی موضوع المنطق ثلاثة:
الأوّل: أنّه المعقولات الثانیة من حیث یتوصل بها من معلوم إلی مجهول وذهب إلیه أهل التحقیق[732].
والثانی: أنّه المعلوم التصوّری والتصدیقى من حیث یوصل إلی مطلوب تصوری وتصدیقی وإلیه ذهب أکثر المتأخرین[733].
والثالث: أنّه الألفاظ من حیث إنّها تدلّ على المعانی وقد سبق إلیه بعض الأوهام كما فی شرح المطالع لأنّ نظر المنطقی بالقصد الأوّل لیس إلاّ فی المعانی المعقولة ورعایة جانب الألفاظ إنّما هی بالعرض[734].
غرض المنطق
حیث إنّ الفكر قد ینتهی إلی النتیجة كحدوث العالم وقد ینتهی إلی نقیضها کقدم العالم فأحد الفكرین خطاء لامحالة وإلّا لزم اجتماع النقیضین فلابدّ من قاعدة کلّیة لو روعیت لم یقع الخطاء فی الفكر وهو المنطق فالغرض منه حفظ الذهن عن الخطاء فی الفكر وبعبارت أخری: تصحیح أفكار الإنسان وإرشاده إلی طریق الإستنتاج الصحیح.
المراد من المقدّمة
مقدّمة اسم فاعل من قدّم متعدی أو من قَدِم لازم، وفی کلتی صورتین یلزم الإشكال، والأوّل باطل؛ لأنّ معناها ذات یصدر منها: التقدّم لقارئها على غیره والوصف المتعدى فی مقام الإطلاق یذكر مع مفعوله، فلو كانت المقدّم مأخوذة منه لقیل مقدّم القاری.
والثانی: یكون معناها ذات تلبست بالتقدّم مع أنّها قد وقع علیها التقدّم من المؤلف.
وجوابه: أنّا نختار الأوّل ونقول إنّ الأوصاف المتعدّیة قد تؤخذ عنواناً بلا متعلقها فیقال جاء القائد ونختار الثانی ونقول كونها أوقع علیها التقدّم لاینافی كونها بالذات وبالطبع متلبّسة بالتقدّم لإحتیاج المقصود إلیها طالما[735] وافق الوضع الطبع.
قالوا إنّ التاء فی المقدّم للدلالة على نقلها من الوصفیة إلی الإسمیة نظیر الكافیة والشافیة والعلّامة، ویرد علیهم أنّ التاء موجودة فی المقدّم حال كونها وصفاً لأنّها على ما زعموا وصف لطائفة المتقدّم من الجیش والمنقول یجب أن یبقى على هیئة المنقول منه فلا داعی للإلتزام بتبدیل تاء التأنیث بتاء النقل[736].
الفرق بین مقدّمة الكتاب ومقدّمة العلم
إلتزم المنطقیون فی مقدّمة الكتاب بكونها طائفة من الکلّام تنفع فی المقصود وفی مقدّمة العلم بكونها. طائفة من المعانی یجب الإطلاع علیها، فالفرق بینهما عندهم من وجهین:
أحدهما كون کلّ منهما. من مقولة غیر مقولة الأخری، فمقدمة الكتاب من مقولة الکلام ومقدمة العلم من مقولة المعانی.
وثانیهما أنّ مقدّمة الكتاب تنفع المقصود ومقدّمة العلم یجب الإطلاع علیها.
ویرد علیهم إیراد واحد وهو أنّه لا داعی إلی جعل مقدّمة الكتاب عبارة عن الکلام وجعل مقدّمة العلم عبارة عن المعانی، إذ مقدّمة الشیء حقیقة عبارة عن الأمر الذی قدم علیه ونفع فیه كما هو ظاهر معناها الوصفی فالألفاظ إذا دلت على أمور تنفع فی العلم فهی باعتبار تلك المعانی مقدّمة علم كما أنّ المعانی لو كانت تنفع فی الكتاب كانت مقدّمة كتاب وكذا النقوش وغیرها ممّا یدلّ على أمور تنفع فی ذلك.
نعم الذی ینفع أولاً وبالذّات فی الكتاب والعلم هی المعانی ولكن الدّال علیها باعتبار أنّه عنوان و وجه لها یسری النفع إلیها فیصح نسبة النفع على الألفاظ أو النقوش بالعرض والمجاز[737].
المراد من التصوّر والتّصدیق
المراد من التصوّر: هو إدراك أمر واحد أو أمور متعددة من دون إذعان بالنسبة. والتصدیق عبارة: عن الإعتقاد بالنسبة الخبریة ثبوتیة كانت أو سلبیة. وقال المحقق المظفّر، المراد من التصدیق: صورة المطابقة للواقع التی تعقلتها وأدركتها[738].
التصدیق بسیط أو مركّب؟
إختلفوا فی حقیقة التصدیق إلی ثلاثة أقوال:
1. ماذهب إلیه الحكماء من أنّه نفس الإذعان والحكم، ونكتفی هنا من کلّمات الحكماء بما أفاده صدر المتألهین فی صدر رسالته فی التصوّر والتصدیق، فی تقسیم العلم إلی التصوّر والتصدیق قال: ولا یخفى أنّ انقسام العلم إلی قسمیه أعنی التصوّر والتصدیق انقسام معنى جنسى إلی نوعین متقابلین، وأنّ لکلّ منهما وحدة طبیعیة غیر تألیفیة ولاصناعیة، بل هما كیفیتان بسیطتان موجودتان فی النفس، وهما من الكیفیات النفسانیة التی وجودهما فی نفس الأمر هو كونها حالة نفسانیة كالقدرة والإرادة والشهوة والغضب والحزن والخوف وأشباهها[739].
ولو سئلت الحق فهما نحو أنّ من الوجود الذهنی یوجد بها معلومات فی الذهن وأما مفهوماً فهما من قبیل المعلومات التی هی من المعقولات الثانیة التی یبحث عنها المنطقیون فی صناعتهم، لا من قبیل العلم وإلّا لم یكن تعریفهما.
وعلی أی الوجهین هما أمران بسیطان أما على الأوّل فلأنّ هما نحوان من الوجود، وکلّ وجود بسیط، ومع بساطته یتشخّص بذاته لا بأمر زائد.
وأما على الثانی: فهما نوعان من مفهوم العلم مندرجان تحت معنى العلم اندراج النوعی البسیطی تحت معنى الجنسی کالسواد والبیاض تحت اللون لا كالإنسان والفرس تحت الحیوان، ولا كالأسود والأبیض تحت الإنسان من المركبات الخارجیة، وکلّ ما هو نوع بسیط فی المعنى فلیس لجنسه تحصّل إلّابفصله بل هما واحد جعلاً وتحصّلاً.
٢. للإمام فخرالدین الرازی[740] ومن تبعه أنّه: مركّب من مجموع تصوّر المحكوم علیه وتصوّر المحكوم به وتصوّرالنسبة الحكمیة والحكم.
٣. لصاحب الكشاف وماتابعوه من أنّه: مركبّ من الأمور الثلاثة تصور الموضوع، وتصوّر المحمول، والنسبة وأنّ الحكم عارض لها فالحكم على القول الأوّل نفس التصدیق وعلى الثانی جزئه وعلى الثالث خارج عنه عارض له.
أقسام التصدیق
إعلم أنّ مَن تصور النسبة الحكمیة فإمّا أن یكون الصورة الحاصلة عنده بحیث تتأثّر عنها كقولك فی الترغیب: الخمر یاقوتیة سیالیة لذیذة وفی التنفیر العسل مرّة مهوّعة أم لا؟ وعلى الأوّل، تسمّی تخییلاً وعلى الثانی، فإمّا أن تكون تلك النسبة متساویة الطرفین بحیث لا یترّجح عنده واحد منهما فتسمّی شكاً وأمّا أن لا تكون متساویتهما فإمّا أن یحصل القطع بأحدهما أم لا؟ وعلى الثانی، تسمّی وَهما، إن كانت مرجوحة وظنّاً إن كانت راجحةً وعلى الأوّل إمّا أن تكون ذلك الطرف المقطوع العدم؟ فتسمّی كذباً وأمّا أن یكون الوجود فتسمّی جزماً وهی إمّا أن تكون مطابقاً للواقع أو لا؟ وتسمّی الثانیة جهلاً مركباً والأوّلى یقیناً إن كانت بحیث لا یقبل التشكیك وتقلیداً إن كانت بحیث تقبله فهذه صور ثمّان، أربع منها: لیست بتصدیق لعدم الإذعان.
فجعل الجهل المركب من أقسام التصدیق نظرا إلی أنّه یتضمّن الإعتقاد والجزم وإن خالف الواقع ولكنّا إذا دققّنا تعریف العلم نعرف إبتعاد هذا الزعم عن الصواب لأنّ معنی حضور صورة الشیء عند العقل أن تحضر صورة نفس ذلك الشیء أمّا إذا حضرت صورة غیره بزعم أنّها صورته فلم تحضر الشی، بل صورة شیء آخر زاعماً أنّها هی.[741]
المراد من المعرّف والحجّة
المعرّف عبارة: عن المعلوم التصوّری من حیث إنّه یوصل إلی مجهول تصوری كالحیوان الناطق الموصل إلی تصور الإنسان.
وجه تسمّیته: من باب تسمّیة الدّال باسم المدلول لأنّه یعرّف ویبین حال المجهول التصوّری.
الحجّة فی اللغة: الغلبة، وفی الإصطلاح هو المعلوم التصدیقى من حیث إنّه یوصل إلی المجهول التصدیقى ویسمّى الحجّة من باب تسمّیة السبب باسم المسبّب لكون هذا المعلوم التصدیقی سبباً لذلك الغلبة[742]. والحجّة فی المنطق تنقسم إلی ثلاث أقسام:
القیاس والتمثیل والإستقراء؛ لأنّ الإستدلال إمّا من حال الکلّی على حال جزئیاته وإمّا من حال الجزئیات على حال کلّیها وإمّا من حال أحد الجزئین المندرجین تحت کلّی على حال الجزئی الآخر فالأوّل هو القیاس، الثانی هو الإستقراء والثالث هو التمثیل.
وأمّا الحجّة عند الأصولی لقد ذكرنا فی مباحث الأصولیة.
المراد من النظر والفکر
التعریف المشهور عند المتقّدمین «الفكر حركة ذهن الإنسان من المطالب نحو المبادى والرجوع عنها إلی المطالب »[743]. توضیح ذلك إذا أرید تحصیل مجهول مشعور به من وجه، انتقل الذهن منه وتحرّك نحو المعقولات إلی أن یجد مبادی هذا المطلوب ویتصوّرها ثمّ ینتقل منها: بترتیبها إلی ذلك المجهول المطلوب فیحصل هناك انتقالان.
و أمّا تعریف الفكر عند المتأخرین: «فهو ترتیب أمور معلومة للتّأدى إلی المجهول[744]». فالانتقالان خارجان عن حقیقة الفكر بل هو حاصل من الانتقال الثانی وأخصر التعاریف ما ذكره سعد الدّین التفتازانی فی تهذیب المنطق: «النظر ملاحظة المعقول لتحصیل المجهول»[745]. والعلّامة المظفر فی المنطق: «حركة العقل بین المعلوم والمجهول»[746]. وقال إنّ الفكر عند أکثر الناس عبارة عن الحركات الثلاث:
۱. حركة العقل من المشکل (المجهول) إلی المعلومات المخزونة عنده.
۲. حركة العقل – ثانیا- بین المعلومات، للفحص عنها وتألیف ما یناسب المشکل ویصلح لحلّه.
۳. حركة العقل – ثالثاً – من المعلوم الذی استطاع تالیفه ممّا عنده إلی المطلوب. نعم من له قوّة الحدس یستغنی عن الحركتین الأوّلیین وإنّما ینتقل رأساً بحركة واحدة من المعلومات إلی المجهول فلذلك یكون صاحب الحدس القوى أسرع تلقّیاً للمعارف والعلوم، بل هو من نوع إلهام وأول درجته.
وأمّا الفكر عند جمهور الناس فهو کلّ انتقال للنفس فی المدركات الجزئیة.
وبعبارت أخری یقول الجمهور فی کلّ انتقال لأیة مدركة من المدارك الباطنة من صورة جزئیة إلی أخری، وعلی أی وجه كان الانتقال، إنّ هذه النفس تتفكّر.
أقسام المبادیء
المبادیء تنقسم باعتبار ذاتها إلی المبادى التصوّریة والتصدیقیة وباعتبار الغایة والنتیجة تنقسم إلی المبادی الخاصة والعامة وکلّ واحد منهما إمّا أن یكون فی التصوّرات أو التصدیقات فیصیر المجموع ستة:
١. المبادى التصوّریة: هی الحدود والرسوم نحو الإنسان حیوان ناطق أو الإنسان حیوان ضاحك. وقبل المبادى التصوّریة هی التی توجب معرفة الموضوع أو المحمولات[747].
٢. المبادى التّصدیقیة: هی القضایا المؤلّفة منها: الأقیسة والإستقراء والتمثیل نحو: الأربعة زوج وکلّ زوج ینقسم متساویین فالأربعة تنقسم بمتساویین. ونحو: کلّ حیوان إمّا ناطق أو غیر ناطق وکلّ ناطق من الحیوان حساس وکلّ غیر ناطق من الحیوان حساس ینتج کلّ حیوان حساس ونحو: النبیذ حرام؛ لأنّ الخمر حرام وعلة حرمته الإسکار وهو موجود فی النبیذ. وقیل المبادى التّصدیقیة هى الأدلة توجب التصدیق بثبوت المحمولات لموضوعاتها[748].
٣. المبادیء الخاصة فی التصوّرات: مثل الفصول والأعراض الخاصة. نحو: الإنسان ناطق أو الإنسان ضاحك
۴. المبادیء العامة فی التصوّرات: مثل الأجناس والأعراض العامة المأخوذة فی التعریفات. نحو الإنسان حیوان أو الإنسان ما شیء.
۵. المبادی الخاصة فی التصدیقات: مثل قضایا مخصوصة لها خصوصیات بمطالب مخصوصة. نحو زید عالم وکلّ عالم له منزلة عند الناس فزید له منزلة عندهم.
۶. المبادیء العامة فی التصدیقات: مثل كبریات القیاسات. نحو النقیضان لایجتمعان ولایرتفعان.
أقسام المبادی التصدیقیة
المبادى التصدیقیة من حیث مادة القضیة «صناعات الخمس» تنقسم إلی خمسة أقسام:
الأوّل المبادی العلمیة: وهی ما تكون مادة لقضیة بدهیة غیر قابل للإنکار وهی على ستة انواع بحكم الإستقراء:
١. الأوّلیات؛ وهی قضایا یصدق بها العقل لذاتها
٢. المشاهدات؛ وهی القضایا التی یحكم بها العقل بواسطة الحس.
٣. التجربیات؛ وهی القضایا التی یحكم بها العقل بواسطة تكرر المشاهدة منا فی إحساسنا.
۴. المتواترات؛ وهی قضایا تسكن إلیها النفس سکوناً یزول معه الشك ویحصل الجزم القاطع.
۵ . الحدسیات؛ وهی قضایا مبدأ الحكم به حدس من النفس قوىّ جداً یزول معه الشك ویذعن الذهن بمضمونها.
۶. الفطریات؛ وهی القضایا التی قیاساتها معها.
الثانی المبادى الظنیة: وهی ما تكون مادة القضیة خطابیاً أی من المظنونات التی یحتمل خلافها. نحو: زید یطوف باللیل وکلّ من یطوف باللیل فهو سارق فزید سارق.
الثالث المبادی الوهمیة: وهی ما تكون مادة القضیة مغالطیّاً أو سفسطیاً وهی تكون قضیة كاذبة لاظل لها من الحقیقة نحو: کلّ إنسان بشر وکلّ بشر عادل فکلّ إنسان عادل.
الرابع المبادى التسلیمیة: وهی ما تكون مادة القضیة جدلیّاً بأن حصل التسالم بینك وبین غیرك على التسلیم بأنّها صادقة، سوا كانت صادقة فی نفس الأمر، أو كاذبة، أو مشكوكة، نحو قتل الإنسان ذبح وذبح الحیوان قبیح فقتل الإنسان قبیح.
الخأمس المبادى التخیلیة: وهی عبارة عن المبدأ الذی یكون مادته شعری والغرض منه حصول الانفعالات النفسانیة، كما یقال: فی الترغیب بشرب الخمر. هذا خمرو کلّ خمر یاقوتیة سیالة فهو یاقوتیة سیالة.
أقسام الدلالة
الدلالة تنقسم إلی أقسام كثیرة بالإعتبارات المتعددة:
الأوّل: الدلالة باعتبار الملازمة من كونها ذاتیة أو طَبْعیة أو وضعیة تنقسم إلی أقسام ثلاثة، من العقلیة والطبعیة والوضعیة وکلّ واحد منها: ینقسم إلی اللفظیة والعقلیة فیصیر المجموع ستة:
١. الدلالة العقلیة اللفظیة؛ كدلالة لفظ زید المسموع من وراء الجدار علی وجود اللاّفظ مثلاً.
٢. الدلالة العقلیة غیر اللفظیة؛كدلالة الدخان على النار.
٣. الدلالة الطبعیة اللفظیة؛كدلالة أُح أُح على وجع الصدر.
۴. الدلالة الطبعیة غیر اللفظیة؛ كدلالة سرعة النبض على الحمى.
۵. الدلالة الوضعیة اللفظیة؛كدلالة لفظ زید على ذاته.
۶. الدلالة الوضعیة غیر اللفظیة؛ كدلالة دوال الأربع (الخطوط والعقود والإشارات والنصب على مدلولها)
والمحقق المظفّر قسّم الدلالة الوضعیة فقط إلی اللفظیة وغیر اللفظیة[749]. والحكیم السبزواری فی لئآلیه کملّا عبد الله فی حاشیة التهذیب قسّم کلّ واحد من الوضعیة والعقلیة والطبعیة إلی قسمین لفظیة وغیر لفظیة.
أقسام الدلالة الوضعیة
الثانی: الدلالة الوضعیة اللفظیة تنقسم إلی أقسام ثلاثة:
١. الدلالة المطابقیة: وهی دلالة اللفظ على تمام معناه الموضوع له كدلالة لفظ الإنسان على تمام معناه، وهو الحیوان الناطق
٢. الدلالة التضمّنیة: وهی دلالة اللفظ على جزء معناه الموضوع له كدلالة لفظ الإنسان على الحیوان وحده.
٣. الدلالة التزامیة: وهی دلالة اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له لازم له كدلالة لفظ العمى على البصر.
النسبة بین دلالة المطابقیة والتضمّن والتزام العام والخاص، کلّما صدق التضمّن أو التزام صدق المطابقة لأنّ دلالة اللفظ على جزء المعنى أو الخارج اللازم فرع دلالة اللفظ على تمام معناه ولیس العكس إذ یجوز أن یكون للفظ معنى بسیط لاجزء له ولا لازم له فیتحقق المطابقة بدون التضمّن والتزام.
و أمّا النسبة بین التضّمن والتزام عموم وخصوص من وجه لتصادقهما فیما كان للشیء معنی مرکبّ وله لازم عقلی أو عرفی وقد یصدق التضمن دون التزام فیما كان للشیء معنى مركّب لا لازم له وقد یكون بالعكس فیما إذا كان للشی معنى بسیط له لازم.
دلالة المطابقة بالوضع فقط، ودلالة التضمّن التزام بمشاركة الوضع والعقل، كما فی أساس الإقتباس للمحقق الطوسی[750]. وإمّا عند علماء البیان فیسمّى الأوّل، بالوضعیة والاخر بالعقلیة، كما قال الخطیب القزوینی فی أوّل البیان من تلخیص المفتاح: «دلالة اللفظ إمّا على تمام ما وضع له، أو على جزئه، أو خارج عنه» ویسمّى الأولى وضعیة، وکلّ من الآخریین عقلیة[751].
الثالث، انحصار الدلالة الوضعیة بالدلالة التصدیقیة.
إنّ الدلالة على أقسام ثلاثة: (باعتبار دلالة اللفظ على المعنى وإرادته)
١. الدلالة التصوّریة: هی انتقال الذهن إلی المعنى بمجرد سماع اللفظ وهذه الدلالة قهریة لا تتوقف على غیر العلم بالوضع.
٢. الدلالة التفهیمیة المعبّر عنها بالدلالة التصدیقیة أیضاً، وهی عبارة عن ظهور اللفظ فی كون المتکلّم به قاصدا لتفهیم معناه. وهذه الدلالة تتوقف زایداً على العلم بالوضع على احراز أنّه فی مقام التفهیم ولم ینصب قرینة متصلة على الخلاف.
٣. الدلالة التصدیقیة: وهی دلالة اللفظ على أنّ الإرادة الجدیة على طبق الإرادة الإستعمالیة. وهذه الدلالة تتوقف على إرادة المتکلّم لمضمون کلامه، هذه الدلالة ثابتة ببناء العقلاء. الدلالة التی تكون تابعة للإرادة هی هذه الدلالة لا القسمین الأولین.
قد وقع الکلّام بین الأعلام فی أنّ الدلالة الوضعیة هل هی الدلالة التصوّریة أو أنّها الدلالة التصدیقیة؟
فالمعروف والمشهور بینهم هو الأوّل، بتقریب أن الانتقال إلی المعنى عند تصور اللفظ لابد أن یستند إلی سبب وذلك السبب إمّا الوضع أو القرینة، وحیث إنّ الثانی منتف فیتعین الأوّل، وذهب جماعة من المحقّقین إلی الثانی، كما هو التحقیق بحسب ما یقتضیه نظر الدقیق.
بناء على أنّ الوضع عبارة: عن التعهد والإلتزام، فواضح لعدم المعنى للإلتزام بكون اللفظ دالا على معناه ولو صدر عن لافظ بلا شعور واختیار فلا یقع الأمر غیر الإختیاری طرفاً للتعهد، والإلتزام وأمّا الدلالة التصوّریة كما ذكرنا عبارة: عن انتقال المعنى من سماع اللفظ فهی غیر مستندة إلی الوضع. وهذا ما اختاره الإمّام الخوئی (ره) كما فی مصباح الأصول.
الحقیقة والمجاز
اللفظ إن استعمل فی معناه الموضوع له فهو حقیقة[752] وإن استعمل فی غیر ما وضع له لعلاقة فإن كانت العلاقة هی المشابهة فذلك المجاز استعارة كأسد فی قولنا: «رأیت اسداً یرمی» وإن كانت العلاقة غیر المشابهة من سایر أنواع العلاقة بین المعنى الحقیقى والمجازی فالمجاز مرسل.
المجاز، فی الأصل من جاز المكان یجوزه إذا تعدّاه نقل إلی الکلمة الجائزة؛ أی المتعدیة مكانها الأصلی أو الکلمة المجوز بها على معنى أنّهم جازوا بها مكانها الأصلی. «المطول»
أقسام العلاقة
المجاز المرسل یقع على وجوه كثیرة:
1. إطلاق السبب على المسبب کالید على النعمة وهی موضوعة للجارحة المخصوصة لكن من شأن النعمة أن تصدر منها: وتصل إلی المقصود بها فالجارحة المخصوصة بمنزلة العلة الفاعلیة لها، وعلى القدرة لظهور سلطانها بها ومنه قولهم: رعینا غیثا أی نباتا؛ لأنّ الغیث سبب للنبات[753].
۲. إطلاق المسّبب على السّبب عکس الأول، كقولهم: أمطرت السماء نباتا أی غیثاً لكون النبات مسّبباً عنه[754].
٣. تسمیة الشیء باسم ما كان علیه، كقوله تعالی: ﴿وءَاتُواْ ٱلۡیتَٰمَیٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡ﴾[755]. أی الذی كانوا یتامى إذ لا یتْمَ بعد البلوغ.
۴. تسمیة الشیء باسم ما یؤل الیه، كقوله تعالی: ﴿إِنِّیٓ أَرَىٰنِیٓ أَعۡصِرُ خَمۡرًا﴾[756].
أی عنباً یؤول إلی الخمریة؛ ﴿ولَا یلِدُوٓاۡ الا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾[757] أی صائراً إلی الفجور والكفر.
5. إطلاق اسم الکلّ على الجزء ویشترط فیه أن یكون أصلاً فیما وقع المجاز بسببه، كقوله تعالی: ﴿ولَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ ۚ ومَن یكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٌ قَلۡبُهُ﴾[758].
أى ذاته لأنّ معدن کتمان الشهادة القلب. ومنه قولهم: للربیئة (طلایهی لشکر، دیده بان) عین لأنّها المقصود من كون الرجل ربیئة دون سائر ما عداها.
6 . إطلاق الجزء على الکلّ وهو عكس ما قبله، والشرط ما سَبَقَ كقوله تعالی: ﴿یجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِیٓ ءَاذَانِهِم﴾[759].أی أناملهم.
7. إطلاق اسم الحال على المحل، كقوله تعالی: ﴿فَفِی رَحۡمَةِ ٱللَّهِ هُمۡ فِیهَا خَٰلِدُونَ﴾[760].
ای فی الجنة لأنّها محل الرحمة.
۸ . إطلاق اسم المحل على الحال وهو عكس ما قبله، كقوله تعالی: ﴿فَلۡیدۡعُ نَادِیهُ﴾[761]. أهل نادیة، أی مجلسه.
9. تسمیة الشیء باسم آلته كقوله تعالی:﴿وٱجۡعَل لِّی لِسَانَ صِدۡقٍ فِی ٱلۡأَخِرِینَ﴾[762]. أی ثناء، لأنّ اللسان آلته ﴿ومَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ الا بِلِسَانِ قَوۡمِهِ﴾[763]. بلغة قومه.
۱۰. إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقارنته وإرادته كقوله تعالی: ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا یسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةً ۖ ولَا یسۡتَقۡدِمُونَ﴾[764]. أی فإذا قرب مجیئه، وقوله تعالی: ﴿ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَی ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ﴾[765]. أی أردتم القیام
11. إطلاق اسم اللازم على الملزوم كقوله فی العباس بن مُرْداس: إقطعوا عنّى لسانه، وأمر له بمأة ناقةٍ؛ أراد علیه السلام سکوته عنّى لأنّ قطع اللسان ملزوم للسكوت.
وكقول شاعر الفرس:
برقیگرفته برکفوابری به پیشروی ماهی نهادهبرسروچرخیبزیر ران
أراد الشاعر من البرق: السیف ومن الأبر التُّرس لأنّ البرق والأبر لازمان للسیف والتُّرس.
۱۲. إطلاق اسم الملزوم على اللّازم وهو عكس ما قبله، كما ورد أنّه كان إذا دخل الشعر الأخیر من شهر رمضان شدّ المئزر، والمراد الإعتزال عن النساء لأنّ شّد المئزر لازم لاعتزالهنّ. قال:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم | دون النساء ولو باتت بأطهار |
وغیر ذلك ممّا یتعذر حمل اللفظ فیه على معناه الحقیقی.
۱۳. إطلاق المطلق على المقید كقول الشاعر:
ویا لیت کلّ اثنین بینهما هوى | من الناس قبل الیوم یلتقیان |
أراد من الیوم یوم القیامة.
۱۴. إطلاق المقید على المطلق وهو عكس ما قبله كقول شریح القاضی: أصبحت ونصف الخلق عَلَىّ غضبان. أراد من النصف نصف الجماعة سواء كان مساویاً لنصف الآخر أم لا.
۱۵. إطلاق العام على الخاص: كقوله تعالی:﴿وأَنَا أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾[766]. أراد من المسلمین بعض المسلمین لأنّ الأنبیاء كانوا مسلمین كما قال الله تعالی: ﴿مَا كَانَ إِبۡرَٰهِیمُ یهُودِیا ولَا نَصۡرَانِیا ولَٰكِن كَانَ حَنِیفًا مُّسۡلِمًا﴾[767].
۱۶. إطلاق الخاص على العام کإطلاق الفقهاء على العلماء.
۱۷. والمجاز بحذف المضاف سواً قام المضاف الیه مقامه أم لا والأوّل كقوله تعالی: ﴿وسۡـَٔلِ ٱلۡقَرۡیةَ﴾[768].
والثانی كقول الشاعر:
أکلّ أمرءٍ تحسبین أمرئاً | ونار توقد باللیل ناراً |
أی وکلّ نار.
۱۸. والمجاز بحذف المضاف الیه كقول الشاعر:
انا ابن جلا وطلاع الثنایا | متى اضع العمامة تعرفونی |
انا ابن رجل جلا.
۱۹. إطلاق أحد المتجاورین على الآخر کإطلاق المیزاب على الماء وكقول شاعر الفرس:
گلی خوشبوی در حمام روزی بدو گفتم که مشکی یا عبیری بگفتا من گلی ناچیز بودم کمال هم نشین در من اثر کرد | رسید از دست محبوبی به دستم که از بوی دلاویز تو مستم و لكن مدتی با گل نشستم وگرنه من همان خاکم که هستم |
هذا ما ذكره ابن الحاجب وفی الحقیقة هذه العلاقة ترجع إلی علاقة الحال والمحل.
۲۰. إطلاق المبدل على البدل كإطلاق الدم على الدیة.
۲۱. ذكر النكرة وإرادة العموم كقوله تعالی:﴿عَلِمَتۡ نَفۡسٌ مَّا قَدَّمَتۡ﴾[769].أی کلّ نفس.
۲۲. إطلاق الضد للضد کإطلاق البشارة على الإنذار.
۲۳. علاقة بالزیادة كقوله تعالی: ﴿لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءٌ﴾[770] .
ای لیس مثله.
۲۴. إطلاق المعرف بالالف واللام على فرد كقوله تعالی: ﴿وٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدًا﴾[771].
أی بابا من أبوابها.
۲۵. تسمیة المحمول باسم الحامل کالرّاویة فی المزادة أی فی المزود الذی یجعل فیه الزاد ای الطعام المتخذ للسفر. والراویة فی الأصل اسم للبعیر الذی یحمل المزادة والعلاقة كون البعیر حاملا لها.
الفرق بین المنقول والمرتجل
المنقول: وهو اللفظ الذی وضع لمعنى ثمّ استعمل فی معنى آخر لوجود مناسبة بین المعنیین، وهجر استعماله فی المعنى الأول الذی وضع له والمنقول ینسب إلی ناقله سواء كان من أهل اللغة كنقل الدابة عن معناه الأولى وهو المتحرك فی الأرض إلی معناه الثانوى وهو الفرس لمناسبة الحركة أو من أهل الشرع كنقل الصلاة من الدعاء إلی الأركان المخصوصة أو من أهل المناطقة والفلاسفة وغیر ذلك فیسمّى بالمنقول اللغوی والشرعی والمنطقى والفلسفی وغیر ذلك.
والمنقول قسمان: تخصیصی إن وضع فی معنى آخر وترك استعماله فی الأول، وتخصّصی إن لم یكن استعماله فی المعنى الثانی بوضع علیحدة بل كثر استعماله فی الثانی.
المرتجل: وهو لفظ الذی وضع لمعنى ثمّ استعمل فی معنى آخر مع عدم المناسبة بینهما كما إذا جعل الأبیض علماً لشخص أسود أو جعل العلّامة للجاهل مثلاً.
انواع المفهوم
المفهوم ینقسم إلی قسمین: جزئی وکلّی
الجزئی: هو المفهوم الذی یمتنع انطباقه على أکثر من مصداق واحد کالأعلام الشخصیة.
أقسام الجزئی
ینقسم الجزئی إلی الحقیقى والإضافی:
١. الجزئی الحقیقی: كما ذكرنا هو المفهوم الذی یمتنع صدقه على أکثر من معنى واحد.
٢. الجزئی الإضافی: هو المفهوم المندرج تحت مفهوم أوسع منه. وهذا التعریف یشمل الجزئی الحقیقی من جهة إضافته إلی الکلّى والکلّی الذی یكون أخص من الکلّى الآخر کالإنسان بالقیاس إلی الحیوان والحیوان بالقیاس إلی الجسم النامی و…. والنسبة بینهما العموم مطلقا لأنّ کلّ جزئی حقیقی یندرج تحت مفهوم أعمّ فکلّ جزئی حقیقی جزئی إضافی ولیس العكس.
ینقسم الجزئی إلی المنطقى والطبیعی والعقلی
المفهوم الجزئی «ما یمتنع صدقه على أکثر من مصداق واحد» یسمّى جزئیاً منطقیاً ومعروضه «اعنی زید» یسمّى جزئیأ طبیعیاً، والمجموع «اعنی زید الجزئی» یسمّى جزئیاً عقلیاً.
الفرق بین الجزء والجزئی
الفرق بینهما من وجوه:
١. إنّ الجزء یوجد فی ضمن الجزئی والجزئی یوجد فی ضمن الکلّی.
۲. إنّ الموطن للجزء هو الخارج وللجزئی هو الذهن. لأنّ المراد من الجزئی هو المفهوم المتحقق فی الذهن كما عرفت.
الجزئی لا یكون کاسباً ولا مكتسباً
إذ من یدرك جزئیاً بما هو جزئی أو حاله الجزئی لا یدرك منه جزئیاً آخر بما هو جزئی إلّا أن یحسّه باحساس آخر؛ لأنّ الجزئی مغایر للجزئی الآخر ولا یكون مكتسباً للجزئی كما ذكرنا ولا للکلّى؛ لأنّ الکلّی أجلّ من أن ینال الجزئی بماهو جزئی الکاسب والمكتسب هو الکلّى.
الکلّی: هو المفهوم الذی لا یمتنع انطباقه على أکثر من مصداق واحد[772].
أقسام الکلّی
الکلّی ینقسم إلی أقسام:
منها: الکلّى المنطقى والطبیعی والعقلی
١. الکلّى المنطقی: مفهوم الکلّى «ما لا یمتنع إنطباقه على أکثر من مصداق واحد» یسمّى کلّیاً منطقیاً؛ لأنّ المنطقى إنّما یبحث عن هذا المعنى كمفهوم الإنسان والحجر.
۲. الکلّى الطبیعی: وهو معروض الکلّى ذات الموصوف المنطقی نحو: إنسان بما هو إنسان من غیر التفات إلی أنّه کلّی أو غیر کلّی، وسمّی الثانی بالطبیعی؛ لأنّه طبیعة من الطبایع أی حقیقة من الحقایق.
٣. الکلّى العقلی: وهو المجموع من الکلّی المنطقی والطبیعی أی العارض والمعروض نحو: الإنسان الکلّی یسمّى کلّیا عقلیاً إذ لا وجود له إلّا فی العقل.
الکلّی الطبیعی هل هو موجود بوجود أفراده أم لا؟
لا شكّ فی عدم وجود الکلّى المنطقی والعقلی فی الخارج وإنّما الخلاف فی الکلّى الطبیعی هل هو موجود بالأصالة أو بالتّبع؟
الاقوال فی وجود الکلّى الطبیعى عدیدة:
1. الحكماء قائلون بأصالة الوجود تحققاً ذهبوا إلی أنّه موجود بعین وجود اشخاصه، فالوجود وصف له بحال ذاته.
وفی المطالع وشرحه للقطب: وجود الکلّى الطبیعی فی الخارج یقینی؛ لأنّ الحیوان جزء هذا الحیوان الموجود فی الخارج وجزء الموجود موجود فالحیوان الذی هو جزئه إمّا الحیوان من حیث هو، أو الحیوان مع قید فإن كان الأول یكون الحیوان من حیث هو موجوداً، وإن كان الثانی یعود الکلّام فی الحیوان من حیث هو جزئه ولا یتسلسل لامتناع تركب الحیوان الخارجی من أمور غیر متناهیة بل ینتهی إلی الحیوان من حیث هو. وعلى تقدیر التسلسل فالمطلوب حاصل؛ لأنّ الحیوان جزء الحیوان الذی هو مع القیود الغیر المتناهیة ویمتنع أن یكون معه شیء من القیود وإلّا لكان ذلك القید داخلا فیها وخارجاً عنها فإذن الحیوان لا بشرط شیء موجود فی الخارج وهو الکلّى الطبیعی[773].
وقال الحكیم السبزواری فی غرر الفرائد بعد البیان بأنّ الکلّى الطبیعی مقسم للماهیة المطلقة والمخلوطة والمجردة وهذا نصّ عبارته: وكیف یكون قسم الشیء موجوداً ومقسمه غیر موجود والقسم هو المقسم بعینه مع إنضمام قید وبینهما الحمل مواطاة وهو الاتّحاد فی الوجود، وهذا النحو من الإستدلال على وجود الطبیعی أولى وأخف مؤنة ممّا هو مشهور من أنّه جزء للشخص والشخص موجود وجزء الموجود موجود[774]. وقد اختار هذه النظریة فی اللئإلی أیضاً[775].
وقال المحقق خواجة نصیر الدین الطوسی فی تجرید الإعتقاد وقد تؤخذ «أی الماهیة» لا بشرط شیء وهو کلّی طبیعی موجود فی الخارج وهو جزء من الأشخاص وصادق على المجهول الحاصل منه وممّا أضیف الیه[776]. وقد استدل العلامة الحلى شارح التجرید على وجود الطبیعی نظیر ما ذكر فی شرح المطالع كما ذكرنا آنفاً.
۲. وجمهور المتکلّمین ذهبوا إلی أنّه موجود بمعنى وجود اشخاصه، كما قال التفتازانی فی التهذیب: والحق أنّ وجود الکلّى الطبیعی بمعنى وجود اشخاصه[777]. فالوجود وصف له بحال متعلقه أى فرده موجود[778]. واختاره القطب الرازی فی شرح المطالع[779] .
٣. والقائلون بأصالة الماهیة فی التحقق واعتباریة الوجود وإن كانوا قائلین بأنّ التحقق وصف له بحال ذاته كالحكماء ولكن القول بأصالتها فائلٌ بل باطلٌ.
4- الکلّى الطبیعی موجود بوجود واحد عددی فی ضمن أفراده ویتصف بالأضداد كما نقل الشیخ الرئیس عن رجل من العلماء كبیر السن غزیر المحاسن قد صادفه فی مدینة الهمدان وللشیخ الرئیس رسالة مفردة إلی علماء دار السلام فی هذا الباب شَنَّعَ فیها كثیراً على هذا الرجل غزیر المحاسن كبیر السن.[780] وبیّن أنّ نسبته إلی الأفراد كنسبة الآباء إلی الأبناء لا كنسبة الأب الواحد إلی الأبناء.
و شیخنا الأستاذ الحكیم آیة الله حسن زادة الآملی (حفظه الله) أید کلام هذا الرجل قد صادفه الشیخ فی مدینة الهمدان وهذا نصّ عبارته: اقول وإنّی أرى أنّ ذلك العالم الكبیر كان راسخاً فی الحكمة المتعالیة والحقائق العرفانیة ویشیر فی قوله أنّ الطبیعی موجود بوجود واحد عددی فی ضمن أفراده ویتّصف بالأضداد إلی ربّ النوع وأفراده على ما استقصینا الکلام فی هذا الأمر القویم واستوفینا البحث عن هذا المطلب العظیم فی رسالتنا المعمولة فی المُثُل الإلهیة، وهی لم تطبع بعد. واتصاف وجود واحد عددی یدلّ على أنّه وجود کلّی سعی كما قال العارف ابو سعید احمد بن عیسى الخرّاز إنّ اللّه لایعرف إلّا بجمعه بین الأضداد فی الحكم علیه بها[781].
و وجّه بعض الأفاضل أیضاً کلّام هذا الرجل غزیر المحاسن بأنّ مراده من الکلّى الطبیعی ربّ النوع للأفراد والمراد من وجوده فی ضمن الأفراد ظهوره فی الأفراد كظهور الأصل فی الفرع[782].
الفرق بین المتواطی، والمشکک
المتواطئ: هو کلّی الذی یصدق على أفراده على حدّ سواءٍ كالإنسان والفرس والذهب والفضة فزید وعمرو وخالد إلی آخر أفراد الإنسان من ناحیة الإنسانیة سواءٌ، من دون أن تكون إنسانیة أحدهم أولى من إنسانیة الآخر.
المشكّك: وهو الکلّى الذی ینطبق على مصادیقه بالتفاوت کالوجود والبیاض. إنّما یسمّى بالمشكك لأنّه یشكك الناظر فی بادی النظر هل هو متواط أو مشترك لفظی، فمن نظر الیه إن لا حظه من جهة توافق أفراده فی صدقه علیها توهّم أنّه متواط وإن لا حظه من جهة اختلافها فیه بأحد الوجوه الآتیة توهّم أنّه لفظ مشترك بین معان متعددة مختلفة[783].
والتفاوت أعمّ من أن یكون بالعلیة والمعلولیة كالوجود فإنّ فرده الواجب تعالی علة لسائر أفراده أو بالأولویة كتقدّم وجود العدد والمساحة أو بالشّدة والضّعف کالبیاض بالنسبة إلی الثلج والعاج أو بالغنی والفقر أو التقدّم والتاءخّر.
الفرق بین المشکک المنطقی والاصولی
المشكّك المنطقى: ما تفاوت أفراده بالعلیة وغیرها كما ذكرنا والمشكّك الاصولى: ما تفاوت ظهوره اللفظى على أفراده كالإنسان بالنسبة إلی الرجل والأنثی والنسبة بینهما العموم والخصوص مطلقاً فکلّ مشكّك عند المنطقى مشكّك عند الأصولی ولیس العكس«فتأمل».
الفرق بین الکلّ والکلّی
الفرق بینهما من وجوه:
1. منها: أنّ الکلّ متقوّم بأجزائه کزید والکلّی متقوّم بجزئیاته كالإنسان.
٢.ومنها: أنّ الکلّ فی الخارج والکلّى فی الذهن.
٣. ومنها: أنّ أجزاء الکلّ متناهیة وجزئیات الکلّی غیر متناهیة (بمعنى أنّها كثیرة).
۴. ومنها: أنّ الکلّ لأیحمل على أجزائه والکلّی یحمل على جزئیاته.
5. ومن انتفاء الجزء،کالاجزاء الرئیسة ینتفى الکلّ ولایلزم من انتفاء الجزئی انتفاء الکلّى.
۶. حصول الکلّ یتوقف على حصول جمیع أجزائه وحصول الکلّی لایتوقف على حصول جمیع جزئیاته بل یحصل بحصول فردٍ.
أقسام التقابل
التقابل ینقسم إلی أربعة أقسام:
الأول: تقابل التناقض وهو تقابل الإیجاب والسلب، كقولنا: «زید کاتب وزید لیس بكاتب».
والنقیضان لا یجتمعان ولایرتفعان، فمال تقابل التناقض إلی قضیة منفصلة حقیقیة نحو العدد إمّا زوج أو فرد فلابدّ من تحقق أحدهما فی الخارج فیلزم من صدق أحدهما كذب الأخری وبالعکس.
الثانی: تقابل الضدین وهما أمران وجودیان بینهما غایة الخلاف غیر متضائفین لایجتمعان فی محل واحد فی زمان واحد من جهة واحدة كالسواد والبیاض والحرارة والبرودة. ومن أحكام التضاد أنّه لایقع بین أزید من طرفین لأنّه تقابل، والتقابل نسبة ولا تتحقق نسبة واحدة بین أزید من طرفین. وهذا عام لجمیع أقسام التقابل.
الفرق بینهما من وجوه:
١. إنّ الضدین بین الأمرین الوجودیین والنقضین بین الإیجاب والسلب.
٢. الضدان لا یجتمعان وقد یرتفعان إذا كان لهما ثالث یقال: «هذا الشئ لیس بأبیض ولا أسود بل هو أحمر: وإمّا النقیضان فلایجتمعان ولایرتفعان بل لابدّ من أحدهما».
٣.إنّ التناقض یكون فی الاقوال والتضاد یكون فی الافعال یقال الفعلان متضادان ولایقال متناقضان.
۴. قدیوجد النقیضان من القول ولا یوجد الضدان من الفعل الاترى أنّ الرجل إذا قال بلسانه زید فی الدار فی حال قوله فی الضد إنّه لیس فی الدار فقد أوجد نقیضین معاً.
الثالث: العدم والملكة وهما أمران وجودی، عارض لموضوع من شأنه أن یتصف به، وعدمی، عدم ذلك الأمر الوجودی فی ذلك الموضوع، کالبصر والعمیٰ الذی هو فقد البصر من موضوع من شأنه أن یكون بصیراً. وهما كالضدین فی إمتناع الاجتماع وجواز الارتفاع.
الرابع: المتضایفان وهما أمران وجودیان الذان یتعقلان معاً ولایجتمعان فی موضوع واحد من جهة واحدة ویجوز أن یرتفعا. کالأب والإبن، والفوق والتحت، والعلّة والمعلول.
ومن أحكام التضایف أنّ المتضائفین متكافئان وجوداً وعدماً وقوةً وفعلاً فإذا كان أحدهما موجوداً فالآخر موجود بالضرورة وإذا كان أحدهما معدوماً فالآخر معدوم بالضرورة وإذا كان أحدهما بالقوة أو بالفعل فالآخر كذلك بالضرورة.
أقسام الحمل
المراد من الحمل هو الاتّحاد بین شیئین من جهة (لأنّه لا یلزم حمل المباین على المباین) والمغایرة من جهة أخری (لأنّه لایلزم حمل الشئ على نفسه).
الحمل ینقسم إلی أقسام مختلفة:
منها: الحمل الأولى الذاتی والحمل الشایع الصناعی. وهذا التقسیم للحمل إنّما هو باعتبار لحاظ جهة الوحدة والمغایرة.
والمراد من الأول ما كان الموضوع والمحمول متحدین فیه الماهیة والوجود والمفهوم ولكن بعد أن یلحظ نحو من التغایر کتغایر الاجمال والتفصیل فی حمل الحد على المحدود، نحو: الإنسان حیوان ناطق وکملاحظة الشئ بحیث یمكن أن یكون غیره فی ذاته، أو یمكن أن یسلب عن نفسه، وملاحظته لا كذلك بل كما هو هو كقولهم فی مبحث الماهیة. الإنسان من حیث هو إنسان إنسان لاغیر، وفی مبحث الجعل: ما جعل المشمش مشمشاً بل جعل موجوداً فإنّ المشمش مشمش فی ذاته إذ ثبوت الشئ لنفسه ضروری، وسلبه عن نفسه محال. سمّى الحمل بالأولى الذاتى لأولیة صدقه وعدم جریانه إلّا فی الذاتیات.
والمراد من الثانی: ما كان الاتّحاد بینهما فی الوجود مع الاختلاف فی المفهوم كقولك: الإنسان حیوان فإنّ مفهوم الإنسان غیر مفهوم الحیوان، ولكن کلّ ماصدق علیه الإنسان صدق علیه الحیوان. ویسمّى هذا الحمل، بالحمل الشایع الصناعی لشیوعه فی الصناعات والعلوم من جهة أنّها باحثة عن العوارض الذاتیة لموضوعاتها وحمل تلك العوارض على الموضوعات إنّما هو بهذا الحمل.
و منها: حمل المواطاة «حمل هو هو» والاشتقاق «ذو هو» وهذا التقسیم للحمل إنّما هو باعتبار جواز الحمل من دون الاشتقاق أو وساطة کلمة ذو وعدم جوازه من دونهما.
فإذا لم یحتاج الشئ فی حمله إلی الاشتقاق أو وساطة کلمة ذو أو ما یرادفها وما فی معناها نحو:« زید کاتب وعمرو راكب» فیسمّى الحمل بالحمل بالمواطاة؛ لتواطوء المحمول والموضوع وتوافقهما فی عدم الاحتیاج إلی الاشتقاق والتقدیر بل الموضوع هو المحمول وبالعکس.
والثانی:كحمل العدل على زید فإنّه لایصح أن تقول:« زید عدل»؛ لأنّه یلزم حمل المباین على المباین فلابدّ من الاشتقاق أو التقدیر ویقال:« زید عادل أو زید ذو عدل».
ومنها: حمل الطبعی والوضعی، والأول: كحمل الأعم على الأخص نحو:« الإنسان حیوان». ویسمّى طبعیة؛ لإقتضاء الطبع وعدم استنكاره والثانی:كحمل الخاص على العام نحو:« الناطق إنسان والكاتب إنسان» ویسمّى مثل هذا الحمل حملا وضعیاً؛ لعدم اقتضاء الطبع وكراهیته عنه فیكون بالوضع والجعل. ولایخفى أنّ المراد من العام هنا ما یكون عامّا من حیث المفهوم لا من حیث المصداق.
الفرق بین الحمل البتّی وغیر البتّی
والمراد من الأول: ما كان لموضوعه أفراد محققة یصدق علیها بعنوانه، كقولنا: «الإنسان كاتب والكاتب متحرك الأصابع».
والمراد من الثانی: ما كان لموضوعه أفراد مقدرة غیر محققة، كقولنا: «المعدوم المطلق لایخبر عنه»، وقولنا: «اجتماع النقیضین محال».
الفرق بین الهلیة البسیطة والهلیة المركّبة
الهلیة البسیطة: ما كان المحمول فیها وجود الموضوع، كقولنا:« الإنسان موجود»، والهلیة المركّبة: ما كان المحمول فیها اثرا من آثاره وعرضیاً من عرضیاته، كقولنا: «الإنسان ضاحك»، فهی تدل على ثبوت شئ لشئ بخلاف الهلیة البسیطة حیث تدل على ثبوت الشئ.
أقسام الواسطه
إنّ الواسط على ثلاثة أقسام:
١. الواسطه الثبوتیة: وهی العلة لوجود شئ كعلیة النار للحرارة والماءللبرودة.
٢. الواسطة الإثباتیة: وهی« العلة للعلم بوجود شئ كعلیة الدخان للعلم بوجود النار».
٣. الواسطة العروضیة: وهی الواسطة فی الحمل الموجبة لصحة اسناد العرض إلی غیر معروضه مجازاً کاسناد الحركة إلی جالس السفینة فإنّ الحركة محمولة على السفینة حقیقةً وعلى الجالس مجازاً.
تنبیه
قد یقال واسطة فی الثبوت ویراد بها ما یقابل الواسطة فی الإثبات، وقد یقال واسطة فی الثبوت ویراد بها ما یقابل الواسطة فی العروض[784].
وأمّا الأول: فهو أن یكون الواسطة علة للنسبة الإیجابیة أو السلبیة المطلوبة فی النتیجة فی الواقع ونفس الأمر كما فی البراهین اللمّیة فإنّ البرهان اللمّى هو مفید العلم من العلة أی من الحد الأوسط بالمعلول، ولا یخفى علیك أنّ البرهان اللمّى مع أنّه واسطة فی الثبوت واسطة فی الإثبات أیضاً لأنّ الحد الأوسط فی البرهان مطلقاً سواء كان لمیاً أو إنیاً بل کلّ قیاس، لابدّ أن یكون علةً لإثبات الأكبر للاصغر والتصدیق به أی دالا على ثبوت الأكبر للاصغر فی الذهن، فلا یمكن إنفكاك الواسطة فی الثبوت عن الواسطة فی الإثبات بخلاف العكس.
وأمّا الثانی : فهو أنّ الواسطة فی الثبوت یكون منشأً للإتصاف بشئ بالذات وهی قسمان أحدهما: أن یكون نفسه متصفاً به كالنار الواسطة لحرارة الماء وثانیهما: أن لا یكون كالشمس الواسطة لها، أو لأسوداد وجه القصّار وأبیضاض الثوب مثلاً.[785]
المراد من الذاتی والعرضی
الذاتی: هو ما یقوّم ذات الشئ غیر خارج عنه أى لایتحقق تلك الماهیة إلّا به، سواء كان نفس الماهیة فإنّها ذاتیة لأفرادها كالإنسان لزید وعمرو أو كان جزء منها،كالحیوان للإنسان أو الناطق له.
والعرضی هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع، لاحقاً له بعد تقوّمه وتحققه بجمیع ذاتیاته، كالضحك اللاحق للإنسان والعرض على قسمین لازم أی غیر قابل للانفكاك عن المعروض كالزوجیة للأربعة ومفارق أی قابل للانفكاك عن المعروض کالضحك للإنسان. وقدیعبّر فی المنطق عن عرض اللازم بالذاتی ویقال: الزوجیة ذاتیة للأربعة.
المراد من الذاتی فی باب البرهان و الإیساغوجی
«کلّیات الخمس»
المراد من الذاتی فی باب «الکلّیات الخمس» كما ذكرنا: هو ما لا یكون خارجاً عن الذات بل عین الذات أو جزئه. «كحدّ التامّ أو الجنس أو الفصل» وإمّا المراد من الذاتی فی باب البرهان فهو: مالا ینفك عن الذات سواء كان عین الذات أو لازم الذات لاینفك عنه كالحدّ التامّ والزوجیة للأربعة والإمکان للماهیة[786]. فالنسبة بینهما العموم والخصوص مطلقاً لأنّ الذاتی فی باب البرهان أعمّ من الذاتی فی باب الإیساغوجی کما هو ظاهر للمتدبّر، وقدیتوهم أنّ النسبة بینهما بالتباین بجعل المراد من الذاتی فی باب البرهان العرضى المنتزع عن حاق ذات المعروض المحمول علیه من دون ضمیمة وواسطة وذلك ممّا لا یساعده کلماتهم.
وقال العلّامة الحلّى فی الجوهر النضید : الذاتی لفظ مشترك بین معان واشهرها المقوّم، ولیس هو المطلوب فی كتاب البرهان، بل المطلوب هنا ما هو أعمّ منه وذلك لأنّ الأعراض الذاتیة أعنی الأعراض التی تلحق الشیئ لما هو هو أی لذاته کالتعجب اللاحق للإنسان باعتبار ذاته یطلق علیه لفظ الذاتی أیضاً، كما یطلق على المقوّم وکلاهما یستعملان هنا؛«أی فی کتاب البرهان» للمعنى الأعمّ الشامل لهما معاً هو أن یقال: ما یؤخذ فی حدّ الموضوع أو یؤخذ الموضوع فی حدّه فالأول، كأخذ الحیوان فی حدّ الإنسان، والثانی، كأخذ العدد فی حدّ الزوجیة، كما تقول: الزوجیة انقسام متساویین فی العدد[787].
فالذاتی فی باب الإیساغوجی وإمّا الذاتی فی البرهانِ | جنس وفصل ثمّ نوع قد جی یُعْنی بِهِ ما هو كالإمکان |
الفرق بین الذاتی والعرضی فی باب الإیساغوجی
الفرق بینهما من وجوه:
١. الذّاتی لم یكن معللاً بعلة سوى علة الذات وجاعلها ولا یحتاج إلی علیة أخری من قبل علة الذات، فإنّ الإنسان حیوان وناطق بذاته لا بعلة أخری تجعله حیواناً بعد ما تقرر إنساناً، بل العلة الجاعلة له إنساناً جعلته أولاً حیوانا. بخلاف العرضی، کالإمکان مثلا یحتاج إثباته للإنسان إلی إقامة البرهان.
ذاتی شئ لم یكن معلّلاً | وكان ما یسبقه تعقّلاً |
٢. الذاتی، كالجنس والفصل متعقلان فی الذهن قبل تعقل النوع؛ لأنّ أجزاء المركبّ تقدّمت علیه بما هو مركب « لتقدّم تصور الذاتی على ذى الذاتی»، بخلاف العرضی فإنّه یعرض للمعروض بعد تحقّقه وحصوله ولا یمكن تعقّله قبل تحقّق الموصوف.
٣. ثبوت الذاتى للشئ ضروری وبیّنٌ ولاینفك تصور الشئ عن تصور الذاتی بخلاف العرضی فإنّه یمكن تصور الموصوف من دون صفته وعارضه.
أقسام الذاتی
الذاتی ینقسم إلی أقسام ثلاثة:
١. النوع: وهو المقول على الكثرة المتفقة الحقیقة فی جواب ما هو كالإنسان وبعبارة أخری: هو تمام الحقیقة المشتركة بین الجزئیات المتكثرة بالعدد فقط فی جواب ماهو[788]؟
٢. الجنس: وهو المقول على الكثرة المختلفة الحقائق فی جواب ما هو کالحیوان وبعبارة أخری: هو تمام الحقیقة المشتركة بین الجزئیات المتكثرة بالحقیقة فی جواب ماهو؟
٣. الفصل: وهو المقول على الشئ فی جواب أی شئ هو فی ذاته كالناطق وبعبارة أخری: هو جزء الماهیة المختص بها الواقع فی جواب أی شئ هو فی ذاته.
أقسام النوع
النوع : حقیقی وإضافی والإضافی عال وسافل ومتوسط والمراد من النوع الحقیقی ماذکر تعریفه.
وإمّا النوع الإضافی: فهو الکلّى الذی فوقه جنس سواء كان نفسه نوعاً حقیقیاً کالإنسان بالنسبة إلی الحیوان أو إضافیاً كالحیوان بالنسبة إلی الجسم النامی، وکالجسم النامی بالنسبة إلی الجسم المطلق، وکالجسم المطلق بالنسبة إلی الجوهر فکلّ نوع حقیقی نوع إضافی بالنسبة إلی جنس فوقه ولیس العكس. وأمّا النسبة بینهما عند المتأخرین فهىالعموم والخصوص من وجه وافتراق النوع الحقیقی عن الإضافی كعقل الفعّال والنقطة على قول.
أقسام الجنس
الجنس : قریب وبعید ومتوسط.
الجنس القریب: هو جنس الذی لیس تحته جنس كالحیوان ویسمّى قریباً لأنّه أقرب إلی النوع ویسمّى سافلاً أیضاً لكونه اسفل الأجناس.
الجنس البعید: هو جنس الذی لیس فوقه جنس کالجوهر مثلا ویسمّى الجنس العالی وجنس الأجناس أیضاً.
الجنس المتوسط: هو جنس الذی یكون فوق جنس وتحت جنس کالجسم النامی والجسم المطلق[789].
أقسام الفصل
الفصل: قریبٌ وبعیدٌ. مقوّمٌ ومقسّمٌ.
الفصل إذا لوحظ بالقیاس إلی نوعه المساوی له یسمّى فصلاً قریباً كالناطق بالقیاس إلی الإنسان والحساس بالقیاس إلی الحیوان. وإن لوحظ بالقیاس إلی النوع الذی تحت نوعه نوع یسمّى فصلاً بعیداً كالحسّاس بالقیاس إلی الإنسان.
والفصل إذا لوحظ إلی الماهیة التی هو فصل، ممیز لها یسمّى مقوّماً لأنّه جزء للماهیة ومحصّل لها كالناطق للإنسان وإذا لوحظ إلی الجنس الذی یمیز الماهیة عنه من بین أفراده یسمّى مقسّماً؛ لأنّه وجوداً یحصّل قسماً وعدماً یحصّل قسماً آخر كالناطق إلی الحیوان.
أقسام الذاتی
أقسام الذاتی
المراد من العرض والعرضی
إذا أخذ السواد مثلاً لا بشرط؛أی لا بشرط من الحمل كان عرضیاً محمولاً، وإذا اخذ بشرط لا؛ أی بشرط لا من الحمل كان عرضاً غیر محمول، فالفرق بینهما كالفرق بین الجنس والمادة والفصل والصورة. ولیس الفرق بین العرض والعرضی بمجرد أنّ أحدهما مبدء الاشتقاق والاخر هو المشتق فإنّه فرق لفظى، بل بأنّ وجود السواد مثلا إذا أخذ لابشرط؛ أی إنّه درجة من وجود موضوعه وإنّه ظهور ذلك الوجود فهو عرضی لأنّ العرضی هو الخارج المحمول والحمل هو الاتّحاد فی الوجود، وإذا أخذ وجوده بشرط لا؛ أی إنّه وجود ناعتی ووجود الموضوع وجود منعوتی وأحد هما زائد على الآخر وإن كان زائداً متصلا بل لازماً إذ فرق بین أن یكون الشئ مع الشئ وأن یكون الشئ نفس الشئ فهو عرض، فالعرض والعرضی متحدان بالذات متغائران بهذا الإعتبار، فالفرق بینهما باللابشرطیة وبشرط لائیة.
وعرضیّ الشیء غُیر العَرَضِ | ذا کالبیاض ذاك مثلُ الأبیضِ |
وقد یطلق فی العلم المنطق العرض العرض فی مقابل الجوهر على العرضی کالأبیض.
أقسام العرضی
العرضی فی باب الکلّیات الخمس ینقسم إلی خارج المحمول والمحمول بالضمیمة.
1. خارج المحمول: ما لیس بحذائه شئ فی الخارج إلّا منشأ اعتباره، كالزوجیة والحرّیة والفوقیة والبنوة والابوّة.
٢. المحمول بالضمیمة: هو ما یكون بازائه شئ فی الخارج سواء كان موجوداً فی الخارج کالسواد والبیاض أم هو بنفسه فی الخارج كالفوقیة والتحتیة.
وقد ذكر الحكیم السبزواری فی وجه الفرق بینهما فی اللئآلی وهذا نص” عبارته: «قد یقال العرض ویراد به أنّه خارج عن الشئ ومحمول علیه كالوجود والموجود والوحدة والتشخّص ونحوها ممّا یقال إنّها عرضیات لمعروضاتها فإنّ مفاهیمها خارجة عنها».
وقد یقال العرضی ویراد به المحمول بالضمیمة، كالأبیض والأسود فی الاجسام والعالم والمدرك فی النفوس[790].
وصرّح فی حواشی الأسفار بأنّ النسبة بینهما العموم والخصوص المطلق؛ لأنّ الخارج المحمول أعمّ من المحمول بالضمیمة إذا المراد من الخارج المحمول كما أفاده ما یكون خارجاً عن الشئ محمولا علیه أعمّ من أن یكون فی حمله على الشئ محتاجاً إلی الضمیمة أو غیر محتاج الیها والمحمول بالضمیمة ما یكون محتاجاً فیه إلیها فیكون الفرق بینهما كالفرق بین اللابشرط وبشرط شئ
وقیل إنّ النسبة بینهما بالتباین وإنّ الخارج المحمول مالایحتاج إلی حمله إلی الضمیمة، فیكون الفرق بینهما على هذا القول كالفرق بین بشرط لا وبشرط شئ وذهب بعضهم إلی أنّ المراد بالخارج المحمول ما لا یكون له ما بإزاء فی الخارج؛ أی یكون من المعقولات الثانیة الفلسفیة ومن المحمول بالضمیمة ما یكون له ما بازاء فی الخارج کالمقولات العرضیة من الكم والكیف ونحوهما فیكون النسبة بینهما على هذا القول أیضاً بالتباین ولكن المشهور بینهم هو الأول فالمراد من المغایرة مغایرة العام والخاص وعلى الأخیرین مغایرة المتباینین.[791]
أقسام الأعراض
العرض ینقسم إلی أقسام كثیرة:
منها: العرض ینقسم إلی النسبی وغیر النسبی.
المراد من النسبی: ما یتصور بملاحظة الغیر كالأعراض والملك والفعل والانفعال والاضافة والمتی والأین . وسیجئ تعریف کلّ واحد السبعة، من الوضع منها.
الزمان «المتی»: وهو الهیئة الحاصلة للشئ من نسبته إلی الزمان .
المكان «الأین»: وهو هیئة حاصلة للجسم من نسبته إلی المكان.
المراد من غیر النسبی : وهو عرض الذی یمكن تصوره بملاحظة نفسه وهو ینقسم إلی قسمین :
الأول، الكم: هو العرض الذی بذاته یمكن أن یوجد فیه شئ واحد یعدّه.
الكم ینقسم إلی قسمین متصل ومنفصل.
١. الكم المتصل: هو الكم الذی یمكن أن یفرض فیه أجزاء تتلاقى على حدود مشترکة
٢. الكم المنفصل: وهو العدد الحاصل من تکرر الواحد.
الثانی، الكیف: وهو عرض لا یقبل القسمة ولا النسبة لذاته.
أقسام الأعراض
ومنها: تقسیم العرض إلی اللازم والمفارق.
١. العرض اللازم: ما یمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کالزوجیة للأربعة والحرارة للنار.
٢. العرض المفارق: ما لایمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کأوصاف الإنسان المشتقة من افعاله واحواله، مثل قائم وقاعد ونائم وصحیح وسقیم.
والعرض اللازم ینقسم إلی أقسام ثلاثة
١. لازم الماهیة: وهو العرض اللازم للماهیة مع قطع النظر عن خصوص وجودها فی الخارج أو فی الذهن كزوجیة الأربعة وإمکان الماهیة.
۲. لازم الوجود الخارجی : وهو لازم الشئ بالنظر إلی وجوده الخارجی كالحرارة للنار والبرودة للماء.
٣. لازم الوجود الذهنی: وهو لازم للشئ بالنظر إلی وجوده الذهنی کالکلّیة للإنسان العقلی.
أقسام العرضی
أقسام العرضی
اللازم المفارق
بیّن غیر بیّن[792]
البین بالمعنی الأخص[793] البین بالمعنی الأعمّ[794]
الدائم سریع الزوال بطیء الزوال
«کحرکة الفلک» «کحمرة الخجل» «کالشباب»
«صفرة الوجل»
وللأعراض تقسیمات أخری لامجال لذكرها فلیراجع إلی كتب المفصلة.
المراد من الجوهر والعرض
وإن كان البحث عن الجواهر والأعراض بحثا فلسفیا یبحث فی الفلسفة ولكن یبحث فی المنطق أیضاً استطرادا؛ لأنّ المعیار فی تشخیص المباحث المنطقیة عن الفلسفیة هو إن كان البحث عن المعقولات التی تكون عروضها واتصافها فی الذهن، فتكون من المسائل المنطقیة وإلّا فلا وفی المقام الجوهر والعرض یحملان على الشئ الخارجی ویكون اتصافه بهما فی الخارج دون الذهن.
الجوهر: یطلق تارة على حقیقة الشئ وذاته وأخری على حجر یستخرج منه شئ ینتفع به كالزبرجد والیاقوت ونحوهما وثالثة على الموجود القائم بنفسه والمراد منه فی المقام هو الأخیر.
ورسّم المشهور الجوهر هكذا: هی الماهیة التی إذا وجدت فی الخارج وجدت لا فی موضوع مستغن عنها فی وجوده[795].
أقسام الجوهر
الجوهر على خمسة أنواع:
1. العقل: ما كان مفارقاً عن المادة ذاتاً وفعلاً معاً.
۲ . النفس: ما كان مجرداً عن المادة ذاتاً لا فعلاً.
٣. الجسم: ماكان مركباً من الحال والمحل.
۴. الصورة: ما كان حالا فی جوهره «الجوهر المفید لفعلیة المادة من حیث الامتداد الثلاث».
۵ . المادة: ماكان محلاً للجوهر الجوهر الحامل للقوة أو ماحلت علیه الصورة.
العرض، هی الماهیة التی إذا وجدت فی الخارج وجدت فی موضوع مستغن عنها. والأعراض عند المشهور تكون منحصرة فی التسعة كما ذكرنا سابقا وهی:
الكم، والكیف، والاضافة[796] والأین[797] والمتى[798] الوضع[799] والملک[800] والفعل[801] والانفعال[802].
الفرق بین الإمکان الخاص والعام
الإمکان الخاص نحو زید کاتب بالإمکان الخاص مفاده سلب الضرورة عن الطرفین بمعنى عدم ضرورة الكتابة وعدمها لزید والإمکان العام مفاده سلب الضرورة عن جانب المخالف إن كان فی القضیة الموجبة نحو: زید کاتب بالإمکان العام فمعناه عدم الكتابة لیس ضروریا لزید سواء كانت الكتابة ضروریة له أم لا؟ وإن كان مقیداً بالسلب نحو لیس زید کاتب بالإمکان العام معناه أنّ ثبوت الكتابة لیس ضروریاً لزید سواء كان عدمها ضروریاً له أم لا؟
ادات السؤال
ما وضع لإاستعلام الشی ثلاثة وکلّ منها: على قسمین فالکلّ ستة:
ما، الحقیقیة والشارحة.
هل، البسیطة والمرّكبة.
لم، ثبوتی والإإثباتی.
1. ما الحقیقیة: وهی التی تستعمل لطلب الماهیة الحقیقیة. وكان إذا سئل عن الأشیاء المتفقة الحقایق أو المختلفة الحقایق بما الحقیقیة یقع النوع أو الجنس فی الجواب . نحو: الإنسان ما هو؟ یقال: حیوان ناطق. ونحو الإنسان والفرس والبقر ماهم؟یقال: حیوان، ونحو ما الحركة؟ وما المكان؟
۲. ما الشارحیة: وهی ألتی تستعمل لطلب شرح الإسم وبیان مفهومه وإنّه لأی معنى وضع، نحو: ما السعدانة؟ وما الخلافة؟ وما العنقاء؟
فما یقال: فی جواب ما الحقیقیة ماهیة، وما یقال فی جواب ما الشارحیة لیس ماهیة بل هو شرح الاسم.
۳. هل البسیطة: وهی التی یطلب بها وجود شئ أو لا وجوده، كقولنا هل الحركة موجودة أو لا موجودة؟
۴. هل المركّبة: وهی التی یطلب بها وجود شئ لشئ أو لا وجوده له، أی نفیه عنه كقولنا: هل الحركة دائمة أو لیست دائمة ؟ هل زید كاتب أم لا؟ «إنّ مفاد هل البسیطة هو مفاد كان التامّة ومفاد هل المركّبة هو مفاد كان الناقصة»
۵. لم الثبوتی: ما یطلب به علة التصدیق فقط، وهو الذی یسئل به عن الحد الأوسط الذی هو علة الاعتقاد والتصدیق كقولنا لِمَ كان الجسم محدثاً[803]؟
لِمَ الإثباتی: ما یطلب به علة التصدیق والوجود معاً حتى یكون السائل به یسئل عن علة الشئ فی نفسه على ماهو علیه إمّا مطلقاً، أو كونه على حال ما كقولنا: لم یجذب المغناطیس الحدید؟ فإنّ الجذب معلوم وعلته غیر معلومة.
وبعبارة أخری یطلب بلم علة الحكم والواسطة له، وهی قسمان: واسطة فی الثبوت، وواسطة فی الإثبات. وأشار إلی کلّ واحد منها: الحكیم السبزواری فی منظومته:
أسّ المطالبِ ثَلاثَةٌ عُلِــمَ مَطْلَبُ مٰا مَطْلَبُ هل مَطْلَبُ لِمْ
فَما هو الشّارحُ والحقیقی وذو اشــــــتباكٍ مَـعَ هَلْ أنیقِ
وهل بسیطاً ومرکّباً ثَبَتْ لمیّةً ثبـــوتاً إثباتاً حَـــــــوَتْ[804].
الفرق بین الهلیة البسیطة والهلیة المركّبة
الهلیة البسیطة، ما كان المحمول فیها وجود الموضوع، كقولنا: الإنسان موجود، والهلیة المركّبة، ما كان المحمول فیها اثراً من آثاره وعرضیاً من عرضیاته، كقولنا: «الإنسان ضاحك»، فهی تدل على ثبوت شئ لشئ بخلاف الهلیة البسیطة حیث تدل على ثبوت الشئی.
المراد من البرهان الانّی واللمّی
البرهان اللمّی: هو العلم من العلّة بالمعلول. وبعبارة الأخری لو كان الحد الأوسط مع كونه واسطة فی الإثبات واسطة فی الثبوت أیضاً أی یكون علة لثبوت الأكبر للأصغر فی الواقع وفی نفس الأمر فیسمّى بالبرهان اللمّى لأنّه یعطى اللمّیة فی الوجود والتصدیق معاً. كتعفّن الأخلاط فی قولك : هذا متعفّن الأخلاط وکلّ متعفّن الأخلاط محموم فهذا محموم.
البرهان الإنّی: هو: العلم بالعلّة من المعلول. بأن كان الحد الأوسط واسطة فی الإثبات فقط ولم یكن واسطة فی الثبوت، ویسمّى بالبرهان الإنّی لأنّه یعطی إنّیة الحكم وتحقّقه فی الذهن نحو زید محموم وکلّ محموم متعفّن الأخلاط فزید متعفّن الأخلاط.
وکلّ واحد منهما ینقسم إلی أقسام، لامجال لذكرها فلیراجع إلی كتب المفصّلة المنطقیة.
التناقض وشروطه
التناقض: إختلاف القضیتین بحیث یلزم لذاته من صدق کلّ منهما كذب الأخری[805] وبالعكس[806] نحو: «کلّ إنسان حیوان وبعض الإنسان لیس بحیوان».
شروط التناقض
یشترط فی تحقق التناقض أمور لابدّ من اتّحاد القضیتین فیها كما قال الشاعر الفارسی:
در تناقض هشت وحدت شرط دان وحدت موضوع ومحمول ومکان
وحدت شرط واضافة جزء وکلّ قوة وفعل است در آخر زمان
١. الاتّحاد فی الموضوع وإلّا فلا تناقض بینهما نحو زید کاتب وعمرولیس بکاتب.
٢. الاتّحاد فی المحمول وإلّا فلاتناقض بینهما نحو: « زید کاتب وزید لیس بجاهل».
٣. الاتّحاد فی الزمان وإلّا فلا تناقض نحو: «الشمس مشرقة فی النهار والشمس لیست بمشرقة فی اللیل».
۴. الاتّحاد فی المكان وإلّا فلا تناقض نحو: «زید کاتب فی الیقضة وزید لیس بکاتب فی النوم».
۵. الاتّحاد فی القوة والفعل وإلّا فلا تناقض نحو: «زید عالم بالقوة وزید لیس بعالم بالفعل».
۶. الاتّحاد فی الکلّ والجزء وإلّا فلا تناقض نحو: «زید حافظ للقرآن أى بعضه وزید لیس بحافظ؛ أی کلّه».
۷. الاتّحاد فی الشرط وإلّا فلا تناقض نحو: «زید عالم إن اجتهد وزید لیس بعالم إن لم یجتهد».
۸. الاتّحاد فی الإضافة وإلّا فلا تناقض نحو: « الأربعة نصف بالإضافة إلی الثمانیة ولیست بنصف بالإضافة إلی العشرة».
وأضاف بعض شرطاً تاسعاً وهو الاتّحاد فی الحمل وإلّا فلا تناقض نحو الجزئى جزئی بالحمل الأولى والجزئی لیس بجزئی بحمل الشأیع؛ لأنّ مفهوم الجزئی من مصادیق مفهوم الکلّى لا یمتنع فرض صدقه على كثیرین.
وبهذا الشرط أجاب الأصولیون عن كثیر من الإشكالات والشبهات.
لابدّ من اختلاف القضیتین المتناقضتین فی أمور ثلاثة:
وهی الكم والكیف والجهة وإلّا فلاتناقض بینهما نحو: « بعض الحیوان إنسان وبعض الحیوان لیس بإنسان. وکلّ إنسان ناطق وبعض الإنسان ناطق»؛ لأنّ کلّتا القضیتین صادقتان ونحو: «بعض الإنسان لیس بحیوان وکلّ إنسان لیس بحیوان» کلاهما كاذبان.
المراد من عقد الوضع وعقد الحمل
کلّ قضیة مشتملة على عقدین عقد الوضع وعقد الحمل.
١. عقد الوضع: وهو اتّصاف ذات الموضوع بوصفه، كاتّصاف زید بالكتابة فی قولنا: «کلّ كاتب متحرك الأصابع».
۲. عقد الحمل: وهو اتّصاف ذات الموضوع بوصف المحمول کاتّصاف زید بالتحرّك فی المثال سواءُ كان اتّصافه به بالضرورة نحو: «کلّ إنسان حیوان»، أو بالدوام نحو: «کلّ فلك متحرك» أو بالإمکان نحو:«کلّ إنسان كاتبٌ».
أمّا الأول: فاختلف فیه الشیخ الرئیس أبو علی بن سینا والمعلم الثانی أبو نصر الفارابی، فقال الشیخ: إنّه بالفعل سواء كان ذلك فی الماضی أو الحال أو المستقبل حتى لا یدخل فیه ما لا یتّصف بوصف الموضوع دائماً[807]. وقال الفارابی: إنّه بالإمکان فمعنى کلّ كاتب متحرّك الأصابع بالإمکان على رأى الفارابی: هو أنّ کلّما صدق علیه الكاتب بالإمکان صدق علیه متحرّك الأصابع بالإمکان ویلزمه العكس وهو أنّ بعض ما صدق علیه متحرّك الأصابع بالإمکان صدق علیه الكاتب بالإمکان. فیكون للممکنتین عکس لازم الصدق وعلى رأی الشیخ معنى کلّ كاتب متحرّك الأصابع بالإمکان هو أنّ کلّ ماصدق علیه الكاتب بالفعل صدق علیه متحرّك الأصابع بالإمکان یكون عكسه على اسلوب الشیخ هو أنّ بعض ماصدق علیه متحرك الأصابع بالفعل صدق علیه الكاتب بالإمکان وإن كان هذا المثال صحیحاً ولكن لا یصدق فی بعض الموارد كما لو فرض مركوب زید بالفعل منحصراً فی الفرس صدق: کلّ حمار بالفعل مرکوب زید بالإمکان ولم یصدق عکسه وهو أنّ بعض مرکوب زید بالفعل حمار بالإمکان وهو ینافی أصل القضیة. وعلى رأی الشیخ لایكون للممكنتین عکس لازم الصدق فی جمیع الموارد.
أقسام الحجّة
من حیث إنّه یوصل إلی المجهول التصدیقی. الحجّة فی اللغة: الغلبة[808]. وفی الاصطلاح: عبارة عن المعلوم التصدیقى[809].
إعلم أنّ الحجّة على ثلاثة أقسام: القیاس والاستقراء والتمثیل، وذلك؛ لأنّ الاستدلال إمّا أن یكون من حال الکلّى على جزئیه أو بالعكس أو من حال الجزئی على الجزئی الأخر بشرط أن یكونا داخلین تحت کلّی واحد، فالقسم الأول یسمّى بالقیاس والثانی بالاستقراء والثالث بالتمثیل وهذا تعریف کلّ واحد منها.
القیاس: قول مؤلف من قضأیا یلزمه لذاته قول آخر. نحو:« العالم متغیر وکلّ متغیر حادث فالعالم حادث».
أقسام القیاس
القیاس ینقسم إلی قسمین: الاستثنائی والاقترانی
١. القیاس الاستثنائی: ما ذكر النتیجة أو نقیضها بمادتها وهیئتها فی القیاس نحو إن كان هذا إنساناً كان حیوانا لكنه إنسان ینتج أنّ هذا حیوان وقد یكون المذكور فی القیاس نقیض النتیجة نحو:« إن كان هذا إنساناً كان حیواناً لكنه لیس بحیوان». ینتج أنّ هذا لیس بإنسان ویسمّى استثنائیة لاشتماله على کلّمة الاستثناء أعنی لكنّ[810].
٢. القیاس الاقترانی: وهو ما لم یذكر النتیجة أو نقیضها بمادتها وهیئتها فی القیاس نحو:« العالم متغیر وکلّ متغیر حادث فالعالم حادث» ویسمّى اقترانیاً لإقتران حدود المطلوب فیه وهی الأصغر والأكبر والأوسط.
وینقسم القیاس الإقترانی إلی الحملی والشرطی لأنّه قدیتألف من حملیات فقط نحو: «الإنسان حیوان وکلّ حیوان حساس فالإنسان حساس». فیسمّی حملیاً وقدیتألف من شرطیات فقط أو شرطیة وحملیة فیسمّى شرطی نحو:«کلّما كانت الشمس طالعة فالنهار موجو وکلّما كان النهار موجوداً فالعالم مضئ فکلّما كانت الشمس طالعة فالعالم مضئ» والثانی نحو: «کلّما كان هذا الشیئ إنساناً كان حیواناً وکلّ حیوان جسم فکلّما كان هذا الشی إنساناً كان جسماً».
3. الاستقراء : تصفّح الجزئیات لإثبات حکم کلّی نحو: «کلّ حیوان إمّا ناطق أو غیر ناطق وکلّ ناطق من الحیوان حسّاس وکلّ غیر ناطق من الحیوان حسّاس ینتج کلّ حیوان حسّاس».
والاستقراء على قسمین؛ لأنّه إمّا أن یتصفحّ فیه حال الجزئیات بأسرها أو بعضها والأول، هو التام وهو یفید الیقین كما تقدم والثانی هو الناقص ولا یفید إلّا الظن، كمثال الحیوان من أنّه یحرك فكه الأسفل عند المضغ بحكم الاستقراء لأکثر انواعه.
4. التمثیل : بیان مشاركة الجزئی لجزئى آخر فی علة الحكم لیثبت فیه كما یقال: «النبیذ حرام»؛ لأنّ الخمر حرام وعلة حرمته الإسکار وهو موجود فی النبیذ أیضاً. ویعبّر عن التمثیل فی الفقه بالقیاس وفی النحو بالتشبیه.
أقسام الدلیل العقلی
الدّلیل العقلی ینقسم إلی قسمین: مستقلات وغیر مستقلات؛ لأنّ العلم بالحكم الشرعی کسائر العلوم لابدّ له من علّة، لاستحالة وجود الممكن بلاعلة والعلة منحصرة بالقیاس دون التمثیل والاستقراء، والقیاس لابدّ أن یتألف من مقدّمتین، هاتان المقدّمتان قد تكونان معاً غیر عقلیتین فالدلیل الذی یتألف منهما یسمّى دلیلاً شرعیاً.
وقدتكون کلّ منهما أوأحدهما عقلیاً فالدلیل یكون عقلیاً وهو على قسمین:
١. أن تكون المقدمتان معاً عقلیتین كحكم العقل بحسن شئ أو قبحه ثمّ حكم بأنّه: «کلّ ماحكم به العقل حکم به الشرع» على طبقه فهو من المستقلات العقلیة.
۲. أن تكون أحدى المقدمتین غیر عقلیة والأخری عقلیة كحكم العقل بوجوب المقدّمه عند وجوب ذیها وهو من غیر المستقلات العقلیة.
أقسام القضایا
القضیة: قول یحتمل الصدق والكذب وتنقسم إلی الحملیة والشرطیة.
١. القضیة الحملیة: وهی ثبوت شئ لشئ أو نفیه عنه.
٢. القضیة الشرطیة: ما حكم فیها بوجود نسبة بین قضیة وأخری أولاً وجودها. وبعبارة أخری ما حكم فیها بثبوت نسبة على تقدیر أخری «نحو لو طلعت الشمس فالنهار موجود» أو نفی ذلك الثبوت «لیس البتة کلّما كانت الشمس طالعة كان اللیل موجوداً»، أو بالمنافات بین النسبتین «إمّا أن یكون هذا العدد زوجاً وإمّا أن یكون هذا العدد فرداً»، أو سلب تلك المنافات «لیس البتة إمّا أن یكون هذا العدد زوجاً أو منقسماً بمتساویین».
القضیة الحملیة باعتبار الموضوع تنقسم إلی أقسام أربعة، لأنّ الموضوع إمّا أن یكون کلّیاً بما هو کلّى مع قطع النظر عن أفراده نحو: «الإنسان نوع والحیوان جنس» فتسمّی طبیعیة.
وإمّا أن یكون الحكم فیها على الکلّى بملاحظة أفراده إلّا أنّه لم یبین فیه كمیة الأفراد نحو: «إنّ الإنسان لفی خسر» إذا كانت اللام للحقیقة فتسمّی مهملة.
وإمّا أن یكون الحكم فیها على الکلّى بملاحظة أفراده وبین كمیة أفراده فی القضیة نحو: «کلّ شئ حلال» فتسمّیٰ محصورة[811].
والقضیة الحملیة باعتبار وجود موضوعها تنقسم إلی الخارجیة والحقیقیة والذهنیة.
١. القضیة الخارجیة: ما حكم فیها على الموضوع الموجود فی الخارج محقّقاً نحو: «أکرم کلّ طالب فی المدرسة».
٢. القضیة الحقیقیة: ما حكم فیها على الأفراد المحققة الوجود والمقدرة الوجود معاً نحو: «کلّ ماء طاهر ویجب الحج على کلّ مستطیع».
٣. القضیة الذهنیة: ما حكم فیها على الموضوع الموجود فی الذهن نحو: «شریك الباری ممتنع واجتماع النقیضین محال».
وللقضیة الحملیة تقسیم آخر باعتبار اشتمالها على حرف السلب وعدمه إلی المعدولة والمحصلّة.
القضیة الحملیة إمّا أن تكون مشتملة على حرف سلب أم لا؟
الثانیة هی الموجبة المحصلة كقولنا زید قائم والأولى إمّا أن یجعل حرف السلب جزءاً من جزء منها: أم لا؟ الثانیة هی السالبة المحصّلة نحو: «لیس زید کاتباً» والأولى إمّا أن یكون حرف السلب جزء الموضوع أو جزء المحمول أو الطرفین، فالقضیة على الأول تسمّی معدولة الموضوع نحو: «لاحی جماد» وعلى الثانی، تسمّی معدولة المحمول نحو: «الجماد لاعالم» وعلى الثالث تسمّی معدولة الطرفین نحو لاحى لاعالم. وهذه الثلاثة الأخیرة إمّا أن یكون الحكم فیها بالإیجاب أو بالسلب فهذه ستة أقسام.
أقسام الضرورة
إعلم أنّ المنطقیین جعلوا القضیة الضروریة على أقسام ستة:
1. الضروریة الأزلیة: وهی التی حكم فیها باستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع مطلقاً ومن غیر قید أصلا حتى قید وجود الموضوع وهی أشرف القضایاء الضروریة تنعقد فی وجود الحق تعالی مثل: الله موجود وصفاته، مثل: الله حی وقادر ونحو ذلك.
٢. الضروریة الذاتیة : وهی التی یكون الحكم باستحالة الانفكاك فیها مقیداً بدوام الموضوع مثل: «الإنسان إنسان بالضرورة» أی مادام کونه إنساناً موجوداً، والأربعة زوجٌ ما دامت موجودةً.
٣. الضروریة الوصفیة : وهی التی یكون الحكم بالاستحالة فیها مقیداً بثبوت الوصف العنوانی للموضوع مثل: «الإنسان متحرك الأصابع مادأم كاتباً» ویقال لها المشروطة العامة.
۴. الضروریة فی وقت معین : وهی التی یكون الحكم بالاستحالة فیها مقیداً بوقت معین مثل: «کلّ قمر منخسف وقت حیلولة الارض بینه وبین الشمس». ویقال له الوقتیة المطلقة.
۵. الضروریة فی وقت غیر معین : ویقال لها المنتشرة المطلقة مثل: «کلّ إنسان متنفس وقتاً ما».
۶. الضروریة بشرط المحمول : وهی التی یكون الحكم فیها ضروریاً مادام ثبوت المحمول للموضوع ، وهذه الضروریة هی الوجوب اللاحق الذی یعرض کلّ قضیة ولایخلو عنها قضیة أصلاً.
سور القضیة
اللفظ الدال على كمیة أفراد الموضوع یسمّى سور القضیة تشبیها له بسور البلد كما أنّ سور البلد محیط به كذلك هذا الأمر محیط بما حكم علیه من أفراد الموضوع ویسمّى القضیة المشتملة على السور محصورة ونذكر سور القضیة الحملیة والشرطیة فی الشکل تسهیلا للظبط[812].
سور القضیة الحملیة
کلّ،جمیع، بعض، واحد، لاشی، لاواحد، لیس بعض، بعض لیس
لاماستغراق كثیروقلیل والنكره فی سیاق النفی ولیس کلّ
(للموجبة الکلّیة)[813] (للموجبة الجزئیة)[814] (للسالبة کلّیة)[815] (للسالبة الجزئیة)[816]
سور القضیة الشرطیة
الموجبة الکلّیة الموجبة الجزئیة
المتصلة[817] المنفصلة[818] المتصلة[819] المنفصلة[820]
کلّما مهما متی ونحوها دائماً ابداً ونحوهما
السالبة الکلّیة السالبة الجزیئیة[821]
المتصلة[822] المنفصلة[823] المتصلة[824] المنفصلة[825]
لیسابداً لیسالبتة لیسکلّما لیسمهما لیسمتی لیس کلّما قدلایکون قدلایکون
لیس دائماً لیس ابداً لیس البتة
الفرق بین عدم المحمولی وعدم النعتی
إنّ العدم قد یتعلق بماهیة شیئی ویحمل علیها ویسمّی بعدم المحمول نحو: «زید معدوم وشریک الباری معدوم»
وقد یتعلق بوصف من أوصاف الماهیة ویحمل علیه کعدم کون هذه المرئة قرشیة وعدم هذا المسکر المشکوک خمرا والأول مفاد کان التاءمّه والثّانی مفاد کان الناقصة.
أقسام المقارنة
المقارنة علی ثلاثة أقسام:
أحدها: المقارنة مع تأثیر أحد هما فی وجود الآخر کمقارنة الشمس للنهار
ثانیها: المقارنة الاتفاقیة النادریة نحو: «خرجت فإذا الأسد بالباب»
ثالثها: المقارنة الاتفاقیة الدائمیة نحو: «کلّما کان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق».
الفرق بین موجبة معدولة المحمول وموجبة سالبة المحمول
إنّ السالبة المحصّلة نحو: «زیدٌ لیس بکاتب» أعمّ لصدقها مع وجود الموضوع واتصافه بضد المحمول المنفی ومع عدمه بخلاف المعدولة نحو: «زید لاكاتب» فإنّها إنّما تصدق مع وجود الموضوع ونفی المحمول.[826]
وأضاف بعض المحقّقین فی وجه الفرق بینهما بأنّ القضیة إمّا أن تكون ثلاثیة أو ثنائیة وعلى الأول، فإنّ تقدمت الرابطة على حرف السلب كقولنا: «کلّ حی هو لاجماد» كانت القضیة موجبة معدولة المحمول؛ لأنّ الرابطة من شأنها أن تربط ما بعدها بما قبلها فیربط السلب وإن تأخرت عنه كقولنا: «کلّ إنسان لیس هو بکاتب» كانت سالبة محصّلة؛ لأنّ شأن حرف السلب أن یسلب ما بعده عمّا قبله فیسلب الربط هنا وعلى الثانی فإن أمكن تقدیر الرابطة بعد حرف السلب، كقولنا: الإنسان لیس بقائم كانت سالبة محصلة وإن لم یمكن تقدیر الرابطة بعد كقولنا: «الإنسان لم یقم» كانت موجبة، معدولة المحمول.
وقال بعض المحققین: أنّه لافارق بینهما فی الثنائیة إلّا بالنیة أو الاصطلاح على تخصیص بعض الألفاظ بالإیجاب وبعضها بالسلب كتخصیص لفظ لا وغیر بالعدول ولیس بالسلب.[827]
الفرق بین لیس بعض وبعض لیس ولیس کلّ
إنّ الأولین یدلان على السلب الجزئى بالمطابقة وعلى رفع الإیجاب الکلّى بالالتزام فلأنّ قولنا: «لیس بعض الإنسان بكاتب أو بعضه لیس بكاتب» یدلّ على سلب الكتابة عن بعض أفراد الإنسان بالمطابقة وهو معنى السلب الجزئی ویلزمه رفع الإیجاب الکلّى لأنّه إذا سلب المحمول عن بعض أفراد الموضوع یسلب عن کلّ أفراده أیضاً فإنّ الإیجاب الکلّی یرتفع بالسلب الجزئی.
وإمّا الثانی أعنی لیس کلّ یدل على رفع الإیجاب الکلّى بالمطابقة وعلى سلب الجزئی بالالتزام فلأنّ النفی إذا دخل على جملة فیها أمر زأید على إثبات شئ لشئ أو نفیه عنه إنّما یتوجه إلی ذلك الأمر الزأید دون أصل الحكم بل یفید بمفهومه ثبوته.
الفرق بین لیس بعض وبعض لیس
إنّ لیس بعض قدیذکر لسلب الکلّى وقدیذکر لسلب الجزئی ولا یذكر للإیجاب البتة لأنّ وضع حرف السلب على رفع ما بعده فیمتنع أن یحصل الإیجاب وبعض لیس لا یذكر لسلب الکلّى لأنّ النفی لم یدخل على بعض بل البعض هو الموضوع وحرف السلب إذا توسط بین الشئین یقتضی سلب ما بعده عما قبله فیقتضى هنا سلب المحمول عن البعض فلا یكون إلّا جزئیاً.
وقد ذكر للإیجاب إذا جعل حرف السلب جزءاً من المحمول على ما هو حكم الموجبة المعدولة المحمول[828].
الأشكال الأربعة وشرائطها
إنّ فرفریوس من اهالی مدینة صور من ساحل الشام المتوفی سنة ۳۰۳ م كتب مقدّمة إلی كتب أرسطو سمّاها بالإیساغوجی وهی الکلّیات الخمس لإیضاح ما فی كتب أرسطو، وینسب إلی جالینوس المتوفی سنة ۱۶۰ م.
إنّه اضاف الشکلّ الرابع إلی الأشكال الثلاثة.[829]
ینقسم الاقترانی باعتبار كیفیة وضع الحد الأوسط فی مقدمتیه إلی أربعة أقسام تسمّی «الأشكال الأربعة» والحصر عقلیّ دائر بین النفی والإثبات وذلك لأنّ الأوسط إمّا أن یكون محمولاً فی الصغرى وموضوعاً فی الكبرى أو یكون محمولاً فی الصغرى والكبرى أو یكون موضوعاً فیهما أو بعكس الأول فالأول یسمّى شکلاً أولاً؛ لأنّ انتاجه بدیهی، وانتاج البواقی نظری، والثانی یسمّى شکلاً ثانیاً؛ لاشتراکه مع الأول فی اشرف المقدمتین أعنى الصغرى. والثالث یسمّى شکلاً ثالثاً لاشتراكه مع الأول فی اخسّ المقدمتین أعنى الكبرى والرابع یسمّى شکلاً رابعاً لكونه فی غایة البعد عن الأول.
كما قال الشاعر الفارسی:
أوسط اگر حمل یافت در بر صغری وباز
وضع بكبری گرفت شکلّ نخستین شمار
حمل به هــر دو دوم وضع به هــردو ســوم
رابع اشـــکال را عکـــس نخســتین شمار
شرائط الاشكال الأربعة من حیث الكم والكیف والجهة
شرائط الشکلّ الأول: 1. إیجاب الصغرى ۲. کلّیة الكبرى 3. فعلیة الصغرى على مذهب الشیخ.
النتیجة
کلّ واحدة من الصغرى والكبری یحتمل أن تكون واحدة من المحصورات الأربع«موجبة کلّیة، موجبة جزئیة، سالبة کلّیة وسالبة جزئیة» فإذا وقعت الصغرى موجبة کلّیة فتكون الكبرى موجبة کلّیة أو موجبة جزئیة أو سالبة کلّیة أو سالبة جزئیة فبلغت مکسره ست عشرة صورة من ضرب الأربعة فی الأربعة والمنتج منها أربعة بحسب وجود شرائطه.
١.الصغرى موجبة کلّیة والكبرى أیضاً موجبة کلّیة «الموجبة الکلّیة».
٢. الصغرى موجبة جزئیة والكبرى موجبة کلّیة «الموجبة الجزئیة».
٣. الصغرى موجبة کلّیة والكبرى سالبة کلّیة «السالبة الکلّیة».
۴. الصغرى موجبة جزئیة والكبری سالبة کلّیة «السالبة الجزئیة».
والبواقی کلّها عقیمة لعدم وجود الشرائط.
شرائط الشکلّ الثّانی
1. اختلاف المقدمتین فی الكیف ۲. کلّیة الكبرى ۳. مع دوام الصغرى أو انعكاس السالبة الكبرى.
الضروب المنتجة منه أیضاً أربعة فقط:
النتیجة:
١. الصغرى موجبة کلّیة والكبری سالبة کلّیة «السالبة الکلّیة».
٢. الصغرى موجبة جزئیة والكبری سالبة کلّیة «السالبة الجزئیة».
٣. الصغرى سالبة الکلّیة والكبرى موجبة کلّیة « السالبة الکلّیة».
۴. الصغرى سالبه جزئیة والكبرى موجبة کلّیة « السالبة الجزئیة».
شرائط الشکل الثالث
1.إیجاب الصغرى
٢. کلّیة أحدى المقدمتین
٣. فعلیة الصغرى
الضروب المنتجة فی هذا الشکل ستة
النتیجة:
١- الصغرى موجبة کلّیة والكبرى أیضاً موجبة کلّیة «الموجبة الجزئیة».
٢. الصغرى موجبة جزئیة والكبرى موجبة کلّیة «الموجبة الجزئیة».
٣. الصغرى موجبة کلّیة والكبرى سالبة کلّیة «السالبة الجزئیة ».
۴. الصغرى موجبة جزئیة والكبرى سالبة کلّیة «السالبة الجزئیة ».
۵. الصغرى موجبة کلّیة والكبری سالبة جزئیة «السالبة الجزئیة».
۶. الصغرى موجبة کلّیة والكبرى موجبة جزئیة «الموجبة الجزئیة».
شرائط الشکلّ الرابع
1. إیجاب المقدمتین مع کلّیة الصغرى و إختلاف المقدمتین فی الکیف مع کلیة احدیهما.
۲.أو اختلاف المقدمتین فی الكیف مع کلّیة أحدیهما.
الضروب المنتجة فی هذا الشکل ثمانیة
النتیجة:
١. الصغرى موجبة کلّیة والكبرى أیضاً موجبة کلّیة «الموجبة الجزئیة».
٢. الصغرى موجبة کلّیة والكبرى موجبة جزئیة «الموجبة الجزئیة».
٣. الصغرى سالبة کلّیة والكبرى موجبة کلّیة «السالبة الکلّیة».
۴. الصغری موجبة کلّیة والكبری سالبة کلّیة «السالبة الجزئیة».
۵. الصغرى موجبة جزئیة والكبری سالبة کلّیة «//».
۶. الصغرى سالبة جزئیة والكبرى موجبة کلّیة «//».
۷. الصغرى موجبة کلّیة والكبری سالبة جزئیة «//».
۸. الصغرى سالبة کلّیة والكبرى موجبة جزئیة «//».
وضعوا رموزا لشرائط الأشكال تسهیلا لضبط منهم الحكیم سبزواری فی لئآلیه:
فمغکب[830] للأول وخینــكب[831] لثانی لثالث مغکاین[832] وجب
و مینكغ[833] أو خینکاین قد لزم لرابع فالشرط ذی كیفاً وكم[834]
المراد من الدلیل الخلف
فی كشاف اصطلاحات الفنون لتهانوی
وفی جامع العلوم فی اصطلاحات الفنون: الخُلف بالضم وسكون اللام بطلان «دروغ ووعده را خلاف نمودن» وبالفتح وسكون اللام وراء. وعند المنطقیین هو إثبات المطلوب بإبطال نقیضه. وقیاس الخلف هو القیاس الذی یقصد به إثبات المطلوب بإبطال نقیضه، ویسمّى بالخَلف أیضاً بفتح الحاء وسكون اللام[835].
و قیل: إنّما سمّى هذا القیاس بالخلف؛ لأنّ المتمسك به یثبت مطلوبه لا على الاستقامة بل من خلفه. ویؤیده تسمیة القیاس الذی ینساق إلی المطلوب ابتداء أی من غیر تعرض لإبطال نقیضه بالمستقیم، كأنّ المتمسك به یأتی مطلوبه به من قدامه على الاستقامة[836].
والجمهور على أنّ ذلك القیاس إنّما سمّی خُلفاً أی باطلا لا لأنّه باطل فی نفسه بل لأنّه ینتج الباطل. ولعل هذا مبنی على أنّ الخلف عندهم بالضم. والمحقّق الطوسی فی شرحه على الاشارات اختار الخلف بالفتح والسكون.
وقال التفتازانی فی التهذیب: قیاس الخلف وهو ما یقصد به إثبات المطلوب بإبطال نقیضه. وقال الشیخ ملّا عبد الله فی حاشیته : وهذا القسم من الاستدلال یسمّى بالخلف إمّا لأنّه ینجر إلی الخلف أی المحال على تقدیر صدق نقیض المطلوب أو لأنّه ینتقل منه إلی المطلوب من خلفه أی من وراءه الذی هو نقیضه[837].
وهذا الدلیل یجری فی الشکلّ الثانی والثالث والرابع مع اختلاف فی كیفیة جریانه وینبغی أن نشیر إلی ذلك:
١.دلیل الخلف فی الشکلّ الثانی:
وهو أن یجعل نقیض النتیجة لإیجابه صغری وكبرى القیاس لکلّیتها كبرى لینتج من الشکل الأول ما ینافی الصغرى وهذا جار فی الضروب الأربعة کلّها.
۲. دلیل الخلف فی الشکلّ الثالث:
وهو أن یؤخذ نقیض النتیجة ویجعل لکلّیته کبری، وصغرى القیاس لإیجابه صغرى لینتج من الشکل الأول ما ینافی الكبرى وهذا یجری فی الضروب کلّها.
٣. دلیل الخلف فی الشکل الرابع :
وهو أن یؤخذ نقیض النتیجة ویضمّ إلی أحدى المقدمتین لینتج ما ینعكس إلی ما ینافی المقدّم الأخری وذلك إنّما یجری فی الضرب الأول والثانی والثالث والرابع والخامس دون البواقی؛ لأنّ النتیجة فی الضرب السادس سالبة جزئیة تكون نقیضها موجبة کلّیة فإذا نضمّها مع كبرى القیاس وهی أیضاً موجبة کلّیة ینتج من الشکل الأول موجبة کلّیة وهی تنعكس إلی موجبة جزئیة وهی لاتنافی صغری القیاس التی هی سالبة جزئیة لجواز أن یصدق الإیجاب باعتبار بعض الأفراد والسلب باعتبار البعض الآخر.
وفی الضرب السابع أیضاً سالبة جزئیة یكون نقیضها موجبة کلّیة فإذا نضمها مع صغرى القیاس وهو موجبة کلّیة أیضاً ینتج موجبة کلّیة تنعكس إلی موجبة جزئیة وهی لا تنافی كبرى القیاس لمامر. وفی الضرب الثامن أیضاً لایجرى الدلیل الخلف لإنتفاء إیجاب الصغرى وکلّیة الكبرى.
العکس المستوى
العكس فی اللغة ردّ آخر الشئ إلی أوله أعمّ من أن یكون قضیة أو غیرها[838]. وفی الاصطلاح: تبدیل طرفی القضیة مع بقاء الصدق والكیف بأن یجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعاً فی القضیة الحملیة نحو: «کلّ إنسان حیوان بعض الحیوان إنسان». أو المقدم تالیاً والتالى مقدّماً فی القضیة الشرطیة نحو: «کلّما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» حیث كان بین المقدم والتاءلی التساوى یصحّ أن یقال فی عکسه: «کلّما كان النهار موجوداً كانت الشمس طالعة»[839].
واعلم: إنّ العكس كما یطلق على المعنى المصدری تبدیل طرفی القضیة) كذلك یطلق على القضیة الحاصلة من التبدیل كبعض الحیوان إنسان فی المثال الأول وذلك الإطلاق مجازیّ کإطلاقه على المعنى المصدری من قبیل إطلاق اللفظ على الملفوظ والخلق على المخلوق وهنا استعمل العكس على المعكوس.
الموجبة مطلقاً تنعكس على الموجبة الجزئیة والسالبة الکلّیة تنعکس کنفسها والسالبة الجزئیه لاعکس لها لجواز عموم الموضوع أو المقدم فیلزم سلب الأعمّ عن بعض الأخص وهو محال فلا یصح أن یقال: «بعض الإنسان لیس بحیوان» والشرطیة المنفصلة لا عکس لها أی لاثمرة؛ لأنّه لا فرق فی قولنا : «العدد إمّا زوج أو فرد أو العدد إمّافرد أو زوج»، فإنّ مؤداهما واحد.
عكس النقیض
عرّف القدماء عکس النقیض بأنّه: تبدیل نقیضى الطرفین مع بقاء الصدق والكیف نحو: «کلّ كاتب إنسان» تنعكس : «کلّ ما لیس بإنسان لیس بكاتب کلّ لا إنسان لا کاتب»[840].
وعرّف المتأخرون بأنّه: جعل نقیض الجزء الثانی أولاً وعین الجزء الأول ثانیاً مع مخالفة الكیف نحو: «کلّ كاتب إنسان» تنعكس «لاشئ ممّا لیس إنساناً بکاتب»[841].
الموجبة الکلّیة تنعکس کنفسها والموجبة الجزئیة لا تنعكس أصلا لصدق قولنا: «بعض الحیوان لا إنسان وکذب بعض الإنسان لا حیوان» . والسالبة مطلقا لاتنعكس إلّا سالبة جزئیة لجواز أن یكون نقیض المحمول فی السالبة أعمّ من الموضوع ولایجوز سلب نقیض الأخص عن عین الأعمّ کلّیاً مثلا: یصح لاشئ من الإنسان بلا حیوان ولایصح لاشئ من الحیوان بلا إنسان لصدق نقیضه بعض الحیوان لا إنسان کالفرس.
انواع المغالطة
انواع المغالطة كما نقل الحكیم السبزواری فی لئآلیه عن القدماء ثلاثة عشر نوعا:
منها ستة لفظیة یتعلق ثلاثة منها: بالبسائط «اللفظ المفرد» وهی الاشتراك فی جوهر اللفظ، وفی أحواله الذاتیة[842] وفی احواله العرضیة.[843]
وثلاثة منها: تتعلق بالتركیب وهی التی فی نفس التركیب، وتفصیل المركّب[844] وتركیب المفصل.[845]
وسبعة معنویة أربعة منها: باعتبار القضأیا المركّبة وهی سوء التألیف، والمصادرة على المطلوب، ووضع مالیس بعلة علة، وجمع المسائل فی مسئلة واحدة[846] وثلاثة باعتبار القضیة الواحدة وهی إیهام العكس[847]، وأخذ ما بالعرض مكان ما بالذات، وسوء اعتبار الحمل والأمثلة مذكورة فی «المنطق» و«نقد الآراء المنطقیة[848] » وغیرهما من الكتب المنطقیة.
ونذكر هنا بعض القضایاء الكاذبة الشبیهة بالصادقة الأولیة أو المشهورة لاشتباه لفظی أو معنوی وذلك إمّا أن یكون من جهة الصورة أو من جهة المادة:
أمّا الأول فبأنّ لا یكون على هیئة منتجة إمّا لعدم تكرر الوسط أو لإختلاف بعض الشروط المعتبرة فیها كمّاً أو كیفاً أو جهةً أمّا الأول فكقولنا: «کلّ إنسان له شعر وکلّ شعر ینبت من محلّ فالإنسان ینبت من محلّ» وكقولنا: «السكین فی البطیخ والبطیخ ینبت فی البستان فالسكین ینبت فی البستان» وأمّا الثانی فكقولنا: «کلّ إنسان حیوان وبعض الحیوان فرس ینتج بعض الإنسان فرس» وكقولنا: «لاشئ من الإنسان بفرس وکلّ فرس حیوان ینتج لاشئ من الإنسان بحیوان» وكقولنا فی المثال المفروض: «کلّ حمار بالفعل مركوب زید بالإمکان وکلّ مركوب زید بالفعل فرس بالضرورة ینتج کلّ حمار فرس بالضرورة» وکلّها كاذبة والسبب انتفاء کلّیة الكبرى فی الأول ، وإیجاب الصغرى فی الثانی وفعلیتها فی الثالث هذا فی الشکل الأول وقس علیه سائر الأشكال.
وأمّا الثانی فإمّا أن یكون من جهة اللفظ أو من جهة المعنی والأول كان یكون المطلوب وبعض مقدماته شیئاً واحداً ویسمّى بالمصادرة على المطلوب كقولنا: «کلّ إنسان بشر وکلّ بشر ضاحك ینتج کلّ إنسان ضاحك» وكأن یكون الحد الاوسط من الالفاظ المشتركة یراد به فی الصغرى معنى وفی الكبرى معنى آخر كقولنا: «هذا عینٌ یشاربه إلی الذهب وکلّ عین باكیة یراد به الباصرة فهذا باکٍ» وأمّا الثانی فكقولنا: «لصورة الفرس المنقوش فی الجدار أنّها فرس، وکلّ فرس ساهل فهی ساهلة».
وذكر بعض الفضلاء من هذا الباب الحكم على الجنس بحكم نوع منه مندرج تحته نحو: «هذا لونٌ واللون سواد فهذا سواد». والحكم على المطلق بحكم المقید بحال أو وقت كقولنا: «هذه رقبة والرقبة مؤمنة فهذه مؤمنة»، وكقولنا هذا – مشیراً إلی الأعمّى – مبصر والمبصر یبصر باللیل فهذا یبصر باللیل. ووضع الطبیعیة موضع الکلّیة كقولنا: «الإنسان حیوان والحیوان جنس فالإنسان جنس». ولایخفى أنّ فساد أمثال ذلك إنّما هو من جهة الصورة والهیئة كما هو ظاهر، فإنّ کلّیة الكبرى فی جمیعها منتفیة والعجب من بعض المحقّقین حیث صرّح بذلك ومع ذلك ذكرها فی هذا الباب.[849]
ومن المغالطات ما اشتهر فی الافواه والألسنة من قولهم: «الطلاق موقوف على النكاح والنکاح موقوف على رضاء الطرفین، فینتج أنّ الطلاق موقوف علی رضاء الطرفین»، مع أنّه لیس کذالک.
والحلّ أنّ الوسط غیر مکرّر؛ لأنّ الكبرى یجب أن تكون هكذا: «وکلّ موقوف على النکاح موقوف على رضاء الطرفین»[850] وحینئذ تكذب الكبرى وإن لم تجعل كما ذكر لم یتكرر الوسط وبعبارة أخری الفساد فی القیاس المذكور إمّا من ناحیة كذب الكبرى أو من أجل عدم تكرّر الوسط.
ونظیر هذا ما یقال: «الإنسان له شعر وکلّ شعر ینبت فینتج أنّ الإنسان ینبت». أو یقال: «الجدار له فأرة وکلّ فأرة لها اُذن، فالجدار له اُذن». والحلّ فی الجمیع ما اشرنا الیه من استناد الفساد إمّا إلی كذب الكبرى أو إلی عدم تكرر الوسط.[851] إنّ القیاس غیر صحیح فإنّ الأوسط لم یتكرّر؛ لأنّ المحمول فی الصغرى «له شعر» وهو لم یكن موضوعة فی الكبرى إذ الموضوع فیها هو الشعر وهو جزء المحمول فكان ینبغی أن تكون الكبرى «کلّ ما له شعر ینبت»وهی كاذبة.
ومن انواع المغالطة وحلّها هذه الأمثلة:
«کلّما كانت الأربعة موجودة كانت الثلاثة موجودة وکلّما كانت الثلاثة موجودة فهی فرد» ینتج من الشکلّ الأول نتیجة كاذبة وهی: «کلّما كانت الأربعة موجودة فهی فرد».
والجواب عنها : أنّ الضمیر فی قولنا فهی فرد فی الكبرى راجع لثلاثة ففی النتیجة یجب أن یكون معاد الضمیر فیها أیضاً كذلك فتكون نتیجة القیاس: «کلّما كانت الأربعة موجودة فالثلاثة فرد». وهی صادقة لاكاذبة.
ونحو: «الإنسان کلّی وکلّ کلّی معدوم فی الخارج» ؛ لأنّ الشئ ما لم یتشخص لم یوجد ینتج أنّ الإنسان معدوم فی الخارج.
والجواب عنها : إنّ الإنسان الذی هو الأصغر أمر ذهنی لا خارجی لعروض الکلّیة علیه فی الصغرى وحینئذ فالنتیجة صادقة لأنّ الإنسان الکلّى معدوم فی الخارج.
ونحو: «الجالس فی السفینة ماشی وکلّ ماشی لایثبت على موضع واحد» ینتج أنّ الجالس فی السفینة لا یثبت على موضع واحد وهو كاذب لأنّه ثابت فی محله.
والجواب عنها: أنّ الأوسط لیس بمتكرّر؛ لأنّ الماشی المحمول فی الصغرى هو الماشی بالعرض والماشی الموضوع فی الكبرى هو الماشی بالذات.
ونحو: «لو كان العدم متصوراً لكان متمیزاً ولو كان متمیزاً لكان موجوداً فی الخارج» ینتج «لو كان العدم متصوراً لكان موجوداً فی الخارج».
والجواب عنها:
إنّ الأوسط غیر متكرّر؛ لأنّه أرید بالمتمیز فی تالی الصغرى هو المتمیز ذهناً والتمیز فی مقدّم الكبرى هو المتمیز خارجاً.
ونحو: «بعض النوع إنسان ولاشئ من الإنسان بنوع» أمّا الكبرى فلأنّها محصورة فالحكم فیها على أفراد الإنسان ومن البدیهی أنّ أفراد الإنسان لا تتصف بالنوعیة؛ لأنّها جزئیات شخصیة ینتج بعض النوع لیس بنوع وهو محال.
والجواب عنها: إنّ الأوسط لیس بمتكرّر؛ لأنّ الإنسان المحمول فی الصغرى هو الإنسان الذهنی إذ الإنسان الخارجی لا یتّصف بالنوعیة فإنّها من المعقولات الثانیة کالکلّیة. والإنسان الذی هو الموضوع فی الكبرى هو الإنسان الخارجی فإنّه هو الذی تسلب عنه النوعیة دون الذهنی.
ونحو: «کلّ من قال بالالهیة فرعون قال بجسمیته وکلّ من قال بجسمیته فهو صادق» ینتج «کلّ من قال بالالهیة فرعون فهو صادق» مع أنّه كاذب .
والجواب عنها: إنّ أجزاء النتیجة یجب أن تكون نفس المذكورات فی القیاس والمذكور هنا فی القیاس هو الصدق بالقول بجسمیته فتكون النتیجة للقیاس المذكور: «إنّ کلّ من قال بالالهیة فرعون فهو صادق» بالقول بجسمیته ونحو: «أنّ الفعل والحرف کلّمة والکلّمة اسم» ینتج أنّ الفعل والحرف اسم.
والجواب عنها: إنّ الكبرى لیست بکلّیة؛ لأنّ الحكم فیها على لفظ الکلّمة لا على مصادیقها.
انواع المغالطه من اللفظیة والمعنویة
الاشتراک فی جوهر اللفظ[852]
فی احوله الذاتیة[853]
فی احواله العرضیة[854]
المغالطة اللفظیة
نفس الترکیب[855]
تفصیل الترکیب[856]
ترکیب المفصل[857]
إیهام العكس[858]
أخذ ما بالعرض[859]
سوء اعتبار الحمل[860]
سوء التألیف[861]
المصادرة على المطلوب[862]
وضع ما لیس علة علة[863]
جمع المسائل فی مسئلة واحدة[864].
وقد تمّ هنا بعون الله تعالی ما اردنا ذکره من المباحث المنطقیة ویلیها
المباحث الحكمیة ان شاء الله تعالی.
4
حول المباحث الفلسفیة
تعریف الحكمة وموضوعها وغایتها
إعلم أنّ الحكمة: علم بأحوال أعیان الموجودات على ما هی علیه فی نفس الأمر بحسب الطاقة البشریة. ثم إنّ أعیان الموجودات إن كانت باختیارنا وقدرتنا فهی الحكمة العملیة وإن لم تكن بقدرتنا وإختیارنا فهی الحكمة النظریة وحینئذ فإن كانت غیر محتاجة فی الوجود الخارجی والعقلی إلى الماّدة فهو العلم الإلهی، وإن احتاجت فی الوجودین الیها فهو الطبیعی وإن كان إحتیاج ها إلى الماّدة فی الوجود الخارجی فقط دون التعقل وهو الریاضی. وعلى هذا لا یدخل المنطق فی الحكمة إذ لیس البحث فیه عن الأعیان الخارجیة بل عن المفهومات والموجودات الذهنیة الموصلة إلى التّصور والتّصدیق المجهولین وإن حذف الأعیان وقیل أنّها علم بأحوال الموجودات یدخل تحت ها ویكون من أقسام الحكمة النظریة إذ البحث فیها أیضاً عن أحوال الموجودات ألتی لیس وجودها بقدرتنا وإختیارنا.
ومرادنا من الحكمة هنا الحكمة الإلهیة وهی العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود، ویسمّى أیضاً الفلسفة الأولى والعلم الأعلى أوما بعد الطبیعة وسائر أقسام الفلسفة كالطبیعیات والریاضیات وغیرها یبحث عنها مستقلاً فی غیرها.
والفلسفة كالحوقلة قیل: لغة یونانیة معناها محبة الحكمة مأخوذة من فیلسوف مخفف فیلا سوف ای محبّ الحكمة. وفیلا: المحبّ. وسوف: الحكمة. وأوّل من تكلّم بها فیثاغورث الحكیم الیونانی الذی كان فی القرن السادس قبل میلاد المسیح.
عرّف الشیخ الرئیس الحكمة بأنّها: «صناعة نظریة یستفید منها الإنسان تحصیل ما علیه الوجود فی نفسه، وما علیه الواجب ممّا ینبغی أن یكتسب بعلمه لیتشرّف بذلك نفسه ویستكمل ویصیر عالماً معقولاً مضاهیاً للعالم الموجود وستعد للسعادة القصوى الأخرویة وذلك بحسب الطاقة الإنسانیّة»[865].
وعرّف ها فی أول الطبیعیات من عیون الحكمة بقوله:«الحكمة استكمال النفس الإنسانیة بتصور الأمور والتصدیق بالحقائق النظریة والعملیة على قدر الطاقة البشریة والحكمة المتعلقة بالأمور النظریة التی الینا أن نعلم ها ولیس الینا أن نعمل ها تسمّى حكمة نظریة. والحكمة المتعلقة بالأمور العلمیة التی الینا أن نعلمها ونعمل ها تسمّى حكمة عملیة»[866].
وقال الحكیم الإلهی صدر الدین الشیرازی: «الفلسفة استكمال النفس الإنسانیة بمعرفة حقائق الموجودات على ماهی علیها والحكم بوجودها تحقیقاً بالبراهین لا أخذاً بالظن والتقلید»[867].
وقال الحكیم السبزواری:«الحكمة صیرورة الإنسان عالماً عقلیاً مضاهیاً للعالم العینی»[868].
وقال العلّامة الطباطبائی:«الحكمة الإلهیة هی العلم الباحث عن أحوال الموجود، بما هوالموجود؛ ویسمّى أیضاً الفلسفة الأولى، والعلم الأعلى وموضوعه، الموجود بما هو موجود. وغایته، تمییز الموجودات الحقیقیة من غیرها، ومعرفة العلل العالیة للوجود، وبالأخص العلة الأولى ألتی الیها تنتهی سلسلة الموجودات، وأسمائه الحسنی وصفاته العلیا، وهوالله عزّ إسمه»[869].
وللحكماء فی تعریف الحكمة والفلسفة عبارات شتی لاضرورة لذكرها لأنّها تعاریف لفظیة وشرحالأسم كما قال الوكیلی فی منظومته:
ولیسَ تَعریفُ حقیقىّ هُنا لِغَیرِ عَلّامِ الغُیوبِ مُمکناً
لِأنّ فی تِلكَ التعارف ظَهَرَ نَقضٌ وَابرامٌ ودَورٌ ونَظَرٌ
فما رأیتُ هـــــذه الرِعایة لازمــةً للقول فی الکِفایة
لِأنّ ما هنا لشـــرح الإسم ولـم یكُن للحدّ أوللرّسم
فالله عالمٌ بما ســـــــواها ﴿فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها﴾ [870].
المراد من الوجود والماهیّة
أمّا الوجود فقد یراد به المعنى الحرفی الرابط بین القضایا والذی یراد فیه فی الفارسیة «است» ویقابله الوجود المحمولى الصالح لجعله محمولاً فی الهلیة البسیطة (نحوالإنسان موجود) الذی أنکره ثلّة من متأخرى الفلاسفة الغربیین.
وقدیراد به المعنى المصدرى المتضمن للنسبة إلى الفاعل والذی یرادفه فی الفارسیة «بودن» ولایحمل علىالأعیان إلّاحمل الإشتقاق وقد یراد به إسم المصدر الفاقد فی نفس مفهومه للنسبة إلى الفاعل والذی یرادفه فی الفارسیة «هستی» ویحمل على الأعیان حمل المعقولات الثانیة الفلسفیة على مصادیق ها الخارجیة.
وقد یراد به نفس الحقیقیة العینیة والذی یحكی عنها بهذا المفهوم العام أمّا المعنى الحرفی: فهو فی الأصل اصطلاح منطقى للحكایة عن الرابطة بین المحمول والموضوع فی القضایا الحملیة، وواضح أنه خارج من محل النزاع. وأمّا المعنى المصدری: فهو مفهوم إنتزاعی لاثبوت لها فی الخارج إلّا بإعتبار منشأ الإنتزاع ولیس محل البحث ههنا أیضاً.
وأما المعنى الثالث: فهو بما أنّه مفهوم یكون من المعقولات الثانیة الفلسفیة ألتی یكون عروضها فیالذهن وإتصافها فی الخارج، وهو أیضاً خارج عن محل البحث.
فالوجود، الذی یكون محل النزاع فی هذه المسألة هو المعنىالأخیر أعنى: الحقیقة العینیة ألتی یشار إلیها بذاك المعقول الثانی[871].
حقیقة الوجود
الأقوال فی حقیقة الوجود اربعة
الأول: أنّ الوجود واحد شخصىّ هوالله تبارك وتعالى ولا موجود سواه، وإنّما یتّصف غیره بالموجود على سبیل المجاز، وهو ظاهر کلام الصوفیة، ویعبّر عنه بوحدة الوجود والموجود. وهو مردود لأنّه خلاف ما نجده بالضرورة من الكثرة، وإنکارها خروج عن طور العقل، ونوع من السفسطة وإنکار البدیهیات.
الثانی: أنّ الوجود واحد شخصىّ كما قالت به الصوفیة، إلّا أنّ الموجود لا ینحصر فی الواجب تعالى: بل مخلوقاته أیضاً موجودة حقیقةً، لكن معنى الموجود فیها هو المنسوب إلى الوجود كالتامر والمشمس المنسوبین إلى التمر والشمس، وهو قول المحقق الدوانی الذی نسبه إلى ذوق المتألّهین[872].
الثالث: قول المشاّئین «على ما نسب الیهم» وهو كون الموجودات حقائق متبائنة بتمام ذواتها البسیطة، ویعبّر عنه بكثرة الوجود والموجود.
الرابع: ما نسب إلى الفهلویین واختاره صدر المتألهین وأتباعه ومنهم العلّامة الطباطبائی وهو كون الوجود حقیقة واحدة متشككة أی ذات مراتب مختلفة یرجع ما به الإمتیاز فیها إلى ما به الإشتراك ویعبّر عنه بوحدة الوجود فی عین كثرته[873].
الواقع أعمّ من الوجود ولیس العكس كإجتماع النقیضین والضّدین والإمكان و… فإنّ لها واقعیة ولیس لها وجود.
الماهیّة
أمّا لفظة المهیة فهی مصدر جعلی مأخوذ من «ماهو» وتستعمل بمعنى اسم المصدر فی مایجاب به عن السؤال بـ«ماهو» وهو ما یناله العقل من الموجودات الممكنة عند تصورها تصوراً تامّاً.
وبعبارة أخرى، المهیة تطلق على معنین أحدهما: ما یقال فی جواب ماهو وهو المهیة بالمعنى الأخص ألذی فی مقابل الوجود. وثانیهما ما به الشئ هو هو وهو المهیة بالمعنى الأعم ألذی یطلق على الوجود وعلى المهیة بالمعنى الأخص ألتی فی مقابل الوجود والمهیة بالمعنى الأخص أعنی ما یقال فی جواب ماهو، هی الكلّى الطبیعی ألذی معروض الكلّى المنطقى فی العقل أی یقال: بأنّها كلّی كما یقال مهیة الإنسان کلّی أی: لایمتنع فرض صدقه على كثیرین فیصیر الإنسان معروضاً للكلیة أی: یحمل علیه مفهوم الكلّى فی العقل وإن كان الموجود منه فی الخارج جزئیاً، خارجیاً إذا الشئ أعنى المهیة ما لم یتشخّص لم یوجد فی الخارج[874].
بهذا المعنى الثانی، یطلق على الواجب تعالى أیضاً فیقال: الواجب مهیته إنّیته.
وقال فی موضع آخر من كتابه: أنّ مهیة الشئ عبارة عن نفس ذاته وعمّا یعبّر عنه بالمصدر الجعلی المخترع عن الشئ كحجریة الحجر وشجریة الشجرو أرضیة الأرض وسمائیة السّماء وإنسانیة الإنسان والمصدر الجعلی من كل شئ عبارة عمّا ینتزع عن نفس حقیقته بلا إعتبار أمر خارج عن حقیقته معه مثل الإنسانیة المنتزعة عن الإنسان حیث إنّها تنتزع عن نفس الإنسان بلا إعتبار شئ غیره معه مثل الكتابة والضحك ونحوها[875].
وذكره أیضاً فی موضع آخر من تعلیقته: لفظ المهیة كما فی شرح التجرید مشتقة عما هو، فالیاء للنسبة والتاء للمصدریة وعند دخولها حذفت الواو واُبدلت ضمة الهاء كسرة، فصارت ماهیة[876].
قال بعض مشایخنا فی تعلیقته على الشوارق إنّه فی بعض التعلیقات: أن لفظ المهیة مركّب من ماء الإستفهامیة ویاء النسبة وتاء المصدریة، فزیدت الهمزة بعد الالف لمجانستها إیّاه هرباً من التقاء الساكنین، فصارت مائیة ثم قلبت الهمزة، هاء فحصل المعنى المصدری ثم نقلت إلى ما یقع فی جواب ماهو والیاء فیها للنسبة إلى ماهو وإمّا نسبت إلى ماهو لأنّها تقع جواباً عنه[877].
ومما ذكرنا یظهر مغایرة الوجود مع الماهیّة من حیث المفهوم اى: لا یكون الوجود عین الماهیّة ولا جزئاً منها لجواز سلب الوجود عن الماهیّة وسلب ذاتی الشیئ عنه محال (لانه یلزم سلب الشئ عن نفسه) وإحتیاج إثبات الوجود للماهیة الى الدلیل وإلّا لما ینفك تصور الماهیّة عن تصور الوجود.
أقسام الماهیّة
الماهیّة تارتاً تلاحظ بماهی هی، یعنی: إنّ النّظر مقصور إلى ذاتها وذاتیاتها ولم یلحظ معها شئ زائد وتسمّى هذه الماهیّة بالماهیّة المهملة، نظراً إلى عدم ملاحظة شئ من الخصوصیات حتى خصوصیة عنوان كونها مقسماً للأقسام.
وتارة أخرى یلاحظ معها شئ خارج عن مقام ذاتها وذاتیاتها، وذلك الشئ إن كان عنوان مقسمیة ها للأقسام التالیة دون غیره سمّیت هذه الماهیّة بالماهیّة اللابشرط المقسمی، وإن كان ذلك الشئ الخارج عنوان تجردها فی وعاء العقل عن جمیع الخصوصیات والعوارض سمّیت هذه الماهیّة بالماهیّة المجردة وفیالإصطلاح بالماهیّة بشرط لا.
وإن كان ذلك الشّی خصوصیة من الخصوصیات الخارجیة سمّیت هذه الماهیّة بالماهیّة المخلوطة، وفی الإصطلاح بالماهیّة بشرط شئ.
وإن لوحظ معها خصوصیة زائدة عن ذاتها وذاتیاتها فان كانت تلك الخصوصیة هی عنوان كونها مقسماً لهذه الأقسام فهی ماهیة لا بشرط المقسمی.
الفرق بین اللابشرط القسمی والمقسمی
اللابشرط القسمی هو اللابشرط عن الخصوصیات الخارجیة لا عن الإعتبارات الثلاثة كیف وهو فی ذاته لا بشرط قسمى بمعنى أن اللابشرطیة جزء من مفهومه، لأنّ القسم یتشكل من ذات المقسم وخصوصیة منضمة الیه واللابشرط المقسمی هواللابشرط عن إعتبار بشرط لا ولا بشرط وبشرط شئ بالقیاس إلى الخصوصیات الخارجیة وقد ذكرنا الفرق بینهما فی المباحث الأصولیة أیضاً.
اصالة الوجود أو الماهیّة
إختلف الحكماء فی الأصیل منهما، فذهب المشّائون إلى أصالة الوجود وممن صرّح بها البهمنیار فی التحصیل:الوجود حقیقته إنّه فی الأعیان لاغیر، وكیف لا یكون فی الأعیان ما هذه حقیقته؟[878]. كما صرّح السید داماد[879]. أیضاً بأصالة الوجود بقوله: الوجود فی الأعیان هوالتحقق المتأصّل فی متن الواقع خارج الاذهان[880].
وذهب أكثر الإشراقیین إلى أصالة الماهیّة[881]. وهذه المسئلة استحدثت کمسألة فلسفیة مستقلة فی عصر السّید میر داماد وصدرالمتألهین، ولم تكن قبل ذلك العصر معنونة إستقلا لاًحتى فی كتب الفلاسفة الإسلامیین. وكان صدر المتألهین نفسه فی بدء الأمر قائلا بأصالة الماهیّة وكان شدید الذّب عنها كما صرّح فی الحكمة المتعالیة: واِنّی قد كنت شدید الذّب عنهم فی إعتباریة الوجود وتأصل الماهیات حتى إنّ هدانی ربّی وإنشكف لی إنکشاف بیناً إنّ الأمر بعكس ذلك[882].
ولابد لتنقیحالبحث من بیان الإصالة ومعناها كما ذكر شیخنا الأستاذ وهنا نذكر نصّ عبارته لما فیه منالمطالب المهمة:«وأمّا الإصالة فهی فی اللغة مقابلة للفرعیة، ویراد بها ههنا ما یقابلالإعتبار بأحد معانیه، فلابد من الإشارة إلى معانی الإعتبار والمعنى الذی یقابل الأصالة هذه، فنقول: للأمور الإعتباریة إصطلاحات متعددة:
١. المعقولات الثانیة المنطقیة التی یكون عروضها وإتصاف ها كلاهما فی الذهن، کالكلیة والجنسیة والنوعیة وغیرها.
٢. المعقولات الثانیة الفلسفیة التی یكون عروضها فی الذّهن وإتصاف ها فی الخارج، كالوجوب والإمكان وغیرهما. وتقابلها المعقولات الأولى وهی المفاهیم الماهویة ألتی قد تسمّى بالحقیقة كالإنسان والشجر والحجر. ثم انّهم ربّما یصفون المقولات النسبیة بأنّها إعتباریة، فإن أرید إنّها من المعقولات الثانیة الفلسفة كان من هذا الإصطلاح، لكن على هذا لایصح عدّها من الأجناس العالیة، وإن أرید أنّها مع كونها من المعقولات الماهویة توصف بالإعتباریة كان إصطلاحاً جدیداَ فتفطّن.
٣. المفاهیم الأخلاقیة أوالقیمیّة التی لا تحكی عن حقایق عینیة ولا ذهنیة، بل تعتبر أوصافاً للأعمال الحسن والقبح «فی الأعمال» والوجوب والإباحة وغیرها مما یرتبط بعلم الأخلاق والفقه وسائر العلوم العملیة.
۴. المعانی المفروضة المعتبرة فی ظرف الإجتماع ألتی تبنى علیها الحیاة الإجتماعیة كالرئاسة والمالكیة والزّوجیة مما تشكّل موضوعات لمسائل الفقه وسائر العلوم العملیة. ومآلها إلى إستعارة المفاهیم الحقیقیة لتأمین أغراض المجتمع.
۵. ما إصطلح علیه فی هذا المبحث، وهو أن یكون تحقق الشئ بالعرض فی قبال ما یكون تحققه بالذات. فالقائل بأصالة الوجود یقول أن المتحقّق بالذات فی الخارج هو الوجود وأنّ الآثار الخارجیة إنّما هی للوجود وتنسب إلى المهیة الموجودة بالعرض، والقائل بأصالة المهیة یقول أنّ المتحقق بالذات هوالمهیة وتلك الآثار تترتب على المهیة الموجودة حقیقةً وتنسب إلى وجودها بالعرض.
ولا یخفى أنّ المهیة (بالحمل الشایع) أمر حقیقی على حسب الإصطلاح الثانی فی عین أنّها أمر إعتباری على حسب الإصطلاح الأخیر، بناء على القول بأصالة الوجود. ومن الواضح أنّ هذه المعانی كلّها غیر الإعتبار بمعنى التوهّم ومجرد الفرض الفارغ كأنیاب الأغوال[883].
المراد من أصالة الوجود وإعتباریة الماهیّة
إنّ كلّ واحد من الماهیّة والوجود لیس له ما بإزاء فی الخارج وإنّما الكلام إنّ مافی الخارج، هل هو بإزاء مفهوم الوجود ولیس بإزاء الماهیّة شئ وإنّما هی مفهوم حاكٍ عن الوجود متّحد به أوأنّه بإزاء الماهیّة وأنّه لیس بإزاء الوجود شئ. ومعنى أصالة الوجود أنّه كما أنّ للفظ الإنسان مثلا مفهوم واحد وهو المعبّر عنه بالحیوان الناطق وبازاء هذا المفهوم حقیقة وهو الإنسان الخارجی كذلك للفظ الوجود مفهوم واحد بدیهی ولهذا المفهوم حقیقة وتلك الحقیقة هی ألتی ینشأ بها الآثار المترتبة على الماهیات وصرف تلك الحقیقة موجودة بنفس ذاتها والماهیات موجودة بها فمعنى قولك مهیة الإنسان موجودة أنّها ثابتة بالوجود ویكون من قبیل وصف الشیء بحال متعلقه، نظیرالقرطاس أبیضٌ إذ أبیضیة القرطاس لیس بنفس ذاته بل هو إنّما أبیض بالبیاض، بخلاف قضیة الوجود موجود فإنّها من باب وصف الشیء بحال نفسه، إذ الموجودیة ثابتة للوجود بنفس ذاته فهو فی عین كونه وجوداً موجود ولذا یعبّر عنه بكلمة (بود) بخلاف الماهیّة المعبّر عنها بكلمة (نمود) بمعنى: أنّها یرائی أنّها موجودة وإلّا فهی کسراب بقیعة یحسبها الجاهل أنّها موجودة.
وأمّا فی الحقیقة فالموجودیة إنّما هی وصف للوجود وأنّ موجودیة الماهیّة أیضاً بالوجود وذلك كالنّور الذی هو مضیء بنفسه والعالم مضئ به وکالمعلومات الخارجیة ألتی هی معلومة بالعرض وأنّ معلومیتها بالصورالحاصلة. منها لدىالنفس وتلك الصّور معلومة بنفس ذاتها النّوریة لا بصور أخرى وکالكلى المنطقی، ألذی هو مفهوم الكلّى فإنّه کلّی بنفس ذاته حیث إنّه کلّی بالحمل الأولى، والكلّى الطبیعی، کلّی بالكلّیالمنطقی لأنّه معروض للمنطقی وکالإضافة التی هی مضاف حقیقی أی: أنّها نفس الإضافة والمضاف المشهوری کالأب مثلاً: مضاف بالأضافة التی هی مضاف حقیقی.
أدلة القائلین بأصالة الوجود
إستدل القائلون بأصالة الوجود وإعتباریة الماهیّة بوجوه:
1. إنّ كلّ خیر وشر، ینتهی إلى الوجود وكل شرّ ونقص ینتهی إلى العدم ولوكان الوجود أمراً إعتباریاً لما كان منشئاً لكلّ خیرات وکمالات والماهیّة من حیث هی لا تتصف بالخیر والكمال ولا بالشّر والنقصان وهذا دلیل على أصالة الوجود واعتباریة الماهیّة.
۲. إنّ الماهیّة من حیث هی لیست إلّا هی، متساویة النسبة إلى الوجود والعدم فلو لم یكن خروجها عن حد الإستواء بالوجود للزم الإنقلاب وهو محال بالضرورة، فالمُخرج عن حد الإستواء هو الأصیل.
٣. لو كان الوجود إعتباریاً والماهیّة أصیلاً، لما كان الفرق بین وجود الخارجی والذهنی والتالى باطل فالمقدم مثله. فإنّ الإحراق یترتب على وجود النار فی الخارج دون ما إذا تصور نافی الذهن.
۴. الماهیّة من حیث هی، تستوی نسبتها إلى التقدّم والتأخر والشدّة والضّعف والقوّة والفعل، لكن الأمور الموجودة فی الخارج مختلفة فی هذه الأوصاف فلو لم یكن الإختلاف بالوجود لكان بالماهیّة وهذا خلف لأنّ فاقد الشیء لا یكون معطیاً للشیء.
۵. لابدّ لكلّ قضیة أن یكون بین الموضوع والمحمول إختلاف من جهة ولو بالإجمال والتفصیل وإلّا یلزم حمل الشیء على نفسه وهو ضروری ولیس له فائدة والقضیة لابدّ أن تكون ذا فائدة والإتحاد من جهة اخرى وإلّا یلزم كذب القضیة نحو الإنسان حجر. وما یكون منشأ للوحدة هو الوجود لا الماهیّة والعدم لأنّ الماهیّة مثار كثرة وفطرتها الإختلاف، فإنّ الماهیات بذواتها مختلفات ومتکّثرات. ولایحصل من الإنسان والحجر والشجر والمدر وغیرها قضیةٌ. والعدمٌ عدم لا یكون منشأ للأثر، فلابدّ أنّ یكون الوحدة بالوجود وإن یكون الوجود أصیلاً فلو كان الوجود أمراً إعتباریاً لایحصل الإتحاد ألذی هو الهویة ولم یتّم مسألة التوحید ألتی هی أسّ المسائل لا توحید الذّات ولا توحید الصّفات كما ذكر الحكیم المتألّه السّبزواری فی غرر الفرائد[884].
أدلة القائلین بأصالة الماهیّة
لقد إستدلّ الإشراقیون: منهم شیخ الإشراق على نفی تحقق الوجود بوجوه: من إنّ الوجود لو كان حاصلاً فیالأعیان فهو موجود، لأنّ الحصول هو الوجود، وكلّ موجود له وجود، فلوجوده وجود إلى غیر النهایة.
فلقائل أن یقول فی دفعه: إنّ الوجود لیس بموجود، فإنّه لا یوصف الشیء بنفسه كما لا یقال فیالعرف: أنّ البیاض أبیض، فغایة الأمر إنّ الوجود لیس بذی وجود كما أنّ البیاض لیس بذی بیاض وکونه معدوماً بهذا لا یوجب إتّصاف الشّیء بنقیضه عند صدقه علیه، لأنّ نقیض الوجود هو العدم واللا وجود، لا المعدوم واللا موجود[885].
وأجیب عنه أیضاً: بأن الوجود موجود، لكن بنفس ذاته، لا بوجود آخر، فلا یذهب الأمر إلى غیرالنهایة[886].
وأجاب عنه شیخنا الأستاذ: أن معنى «موجود» فی عرف الفلسفة أعمّ من أن یكون المتصف به نفس الوجود بحیث یكون الوصف عین الموصوف: أو أمراً یتصف به بحیث یكون الوصف زائداً على الموصوف وهذا نظیر «العالم» ألذی هو أعمّ من أن یكون نفسه عین العلم أو یكون العلم أمراً خارجاً عن ذاته. فمعنی کون الوجود موجوداً أن حقیقته هی الموجودیة[887].
ومنها ما ذكره فی حكمة الإشراق وهو إنّه: إذا كان الوجود للماهیة وصفة زایدة علیها فیالأعیان، فله نسبة الیها وللنسبة وجود ولوجود النسبة نسبة إلى النسبة وهكذا فیتسلسل.
والجواب: أنّ النسبة أمر إعتباری وجودها فی العقل دون العین والتسلسل فی الأمور الإعتباریة یقطع بإنقطاع الإعتبار، مع أنّ الوجود لیس صفة زایدة للماهیة فی الخارج، بحیث تكون أمراً ینضم إلیها بل هما متحدان فیالخارج وأنّ زیادته فی التّصور والعقل یحلّل بعض الموجودات إلى ماهیة وجود ویلاحظ بینهما الإتصاف
ومنها: أن الوجود لوكان فی الأعیان، لكان قائماً بالماهیّة فقیامه إمّا بالماهیّة الموجودة، فیلزم وجودها قبل وجودها. أوالمعدومة، فیلزم اجتماع النقیضین أو بالماهیّة المجردة عن الوجود والعدم، فیلزم إرتفاع النقیضین.
ومنها: أنّ الوجود لوكان صفة للماهیة والماهیّة موصوفة به قابلة إیاه فلا یخلو، إمّا أن تكون موجودة بعد الوجود وامّا أن تكون موجودة قبله وامّا أن تكون موجودة معه لكن اللتوالى كلّها باطلة.
أمّا الأول أعنى: كون الماهیّة موجودة بعد الوجود فللزوم حصول الوجود بالإستقلال فلا قابلیة ولا صفتیة.
وأمّا الثانی: فلأنّ الماهیّة حینئذ موجودة قبل الوجود.
وامّا الثالث فلأنّ الماهیّة حینئذٍ موجودة مع الوجود لا بالوجود فلها وجود آخر فینقل الكلام فی وجودها الآخر وهكذا فیتسلسل.
والجواب عن هذین الدلیلین: أنّ إتصاف الماهیّة بالوجود أمر عقلیّ لیس کاتصاف الموضوع بسائر الأعراض القائمة به حتى یكون للماهیة وجود منفرد ولوجودها وجود ثم یتصف أحدهما بالآخر، بل هما فی الواقع أمر واحد بلا تقدّم ولا تأخّر ولا معیة بینهما أصلاً واتّصافها به إنّما هو فی العقل.
الفرق بین الماهیّة والمفهوم
الفرق بینهما بالعموم والخصوص من وجه ومادة الإجتماع هی الماهیّة الموجودة فی الذهن حیث إنّها مهیة ومفهوم. أمّا الماهیّة فلأن الماهیّة إسم لجوهرالشیء وذاته مطلقاً، سواءكان موجوداً فی الخارج، أو فی الذّهن، أو إعتبر من حیث هو هو مع قطع النظر عن الوجودین. ومادة إفتراق الماهیّة عن المفهوم: هی الماهیّة الموجودة فی الخارج أو الماهیّة من حیث هی هی مع قطع النظر عن الوجودین، فإنّها یصدق علیها الماهیّة لاالمفهوم ومادّة إفتراق المفهوم عن الماهیّة هی مفهوم الوجود اعنی: ذاك المعنى العام البدیهی إذا قید بالذهنی فإنّه مفهوم حیث إنّه موجود فی الذهن لكنه لیس بماهیة بل هو أمر یلاحظ فی مقابل الماهیّة.
الفرق بین المهیة والحقیقة
الفرق بین المهیة والحقیقة أیضاً بالعموم من وجه ومادة الإجتماع هی المهیة الموجودة فی الخارج، فإنّها مهیة كما هو واضح وحقیقةٌ لأنّ الحقیقة عبارة عن الشیء بوصف الموجودیة فی الخارج. فالعنقاء مثلاً: لا حقیقة له أی: لیس بموجود فی الخارج وإن كان له مهیة لكنّها توصف بالمعدومیة.
ومادة إفتراق المهیة عن الحقیقة، هی المهیة الموجودة فی الذهن، أو الماهیّة من حیث هی هی. ومادة إفتراق الحقیقة عن الماهیّة، هی حقیقة الوجود و واقعه بناء على اصالة الوجود حیث اِنّها موجودةٌ فی الخارج ومتحققةٌ فیه لكنّها لیست مهیة بل هی حقیقة الوجود[888].
الحقیقة تستعمل بمعانى كثیرة
١. الحقیقة قد تستعمل مرادفة للمهیة ومقابلة للوجود. قال الشیخ فی الإلهیات الشفاء: إنّه من البین أنّ لكل شیء حقیقة خاصة هی مهیته، ومعلوم أنّ حقیقة كل شیء الخاصة به غیر الوجود ألذی یرادف الإثبات[889].
٢. وقد تستعمل مرادفة للوجود العینی، وهذا هو المراد بقولهم: حقیقة الوجود أصیلة دون مفهومه.
٣. وقد تستعمل فی ألسنة العرفاء فی مورد الواجب تبارك وتعالى فی مقابل الوجود المجازی ألذی ینسبونه إلى الممكنات.
۴. وقد تستعمل فی الوجود الساری فی جمیع الموجودات سریاناً عینیاً مشابهاً لسریان مفهوم الجنس فیأنواعه سریاناً ذهنیاً أو لسریان الكلى الطبیعی فی أفراده.
۵. وقد تستعل مرادفة للكُنهِ، كما یقال: حقیقة الوجود مجهولة أی: لا یدرك الذّهن كُنهه.
أقسام الوجود
إنّ للأشیاء أربعة وجودات: وجودان حقیقیان و وجودان إعتباریان.
الأول: ألوجود الخارجی کوجود أفراد الإنسان والحیوان، والشجر، والحجر وغیرها.
ألثانی: الوجود الذهنی وهو عِلمُنا بالأشیاء الخارجیة وغیرها منالمفاهیم وهذان الوجودان هما الوجودان الحقیقیان لأنّ هما لیسا بوضع واضع ولا بإعتبار معتبر.
الثالث: ألوجود اللفظی وهو إحضار المعانی بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.
الرابع: ألوجود الكتبی وهو وجود للفظ ووجود للمعنى تبعاً أی: إنّ الموجود حقیقة هوالكتابة لا غیر، وینسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع، كما ینسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.
اقسام الوجود، من الرابط والرابطی والمحمولی
ینقسم الوجود إلى وجود الرّابط والنفسی، والمراد من وجود الرّابط ما لا نفسیة له أصلاً ویكون مفاد كان الناقصة أعنى: ثبوت الشیء للشیء کوجود الرابط بین الموضوع والمحمول، سواء كان موجوداً فیالقضیة نحوالبیاض، موجود فی الجسم أو الجسم كائن أبیض أم لا نحو زید کاتب ویعبّر عنه باالفارسی «است» وتكون القضیة ثنائیة، ففی جمیعها وجود رابط غیر مستقل بالمفهومیة، وهو الوجود لا فی نفسه؛ فهو معنى حرفی لا یخبر عنه.
والوجود النّفسی ما یكون مفاد كان التامة أعنى: ثبوت الشیء ویعبّر عنه بالوجود المحمولى وهو على ثلاثة أقسام.
1. وجود فی نفسه ولنفسه وبنفسه كوجود الواجب تبارك وتعالی.
٢. وجود فی نفسه ولنفسه وبغیره كوجود الجوهر.
٣. وجود فی نفسه ولغیره وبغیره كوجود العرض، یسمّی وجود الرابطی.
ومن هنا یعلم الفرق بین وجود الرابط والرابطى بأنّ الأوّل ما لا نَفسیة له ویكون مفاد كان الناقصة. والثانی وجود فی نفسه ویكون مفاد كان التامة كوجود العرض.
وبعبارة أخرى: الوجود المحمولى ما كان مستقلاً وقابلاً للحمل على الموضوع نحو: الله تعالی موجود، الإنسان موجود، والشجر موجود والوجود الرابط ما لا نفسیة له أصلاً ولا یكون قابلا للحمل على الموضوع بل یكون رابطاً بین الموضوع والمحمول كما ذكرناه. والوجود الرابطی ما له وجود فی نفسه أمّا لغیره وبغیره كوجود الأعراض.
الفرق بین الوجود الخارجی والذهنی
الوجود الخارجی بحسب الإصطلاح: هو الوجود الذی یترتب به على الشیء آثاره المطلوبة ویقال له الوجود فیالخارج، والوجود العینی، والوجود الاصیل.
والوجود الذهنی: هو الوجود الذی لا یترتب به على الشیء آثاره المطلوبة فی الخارج وإنّ ترتبت علیها آثار آخر غیر آثارها الخارجیة كتصوّر الأمورالموجودة فی الخارج كالإنسان والفرس. أو غیر موجودة فی الخارج کالعدم المطلق والمعدوم المطلق وإجتماع النّقیضین وسائر المحالات فلها ثُبوت ما، عندنا لإتّصاف ها بأحکام ثبوتیة کتمیزها من غیرها وحضورها، لنا بعد غیبت ها ویقال له الوجود الذّهنی، والوجود فی الذّهن، والوجود الظلّی، والوجود الغیرالأصیل.
ألمراد من الماّدة
الماّدة تطلق تارة ویراد منها الماّدة بالمعنى الأخص وهی الهیولى ألتی محل للصورة الجسمیة والنوعیة. وأخرى یراد منها الماّدة بالمعنى الأعم وهی المعنى الأول والموضوع الذی هو محل للعرض والبدن الذی هو محلّ ومتعلّق للنفس فیقال للثلاثة أعنى: الهیولى وموضوع العرض ومتعلق النفس المادة بالمعنى الأعم.
أنحاء تمایز الوجود
تمایز الوجود على إنحاءأربعة:
الأوّل. التمایز، بتمام الذات بأن یكون الشیئان لیس بینهما وجه إشتراك كمقولات العشر على مذهب القدماء.
الثانی. ألتمایز ببعض الذات كالإنسان والفرس والخط والسطح.
الثالث. ألتمایز، بالعوارض والضمائم كوجود الإنسان فی ضمن أفراده ومصادیقه فی أزمنة مختلفة وأمكنة متباینة وأوصاف متضادة.
الرابع. ألتمایز، بالنّقص والكمال، لأنّه یمكن أن لا یكون بین الشئین تباین بالذات ولا بجزئها ولا بالعوارض. بل یكون بالنقص والكمال لأنّ الوجود کالنّور، ذات مراتب وما به الإشتراك عین ما به الإمتیاز یعنی: إشتراک هما بالوجود وإفتراق هما أیضاً بالوجود. كما أشارَ ألحكیم السبزواری إلى كل واحد منها فی منظومته:
المیــــــز إمّا بِــتَمامِ الذّاتِ أو بَعضِها أوجا بمنضّماتِ
بالنّقص والكمال فی المهیة ایضاً یجوز عند الإشراقیة[890].
و لیس فی الأعدام تمایز إلّا بإعتبار ما اضیف الیه كعدم زید وعدم عمرو فیكون التمایز فی الأعدام بإعتبار الوجود الذهنی.
لا مَیزَ فی الأعدام من حیث العدم وَهُــــوَ لَـــــها اِذاً بوَهْمٍ تـــرتسَم[891].
ألفرق بین المادة الأولى والثانیة
المراد من المادة الأولى ای: مادة المواد ألتی لیس لها مادة وكل علة المادی تنتهىالیها، ما كانت حاملة لاستعداد الشیء الآخر. ولا یحتاج الجمهور فی إثبات وجود أمر یصدق علیه مفهوم هذا الإسم، فاِنّ كلّ من له استیهال مخاطبة علمیة، یعلم ویعتقد یقیناً بالفكر والحدس، أنّ التراب یصیر نطفة والنطفة تصیر جسد إنسان أو حیوان، والبذر یصیر شجراً والشجر یصیر رماداً وفحماً. فهی فی ذاتها محض قوّة الأشیاء، لا فعلیة لها إلّا فعلیة أنّها قوة الأشیاء.
أنّ المادّة (الهیولى) من حیث المفهوم لا خلاف فیها لا حد بل وقع الإتفاق من العقلاء، مع إفتراقهم فی الآراء على ثبوت مادة یتوارد علیها الصور والهیئات. إلّا إنّها عند الاشراقیین ومن تبعهم نفس الجسم ألذی هو أمر واحد، لا ترکیب فیه عندهم بوجه من الوجوه، فمن حیث جوهریته یسمّى جسماً ومن حیث إضافته وقبوله للصّور والمقادیر، یسمّى مادّة. فالمراد من الجسم هو صورة الجسمیة وبالعکس.
وعند المشّائین ومن یحذوا حذوهم جوهر أبسط یتقوم بجوهر آخر یحلّ فیه یسمى صورة یتحصل من تركیبهما جوهر وحدانی الحد قابل للمقادیر والأعراض والصور اللاحقة وهو جسم. فالجسم عندهم مركّب فی حقیقته منالهیولى ومن الإتصال القابل للابعاد الثلاثة وعند أصحاب ذیمقراطیس أجسام متعددة بسائط غیر قابلة للفصل (بمعنى أن الجسم مركّب من أجزاء بالفعل متناهیة صغار صلبة لا تقبل القسمة الخارجیة لصغرها وصلابتها ولكن تقبل القسمة الوهمیة والعقلیة).
وعند قوم آخر، هم المتكلمون على تشعبّهم وتكثّرهم هو الجواهر الفردة التی یتقوم بها التألیف فیحصلالجسم، فالتألیف عندهم بمنزلة الصورة عند المشّائین إلّا إنّه عرض لایقوم بذاته بل بمحله والصورة جوهر یقوم بذاته ویتقوم به محله الذی هو الهیولى.
والمادة الأولى عند الطالس عبارة: عن الماء وعند بعض آخر عبارة: عن النار وعند ثالث عبارة: عنالهواء وهذه الأنظار كلها مردودة لا دلیل علیها. والحق أنّ المادّة الأولى لا توجد مستقلاً بل تتحقق فی ضمن المركّبات.
والمادّة الأولى عند ذیمقراطیس عبارة: عن الأجزاء الصّغار للجسم (أجزاء لا یتجزی فی العین) لا تقبل القسمة الخارجیة لصغرها وصلابتها ولكن تقبل الوهمیة والعقلیة، خلافاً للمتكلمین فانّهم قائلون بانّ الماّدة الأولى عبارة: عن الأجزاء التی لا تتجزی لا فی العین ولا فی الذهن.
والمراد من المادة الثانیة(الهیولى الثانیة) ما كان فی مقابل المادة الأولى التی تقبل الصور الخاصة، فالمضغة مثلاً: مادة للإنسان والعلقة مادة للمضغة والمنی مادّة للعلقة والغذاء مادة للمنی والتراب مادة للغذاء ویطلق على جمیع هذه المواد الهیولى الثانیة.
ألفرق بین الجسم الطبیعی والتعلیمی
ألجسم الطبیعی: جوهر یمكن أن یفرض فیه خطوط ثلاثةً متقاطعةً على زوایا قوائم. لا یشترط فی جسمیة الجسم، أن یكون بالفعل ذو أبعاد ثلاثة حتى یرد الإشكال فی الجسم ألذی یكون تمام أبعاده متساویة لم یعرف الطول من العرض والعرض من العمق. کالكُرة ألتی لیست لها أبعاد ثلاثة بالفعل. والفرق بینهما بالإبهام والتعین، فأنّ الجسم إن أعتبر مبهماً بأن یلاحظ ذو أبعاد ثلاثة من دون تعین لِأبعاضه، فهو جسم طبیعی وإن لوحظ أبعاده متعینة بأن یكون طوله ۲۰ وعرضه ۱۰ وعمقه ۵ مثلاً: یسمّى بالجسم التعلیمی وثانیة أنّ الجسم الطبیعی لا یتغیر بالتّكاثف والتّخلخل (التضییق والتوسعة) بل هو ثابت فی كل حال مادام الجسم باقیاً بخلاف الجسم التعلیمی فانه یتغیر بتغیرالكمیة.
ألفرق بین المعقولات الأولى والمعقولات الثانیة
ألفلسفیة والمنطقیة
المعقولات الأولى: ما كان إتّصاف المعروض بالعارض وعروض العارض على المعروض كلاهما فی الخارج وبعبارة أخرى: المفاهیم ألتی لها ما بإزاء فی الخارج بحیث یكون عروض المحمول على الموضوع وإتّصاف الموضوع بالمحمول كلاهما فی الخارج نحو زید قائم مثلا یسمّى المعقولات الأولى.
المعقولات الثانیة الفلسفیة: ما كان عروض المحمول على الموضوع فی الذهن وإتصافالموضوع علىالمحمول فی الخارج نحو: الإنسان ممکن والنار علة للحرارة. وبعبارة أخرى: ألمفاهیم ألتی لیس لها ما بإزاء فی الخارج كمفهوم الممكن والواجب والعلّة والمعلول.
المعقولات الثانیة المنطقیة: ما كان إتّصاف المعروض بالعارض وعروض العارض على المعروض كلاهما فیالذهن، نحو: الإنسان کلی، لأنّ المفهوم الكلیة یعرض على الإنسان فی الذهن والإنسان الذهنی یتصف بالكلیة لا الإنسان الموجود فی الخارج.
كما قال الحكیم السبزواری فی منظومته:
إن كان الإتّصاف کالعروض فی عَقـلِكَ المَعْـقولُ بالـثّانی صَـفی
بـما عـروضـه بعقلـنا ارتـسم فیالعَینِ أو فیه إتّصافه رُسِـــمَ
فـالمنطقـى الأولُ کالـمعرّفِ ثانیهما مُصـــطَلَحٌ للفلســــفی[892].
ألعقل لغة وإصطلاحاً
الف. لغة: ألحجر والنّهی، ضد الحمق والجمع عقول، وهو مصدر (عَقَلَ) یعقل عقلاً فهو معقول وعاقل ویقال فیه أیضاً: عَقَلَ الدواء بطنه أی: أمسکه وعقل البعیر: إذا شدَّ الساق إلی بقیة الذراع بحبل واحد لمنعه من الهرب[893].
ب. إصطلاحاً: الأصل فی العقل، العقد والإمساک وبه سمّی إدراک الإنسان إدراکاً یعقد علیه عقلاً وما أدرکه عقلاً والقوة التی یزعم أنّها أحدی القوی التی یتصرف بها الإنسان، یمیزّ بها بین الخیر والشرّ والحق والباطل عقلاً ویقابله الجنون والسّفه والحُمق والجهل بإعتبارات مختلفة[894].
المراد من العقل والنّفس والمادّة
ألعقل: هو الجوهر المجرد عن المادّة ذاتاً وفعلاً.
والنفس: هیالجوهر المجرد عن المادّة ذاتاً المتعلق بها فعلاً.
و المادة: هیالجوهر الحامل للقوة والصورة الجسمیة. كما ذكرنا سابقاً.
الفرق بین المحمول بالضّمیمة والمحمول بالصّمیمة
ألمحمول بالصمیمة: ما لایتوقف على ضم ضمیمة على المعروض، بل نفس المعروض وذاته مع قطع النظر عن جمیع ما عداه منشأ لصحة الحمل علیه وذلك کالممكن والشیء المحمولان على الإنسان، فإنّ الإنسان بذاته ومن حیث نفسه مع قطع النظر عن كل ما یكون غیره ممکن وشیء.
و المحمول بالضمیمة: ما یتوقف على ضمّ ضمیمة على المعروض بحیث لولاه لم یصحّ الحمل وذلك كالكاتب والضاحك، فان مالم ینضم الیه الكتابة والضحك لم یستحق لأنّ یحمل علیه الكاتب والضّاحك.
ألفرق بین الخارج المحمول والمحمول بالضمیمة
ألمراد من المحمول بالضمیمة: هو كل محمول یتوقّف صحة حمله على موضوعه على قیام أمر مغایر للموضوع معه كالأبیض ألمحمول على الجسم، حیث یتوقف صحة حمله علیه على قیام البیاض به.
ویقابله الخارج المحمول: وهو ما یصحّ حمله على معروضه بلا توقف فی صحة حمله على قیام أمر به مغایر له كالشیء والممكن كما ذكرناه سابقاً.
ألمراد من التركیب الحقیقی والإعتباری
الكلام فی هذه المسألة یقع تارتاً، فی مرحلة الثبوت أی: ما به یتحقق المركب الحقیقی وأخرى، فی مرحلة الإثبات أعنی ما یحرز أنه مرکب حقیقی.
أمّا مرحلة الثّبوت
فالتركیب الحقیقى یحصل من إجتماع أمور بینها فعل وإنفعال وإحتیاح وإفتقار بكون بعضها مؤثراً فی بعض وبعضها متأثراً عن بعض الماهیّة المركّبة من الجنس والفصل والجسم المركّب من الماّدة والصورة.
و أمّا مرحلة الإثبات: فأمارة التركیب الحقیقی هو أن یترتب على الكل أثر مغایر مع الآثار المترتبة على الأجزاء، كالیاقوت المركّب من العناصر الذی أثره تفریح القلب وهو غیر آثار العناصر وأمارة التركیب الإعتباری هی أن یكون أثره مجموع الأثار المترتبة على الأجزاء كفتح البلد الذی هو أثر العسكر إذالفتح عبارة: عن قلع قوّة العدو وإقامة الفاتحین مقامهم وهو ینحل إلى عدة أفعال كل واحد منها قائم بعدّة من آحاد العسكر ومجموع هذه الأفعال هو الفتح.
ألفرق بین التركیب الانضمامی والإتّحادی
ألمراد من التركیب الانضمامی: هو أن ینضمّ شیءٍ إلى شیء ویكون لكلّ واحد منهما ذات علیحدة فیالمركّب منهما، فیكون فی المركّب كثرة بالفعل كتركیب البیت من الأبواب والأخشاب واللبنات وتركیب البخار من الأجزاء المائیة والهوائیة.
و التركیب الإتّحادی: هو أنْ یصیر الشیء عینَ شیءٍ آخر ومتّحداً معه ویكون لكلیهما فی المركب، ذات واحدة هی عین كلّ منهما وعین المرّكب منهما كصیرورة زید كاتباً وهما ذات واحدة فی الخارج.
أقسام اللازم
أللازم ینقسم إلى ثلاثة أقسام
١. لازم الوجود الخارجی: كالحرارة بالقیاس إلى النّار.
۲. لازم الوجود الذهنی: کالكلّیة بالنسبة إلى الإنسان.
٣. لازم الوجودین: كالزّوجیة بالقیاس إلى الأربعة وهذا یسمّى بلازم الماهیّة ایضاً.
إتّحاد العاقل والمعقول
إعلم أنّ البحث فی إتحاد العاقل والمعقول (إتّحاد العالم والمعلوم) یقع عن جهات:
الأولى. فی القائلین به وأوّل من نقل عنه من الحكماء هو «الفرفوریوس» من المشّائین وقد نقل عنهالشیخ فیكتبه قال فی الإشارات: أنّ قوماً من المتصدّرین یقع عندهم أنّ الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلیة صار هو هو إلى أن قال وكان لهم رجل یعرف به «فرفوریوس» عمل فی العقل والمعقولات کتاباً یثنی علیه المشّائون وهو حَشَفٌ كله. وهم یعلمون من أنفسهم أنّهم لا یفهمونه ولا فرفوریوس نفسه. وقد ناقضه من أهل زمانه رجل، وناقض هو ذلك المناقض بما هو أسقط من الأوّل[895].
و قال الشیخ فی الشفاء: وما یقال من أنّ ذات النفس تصیر هی المعقولات فهو من جملة ما یستحیل عندی، فأنى لست أفهم قولهم أن شیئا یصیر شیئاً آخر، ولا أعقل أن ذلك كیف یكون؟[896] إلى أن قال: نعم هذا فی شیء آخر یمكن أن یكون، على ما سنفصّله فی موضعه. وقال فی التعلیقات: «كل ما یعقل ذاته فإنّه هوالعقل والعاقل والمعقول. وهذا الحكم لا یصحّ إلا فی الأول»[897]. ومراده هذا الإتحاد فی مورد العلم بالغیر یختّص بالواجب تبارك وتعالى. وأمّا فی العلم بالنفس فهو حاصل فی جمیع الجواهر المجرّدة.
و قال فی التعلیقات أیضاً: «واماّ ما یقال إنّا إذا عقلنا شیئاً فأنّا نصیر ذلك المعقول، فهو محال، فانه یلزم أن یكون إذا عقلنا الباری أن نتّحد به ونكون هو. وهذا الحكم لا یصحّ إلّا فی الأول، فانه یعقل ذاته، وذاته مبدأ المعقولات، فهو یعقل الأشیاء من ذاته، وكل شیء حاصلٌ له حاضرٌ عنده معقولٌ له بالفعل[898].
المتألّهین فشیده بأحسن أساس وصار من إحدى المطالب العالیة من حكمة المتعالیة.
الجهة الثانیة: فی تحریر محل البحث وما هو المحكوم بالإتحاد من العاقل والمعقول.
إعلم أنّه عند إدراكنا معقولاً مثل ما إذا تعقّلنا الإنسان مثلاً فهنا أشیاء: وجود النفس العاقلة، ومهیاتها، ووجودالإنسان المعقول بالذات الذی فی القوة العاقلة، ومهیته، ووجودالإنسان المعقول بالعرض الذی هو إنسان خارجی ومهیته التی هی عین مهیة الإنسان المعقول بالذات، فالمعقول بالذات متحد المهیة مع المعقول بالعرض ومتغایر معه بالوجود فهنا ستة امور:
1. وجود العاقل ومهیته
2. ووجود المعقول بالذات ومهیته
3. ووجود المعقول بالعرض ومهیته.
والمقصود من إتّحاد العاقل والمعقول لیس إتّحاد مهیة العاقل مع مهیة المعقول بالذات التی هی عین مهیة المعقول بالعرض، ضرورة أنّه لیس من عاقل أن یتفوّه بأنّه إذا تعقّلنا شجرة یصیر ماهیتنا عین ماهیة الشجر وإذا تعقّلنا حجراً تصیر ماهیتنا عین ماهیة الحجر ولعل إلى ذلك ینظر ما أورده الشیخ على القائلین بالإتحاد بقوله: أنّ قوماً من المتصدرین یقع عندهم أنّ الجوهرالعاقل إذا عقل صورة عقلیة صار هو هو إلخ.
ولا إتّحاد وجود العاقل مع ماهیة المعقول بالذّات التی هی ماهیة المعقول بالعرض ولا إتّحاد وجود العاقل مع وجود المعقول بالعرض حتى یكون اذا تعقّلنا فرساً یصیر وجودنا عین وجود الفرسالخارجی الذی هوالمعقول بالعرض، بل المراد اتّحاد وجود العاقل مع وجود المعقول بالذات الذی وجوده فی نفسه عین وجوده لعاقله وهذه الإتحاد ایضاً لیس على نحوالإطلاق مع عدم إنحفاظ المراتب بل یكون على أحد نحوین اِمّا بنحوالكثرة فی الوحدة بمعنى وجود صور العلمیة على نحو النشر والرتق بوجود النفس فی المرتبة الشّامخة من النفس والمقام العالی منها أو بنحو الوحدة فی الكثرة بمعنى وجودها على نحو النشر والفتق بنور وجود النفس وشعاعه واشراقه الذی هو ظل وجودها وکالمعنى الحرفی بالنسبة الیها وبعد تنقیح محل البحث یظهر أنّ اکثر ما أورده على القول بالإتحاد خارج عن موضوعه ولیس إشکالاً علیه بل هو ناش عن عدم التدبّر فی موضوع البحث.
و قال الفیلسوف المجدد فی تعلیقته على نهایة الحكمة ما هذا لفظه:
فنقول: المراد بالإتحاد بین العاقل والمعقول هو الإتحاد فی الوجود دون المفهوم والمهیة. فمن البدیهی أن مهیة العاقل لا تنقلب إلى مهیة المعقول، ولا مهیة المعقول تنقلب إلى مهیة العاقل، كما أن إتحاد مفهومین متبائنین ببعضهما أو إتحاد وجود بما أنه وجود بمفهوم بما أنه مفهوم ایضاً غیر معقول.
و أماّ إتحاد الوجودین فلیس المراد به، أنّ وجودین إثنین یصیران وجوداً واحداً بعینه، بل المراد ما یشتمل إتّحاد الرابط بالمستقل، وإتحاد الرابط بالموضوع.
أماّ الأول. فیجری فی كل علّة مفیضة للوجود مع معلولها، ویرجع إلى التشكیك الخاص فی حقیقة الوجود، ومعناه عدم إستقلال المعلول دون العلة وكونه ربطاً محضاً بها. فالإتّحاد بهذا المعنى حاصل فی علم العلة والمعلول ببعضهما علماً حضوریاً.
و أمّا العلوم الحصولیة فما كان منها من فعل النفس كما فی المعقولات الثانیة یجری هذا المجرى، وكذا فیغیرها عند من یعدّها من فعل النفس. لكن هذا المشی یختص بالقائلین بالتشكیك الخاصّ فی حقیقة الوجود كصدر المتألهین وأتباعه.
و أمّا الإتّحاد بالمعنى الثانی، فینقسم إلى قسمین: إتّحاد العرض بالجوهر، وإتّحاد الصورة بالمادة. فكل من یقول بأن العلم كیف نفسانی ویصحّح إتحاد وجود العرض بوجود الجوهر لایتحاشی عن إتّحاده بالنفس إتحاد العرض بالموضوع، كما صرّح به صدر المتألهین وأتباعه ومنهم الأستاذ(ره) فی مواضع متعددة ولا سیما على القول بكون العرض من مراتب وجود الجوهر وشئوونه. وحیث إنّ المعلوم بالذّات هو الصورة العلمیة فیتم القول باتحاد العلم والعالم والمعلوم بهذا المعنى. ولكن یظهر من كلامهم فی هذا الباب أنّهم یذهبون إلى أبعد من ذلك ممّا یرجع إلى كون النفس كمادّة للمعقولات، وكونها كصور للنفس تتحصل بالاتحاد معها تحصّلاً جوهریاً جدیداً[899].
ألبراهین علی اتحاد العاقل والمعقول
ألجهة الثالثة: فی ذكر البراهین على الإتحاد وقد استدلّوا له بوجوه:
الأول: ما نقل عن اسكندر الافرودیسی من إتحاد المادة والصورة وأنّ التركیب بینهما إتحادیّ وهو أن یصیرالشیء عین شیء آخر ومتحدّاً معه ویكون لكلیهما فیالمركّب ذات واحدة هی عین كلّ منهما وعین المركّب منهما صیرورة زید كاتباً وهما ذات واحدة فیالخارج كما ذكرنا آنفاً.
و إذا كانت الهیولى متحدة مع الصورة مع كونها جسمانیة فاتحاد النفس فی مرتبة العقل الهیولائی للطافتها وتجردها مع الصورة العلمیة أولى.
الثانی: ما استدل به صدر المتألهین وهذا نصّ عبارته: إنّ مسألة كون النفس عاقلة لصور الأشیاء المعقولة من أغمض المسائل الحكمیة، التی لم ینقّح لأحد من علماء الإسلام إلى یومنا هذا، ونحن لمّا رأینا صعوبة هذه المسألة وتأمّلنا فی إشکال کون العلم بالجوهر جوهراً وعرضاً ولم نر، فی كتب القوم سیما كتب رئیسهم أبی على كالشفاء والنجاة والإشارات وعیون الحكمة وغیرها ما یشفی الغلیل ویروی الغلیل بل وجدناه وكل من فی طبقته وأشباحه وأتباعه، کتلمیذه بهمنیار وشیخ أتباع الرواقیین والمحقّق الطوسی نصیر الدین وغیر هم من المتأخرین لم یأتوا بعده بشیء یمكن التعویل علیه.
و إذا كان هذا حال هؤلاء المعتبرین من الفضلاء فما حال غیر هؤلاء من أصحاب الأوهام والخیالات وأولى وسأوس المقالات والجدالات؛ فتوجهنا جبلیاً إلى مسبّب الأسباب وتضرّعنا تضرّعاً غریزیاً إلى مسهّل الأمور الصعاب فی فتح هذا الباب إذ كنّا قد جرّبنا مراراً كثیرة سیما فی باب أعلام الخیرات العلمیة وإلهام الحقایق الالهیة لمستحقیه ومحتاجیه أنّ عادته الاحسان والأنعام، وسجیته الكرم والإعلام، وشیمته رفع أعلام الهدایة وبسط أنوار الإفاضة فأفاض علینا فی ساعة تسویدى هذا الفصل من خزائن علمه علماً جدیداً، وفتح على قلوبنا من أبواب رحمته فتحاً مبیناً وذلك فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم فنقول: إمتثالا لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث[900].
إنّ صورالأشیاء على قسمین:
أحدهما صورة مادیة قوام وجودها بالمادة والوضع والمكان وغیرها، ومثل تلك الصورة لا یمكن أن یكون بحسب هذا الوجود المادی معقولة بالفعل بل ولا محسوسة أیضاً كذلك إلّا بالعرض.
و الأخرى صورة مجردة عن المادة والوضع والمكان تجریداً إمّا تامّاً فهی صورة معقولة بالفعل أو ناقصاً فهى متخیلة أو محسوسة بالفعل، وقد صحّ عند جمیع الحكماء أن الصورة المعقولة بالفعل وجودها فی نفسها ووجودها للعاقل شیء واحد من جهة واحدة بلا إختلاف.
و كذا المحسوس بما هو محسوس وجوده فی نفسه ووجوده للجوهر الحاس شیء واحد بلا إختلاف جهة فإذا كان الأمر هكذا فلو فرض أن المعقول بالفعل أمر وجوده غیر وجود العاقل حتى یكونا ذاتین موجودتین متغایرتین لكل منهما هویة مغایرة للاخرى، ویكون الارتباط بینهما لمجرد الحالیة والمحلیة كالسواد والجسم الذی هو محل السواد، لكان یلزم حینئذ أن یمكن اعتبار وجود كل منهما مع عزل النظر عن اعتبار صاحبه لِأنّ أقل مراتب الإثنینیة بین شیئین إثنین أن یكون لكل منهما وجود فی نفسه وانقطع النظر عن قرینة.
لكن الحال فی المعقول بالفعل لیس هذا الحال إذ المعقول بالفعل لیس له وجود آخر إلاّ هذا الوجود الذی هو بذاته معقول لا بشیء آخر وکون الشیء معقولاً لا یتصور إلاّ بكون شیء عاقلا له، فلو كان العاقل أمراً مغایراً له لكان هو فی حد نفسه مع قطع النظر عن ذلك العاقل غیر معقول فلم یكن وجوده هذا الوجود العقلی وهو وجود الصورة العقلیة، فإنّ الصورة المعقولة من الشیء المجردة عن المادة سواء كان تجرّدها بتَجْرید مجرد إیاها عن المادة أم بحسب الفطرة فهی معقولة بالفعل أبداً سواء عقّلها عاقل من خارج أم لا، فإذن هو عاقل بالفعل كما أنّه معقول وإلّا لزم انفكاك المعقول بالفعل عن العاقل بالفعل. وقد مرّ فی مباحث المضاف أنّ المتضائفین متكافئتان فی الوجود وفی درجة الوجود أیضاً إن كان أحدهما بالفعل كان الآ خر بالفعل وإن كان بالقوة كان الآ خر بالقوة وإن كان أحدهما ثابتاً فی مرتبة من المراتب كان الآ خر أیضاً ثابت فیها الخ.[901]
ألثالث: أنّ الخارج كما لم یكن ظرفاً للخارجی مثل المكان الذی ظرف للمتمکن بل الخارجى مرتبة من وجود الخارج وبه یشكل الخارج ویتحقق ولیس نسبته إلى الخارج كنسبة الكوز إلى الماء حیث یكون الكوز شیئاً وهو الظرف والماء شیئاً آخر وهو المظروف وإذا قلنا زید فی الخارج لا یكون الدار التی زید فیها خارجاً لزید إذا الدار أیضاً فی الخارج بل زید ودار زید والبلد الذی فیه دار زید والأرض التی فیها بلد دار زید والسماء الذی یظل على تلك الأرض كلّها فی الخارج بمعنى أن كل واحد منها شیء من الخارج، فالخارج والخارجى شیء واحد كذلك الذهن لیس شیء والذهنی شیء آخر حتى یكون الذهن ظرفاً والذهنی مظروفاً ویكون حصوله فیه كحصول المظروف فی الظرف بل الذهن والذهنی شیء واحد وانّما عبّر عنه بالتأیید لأنّ مقایسة الذهنی والذهن إلى الخارجی والخارج لا یصیر برهاناً على إتحاد الذهن والذهنی لا مكان الفرق بینهما وبین الخارج والخارجی باتحاد الخارج والخارجی دون الذهن والذهنی.
الرابع: أنّ المعقول بالذات مجرّد وکل مجرّد عاقل لذاته، فالمعقول عاقل لذاته ولكن هذا إنّما یتم لو ثبت عدم قیام المعقول بالنفس بالقیام الحلولى كما علیه صدرالمتألهین وأمّا مع قیامه به قیاماً حلولیاً، فلا إذا البرهان دال على أنّ المجرّد القائم بذاته عاقل لذاته معقول لذاته لا مطلقا.
الخامس: أنّ إدراك الكلّیات إنّما هو بمشاهدة النفس العقول المتكافئة العرضیة عن بعد كما هو طریقة صدرالمتألهین وإنّ للنفس تحصل إضافة شهودیة اشراقیة الیها كما قالوا إیاها یتلقى العقل عند ادراکه ومعلوم إنّها اى: العقول المشهودة المدركة مجرّدة قائمةٌ بذاتها وكلّ مجرّد كذلك فهو عاقل.
السادس: أنّ المصداق الحقیقى لكلّ مشتق إنّما هو مبدئه وإنّما یسند إلى من قام به المبدأ لأجل اتصافه بذاك المبدأ، فیكون اسناد المشتق إلى المبدأ نفسه من قبیل وصف الشیء بحال نفسه والى من اتصف بالمبدأ من قبیل وصف الشیء بحال متعلّقه فالوجود موجود بنفسه والمهیة موجودة بالوجود والبیاض أبیض بنفسه والجسم أبیض بالبیاض وهكذا والنفس مع كونها تقابل العقل قد سمّى عندهم بالعقل بإعتبار المعقول فإنّ المعقول عقل بنفسه فمن حیث هو معقول بالقّوة یسمّى عقلاً بالقّوة ومن حیث هو معقول بالفعل عقل بالفعل.
السابع: أن النفس بإعتبار مقامها الشامخ وباطن ذاتها فیاّض للمعقولات ومفیض الوجود ومعطى الكمال لیس فاقدا له بل واجد إیّاه[902].
و قال العلّامة الطباطبائی: علم الشیء بالشیء هو حصول المعلوم ای الصورة العلمیة للعالم كما تقدّم، وحصول الشیء وجوده ووجوده نفسه. فالعلم هو عین المعلوم بالذات ولازم حصول المعلوم للعالم وحضوره عنده إتحاد العالم به، سواء كان معلوماً حضوریاً أو حصولیاً فإنّ المعلوم الحصولى إن كان أمراً قائماً بنفسه كان وجوده لنفسه وهو مع ذلك للعالم فقد اتحد العالم مع المعلوم، ضرورة امتناع کون الشیء موجودا لنفسه ولغیره معاً، وإن كان أمراً وجوده لغیره وهو الموضوع وهو مع ذلك للعالم، فقد اتحد العالم بموضوعه والأمر الموجود لغیره متحد بذلك الغیر، فهو متّحد بما یتّحد به ذلك الغیر. ونظیر الكلام یجری فی المعلوم الحضوری مع العالم به[903].
مراتب العقل
ذكر الشیخ للقوة النظریة للنفس أربع مراتب:
1. العقل الهیو لانی (و هی مرتبة كون النفس خالیة عن جمیع المعقولات وتسمّى العقل الهیولانی، لشباهته الهیولى الأولى فی خلوها عن جمیع الفعلیات).
۲. والعقل بالملكة وهو الذی قد حصلت له الأولیات مثل إنّ الكل أعظم من الجزء (هی مرتبة تعقلّها للبدیهیات من تصور أو تصدیق).
٣. والعقل بالفعل وهو الذی حصلت له الصور المكتسبة من الأولیات مخزونة عنده بحیث متى شاء رجع الیها وطالعها بالفعل (و هی مرتبة تعقلها للنظریات باستنتاجها من البدیهیات).
۴. والعقل المستفاد وهو الذی تكون الصورة حاضراً عنده فیطالعها ویعقّلها بالفعل ویعقل إنّه یعقّلها بالفعل ویسمّى مستفاداً لكونه مستفاداً من العقل الفعال[904].
و نقل عن المعلّم الأول أنّ العقل على ثلاثة أضرب: العقل الحیوانی والعقل بالفعل والعقل بالملكة[905].
و قال المعلم الثانی: أنّ العقل النظری واقع عند قدماء على أربعة أنحاء: عقل بالقّوة وعقل بالفعل، وعقل مستفاد، وعقل فعّال. وإنّما اسقطوا العقل بالملكة من الإعتبار إذ لیس بینه وبین العقل الهیولانی كثیر التفاوت فی الدرجة العقلیة[906].
و قال فی الأسفار: «و الفرق بینه (ای العقل المستفاد) وبین العقل الفعّال أنّ العقل المستفاد صورة مستفادة كانت مقترنة بالمادة ثم تجردت عنها بعد تحولها فی الأطوار، والعقل الفعّال هو صورة لم تكن فی مادة أصلاً ولا یمكن أن تكون إلّا مفارقة»[907].
و قال بعض الحكماء بان للنفس سبع مراتب:
1. وهی العقل الهیولانی
2. والعقل بالملكة
3. والعقل بالفعل
4. والعقل المستفاد
5. والمحو الذی هو مقام التوحید الأفعالی
6. والطمس وهو مقام التوحید الصفاتی
7. والمحق وهو مقام التوحید الذاتی[908].
المراد من النفس
النفس: جوهر مجرّد عن الماّدة ذاتاً المتعلّق بها فعلاً وهو فلکی وإنسانی وحیث إنّه مجرّد عنالمادة ذات یشبه العقول المجردة ذاتاً وفعلاً ومن حیث إنّه تعلّق بالماّدة فعلاً یشبه الماّدی، فیكون واسطة بین الماّدی الصرف وبین المجرد المحض.
مراتب النفس عند العرفا
إعلم أنّ للعرفاء والحكماء إصطلاح خاص فی مراتب النفس قد اصطلحوا علیها فالعرفاء قالوا: إنّ للنفس مراتب سبع یعبّرون عنها با للطائف السبعة وهی: الطبع، والروح، والنفس، والسرّ ، والقلب، والخفی، والاخفى[909]. فهی طبعٌ بإعتبار مبدئیتها للحركة والسكون ونفسٌ بإعتبار مبدئیتها للإدراكات الجزئیة وقلبٌ بإعتبار مبدئیتها للإدراكات الكلّیة التفصیلیة وروحٌ بإعتبار حصول الملكة البسیطة، الخلّاقة للتفاصیل لها وسرٌ بإعتبار فنائها فی العقل الفعّال وخفیٌّ بإعتبار فنائها فی مقام الواحدة واخفی بإعتبار فنائها فی مرتبة الأحدیة[910].
أقسام المواد الثلاث
ینقسم كلّ من هذه المواد الثلاث إلى ما بالذات وما بالغیر وما بالقیاس إلى الغیر إلّا الإمكان، فلا إمکان بالغیر.
١. الوجوب بالذات: هو كون الشیء ضروری الوجود فی نفسه بنفسه کواجب تعالی.
٢. الوجوب بالغیر: كون الشی ضروری الوجود فی نفسه باعطاء الغیر إیّاه الوجود کوجود المعلول بالنسبة إلى العلة التامة.
٣. الوجوب بالقیاس إلى الغیر: كون الشیء ضروری التحقق بالنظر إلى وجود الغیر كوجوب العلة إذا قیست إلى معلولها باستدعاء منه، فانّه بوجوده یأبى إلّا أن تكون علته موجودةً، وكوجوب المعلول إذا قیس إلى علته التامة باقتضاء منها، فإنّها بوجودها تأبى إلّا أن یكون معلولها موجوداً أو کوجوب أحد المتضائفین إذا قیس إلى وجود الآخر.
۴. إمکان الذاتی: هو كون الشیء فی نفسه بنفسه لا یكون له الوجود ضروریاً ولا العدم ضروریاً.
۵. الإمكان بالغیر ممتنعٌ للزوم الانقلاب وتحصیل الحاصل.
۶. الإمكان بالقیاس إلى الغیر: إذا قیس الشیء إلى ما لا یستدعی وجوده ولا عدمه بان لا یكون بینهما علّیة ومعلولیة ولا معلولیتهما لواحد ثالث.
۷. الامتناع الذاتی: وهو کون الشیء ضروری العدم فی نفسه بنفسه كضرورة العدم للمحالات الذاتیة التی لا تقبل الوجود لذاتها المفروضة كاجتماع النقیضین وإرتفاعهما وسلب الشیء عن نفسه وشریك الباری.
۸. الإمتناع بالغیر: كون الشیء ضروری العدم فی نفسه لا بنفسه بل من ناحیة عدم علة وجوده كضرورة عدم الممكن التی تلحقه من ناحیة عدم علته.
9. الإمتناع بالقیاس إلى الغیر: كامتناع وجود العلة التامة إذا قیس إلى عدم المعلول بالاستدعاء وکامتناع وجود المعلول إذا قیس الى عدم العلة بالاقتضاء وکامتناع وجود احد المتضائفین إذا قیس الى عدم الآخر وعدمه إذا قیس الى وجود الآخر.
اقسام الإمكان
قسّموا الإمكان الى اقسام سبعة:
١. الإمكان الخاص: وهو سلب الضرورة الذاتیة عن طرفیالمخالف والموافق معاً (یكون فی نقطة مقابل الوجوب الذاتی والإمتناع الذاتی).
٢. الإمكان العام: وهو سلب الضرورة الذاتیة عن الطرف المخالف للقضیة (هو فی مقام الإمتناع الذاتی).
٣. الإمكان الاخص: وهو سلب الضرورات الثلاث الذاتیة والوصفیة والوقتیة عن الطرفین، فیكون أخصّ من الإمكان الخاص إذ فی سلب الضرورات الثلاث تكون الضرورة الذاتیة مسلوبة ویمكن انفكاك سلب الضرورة الذاتیة ولذلك سمّی بالإمكان الأخصّ (هو فی مقابل مطلق الضرورات والإمتناع الذاتی والوصفی، والوقتی).
۴. الإمكان الاحتمالی: وهو سلب الضرورات جمیعاً حتّى الضرورة بشرط المحمول وهو فی الأمور المستقبلة التی لم یتعین فیها إیجاب وسلب، فإذا سئل عن شخص هل یجیء المطر غداً أم لا؟ فیقول فیالجواب: یمكن أن یجیء المطر. لعدم علمه بالعلة. ویقال له الإمكان الاستقبالی أیضاً.
۵. الإمكان الاستعدادی: وهو وصف وجودی من الكیفیات القائمة بالمادة تقبل به المادة الفعلیات المختلفة وهو ما ذكره الشیخ شهاب الدین السهروردی. والفرق بینه وبین الإمكان الخاص اِنّه صفة وجودیة تقبل الشدّة والضعّف والقرب والبعد من الفعلیة، موضوعۀ المادة الموجودة ویبطل منها بوجود المستعد بخلاف الإمكان الخاص الذی هو معنى عقلى لا یتّصف بشدّة وضعف ولا قرب وبعد وموضوعۀ الماهیّة من حیث هی لا یفارق الماهیّة موجودةً كانت أو معدومةً.
۶. الإمكان الوقوعی: کون الشی بحیث لا یلزم من فرض وقوعه محال وفی مقابله محالٌ وقوعیٌّ کو جود المعلول بلا علة.
7. الإمكان الفقرى والوجودی: ما للوجود المعلولى من التعلق والتقوم بالوجود العلّی وخاصة الفقرالذاتی للوجود الإمكانی بالنسبة إلىالوجود الواجبی جلّ وعَلیٰ.
وقد ذكر توضیح كلّ واحد منها فیما سبق
مناط حاجة الممكن إلی العلة
إنّ العلّة هو الإمكان دون الحدوث. حاجة الممكن إلى العلة بدیهیة أولیة غیر مفتقرة إلى الدلیل، فإنّا إذا تصورنا الماهیّة بما أنّها ممكنة تستوی نسبتها إلى الوجود والعدم فلا شكّ فی إتصاف ها بأحد الوصفین من العلّة لأنّ تخرجها عن حدّ الإستواء.
وقد وقع الخلاف بین الفلاسفة والمتكلمین فی تعیین مناط الحاجة، واشهرالأقوال فی المسئلة قول الفلاسفة بأن المناط هو الإمكان وقول كثیر من المتكلمین إنّه هوالحدوث.
و قال صدر المتألّهین فی موضع من الأسفار بعد الإشارة إلى هذا الإختلاف ما لفظه: «الحق أنّ منشأ الحاجة إلى السبب لا هذا ولا ذاك، بل منشأها كون الشیء تعلّقی متقوّم بغیره مرتبطة الیه»[911]. وهذا هو الذی یعبّر عنه بالإمكان الفقری أو الوجودی. والحق هو الأول وبه قالت الحكماء واستدلوا علیه بوجوه:
الأول: بأنّ الماهیّة بإعتبار وجودها ضروریة الوجود وبإعتبار عدمها ضروریة العدم. وهاتان ضرورتان بشرط المحمول والضرورة مناط الغناعن العلة والسبب. والحدوث هوكون وجود الشیء بعد عدمه. وإن شئت فقل: هو ترتّب إحدى الضرورتین على الأخرى. والضرورة كما عرفت مناط الغنا عن السبب، فما لم تعتبر الماهیّة بإمكانها لم یرتفع الغنا ولم تتحقق الحاجة ولا تتحقق الحاجة إلّا بعلّتها ولیس لها إلّا الإمکان[912] .
الثانی: الحدوث، وهوكون الوجود مسبوقاً بالعدم، صفة الوجود الخاص فهو مسبوق بوجود المعلول لتقدم الموصوف على الصفة، والوجود مسبوق بایجاد العلة، والإیجاد مسبوق بوجوب المعلول ووجوبه مسبوق بایجاب العلة على ما تقدم، وایجاب العلة مسبوق بحاجة المعلول وحاجة المعلول مسبوقة بامكانه، إذ لم یكن ممكناً لكان إمّا واجباً وإمّا ممتنعاً، والوجوب والإمتناع مناط الغنا عن العلة. فلو كان الحدوث علة للحاجة والعلة متقدماً على معلولها بالضرورة لكان متقدماً على نفسه بمراتب وهو محال كما ذكر الحكیم السبزواری فی غرر الفرائد:«الشیء قرّر، فأمكَنَ، فأحتاجَ، فَأوجَبَ، فوَجَبَ، فَأوجَدَ، فوَجَدَ، فَحَدَثَ»[913].
فلكلّ ممكن مراحل ثمانیة:
1. تقرّر ما هوی أی کون الشی فی مرحلة ذاته.
2. مرحلة الامكان أی مرحلة عدم الاقتضاء.
3. مرحلة الاحتیاج أی احتیاجه إلى العلة.
۴. مرحلة الایجاب أی اقتضاء العلة وجوب المعلول.
۵. مرحلة الوجوب أی وجوب المعلول عند وجود العلة.
۶. مرحلة الایجاد أی انتساب الشیء إلى علّته.
۷. مرحلة الوجود أی انتساب الشیء إلى الوجود
۸. مرحلة الحدوث وهو وجود الشی بعد عدمه.
الحدوث كیفیة وجود متأخّرٌ عن الفقر والحاجة فالإفتقار یكون متقدّماً على الوجود والوجود متقدّم على الحدوث، فالحدوث متأخّر عن الإفتقار بمراتب ولایعقل أنیكون المتأخر عنالشیء علّةً له لأنّ العلة یجب أن تكون متقدّمةً على المعلول بالرتبة مع أن الحدوث متأخرٌ عن الإفتقار بالرتبة.
1. تقرّر ماهو(مرحلة الذات)
2. مرحله الإمکان
3. مرحلة الاحتیاج
مراحل الثمانیه للممکن 4. مرحلة الایج
5 . مرحلة الوجوب
6. مرحلة الایجاد
7. مرحله الوالوجود
8. مرحلة الحدوث
تنبیه
المراد من هذه المراحل الثمانیة فی نظر العقل، وفی الوجود الذهنی، حیث إنّ العقل یتصوّر مهیة الممكن ویضعها أولاً، ثم یضع إمکانها ویصدق بثبوته لها. فیحكم باحتاجها إلى العلّة من جهة إمکانها. ثم یطلب لها علةً: تكون علةً لوجوبها ووجودها، فیحكم بایجاب العلة لها من جهة القاعدة المقررة، أنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد، ثم یحكم بوجوبها بسبب الإیجاب وبعد ذلك یحكم بایجاد العلة، وبوجودها عقیب ذلك الإیجاب.
الثالث: أن العدم السابق على وجود الشیء مقابل ومعاند له فكیف یشترط وجود الشیء بمعانده؟ وإن كان سبق العدم شرطاً لتأثیر الفاعل، فكذلك، لأنّ المعاند لمّا یجب أن یكون مقارناً للشیء معاند ومناف له أیضاً. وأمّا الإمكان، فهو یجامع وجود الشیء ولیس مقابلا له.
الرابع: أنّ الحوادث فی حال البقاء مفتقرة إلى العلة (و إلّا یلزم أن لا ینعدم شیء من الحوادث) فلوكان مناط الافتقار هوالحدوث، فالبقاء مقابل الحدوث (فلا یفتقر إلى العلة فیكون واجباً) وإن كان هو الإمكان، یثبت المطلوب.
كلّ من قال بأن الإمكان علة تامة فی احتیاج الأثر إلى المؤثر حکم بأن الممكن الباقی مفتقر إلى المؤثر والدلیل علیه أن علة الحاجة إنّما هی الإمكان وهو لازم للماهیة ضروری اللزوم، فهی أبداً محتاجة إلى المؤثر لأنّ وجود العلّة یستلزم وجود المعلول.
خواص الممكن
الخاصّة الأولى: عدم اقتضائه الوجود والعدم، لأنّ الممكن هو ما لا ضرورة لوجوده وعدمه بلحاظ نفسه، قبال الواجب لذاته والممتنع لذاته، فإذن یحتمل أن یكون الممكن موجوداً أو معدوماً بنفسه، لكن لا بنحو الضرورة بل بالأولیة غیر البالغة حد الضرورة، وهذه الأولیة راجعة إمّا إلى اقتضاء ذات الممكن كما فی تقریر المشهور، أو إلى نفس أحد الطرفین بان یكون الوجود أو العدم ألیق وأولی بذات الممكن، كما فی تقریب السید الداماد[914].
الخاصة الثانیة: حاجة الممكن، لأنّ الممكن لا یقتضی الوجود ولا العدم، وإنّهما بالنسبة إلیه متسأویان، فقد أصبح احتیاج الممكن فی وجوده إلى العلة ضروریاً لا یقبل التردید، وإنّما المهم معرفة علة هذه الحاجة، فإن الباحثین قد اختلفوا فیها على أقوال:
فمنها: أنّها الإمكان، وهو مذهب الحكماء والمحققین من متأخرى المتكلمین، كما فی الشوارق.
و منها: أنّها الحدوث نَسَبَه فی المواقف إلى المتكلّمین وقیل اِنّه مذهب جماعة منهم.
و منها: أنها الإمكان والحدوث مركّباً. نقل عن بعض المتكلّمین.
ومنها: أنّها الإمكان بشرط الحدوث حکی أیضاً عن بعضهم.
ومنها: أنها الوجود. قال به بعض الفلاسفة الماركسیة[915].
الخاصة الثالثة: حاجة الممكن بقاء؛ لأنّ الممكن كما یحتاج فی حدوثه إلى المؤثر یحتاج فی بقائه أیضاً الیه، فإن الإمكان ممتنع الإنفكاك عن المهیة الممكنة، وإلّا لانقلب الممكن واجباً أو ممتنعاً، وهو ضروری الإستحالة.
الخاصة الرابعة: أنّ كل ممكن زوج ترکیبی من الوجود والماهیّة.
قال صاحب الأسفار: كما أنّ الضرورة الأزلیة مسأوقة للبساطة والأحدیة، وملازمة للفردیة والوتریة، فكذلك الإمكان الذاتی، رفیق التركیب والإزدواج، فكل ممكن زوج ترکیبی، إذا الماهیّة الإمكانیة لا قوام لها إلّا بالوجود والوجود الإمكانی لا تعین له إلّا بمرتبة من القصور ودر جة من النزول ینشأ منها الماهیّة، وینتزع بحسبها المعانی الإمكانیة ویترتب علیها الآثار المختصة[916].
مناط الصدق فی القضیة الخارجیة والحقیقیة والذهنیة
الصدق فی الخارجیة بإعتبار مطابقة نسبتها لما فیالخارج (بأن یكون الخارج ظرفاً لنفسها، لا لوجودها) وكذا فی الحقیقیة، إذ فیها أیضاً حكم على الموجود الخارجیة ولكن محقّقة أو مقّدرة وأما الصّدق فی الذهنیة، فبإعتبار مطابقة نسبتها لما فی نفس الأمر[917] ، إذ لا خارج لها تطابقه.
المطابقة من باب المفاعلة عبارة عن التطابق بین شیئین، فالخبر إذا طابق الواقع كان الواقع أیضاً مطابقاً مع الخبر، فالخبر مطابق مع الواقع بالكسر ومطابق معه بالفتح، فهو من حیث إنّه مطابق بالكسر صادق ومن حیث إنّه مطابق بالفتح حق، فالصدق والحق كلاهما صفتان للخبر لكن بإعتبار كونه مطابِقاً ومطابَقاً.
اقسام الفاعل
إنّ الفاعل، إمّا أن یكون له علم بفعله، أولاً.
والثانی، إمّا أن یلائم فعله طبعه، فهوالفاعل بالطبع أولاً، فهو الفاعل بالقسر. والأول، إمّا أن لایكون فعله بارادته، فهو الفاعل بالجبر، أو یكون، فإمّا أن یكون علمه بفعله مع فعله، بل هو عینه، ویكون علمه بذاته هو علمه السابق بفعله إجمالاً لا غیر، فهوالفاعل بالرّضاء أولاً، بل یكون نفس العلم فعلیاً منشأ للمعلول، فإما أن یكون ذلك العلم بالفعل زائداً على ذاته، فهو الفاعل بالعنایة؛ أولاً بان یكون عین علمه بذاته الذی هو عین ذاته وذلك هو العلم الإجمالی بالفعل فی عین الكشف التفصیلی، فهو الفاعل بالتّجلی. ویقال له العنایة بالمعنى الأعم[918].
و نشیر إلى توضیح كل واحد منها منفرداً
١. الفاعل بالطبع (بالطبیعة): هوالذی یصدر عنه فعل بلا علم منه ولا اختیار ویكون فعله ملائماً لطبیعته کالإحراق بالنسبة إلى النار.
٢. الفاعل بالقسر: وهو الذی یصدر عنه فعل بلا علم منه به ولا اختیار ویكون فعله خلاف مقتضى طبیعته كالنفس فی مرتبة القوى الطبیعیة البدنیة عند انحرافها لمرض، فإنّ الافعال عندئذٍ تنحرف عن مجرى الصحّة لعوامل قاسرة.
٣. الفاعل بالجبر: وهو الذی یصدر عنه فعله بلا اختیار بعد أن یكون من شأنه اختیار ذلك الفعل وعدمه کإکراه الإنسان على فعل لا یریده.
۴. الفاعل بالرّضا: ما یكون علمه بفعله مع فعله، بل عینه ویكون علمه بذاته هو علمه السابق بفعله إجمالاً لاغیركالإنسان یفعل الصور الخیالیة وكفاعلیة الواجب تعالى للأشیاء عند الإشراقیین (ما كان فعله عین علمه التفصیلی ویكون له علم إجمالی قبل فعله.)
۵. الفاعل بالعنایة: وهوالذی له علم سابق على الفعل زائد على ذاته نفس الصورة العلمیة منشأ لصدور الفعل من غیر داع زائد کالإنسان الواقع على جذع عال، فإنّه بمجرد توهم السقوط یسقط علىالأرض، وكالواجب تعالى فی ایجاده الأشیاء عند المشاّئین(ما كان له الإدراك والشعور ولا یحتاج الى أمر زائد على ذاته).
6. الفاعل بالتجلّی: وهو الذی یكون علمه التفصیلی بفعله قبل فعله ولا یقترن فعله بالداعی ولا یكون علمه السابق على فعله زائداً على ذاته بل یكون عین ذاته، كالنفس الإنسانیة المجردة، فإنّها لمّا كانت صورة أخیرة لنوعها كانت على بساطتها مبدء لجمیع كمالاته الثانیة الّتی هی لعلّیتها واجدة لها فیذاتها وعلمها الحضوری بذاتها علم بتفاصیل كمالاتها وإن لم یتمیز من بعض وکالواجب تعالى، بناء على إنّه له علماً إجمالیاً بالأشیاء فی عین الكشف التفصیلی.
۷.الفاعل بالقصد: وهوالذی له علم وإرادة وعلمه بفعله تفصیلی قبل الفعل بداع زائد کالإنسان فی افعاله الإختیاریة وكالواجب عند جمهور المتكلمین(ما كان فعله باختیاره وقصده المسبوق بالتّصور وتصدیق الفائدة).
۸. الفاعل بالتسخیر: وهو الفاعل الذی هو وفعله لفاعل، فهو فاعل مسخّر فی فعله، كالقوى الطبیعیة والنباتیة والحیوانیة المسخرة فی أفعالها للنفس الإنسانیة، وكالعلل الكونیة المسخرّة للواجب تعالى(ما كان فاعلیته فی طول فاعلیة فوقه).
1. الفاعل بالطبع
2. الفاعل بالقسر
3. الفاعل بالجبر
5. الفاعل بالتسخیر
6. الفاعل بالعنایة
7. الفاعل بالرضا
أقسام السبق وهی ثمانیة أقسام:
١. التقدّم بالعلّیة وهو كتقدّم حركة الإصبع على حركة الخاتم، فإنّه لو لا حركة الید لم تحصل حركة الخاتم، فهذا الترتیب العقلی هو التّقدم بالعلیة (ای تقدم العلة التامة ألتی یجب بوجودها وجود معلولها).
٢. التقدّم بالطبع وهو أنّ المتقدّم له حظّ فی التأثیر فی المتأخّر ولا یكون هو كمال المؤثّر وهو كتقدّم الواحد علىالإثنین(كتقدّم العلة الناقصة على المعلول).
٣. التقدّم بالزمان وهو أن یكون المتقدّم موجوداً فی زمان متقدّم على زمان المتأخّر كالأب والإبن.
السبق الزمانی، هو تقدّم السابق الغیر المجامع مع المسبوق سواء كان عدم إجتماعه معه ذاتیاً كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض كتقدّم الأمس على الیوم والیوم على غدٍ أو عرضیاً مستنداً إلى أمرآخر، غیر الذات كتقدّم الحادث الأمسی على الحادث الیومی ویجب عوده بالأخرة إلى الزمان لوجوب إنتهاء كل ما بالعرض إلى ما بالذات هذا عند الحكماء.
والمتكلمون جعلوا تقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض قسماً علیحدة من أقسام السبق سمّوه بالسبق بالذات. وقالوا بأنّه لیس سبقاً با لزمان وإلّالزم أن یكون للزمان زمان.
وأجاب الحكماء عن دلیلهم: بأنّه یلزم ذلك لو كان هذا السبق بزمان زائد على السابق والمسبوق وهو لیس بلازم لجواز أن یكون السابق والمسبوق بهذا السبق نفس الزمان ویكون عروض السابقیة والمسبوقیة لهما لذاتیهما ولا یخفى أن هذا الإختلاف یرجع الى الإصطلاح ولا مشاحة فیه.
۴. التقدّم بالرتبة وهی إمّا حسیة كتقدّم الإمام على المأموم أو عقلیة كتقدّم الجنس علىالنوع.
۵. التقدّم بالشرف كتقدم العالم على المتعلّم والفاضل على المفضول.
۶. السبق بالتجوهر(السبق بالمهیة) وهو تقدّم علل القوام على المعلول (كتقدم أجزاء الماهیّة من الجنس والفصل علیها بناء على إصالة الماهیّة).
۷.السبق بالحقیقة والمجاز وهو أن یشترك أمران فی الإتصاف بوصف، غیر أن أحدهما بالذات والآخر بالعرض كالحركة بالنسبة إلى السفینة وجالسها وکسبق الوجود على الماهیّة على المذهب المنصور.
فان التحقق للوجود بالحقیقة، وللماهیة بالمجاز وبالعرض.
۸. السبق والتأخرّ بالحق وهو تقدم وجود العلة التامة على وجود معلولها كما قال صدرالمتألهین[919].
و هذا ضرب غامض من أقسام التقدّم والتأخر لا یعرفه إلّا العارفون الراسخون. فإن للحقّ تعالى عندهم مقامات فیالإلهیة كما أن له شئوناً ذاتیة أیضاً لاینثلم بها احدیته الخاصة. وبالجملة وجود كل علّة موجبة یتقدّم على وجود معلولها الذاتی هذا النحو من التقدّم إذا الحكماء عرّفوا العلة الفاعلة بما یؤثّر فی شیء مغایر للفاعل، فتقدّم ذات الفاعل على ذات المعلول تقدم بالعلیة. وإمّا تقدّم الوجود علىالوجود، فهو تقدّم آخر غیر ما بالعلیة، إذ لیس بینهما تأثیر وتأثّر ولا فاعلیة ولا مفعولیة، بل حكمها حكم شی واحد له شئون وأطوار وله تطوّر من طور إلى طور[920].
1. السبق بالعلّیة
2. السبق بالطبع
3. السبق بالزمان
4. السبق بالرتبة
أقسام السبق 5. السبق بالشرف
6. السبق بالتّجوّهر
7. السبق بالحقیقة والمجاز
8. السبق بالحق
اقسام الوحدة
إعلم أنّ الوحدة رفیق الوجود، یدور معه حیثما دار إذ هما متساویان فی الصدق على الأشیاء، فكل ما یقال علیه إنّه موجود یقال علیه إنّه واحد، ویوافقه أیضاً فی القوة والضعف. فكلّ ما وجوده اقوى كانت وحدانیته أتمّ بل هما متوافقان فی اكثر الأحكام والأحوال ولذلك ربّما ظن أن المفهوم من كلّ منهما واحد ولیس كذلك بل هما واحد بحسب الذات لا بحسب المفهوم.
و قال صدر المتألّهین أیضاً فی الأسفار:« لفظ الواحد یطلق بالاشتراك الصناعی على معنیین، احدهما المعنى الانتزاعى المصدری أی کون الشیء واحداً ولا شبهة فی أنه من الأمور العقلیة التی لا تحقق لها خارجاً والآخر ما به یكون الشیء واحدا بالذات ویمنع وقوع الكثرة فیها وهذا المعنى من لوازمه نفی الكثرة بخلاف المعنى الأول، فإنّه من لوازم نفی الكثرة والوحدة بالمعنى الانتزاعی ظل للوحدة الحقیقیة الاصلیة ینتزع منها من نفس ذاتها وفی غیرها لاجل ارتباطه وتعقّله بها»[921].
فإنّ الواحد له أقسام أخصرها ما ذكره الحكیم السبزواری فی شرح منظومته وهذا لفظه:«الواحد إماّ حقیقیّ وهو ما لا یحتاج فی الإتصاف بالوحدة إلى الواسطة فی العروض، وبعبارة أخرى ما هی وصفه بحاله لا بحال متعلقه. وإمّا غیر حقیقی وهو بخلافه (ای یحتاج فی الإتصاف بالوحدة إلى الواسطة فی العروض كما سیأتی) ثمالحقیقی إمّا ذات له الوحدة أم لا، بل نفس الوحدة العینیة لا مفهومه الذهنی العنوانی الثانی هو الواحد بالوحدة الحقة، الّتی هی حق الوحدة كالحق الواحد حقت كلمته والأول: (أی ذات له الوحدة) إمّا واحد بالخصوص وإمّا واحد بالعموم والواحد بالعموم إمّا واحد بالعموم بمعنى السعة الوجودیة وإمّا واحد بالعموم المفهومی وهو إمّا نوعی أو جنسی أو عرض على مراتبها،[922] والواحد بالخصوص إمّا غیر منقسم من حیث الطبیعة المعروضة للوحدة أیضا وإمّا منقسم، وغیرالمنقسم إمّا نفس مفهوم الوحدة ومفهوم عدم الانقسام وإمّا غیره.
و الثانی: (ای ما كان غیره) إمّا وضعیّ وإمّا مفارق، والمفارق إمّا مفارق محض وإمّا متعلق بالجسم. والمنقسم إمّا منقسم بالذات وإمّا منقسم بالعرض والواحد الغیر الحقیقى إمّا واحد بالنوع أو بالجنس أو بالكیف الى آخر أقسامه[923].
أقسام الواحد
حقیقی غیرحقیقی
ذات ثبت له الوحدة نفس الوحدة [924]
بالنوع(تماثل)[925] بالجنس(تجانس)[926] تسأوی[927] تشابه[928] تناسب[929] توازی[930]
الواحد بالخصوص[931] الواحد بالعموم
العموم المفهومی بمعنیسعة لوجودیة[932]
تقسیم آخر للواحد
الواحد على ثلاثة أقسام: الواحد الحقیقی والواحد النوعی والواحد العنوانی.
الواحد الحقیقى: نحو زید واحد لأنّ حقیقة الزید «لا یقبل التكثّر ولا تقبل التعّدد» وإن كان إسمه قابلاً للتعّدد.
و الواحد النوعی: نحوالإنسان واحد، أی نوع واحد وإن كان افراده ومصادیقه فیالخارج كثیراً ولكن كلّها یشترك فیالنوع الواحد.
الواحد العنوانی:کإجتماع أفراد كثیرة تحت عنوان الواحد كأهل البیت وهذا العنوان قد یتحقّق فی الأمور الإعتباریة الشرعیة، كالصلاة یقال: الصلاة واحدة، لأنّ الشارع اعتبر أجزاء الصلاة شیئاً واحداً مع أنّها مركبة من المقولات المختلفة من الكلام، القیام، القعود، الركوع، السجود والسكوت. وقد یتحقّق فی الأمور الإعتباریة العرفیة كالمعجون المرّكب من الأجزاء المختلفة، یكون مؤثّراً فی المرض الخاص وهذا المعجون عند الطبیب المخترع یكون شیئاً واحداً مؤثراً.
الدور وأقسامه
أمّا الدّور فهو فیاللغة: «كما فی بعض كتبها، التقلب والحركة إلى ما كان علیه وفی الإصطلاح هو توقّفالشیء على ما یتوقف علیه».[936] وإن شئت فقل: إنّه تعاكس الشیئین فی السببیة والمسبّبیة. فإنّ توسّط بینهما واسطة أو وسائط اخرى یسمّى مضمرة، وإلّا فمصرّح فتوقف الشیء على نفسه لا یسمّى دوراً بل هو نتیجته.[937]
ثم اِنّه ربّما یطلق الدور على شیئین لهما معیة ویقال له الدور المعی، وهو لیس بمحال وهو أن یكون شیئان موجود، أن یتوقف كل منهما على الآخر فی صفة من الصفات، بمعنى أن تتوقف الصفة فیكل منهما على ذات الآخر سواء كانت تلك الصفة فیهما من نوع واحد کالأخوة فی أخوین والمعیة فی شیئین أو من نوعین كالفوقیة والتحتیة فی الفوق والتحت والتقدّم والتأخّر بحسب المكان.
أقسام التوحید
التوحید بالنسبة إلى الله تعالى على أقسام:
الأول: التوحید فی الذات
ربّما یطلق التوحید الذاتی على كونه سبحانه تعالى واحداً، لیس له نظیر ولامثیل وربّما یطلق التوحید الذاتی على كونه إنّه بسیط لا جزء له خارجاً ولا ذهناً ولإجل التفریق بین هذین التوحیدین الذاتیین یعبّرون عن الأول بالتوحید الواحدی، وعن الثانی، بالتوحید الأحدى.
وقد أشار سبحانه تعالى إلیهما فی سورة الإخلاص فقال فی صدر السورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد هادفاً إلى إنّه بسیط لاجزء له وقال فی ختامها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد بمعنى لاثانی له.
الثانی: التوحید فی الصفات، صفاته عین ذاته.
الثالث: التوحید فی الخالقیة: لاخالق سوى الله تعالى.
الرابع: التوحید فی الربوبیة: إنحصار التدبیر فی الله سبحانه.
الخامس: التوحید فی الحاكمیة : إنحصار حق الحاكمیة فی الله تعالى.
السادس: التوحید فی الطاعة: إنحصار حق الطاعة فی الله سبحانه.
السابع: التوحید فی التشریع: إنحصار حق التقنین والتّشریع فی الله سبحانه.
الثامن: التوحید فی العبادة: لا معبود سوى الله تعالى.
الدلیل على إستحالة الدور والتسلسل
الدّور هو أن یحتاج الأول إلى الثانی والثانی إلى الأول إمّا بواسطة أو بغیر واسطة وهو باطل[938]. وإنّما یتصور الدور بین العلة والمعلول كما یظهر من تعریفه. والتسلسل هو ترتّب شیء موجود على شیء آخر موجود معه بالفعل، وترتّب الثانی على ثالث كذلك، والثالث على رابع، وهكذا إلى غیر النهایة. وأمّا التسلسل فلا یختص بالعلة والمعلول، بل مفهومه یشمل كل ما یترتب على أی آخر، ویختص الإصطلاح بما لا ینتهی إلى حلقة أخیرة من جهة الصعودأو النزول أو كلیهما[939].
و الدلیل على بطلان الدور كما ذكر الحكماء کفخر الرازی فی المباحث المشرقیة والدبیران كاتبی فی إیضاح المقاصد من حكمة عین القواعد والقاضی عضد الدین إیجی فی شرح المواقف وصدر المتألهین فیالحكمة المتعالیة:«هو تقدم الشیء على نفسه وتأخّره عن نفسه» وهذا نصّ عبارة صدر المتألهین فی الاسفار:«إمّا بطلان الدور، فلأنّه یستلزم تقدم الشیء على نفسه وتأخّره عن نفسه، وحاجته إلى نفسه والكل ضروری الإستحالة لأنّ الشیء إذا كان علةً لشیء كان مقدماً علیه بمرتبة، وإذا كان الآخر مقدّماً علیه كان الشیء مقدّماً على نفسه بمرتبتین هذا فی الدور المصرّح ثم كلّما یزید عدد الواسطة یزید عدد مراتب تقدّم الشیء على نفسه مع مرتبة اخرى یزید علیها[940].
و قال شیخنا الأستاذ المصباح الیزدی فی بطلان الدور:«لا یجوز أن یكون الشیء بالنسبة إلى شیء آخر علةً ومعلولاً لأنّ من لازمة العلة عدم الحاجة ومن لازمة المعلول الحاجة ولا یعقل أن یكون الشی الواحد محتاجاً وغیر محتاج لأنّ هذا تناقض»[941]. إن قلت: الحرارة علة للنار والنار علة للحرارة، فالحرارة علة لعلتها. فنقول: الحرارة التی تكون علة لوجود النار غیر الحرارة التی توجد بالنار فی الخارج وإن كانا متحدین بالنوع.
و إمّا بیان إستحالة التسلسل فلوجوه كثیرة: الأول ما أفاده الشیخ فی الإلهیات الشفاء وهو إنّه بعد ما حقّق أن علة الشیء بالحقیقة هی التی تكون موجودة معه نقول: إذا فرضنا معلولاً وفرضنا له علّة، ولعلّته علّة، فلیس یمكن أن یكون لكل علّة علّة بغیر نهایة، لأنّ المعلول وعلّته وعلّة علّته إذا اعتبرت جملتها فی القیاس الذی لبعضها إلى بعض كانت علة العلة علة الأولى مطلقة للآخرین، وكان للآخرین نسبة المعلولیة إلیها.
و إن اختلفا فیأنّ احدهما معلول بالواسطة والآخر معلول بلا واسطة ولم یكونا كذلك لا الأخیر ولا المتوسط لأنّ المتوسط الذی هو العلّة المماسة للمعلول علّة الشیء واحد فقط والمعلول لیس علّة لشیء ولكل واحد من الثلاثة خاصیة فكانت خاصیة الطرف المعلول إنّه لیس علةً لشیء، وخاصیة الطرف الآخر إنّه علّةٌ للكل غیره، وخاصیة الوسط إنّه علّة لطرف ومعلول لطرف سواء كان الوسط واحداً أو فوق واحد، وإن كان فوق واحد فسواء ترتّب ترتیباً متناهیاً أو غیر متناه، فإنّه أن ترتّب كثرة متناهیة كانت جملة عدد مابین الطرفین کواسطة واحدة یشترك فی خاصیة الواسطة بالقیاس إلى الطرفین، فیكون لكل من الطرفین خاصیة وكذلك أن ترتّب فی كثرة غیر متناهیة فلم یحصلالطرف أنّ جمیع الغیرالمتناهی فیخاصیة الواسطة لأنّک أی جملة اخذت كانت علة لوجود المعلول الأخیر وكانت معلولة، إذ كلّ واحد منها معلول والجملة متعلّقة الوجود بها، ومتعلّقة الوجود بالمعلول معلول إلّا أنّ تلك الجملة شرط فی وجود المعلول الأخیر وعلة له، وكلما زادت فیالحصر والأخذ كان الحكم إلى غیر النهایة باقیاً، فلیس یجوز أن یكون جملة علل موجودة ولیس فیها علة غیر معلولة وعلة أولىٰ، فان جمیع غیر المتناهی کواسطة بلاطرف وهذا محال انتهت عبارته، وهذا أسد البراهین فی هذا الباب[942].
الثانی: وقال قاضی عضد الدین ایجی فی شرح المواقف: المقصد السابع، فی بیان مقدمة یتوقف علیها ابطال التسلسل وهی أن تقول العلة المؤثّرة یجب أن تكون موجودة مع المعلول أی فی زمان وجوده وإلّا أی وإن لم یجب ذلك بل جاز أن یوجد المعلول فی زمان ولم توجد العلة فی ذلك الزمان بل قبله فقد افترقا فیكون عند وجود العلة لا معلول وعند وجود المعلول لا علة فلا علیة بینهما[943].
الثالث: برهان الأسدّ الأخصر للفارابی:«إنّه إذا كان ما من واحد من آحاد السلسلة الذاهبة بالترتیب بالفعل لا إلى نهایة إلّا وهو كالواحد فیأنّه لیس یوجد إلّا ویوجد آخر وراؤه من قبل كانت الآحاد اللامتناهیة بأسرها یصدق علیها أنّها لاتدخل فی الوجود ما لم یكن شیء من ورائها موجودة من قبل، فإذن بداهة العقل قاضیة بأنّه من أین یوجد فی تلك السلسلة شیء حتى یوجد شیء ما بعده»[944].
الرابع: برهان التضایف: وهو أنّه لو لم ینته سلسلة العلل والمعلولات إلى علة محضة لا یكون معلولاً لشی لزم عدم تكافؤ المتضایفین، لكن التالى باطل فكذا المقدم. أو نقول: لو كان المتضایفان متكافئین لزم إنتهاء السلسلة إلى علة محضة لكن المقدّم حق فكذا التالی. بیان حقیة هذا المقدّم وبطلان ذلك التالى هو إنّ معنىالتكافؤ فیهما أنّهما بحیث متى وجد احدهما فی العقل أو فی الخارج وجد الآخر وإذا نتفى انتفى. ووجه اللزوم إنّ المعلول الأخیر یشتمل على معلولیة محضة، وكل ما فوقه على علّیة ومعلولیة، فلولم ینته السلسلة إلى ما یشتمل على علیة محضة لزم فی الوجود معلولیة بلا علّیة.
المراد من المثل الأفلاطونیة
قد نسب إلى أفلاطون الإلهی إنّه قال: فی كثیر من أقأویله موافقاً لأستاذه سقراط، إن للموجودات صور مجرّدة فی عالم الاله[945]، وربّما یسمّی ها المثل الإلهیة، وإنّها لا تدثّر ولا تفسد ولكنّها باقیة وأن الذی یدّثر ویفسد إنّما هی الموجودات التی هی كائنة[946]. قال الشیخ فی الإلهیات الشفاء: ظنّ قوم إنّ القسمة توجب وجود شیئین فی كلّ شیء كإنسانین فی معنى الإنسانیة إنسان فاسد محسوس وإنسان معقول مفارق أبدى لا یتغیر، وجعلوا لكلّ واحد منهما وجوداً، فسمّوا الوجود المفارق وجوداً مثالیاً، وجعلوا لكلّ واحد من الأمور الطبیعیة صورة مفارقة وإیاها یتلقى العقل إذا كان المعقول شیئاً لا یفسد، وكلّ محسوس من هذه فهو فاسد وجعلها العلوم والبراهین تنحو نحو هذه وایاها تتنأول. و كان المعروف بأفلاطون ومعلّمه سقراط یفرّطان فی هذا الرأی، ویقولان إنّ للإنسانیة معنى واحداً موجوداً یشترك فیها الاشخاص ویبقى مع بطلانها، ولیس هو المعنى المحسوس المتكثر الفاسد، فهو إذن المعنى المعقول المفارق[947].
قد أول الشیخ الرئیسكلامه بوجود الماهیّة المجردة عن اللواحق لكلّ شیء القابلة للمقابلات، ولا شكّ أنّ أفلاطون الذی احد تلامیذه المعلّم الأول مع جلالة شأنه أجلّ من أن ینسب الیه عدم التفرقة بین التجرید بحسب إعتبار العقل وبین التجرید بحسب الوجود، أو بین إعتبار الماهیّة لا بشرط إقتران شیء معها وبین إعتبارها بشرط عدم الإقتران، أو الخلط بین الواحد بالمعنی والواحد بالعدد والوجود حتى یلزم من كون الإنسانیة واحداً بالمعنى كونها واحداً بالعدد والوجود وهو بعینه یوجد فی كثیرین، والجهل بأنّ الإنسان إذا لم یكن فیحد ذاته شیئاً من العوارض کالوحدة والكثرة لزم أن یكون القول بأنّ الإنسان من حیث هو إنسان واحد أو ابدی، أو غیر ذلك ممّا هو معاین لحدّه قولا مناقضاً، أو الظن بأنّ قولنا الإنسان یوجد دائماً معناه إنّ إنسانیة واحدة بعینها باقیة، كیف والتفرقة بین هذه الأمور والتمییز بین معانیها ممّا لایخفى علىالمتوسطین من أولى ارتیاض النفس بالعلوم العقلیة فضلاً أولئك العظماء.
و قال المعلم الثانی فی كتاب الجمع بین رأیی أفلاطون وأرسطو: إنّه اشارة الى أنّ للموجودات صوراً فی علم الله تعالى باقیة لا تتبّدل ولا تتغیر[948].
قال الفارابی: فی کتاب المذكور، أنّ مراد أفلاطون من المُثل هو الصوّر العلمیة القائمة بذاته تعالى علماً حصولیاً على ما هو طریقة المشّاء لأنها باقیة غیر دائرة ولا متغیرة وإنّ تغیرت وزالت الاشخاص الزمانیة والمكانیة.[949]
و قال الحكیم الإلهی صدر الدین الشیرازی: بعد ذكر التأویلات ورفع الإشكالات عن ُمثل الأفلاطونیة تأییداً وتحقیقاً لصور المفارقة والمُثل ما هذا لفظه: تنویر رحمانی، إنّ الباری جلّ ثناؤه بمقتضی رحمته ولطفه جعل الأمور الجسمانیة المحسوسة كلّها مثالات دالات على الأمور الروحانیة العقلیة، وجعل طریق الحواس درجاً ومراقی یرتقی بها إلى معرفة الأمور العقلیة التی هی الغرض الأقصى فی وقوع النفس فی دار المحسوسات وطلوعها عن افق المادیات، وكما أنّ المحسوسات فقراء الذوات إلى العقلیات لكونها رشحات لأنوارها واظلالاً لأضوائها، فكذلك معرفة الجسمانیات المحسوسة هی فقر النفس وشدّة حاجتها، ومعرفة الأمور العقلیة هی غنائها ونعیمها، وذلك أنّ النفس فی معرفة الأمور الجسمانیة محتاجة إلى الجسد وآلاته لیدرك بتوسطها الجسمانیات وأمّا إدراكها للأمور الروحانیة فیكفیها ذاتها وجوهرها بعد ما یأخذها من طرق الحواس بتوسط الجسد، فإذا حصل لها ذلك وصارت عقلاً وعاقلاً بالفعل فقد استغنت عن الحواس وعن التعلّق بالجسد[950].
الفرق بین المُثُل والمثال
والفرق بینهما: أنّ مثل الشیء عبارة عمّا یوافقه فی تمام الماهیّة ویكون الإمتیاز بینهما فی العوارض الخارجة عن الماهیّة، كالفردین المندرجین تحت ماهیة واحدة مثل زید وعمرو. ومثال الشیء عبارة عمّا یوافقاه فی بعض الوجوه لا فی ماهیته ولإجل تفاوت معناهما إنّه تعالى منزّه عن المثل لإنّه لامهیة له لكی یكون له شریك فیها ولوكان ذاته تعالى مهیة مجهول الكُنه أیضاً لیس له مثل أی شریك فی مهیته ولكنّه تعالى له الأمثال العلیا بل العالم أعنى؛ ما سواه تعالی کلّه مثاله وفی كل شیء له آیة بل لیس كلّ شیء إلّا آیته لا أنّه شیء فیه آیته[951].
المراد من قاعدة الإمکان الاشرف
والتعبیر بالإمكان الأشرف فی حكمة الإشراق وشرح ها والأسفار وقبسات السید، مع كمال فصاحته لیس على ما ینبغی، إذ الإمكان لا یوصف بالأشرف والأخس، إلّا أنّ یكون مرادهم بالإمكان هو الممكن. وهذه قاعدة شریفة عظیمة الجدوى، ومن فوائدها إثبات ارباب الأنواع، وقد استنبطها الشیخ الإشراقی من كلام المعلّم الأول[952].
المراد من هذه القاعدة: أن الممكن الأخس إذا وجد فیجب أن یكون الممكن الأشرف قد وجد قبله، لأنه لو وجد الممكن الأخس ولم یوجد الممكن الأشرف قبله، فلا یخلو إمّا أنّ لایصدر أصلاً لا عن مبدء المبادی ونور الأنوار ولا عن غیره ولا بواسطة وإمّا ان یصدر عن نور الأنوار بلا واسطة أو یصدر عنه بواسطة والواسطة إمّا أن یكون الممكن الأخس من هذا الأشرف أو یكون مسأویاً معه أو أشرف منه أو یصدر عن غیر نور الأنوار وهذه التوالی كلها باطلة والمقدّم مثلها، فیجب أن یكون الممكن الأشرف صادراً عن نور الأنوار قبل صدور الأخس ویكون صدور الأخس منه بواسطة صدور الأشرف منه وهو المطلوب.
أمّا بطلان التوالى: أمّا الأول منها أعنی؛ عدم صدور الأشرف اصلاً فلا یخلو أنّ عدم صدوره أمّا یكون لاجل امتناعه أو لاجل الإمساك عن افاضة وجوده أو لأجل ترجیح وجود الأخس على وجود الأشرف والكل محال (كما لا یخفى من له ادنی تأمل) فعدم وجوده محال.
الشقّ الثانی من التالى: أعنى؛ أن یكون الأشرف صادراً عن نور الأنوار بلا واسطة، فلایخلو إمّا أن یكون الأخسّ الصادر عنه بلأواسطة أیضاً أو یكون صدوره بواسطة الأشرف والأول محال للزوم صدور الكثیر عن الواحد عرضا والثانی هو المطلوب أعنى أن یكون الأشرف صادراً قبل وجود الأخس.
و الشقّ الثالث من التالی: أعنى؛ أن یكون الأشرف صادرا عن نورالأنوار بواسطة، فلا یخلو أیضاً إمّا أن یكون الواسطة هوالممكن الأخس أو یكون مسأویاً مع الأشرف أو یكون أشرف والأول محال لتعلیل وجود الأقوى أعنى؛ الأشرف بالأضعف أعنى؛ الأخس. والثانی أیضاً كالأول فی الإستحالة وذلك للزوم تعلیل وجود الشیء بما یساویه مع أن العقل یحكم بلزوم كون العلة أقوى من المعلول والثالث هو المطلوب لسبق وجود الأشرف وقبلیته قبلیتاً بالذّات على ما هو المدعی.
و الشقّ الرابع من التالی: أعنى؛ كون الأشرف عن غیر نور الأنوار وهو أیضاً محال للزوم كون مصدره أشرف عن مصدر الأخس مع أنّه لا فاعل للوجود إلا الله تعالى، فثبت بطلان التالی بجمیع شقوقه ومن بطلانه كذلك یلزم صدق الشرطیة المذكورة وهی قاعدة إمکان الأشرف وإذ لا أشرف من الواجب ولا من اقتضائه فمحال أن یتخلّف عن وجوده وجود الممكن الأشرف ویجب أن یكون الأشرف اقرب إلیه وأن تكون الوسائط بینه وبین الأخس هیالأشرف، فالأشرف من مراتب العلل والمعلولات من غیر أن یصدر عن الأخس الأشرف بل على العكس من ذلك إلى آخر المراتب[953].
كما قال الحكیم المتأله آیة الله حسن زاده الآملی:
وجود اندر نزول ودر صعودش دراینمعنیچهجایقیلوقالاست توانی نیز از امکان اشرف به إمکان أخس برعکس بالا لذا آن را که بینی در رقیقت نظر کن نشأت اینجا چگونه شنو در واقعه از حق تعالی اگر عارف بود مرد تمامی به باطن بنگرد از صقع ظاهر | بترتیباست در غیب وشهودش که طفره مطلقا امر محال است نمائی سیر از اقوی به اضعف نمائی سیر از اضعف به اقوى بیابی کاملش را در حقیقت و از آن نشأت همی باشد نمونه لقد علمتم النشأة الأولى تواند خود به هر حد ومقامی ز أول پی برد تا عمق آخــر[954]. |
الفرق بین التّجانس والتّماثل والتّسأوی والتّشابه والتّناسب والتّوازی
التجانس: هو وحدة شیئین أو أشیاء متعددة فی جنس واحد کوحدة الإنسان والفرس فی الحیوانیة.
التّماثل: هو الوحدة فی النوع كزید وعمرو مثلاً.
التّسأوی: فی الكم، كعدد ۲-۲ واتحاد السطحین فی المقدار.
التّشابة: فی الكیف، کا لأوان والأصوات.
التّناسب: فی النسبة، كنسبة زید إلى عمرو بالاخوّة.
التّوازی: فی الوضع،کاتحاد الخطین فی الموازات بینهما.
المراد من الحركة
الحركة فی العرف تطلق غالباً على الانتقال من مكان إلى مكان آخر والیه یرجع الحركة فی الوضع لتغیر مكان الأجزاء، لكن معناها المصطلح فی عرف الفلسفة اعمّ من ذلك، فیشمل الحركة فی الكیف والكم وغیرهما أیضاً. ولا یمكن تعریف هما بالحدّ المنطقى سواء اعتبرت مقولة كما ذهب الیه فی التلویحات، أو اعتبرت نحواً من الوجود كما اختاره صدرالمتألهین واتباعه وهو الحق، لعدم وجود الجنس والفصل لا للمقولات ولا للمفاهیم الوجودیة التی هی من المعقولات الثانیة الفلسفیة. ومع ذلك قد عرّفوا الحركة بتعارف شتّی:
١. الحركة خروج الشیء من القوّة إلى الفعل تدریجاً، أو یسیراً یسیراً، أو لا دفعة[955].
٢. الحركة كمال أول لما بالقوّة من جهة ما هو بالقوّة[956].
٣. الحركة خروج الشیء عن المساوات[957] ، ای بحیث لا یكون حاله فی آن مسأویة لحاله قبل ذلك الآن وبعده.
۴. الحركة عبارة عن الغیریة[958].
۵. الحركة كون الشیء بین المبدء والمنتهى، أو بین القوّة والفعل.
6. الحركة موافاة حدود بالقوّة على الاتصال، هذا أقرب التعاريف[959].
۷. الحركة هی التغیر التدریجی[960].
الحركة متعلقّة الوجود بامور ستة: الأول المبدء وهو الذی منه الحركة والثانی المنتهى وهو الذی إلیه الحركة، فالحركة تنتهی من جانب إلى قوة لا فعل معها تحقیقاً أو اعتباراً ومن جانب الى فعل لا قوّة معها تحقیقاً أو اعتباراً، والثالث المسافة التی فیها الحركة وهی المقولة والرابع الموضوع الذی له الحركة وهو المتحّرك والخامس الفاعل الذی به الحركة وهو المحرك. والسادس المقدار الذی تتقدّر به الحركة وهو الزمان. وعبّر عنها القوم: بالمتحّرك، والمحّرك، وما فیه الحركة، وما منه الحركة وما الیه الحركة والزمان.
و قد حكى عن بعض الفلاسفة شبهات حول وجود الحركة.
الأولى: لو كانت الحركة امتداداً واحداً غیر مركبّ من أجزاء دفعیة لما وقف انقسامها إلى النهایة، فكانت كلّ حركة مركّبة من حركات غیر متناهیة، وكان لكلّ واحدة منها امتداد لا محالة، فیلزم کون الحركة المتناهیة غیر متناهیة.
و قد اجیب عنها بأن أجزاء الحركة غیر موجودة بالفعل، ووجودها بالفعل رهن انقسامها بالفعل وتبدلّها إلى حركتین أو اكثر، وعندئذٍ تنعدم الحركة الواحدة، وهكذا فی كل جزء منها.
الثانیة: لوكانت الحركة غیر مركبة من السكونات والأجزاء الدفعیة لزم أن یكون المتحّرك فیكلّ آن غیر موجود فی نقطة من المسافة وإلّا كاناً ساكناً فیها، مع أنّه فی زمان الحركة لا یكون خارجاً عن النقاط المتوسطة بین المبدء والمنتهى، فیلزم التناقض وهذه الشبهة هی التی دعت بعض فلاسفة اُروبا (هیجل) إلى القول بوجود التناقض فی الأعیان وأن الحركة هی تناقض عینی؟.
و الجواب أنّه كما لا تنقسم الحركة الى أجزاء دفعیة كذلك لا تنقسم الزمان إلى الآنات ولا الخط إلى النقاط، وإنّما هی مفاهیم عدمیة تحكی عن نهایات تلك الامتدادات، ففرض النقطة فی الخط إنّما هو بفرض انقسامه إلى خطین فیسمّى منتهی احدهما ومبتدأ الآخر نقطة، وكذلك الآن بالنسبة إلى الزمان والطرف الآنی بالنسبة إلى الحركة.
إنّ الحركة، كما حقّقها صدر المتألهین: لیس من العوارض الخارجیة للأشیاء بل هی من العوارض التحلیلیة للوجود، فمن الموجود ما هو ثابت ومنه ما هو سیال، فكما أن الثبات لیس أمراً عارضاً للموجود الثابت كذلك الحركة والسیلان والتدرّج لیس أمراً عارضاً للموجود السیال، وإنّما العقل ینتزع من الأول مفهوم الثبّات ومن الثانی مفهوم السیلان والتدرّج والحركة، فلیس بازاء مفهوم الحركة فی الخارج إلّا نحو وجود الموجودات المتحرّكة. والوجود السیال وجود واحدٌ متصلٌ ممتدّ، لیس له أجزاء بالفعل ولا حدود متمیزة، وحدوث الحدّ والجزء بالفعل یسأوق انقطاع الحركة وانفصام الوحدة. لكن الانقسام بالقوّة لایقف إلى نهایة كما هو الشأن فی كل امتداد وبُعد، كالخط والسّطح والزّمان. فلا یلزم من صدق الحركة على الخارج كون الشیء بصرف النظر عن حمل الحركة علیها أمراً غیر تدریجی كما لا یلزم منه وجود کون آنی أو أکوان آنیة لنفس الحركة كما ربما یتوّهم.
و الفرق بین الحركة وسائر الكمالات: الحركة تفارق سائر الكمالات من حیث أنها لا حقیقة لها إلّا التوجه إلى الغیر والسلوك الیه، فلابدّ من مطلوب ممکن الحصول لیكون توجها الیه ومن أن لا یكون ذلك المطلوب حاصلاً بالفعل إذ لا توجّه بعد حصول المطلوب، فالحركة إنّما تكون حاصلة بالفعل إذا كان المطلوب حاصلاً بالقوة فهی كمال أول لما بالقوة اى للحصول إلى المطلوب الذی هو بعد بالقوّة.
المراد من الحركة فی الجوهر
إنّ الحركة فی الجوهر عبارة عن: كون المتحّرك فی الصورة الجوهریة فی كلّ آن متلبّساً بفرد منها مغایر لما كان متلبّساً به فی آن قبله وبعده مع انحفاظ وحدة تلك الصور بواسطة كونها درجات صورة واحدة ویكون خروجه عن درجة منها وانتقاله إلى درجة أخرى على سبیل الاتصال التدریجی الزمانی على وجه الانطباق بخلاف الكون والفساد، فانّ الخروج عن الصورة الفاسدة الكائنة یكون فیه فی الآن مع عدم انحفاظ جهة وحدة وجودیة بینهما.
ذهب صدر المتألهین: إلى وقوع الحركة فی مقولة الجوهر؛ واستدلّ علیه بامور أوضحها: أن وقوع الحركة فی مقولات الأربع العرضیة یقتضی بوقوعها فی مقولة الجوهر، لأن الأعراض تابعة للجوهر، مستندة إلیها استناد الفعل إلى فاعله، فالافعال الجسمانیه مستندة إلى الطبائع والصور النوعیة، وهی الأسباب القریبة لها، والسبب القریب للحركة أمر تدریجی کمثلها، فالطّبائع والصّور النوعیة فی الأجسام المتحرّكة فی الكم والكیف والأین والوضع، متغیرة سیالة الوجود کأعراضها، ولو لا ذلك لم یتحقق سبب لشیء من هذه الحركات.
و أورد علیه: إنّا ننقل الكلام إلى الطبیعة المتجددة، كیف صدرت عن المبدأ الثابت وهی متجددة؟
و أجیب عنه: بأنّ الحركة لمّا كانت فی جوهرها، فالتغیر والتجدد ذاتی لها والذاتی لا یعلّل، فالجاعل إنّما جعل المتجدّد لا اأنّه جعل المتجدّد متجدداً.
وقد صرّح فیالحكمة المتعالیة: كل شخص جسمانی یتبدل علیه هذه المشخّصات کلاً أو بعضاً كالزمان والكم والوضع والأین وغیرها، فتبدّلها تابع التبدل الوجود المستلزم إیاها بل عینه بوجه، فان وجود كل طبیعة جسمانیة یحمل علیه بالذات إنّه الجوهر المتصل المتكمم الوضعی المتحیز الزمانی لذاته، فتبدل المقادیر والألوان والأوضاع یوجب تبدل الوجود الشخصی الجوهری الجسمانی، وهذا هو الحركة فی الجوهر إذ وجود الجوهر جوهر كما أنّ وجود العرض، عرض[961].
إنّ كلّ جوهر جسمانی له طبیعة سیالة متجددة، وله أیضاً أمر ثابت مستمرّ باق نسبته الیها نسبة الروح إلى الجسد وهذا كما أن الروح الإنسانی لتجرده باق وطبیعة البدن أبداً فی التحلل والذوبان والسَیلان وإنّما هو متجدد الذات الباقیة بورود الأمثال على الاتّصال، والخلق لفی غفلة عن هذا بل هم فی لبس من خلق جدید، وكذلك حال الصور الطبیعیة للاشیاء، فأنّها متجددة، من حیث وجودها المادی الوضعی الزمانی ولها كون تدریجی غیر مستقر بالذات ومن حیث وجودها العقلی وصورتها المفارقة الأفلاطونیة باقیة ازلاً وابداً فی علم الله تعالى، ولست اقول إنّها باقیة ببقاء انفسها بل ببقاء الله تعالى لا بابقاء الله تعالى إیاها وبین المعنیین فرقان كما سیأتی لك تحقیقه فی موضعه، فالأول وجود دنیوی بائد داثر لا قرار له، والثانی وجود ثابت عند الله غیر داثر ولا زائل لاستحالة أن یزول شیء من الأشیاء عن علمه تعالى أو یتغیر علمه تعالی أن فی هذا لبلاغاً لقوم عابدین انتهى.
الشیخ شهاب الدین صاحب المطارحات: انكر الحركة الكمّیة فی النّمو والذبول وذهب إلى أن النّمو والذبول حركة مكانیة لا كمیة والمراد من النمو هو ازدیاد أقطار الثلاثة أعنی الطول والعرض والعمق من الاعضاء الاصلیة من الحیوان أعنی بها المتولدة من المنی كالعظم والعصب والرباط بانضیاف ما یرد علیها من خارجها والذبول نقصان أقطار الأعضاء الأصلیة بنقصان یرد علیها من الخارج والمراد من السمن هو إزدیاد أقطار الأجزاء المتولدة من الدم كاللحم والشحم بازدیاد ما یرد علیها والهزال نقصانها كذلك.
و استدل على نفی الحركة الكمیة فیالنمو والذبول بان النمو یحصل بتخلخل بعض الأجزاء الأولیة مقدارها باق بحاله وقد انضم إلیه مقدار الأجزاء الواردة فلیس هنا زیادة فی مقدار الجسم الواحد اصلا بل انضمام جسم ذی مقدار إلى جسم آخر مثله والذبول یحصل بتخلخل بعض الأجزاء عن الجسم وانفصاله عنه، فلیس فیه تنقص مقدار جسم واحد بل الأجزاء الباقیة على مقدارها وإنّما الفصل عنها جسم آخر له مقدار فلایخلو الأمر فیها عن حركة بعض الأجزاء إلىالخارج بالانفصال فهی بالذات حركة اینیة وبالعرض حركة كمیة.
ولا یخفى أن ما ذكره لو تمّ تدل على نفی الحركة الكمیة فی السّمن والهزال أیضاً لما عرفت من عدم الفرق بینهما وبین النمو والذبول إلّا بكون النمو والذبول بزیادة شیء علىالأجزاء الأصلیة أو نقصانه عنها والسمن والهزال زیادة الشیء على أجزاء الغیر الأصلیة أو نقصانه عنها.
و أورد علیه بأنّ الاجزاء الأصلیة فی النّمو یزید مقادیرها بدخول الأجزاء الزائد علیها فیمنافذها وتشبهها بها وصیرورتها شیئاً واحداً وفی الذّبول تنقص عما كانت علیه وانکار ذلك مكابرة.
الحركة من أیّ مقولة؟
لهم فی أنّ الحركة من اىّ مقولة أقوال:
١. قول المتقدم من صدر المتألهین من انّها لیست من المقولات بل هی نحو وجود السیالات أعنی؛ عالم الطبیعة بشراشرها.
۲. إنّها احدى المقولات بمعنى أنّها كالكم والكیف من الأجناس العالیة وهذا هو المحکی عن مطارحات الفخر الرازی حیث جعل المقولات فیها منحصرة فی خمسة: الجوهر والحركة والكم والكیف والاضافة.
٣. إنّ الحركة من حیث التحریك من مقولة أن یفعل ومن حیث التحرّك من مقولة أن ینفعل.
ولا یخفى أن كون التحریك من مقولة أن یفعل والتحرّك من مقولة أن ینفعل لا یوجب أن تكون الحركة أیضاً منهما.
۴. أنّ الحركة عرض وراء المقولات کالوحدة والنقطة والفصول البسیطة والوجودات الخاصة الإمكانیة والآن والإعتبارات العامة ومفهوم المشتقات والأعدام حیث أن شیئاً منها لیست من المقولات العشر ولم یقم دلیل على انحصار الموجودات الإمكانیه بالمقولات العشر بل الثابت انحصار اجناس الممكنات بالعشر وإلّا فمن الممكن وجود شیء خارج عن تحت هذه العشر المذكورات.
و قد أورد علیه فی الأسفار بأن الأعدام بما هی أعدام خارجة عن مقسم المقولات فإن كلامنا فی الأمور الوجودیة والأعدام من حیث العدم خارجة عنها ومن حیث ملكاتها وما یضاف الیها من الأمور الوجودیة كالعلم المضاف الیه العدم الذی یعبّر عنه بالجهل أعنی؛ عدم العلم على نحو العدم والملكة والبصر المضاف الیه العدم المعبّر عنه بالعمىٰ. وإن كانت أموراً وجودیاً لكنها ملحقة بالملكات بالعرض والمقسم هو ما یكون من الأمور الوجودیة بالذات.
و أمّا المشتقات والمركّبات فلأنّ الوحدة معتبرة فی تقسیم الممكن إلى هذه العشرة كما أن الوجود معتبر فیه وأمّا خروج نفس الوجود فلأن الكلام فی المهیات والوجود معتبر فیه وأمّا خروج نفس الوجود فلأن الكلام فی المهیات والوجود خارج عنها وأمّا الوحدة فهی عندنا نفس الوجود وأمّا النقطة فهی عدمیة وأمّا الحركة فهی نحو من الوجود وأمّا الفصول البسیطة فهی بالحقیقة عبارة عن الوجودات الخاصة للمهیات النوعیة وأمّا الشیئیة والممكنیة فهی من الأمور الإنتزاعیة من الأشیاء المخصوصة والأمور الإنتزاعیة تحصّلها بتحصل منشأ انتزاعها فهی لا تحصل لها إلّا بالخصوصیات.
وقال الحكیم السبزواری: وكان الحق عندى موافقاً لصدر المتألهین، فی النزاع الذی بینهم أنّ الحركة من أیة مقولة انّها نحو وجود السیالات بحیث إنّ الحركة ووجود الأمر السیال مسأوقان والوجود لیس من المقولات[962].
الفرق، بین الكون والفساد والحركة
الفرق بینهما فی الموجودات المتغیرة إن كان التغیر آنی ودفعی یسمّى بالكون والفساد وإن كان التغیر تدریجیاً وزمانیاً یسمّى بالحركة كما ذكرنا سابقاً[963].
الفرق بین الحركة التوسطیة والقطعیة
الحركة التوسطیة عبارة عن: كون الشیء بین المبدأ والمنتهى والحركة القطعیة عبارة عن أمر متصل متدرّج الوجود کالزّمان والحكماء قبل السید میر داماد یظنون إنّ الحركة الحقیقیة هی الحركة التوسطیة ولكنه اثبت أنّ المراد من الحركة الحقیقیة هی الحركة القطعیة[964].
المراد من وحدته تبارك وتعالى
وقد عدّ صدر المتألهین: أقسام الوحدات فی قوله فی مفاتیح الغیب حیث یقول: وحدته تعالى لیست وحدة عددیة شخصیة وإلّا لكان له مثل تعالى عن ذلك إذ كلما له وحدة الشخصیة فهو شخص من الأشخاص المتماثل بالنوع المتخالفة بالعوارض ولا وحدة نوعیة ولا جنسیة لإبهامهما وقبولهما للصدق علىكثیرین وإمتناع الواجب لذاته بذاته عنه، ولا وحدة إتصالیة كوحدة الجسم المتصل حیث إنّه واحد بنفس اتصاله الواحد وإلّا لزم إنقسامه تعالى عن ذلك[965].
ولا وحدة إجتماعیة كالعشرة مثلاً لإعتباریتها، ولا وحدة عرضیة لأنّه تعالى من نفسه واحد لاأنّه عرضه الوحدة، ولا وحدة بالموضوع وإلاّ لكان فی موضوع، ولا وحدة بالمحمول وإلاّ لكان له عارض زائد علیه مع أنّه صفاته تعالى عین ذاته لا زائد علیه. ولا وحدة بالمشابهة وإلّا لكان له شبه، ولا وحدة بالمساوات وإلّا لكان له کم وإنّما وحدته تعالى وحدة حقیقیة حقة صرفة لا یشوبه کثرة ولا یخالطه تعدد وهی وحدة حقیقیة الوجود الذی لا یشوبه العدم والقصور.
1. الوحدة الحقیقیة(کوحدته تعالى).
2. الوحدة النوعیة (كنوع الواحد).
3. الوحدة الجنسیة (كجنس الواحد).
أقسام الوحدات 4. الوحدة الإجتماعیة (كالعشرة).
5. الوحدة بالموضوع (كوحدة الشیئین فی الموضوع).
6. الوحدة بالمحمول (کوحدة الشیئین فی المحمول).
7 . الوحدة بالمشابهة (كوحدة الشیئین فی الكیف).
8. الوحدة العرضیة (كوحدة الماشی والضاحك).
الفرق بین الواحد والأحد
یقال: إنّ الله تبارك وتعالی واحد أی لیس له شریك وأحد أی لیس له أجزاء مطلقاً بل هو البسیط الذی لا یعتریه شائبة التركیب أصلاً باقسامه الأربعة: من الجنس والفصل، والمادّة والصورة العینیة فی المرّكبات الخارجیة، والمادّة والصورة الذهنیة كما فی أعراض والأجزاء الكمیة أی مقداریة.
استحالة التركیب فی ذات الله تعالى
والدلیل على استحالة التركبّ ما ذكره العلامة الآملی فی تعلیقته على المنظومة: لو كان الواجب تعالى مركّباً من الأجزاء، فإمّا یكون أجزائه واجبة أو ممكنة أو مختلفة والكل محال فكونه مركّباً من الأجزاء محال.
أمّا إستحالة الأول أعنی؛كون أجزائه واجبة فلوجوه:
الأول: أنّه متوقف على تعدّد الواجب الذی ثبت استحالته فواحدیته دلیل على احدیته بمعنى عدم تركبه من الأجزاء الواجبة.
الثانی: أنّه خلف بمعنى أنّه یلزم من فرض واجب واحد مرکبّ من أجزاء واجبة عدم وجود الواجب المركّب بل تعدد واجب الوجود الذی كلّ واحد منها بسیط أمّا تعدد الواجب، فواضح حیث أن المفروض كون الأجزاء المتعددة كلها واجبة وأمّا بساطة كلّ واحد منها، فلأنّه لایخلو أمّا یكون كلّ واحد منها بسیطاً أو یكون مركبّاً من أجزاء واجبة فبساطة كلّ واحد على الأول واضح فنقل الكلام إلى أجزاء الأجزاء فإمّا یكون واجبة بسیطة أو ینتهی إلى البسیط ضرورة لزوم انتهاء المركّب الیه كما لا یخفی وأمّا عدم تحقق المركب فلان الشرط فی تحقق المركّب الحقیقى هو التلازم بین أجزائها أمّا بالعلیة والمعلولیة أو بالاشتراك فی العلة الثالثة حتى یحصل من اجتماعها الكسر والإنكسار والفعل والانفعال، فیحصل المزاج ویحصل من تحصله المركّب الحقیقی وهذا فی الوجودات الواجبة على فرض تعدّدها ممتنع لكون كلّ واحد منها له الإمكان بالقیاس إلى الآخر والمصالحة الإتفاقیة لعدم كلّ واحد منها له الإمكان بالقیاس إلى الآخر والمصالحة الإتفاقیة لعدم كون واحد منها علة للآخر ولا معلولاً له وعدم المعلولیة لهما حتى یشتركان فی علة ثالثة فلا یحصل من اجتماعها المركّب الحقیقی وإنّما المحقق من اجتماعها نفس تلك الواجبات التی هی مستحیلة ببرهان التوحید.
الثالث: إنّه على فرض تحقق المركّب الحقیقى أیضاً یكون ذاك المركّب محتاجاً فی وجوده إلى تلك الأجزاء الواجبة والمحتاج إلى الغیر ممكن فلا یكون الواجب المركّب منها واجباً بل ممكناً محتاجاً الى واجبات متعددة وهو خلف.
و أمّا الثانی أعنى كون الأجزاء كلّها ممكنة فاالو جهین:
الأول: أن المركّب من الممكن محتاج الیه، فیكون ممکناً ومحتاجاً إلى الممكن، فیكون اسوء من الممكن المحتاج إلى الواجب.
الثانی: أن تلك الأجزاء الممكنة إمّا موجودة بالواجب المركّب منها أو بغیره وكلاهما محال للزوم الدور على الأول حیث أن الواجب المركّب منها یتوقف تحققه على تحققها والمفروض توقف تحقق الأجزاء علیه وعدم ما یتوقف علیه الأجزاء على الثانی لإستحالة أن تكون موقوفة على ممكن آخر للزوم الدور أو التسلسل وعدم واجب آخر حتى یكون هو الموقوف علیه.
و أمّا الثالث: أعنی؛ كون الأجزاء مختلفة فی الوجوب والإمكان فللزوم محذور كونها واجباً فی الواجب منها وممكناً فی الممكن منها.
أول ما صدر عنه تعالى
الدلیل العقلی
أنّ الممكن منحصر فیالجوهر والعرض، والجوهر منقسم إلى الجسم والهیولى والصورة والنفس والعقل، وشیء منها لا یصلح أن یكون هو الصادر الأول إلاّ العقل، أمّا العرض فلاحتیاجه فی ذاته فضلاً عن فعله إلى الموضوع، فیجب أن یكون متأخر الوجود عن موضوعه وهو ینافی تقدّمه علیه لو كان هو الصادر الأول.
و أمّا الجسم، فلتأخر عن أجزائه التی هو الهیولى والصورة فكیف یصح أن یكون هو الصادر الأول المتقدم على ما سواه من الممكنات مع أنّ المركّب متأخرالوجود عن أجزائه أمّا الهیولى فلإ فتقارها إلى الصورة لكون الصورة شریكة فیعلة وجودها مع أنّ الهیولى قابل محض ولیس فیها شائبة من الفاعلیة والصادر الأول یجب أن یكون واسطة فی وجود ما سواه من الممكنات.
و أمّا الصورة فلإحتیاجها فی تشخصها إلى الهیولى، وأمّا النفس فلإحتیاجها فی الفعل إلى البدن، فالممكن الموجود الذی لایحتاج إلى ما سواه من الممكنات لا ذاتاً ولا فعلاً وإنّما ینحصر احتیاجه إلى الواجب فقط وهو العقل وإذا كان فی الوجود صادر أول، یجب أن یكون هو العقل لكن قاعدة الواحد لا یصدر عنه إلّا الواحد اثبتت وجود الصادر الأول فیجب أن یكون هو العقل وهو المطلوب.
و أمّا الدلیل النقلى فكقوله:«أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْل».[966] وكقول أمیر المؤمنین على:«لمّا سئل عن العالم العُلْوی فقال:«صُوَرٌ عَارِیةٌ عَنِ الْمَوَادِّ، خَالِیةٌ عَنِ الْقُوَّةِ والِاسْتِعْدَادِ، تَجَلَّى لَهَا فَأَشْرَقَتْ، وطَالَعَهَا بِنُورِهِ فَتَلَأْلَأَتْ، وأَلْقَى فِی هُوِیتِهَا مِثَالَهُ فَأَظْهَرَ عَنْهَا أَفْعَالَهُ، وخَلَقَ الْإِنْسَانَ ذَا نَفْسٍ نَاطِقَةٍ، إِنْ زَكَّاهَا بِالْعِلْمِ والْعَمَلِ فَقَدْ شَابَهَتْ جَوَاهِرَ أَوَائِلِ عِلَلِهَا وإِذَا اعْتَدَلَ مِزَاجُهَا وفَارَقَتِ الْأَضْدَادَ فَقَدْ شَارَكَ بِهَا السَّبْعَ الشِّدَادَ»[967] .
وفی حدیث الأعرابی وحدیث كمیل عن أمیرالمؤمنین قال:«فی جواب قول السائل: مالعقل؟ العقل جوهر درّاك محیط بالأشیاء من جمیع جهاتها، عارف بالشیء قبل كونه فهو علّة الموجودات ونهایة المطالب»[968] .
أول ما افاد من العوالم
أول ما أفاض من العوالم عالم الجبروت أی عالم العقول مطلقا مع ما فیها من الترتیب من تقدم العقول الطولیة مطلقا على العقول المتكافئة العرضیة وما فیالعقول الطولیة من الترتیب من تقدّم العقل الأول علىالثانی والثانی على الثالث إلى أن ینتهی إلى آخر العقول الطولیة المتصلة إلى العقول العرضیة. ثم عالم الملكوت أی: عالم النفوس ثم عالم المثل المعلّقة وهو عالم المثال والخیال المنفصل أعنی؛ به عالم الصور المجرّدة عن المادّة المعبّر عنه بعالم الذر فی القوس النزولی وعالم البرزخ فی القوس الصعوى (بلسان الشرع) ثمّ عالم الملك والشهادة وهو المعبّر عنه بالناسوت مطلقاً من الصور والمواد مع ما فیها من الترتیب من تقدیم الصورة على الهیولى فآخر ما ینتهی الیه تنزل الوجود هو الهیولى ولذا تكون مرتبتها مرتبة صف النعال من الوجود، بها یختتم القوس النزولی كما أن منها یفتتح القوس الصعودی فیتصاعد إلى الصورة إلى عالم المثال إلى الملكوت إلى الجبروت إلى أن ینتهی إلى العقل الأول كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُون [969] . ویكون التنزّل من الأشرف إلى الأخس حتى ینتهی إلى الهیولى والتصاعد من الأخس إلىالأشرف حتى ینتهی إلىالعقل الأول.
المراد من الهیولى
الهیولى عند الإشراقیین ومن تبعهم نفس الجسم الذی هو أمر واحد لا ترکیب فیه عندهم بوجه من الوجوه، فمن حیث جوهریته یسمّی جسماً ومن حیث اضافته وقبوله للصور والمقادیر، یسمّى مادّة.
و عند المشاّئین ومن یحذو حذوهم جوهر أبسط یتقوّم بجوهر آخر یحلّ فیه یسمّى صورة یتحصل من تركیبهما جوهر وحدانی الحد قابل للمقادیر والأعراض والصور اللاحقة وهو الجسم فالجسم عندهم مركب فی حقیقته من الهیولى ومن الاتصال القابل للأبعاد الثلاثة (فالهیولى عندهم استعداد محض وعند غیر هم ذات وجهین قوة من وجه وفعل من وجه) وعند أصحاب ذیمقراطیس أجسام متعددة بسائط غیر قابلة للفصل.
و عند المتكلمین على تشعبّهم وتكثّرهم هو الجواهر الفردة التی یتقوم بها التألیف، فیحصل الجسم فالتألیف عندهم بمنزلة الصورة عند المشائین إلّا إنّه عرض لا یقوم بذاته بل بمحله والصورة جوهر یقوّم بذاته ویتقوّم به محله الذی هو الهیولى.
المراد من الدهر
الدهر وعاء الثابتات والمجردات وهو على قسمین: الدهر الأیمن والدهر الأیسر وكل واحد منهما أیضا ینقسم إلى الأعلى والأسفل؛ فالدهر الأمن الأعلى وعاء العقول الكلیة من الطولیة والطبقة المتكافئة العرضیة والأیمن الأسفل؛ وعاء النفوس الكلیة الفلكیة والأیسر الأعلى وعاء المثل المعلّقة النوریة والأیسر الأسفل وعاء الطباع الكلیة من حیث إنتسابها إلى مبادیها العالیة التی بتلك الجهة تكون ثابتات ولعل المحقق الداماد یشیر إلى الأخیر أى: الأیسر الأسفل حیث یقول الدهر هو وعاء نسبة المتغیر إلى الثابت لأنّه اصطلح بأنّ نسبة المتغیر إلى المتغیر زمان ونسبة المتغیر إلى الثابت دهر ونسبة الثابت إلىالثابت سرمد[970].
توضیح بعض الإصطلاحات
السرمّد: ما لا بدایة ولا نهایة لوجوده أعنی؛ مجموع معنى الأزل والأبد وهو عبارة عن عالم الحق وأسمائه وصفاته.
اللاهوت: وهو المرتبة الواحدیة المعبّر عنها بالوجود الجامع لجمیع الأسماء الحسنى والصفات العلیا الملزومة للأعیان الثابتة لزوماً غیر متأخّر عن الوجود بل على وجه لو فرض أن یكون له ماهیة لكانت الأعیان الثابتات بالقیاس إلى ماهیته من قبیل لوازم الماهیّة لا لوازم الوجود.
الجبروت: وهو عالم العقول الكلیة والدهر الأیمن الأعلى ویسمّى بالجبروت لجبره نواقص مادونه لأنّ العقول مرتبة كمال مادونها كما فی كلّ علة بالقیاس إلى معلولها.
الملكوت: وهو ینقسم إلى الأعلى وهو عالم النفوس الكلیة الذی كان الدهر الأیمن الأسفل فی أقسام الأربعة من الدهر والى الملكوت الأسفل وهو عالم المثل المعلقة والدهر الأیسر الأعلى، كما ذكرنا سابقاً.
الناسوت: وهو عالم الشهادة من السماء والأرض والسمائی والأرضی.
الواجب بالذات: هو كون الشیء ضرورى الوجود فی نفسه بنفسه کواجب تعالى.
الواجب بالغیر: كون الشیء ضرورى الوجود فی نفسه باعطاء الغیر إیاه الوجود کالمعلول بالنسبة إلىالعلّة التامة.
الإمتناع بالذات: هو كون الشیء ضروری العدم فی نفسه بنفسه كشریك الباری.
الإمتناع بالغیر: هو كون الشیء ضروری العدم فی نفسه لا بنفسه بل من ناحیة عدم علة وجوده كالمعلول بالنسبة إلى عدم علّته.
الوجوب بالقیاس إلى الغیر: هو ضرورة تحقق الشیء بالنظر إلى وجود الغیر یعنی: إذا كان الغیر موجوداً لابدّ من أن یكون هذا الشیء موجوداً سواء كان ذاك الغیر مقتضیاً لوجود هذا الشیء كما فی العلّة والمعلول فالمعلول ضرورى الوجود بالقیاس إلى علته ضرورة ناشیة من اقتضاء العلة وجوده أو كان من جهة احتیاج ذاك الغیر إلیه احتیاجاً ذاتیة بحیث لو لا ذاك الشیء لم یكن ذاك الغیر موجوداً كما فی المعلول والعلة فالعلة ضرورى الوجود بالقیاس إلى معلولها ضرورة ناشیة من حاجة المعلول إلیها حاجة ذاتیه وکالمتضایفان بإعتبار وجودهما وعدمهما وبإعتبار وجود احدهما وعدم الآخر مثال للممتنع بالقیاس إلى الغیر.
إلى هنا إنتهى الكتاب فی المباحث الفلسفیة، وأسأل الله تعالى أن یجعله خطوة متواضعة فی طریق خدمة أرباب العلم والفضل ویجعله خالصاً لوجهه الكریم وینفعنى به فی یوْمَ لا ینْفَعُ مالٌ ولا بَنُون إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلیم[971].
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وقد وقع الفراغ من تألیفه فی الیوم الحادی عشر من شهر رمضان المبارك من شهور سنة ألف وأربع مائة وثلاث وعشرین قمریة هجریة المطابق مع ۲۵ / ۸ / ۱۳۸۱ الشمسیة فیجوار كریمة أهلالبیت فاطمة المعصومة فی الحوزة العلمیة قم المقدسة.
فهرس المصادر
* القرآن الکریم
* نهج البلاغة
- الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر بحوث فقهیّة، حسین النوری الهمدانی، قم، مهدی موعود، 1434ق.
- الاجتهاد والتقلید، رضا الصدر، قم، دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم، 1420ق.
- الاجتهاد والتّقلید، هاشم الآملی، قم، دفتر نشرنوید اسلام، 1388ش.
- أجود التقریرات، تقریرات لمیرزا محمّد حسین النائینی الغروی، المقرر: السّید أبو القاسم الخوئی، قم، نشرالعرفان، 1352ش.
- الإحكام فی أصول الأحكام، علی بن محمّد الآمدی أبو الحسن، المحقق: السید الجمیلی.
- الآراء الفقهیة، هادی النّجفی، أصفهان، قم، مهر قیم.
- إرشاد العقول إلى مباحث الأصول لجعفر السبحانی التبریزى، المقرر: محمد حسین الحاج العاملى، قم، موسسة الامام الصادق، 1424ق.
- إرشاد القلوب إلی الصواب، حسن إبن محمد الدّیلمی، قم، شریف الرضّی، 1412ق.
- اصطلاحات الأصول، میرزا علی المشکینی، قم، نشر الهادی، 1374ش.
- الأصول الاستنباط، قاموس القرآن، السید علی الحیدری، شورای مدیریت حوزه علمیه قم، 1412ق.
- أصول الحدیث وأحکامه، جعفر السبحانی التبریزی، قم، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدسة، 1412ق.
- أصول السرخسی، محمّد بن أبی سهل السرخسی، بیروت، دارالکتب العلمیه، 1414ق.
- الأصول العامة فی الفقه المقارن، محمّد تقى بن محمّد سعید حكیم، قم، مجمع جهانی اهل بیت، 1418ق.
- أصول الفقه (تعلیقه زارعى)، محمّد رضا المظفر، قم، مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، 1387ش.
- أصول الفقه، محمد رضا المظفّر، قم، انتشارات اسماعلیان، 1374ش.
- أصول الکافی، محمّد بن یعقوب الکلینی، المصحح: علی اکبر الغفاری، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1407ق.
- الأصول فی علم الأصول، على الایروانى، قم، دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم، 1422ق.
- إفاضة العوائد، السید محمّد رضا الگلبایگانی، قم، دارالقرآن الکریم ،1410ق.
- الإشارات والتنبیهات، حسین بن عبد الله إبن سینا، قم، مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، ۱۳۸۱ ش.
- ألالهیات من کتاب الشفاء، حسین بن عبدالله إبن سینا، قم، مرکز النشر التابع لمکتب الأعلام الإسلامی، 1418ق.
- الأمالی، محمّد بن علی الصدوق، طهران، کتابچی.
- أنوار الأصول، ناصر مكارم الشیرازى، قم، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب ، 1428 ق.
- أنوارالفقاهه، ناصر مکارم الشیرازی، قم، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب ، 1425ق.
- إیضاح الفوائد فی شرح مشكلات القواعد، محمّد بن الحسن بن یوسف الحلّى فخر المحققین، تهران، مؤسسه اسماعیلیان، 1387ش.
- الآراء المنطقیة، علی بن محمّد رضا کاشفالغطاء، بیروت،موسسة النعمان.
- بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسی، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، 1403ق.
- البحر الفوائد، میرزا محمّد حسن الآشتیانی، قم، مکتبه أیةالله مرعشی، 1403ق.
- بحوث فی علم الأصول للسید محمّد الباقر الصدر، المقرر: السید محمود الهاشمى الشاهرودى، قم، مؤسسة دائرة المعارف فقه اسلامی علی مذهب اهل بیت ، 1417ق.
- بدایة المجتهد ونهایة المقتصد، محمّد بن أحمد أبو الولید، القاهرة، دار الحدیث، 1425ق.
- بدایة الوصول فی شرح كفایة الأصول، محمّد طاهر آل شیخ الراضى، قم، دار الهدی، 1426 ق.
- تاج العروس من جواهر القاموس، السید محمّد مرتضی الحسینی واسطی الزبیدی، مصحح: علی الشیری، بیروت، دار الفکر للطباعة والنشر، 1414ق.
- تاج اللغة صحاح العربیة، إسماعیل بن حماد الجوهری، المصحح: عبد الغفور عطار، بیروت، دار العلم للملائین، 1410ق.
- تبصرة المتعلمین فی أحکام الدّین، حسن بن یوسف بن مطهر العلامة الحلی، طهران، مؤسسة چاپ ونشر وابسته به وزارت فرهنگ وارشاد اسلامی، 1411ق.
- تحریر الأحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة، حسن بن یوسف بن مطهر العلامة الحلی، قم، مؤسسة الامام الصادق ، 1420.
- تحریر المجله، محمّد بن حسین کاشف الغطا النجفی، النجف الاشرف، نشر المکتبة المرتضویة، 1359ق.
- تحریرات الأصول، السید مصطفی الخمینی، طهران، مؤسسة نشر مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی(ره)، 1418ق.
- تحریرالوسیلة، السید روح الله الموسوی الخمینی، طهران، مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی(ره)،1392ش.
- التحصیل، إبن مرزبان البهمنیار، دانشگاه طهران، مؤسسة انتشارات وچاپ، ۱۳۷۵ش.
- التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، حسن المصطفوی، طهران، ترجمه والنشر، 1402ق.
- تذکرة الفقهاء، حسن بن یوسف بن مطهر العلامة الحلی، المصحح: مؤسسة آل البیت، قم، مؤسسة آل البیت.
- تسع رسائل فی الحکمة والطبیعیات، حسین بن عبدالله إبن سینا، الناشر، قاهرة، دار العرب، 1326ق.
- تصنیف غرر الحكم و درر الكلم، عبد الواحد التمیمى الآمدى، قم، دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم، 1366ش.
- تعالیق مبسوطة على العروة الوثقى، الشیخ محمّد اسحاق الفیاض، قم، انتشارات محلاتى
التعلیقات علی شرح اللمعة الدمشقیة، محمّد بن الحسین الخوانساری، قم، نشر المدرسة الرضویة، 1364ش.
- التّعلیقة علی التّحریر الوسیله، محمّد علی العلوی الجرجانی، طهران، مؤسسۀ تنظیم ونشر آثار الأمام الخمینی(ره)، 1394ش.
- التعلیقة علی العروة الوثقی، السید محمّد کاظم الیزدی، المحشی: حس